بعد إن سكنت الانفاس ، واستقرت الانفعالات ، وبرد الحماس عند الكثير من الناس في حادثة الكرادة المؤلمة ، صاحب كل تلك الفترة عدة هتافات وخطابات من قبل الكثير من الناس ، لشدة فجعهم وألمهم لعظم المصاب ، وهو فعلا كذلك .
فقام كل شخص يعبر عما بداخله وما يجول في قلبه لشدة ألمه لما حصل ، فبعض قال يجب إعدام الإرهابيين ، وبعض قال إن السبب من الفاسدين ، والعض الاخر اعزى السبب لأجهزة كشف المتفجرات الفاشلة ، وغيرها من الامور .
وكل واحدة لها نصيب مما حدث مع تفاوت بين واحدة وأخرى .
إلا ان هناك هتاف لفت سمعي كثيرا ، لسببين مهمين ، الاول عدم امكانية تحقيقة بسهولة ، والاخر هو تكليف من لا علاقة له بهكذا امر إطلاقا ، وهو (المطالبة من المرجعية بإعلان الثورة ضد السياسيين) !
اخوتي الاعزاء ، صحيح ان العراق كان هو صاحب أول انقلاب عسكري في العالم العربي، بقيادة الفريق بكر صدقي عام 1936 في زمن الملك غازي، الذي أطاح حكومة ياسين الهاشمي في حينها، لكن المؤامرات السياسية لم تمهله كثيرا فاغتيل صدقي بعد عام واحد من ذلك الانقلاب، وصحيح إن العراقيين أصحاب قوة وشهامة يشهد لها العدو والصديق ، لكن هذه القوة والكثرة لا تنفع دائما ، ولا تكون هي العلاج في كل وقت ايضا ، ولكم في سيرة رسول الله أسوة حسنة إن كنتم تريدون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة نهائية وصحيحة ، فهذا القرآن الكريم يشهد بخسارة المسلمين في احد [ويوبخهم بعجبهم بكثرتهم .
ولذى لنرجع لمصطلح الثورة وما تحمله من جوانب ولنرى بعض جوانبها وما هو تأثيرها في الواقع العراقي الان .
وهنا أبدأ في سؤال لنا جميعا : هل الثورة شيء بسيط ويسير ، وحالها كحال أي كلمة أخرى ؟ هل الثورة يمكن إحداثها وتطبيقها في كل وقت ؟ وإن حصلت الثورة ، وأطلقتها المرجعية ، فكم هي استجابة الناس لها يا ترى ؟
البعض يقول المرجعية ماضية في ذلك فلا تعرقلوها ،فنقول : ومتى أخذت المرجعية بكلام عواطف عامة الناس وبأهوائهم ، فإن فعلت ذلك فهي ليست بمرجعية حقيقية ، لأنها تقدم عواطف الناس ورغباتهم وتذهب بدمائهم بمجرد التأثر في تفجير ما .
الشيء الاخر ، هل فكر من يطالب بدعوة المرجعية الى اعلان ثورة ، ردة فعل انصار الساسيين والاحزاب ؟ وماذا يمكن ان يفعلوا ان حصلت فعلا ؟
هل يا ترى يبقوا صامتين لا يحركون ساكنا، ولا يقومون باستغلال أي كلمة تصدر من المرجعية ؟
الم نتذكر كيف استغل السياسيون كلمة المرجعية عندما قالت للشعب (غيروا الوجوه الفاسدة) بان كل حزب يقول ليس انا المقصود ، وإنما الطرف الأخر من تقصده المرجعية ؟
مع انه حتى الأعمى في البحار يرى فساد الحكومات السابقة ويعرف مصدرها .
في الأمس القريب وعندما وجه الحزب الحاكم رسالة استشارة للمرجعية الدينية في مسألة تجديد الولاية لدورة ثالثة من عدمها ، وعندما أجابتهم على سؤالهم ، خرج الكثير من الناس يطالبون بإرجاعه الى الحكم ، وعبروا عن الأمر بعملية انقلاب وغير شرعية وغير صحيحة ، وما زالوا يحملون المرجعية مسؤولية تنصيب العبادي للحكومة ! مع ان المرجعية لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بهذا الامر ، سوى انها قالت (الأفضل ان تغيروا) ولم تذكر او تقترح او ترشح أي اسم آخر او بديل عن الذي كان موجود ، إنما كان التغيير بيد الحزب الحاكم حاليا والذي يستمر منذ 12 سنة !
الامر الاخر والمهم ، هل ستنجح الثورة ؟ وعلى من نثور يا ترى ؟ إن كانت الثورة ضد الحزب الحاكم فسيقول لك إني أمثل أكثر من 80 مقعدا في البرلمان ، وكلهم جاءوا من خلال صناديق الاقتراع وانتم صوتم لنا ، فما حدى مما بدى الان ؟
هذا الكلام يعطي الحكومة الحق في ان تقمع أي ثورة قد تطيح بهم بشكل رسمي وأكيد ، ولنا في تظاهرات الناصرية قبل سنتين تقريبا مثال واضح ، عندما قام محافظ الناصرية بقمع التظاهرات وصد المتظاهرين وضربهم بكل قوة !
أما متى ستنجح الثورة ، وكيف ؟ فهذا يعتمد على الناس لا على المرجعية ، لان المرجعية لا يمكن لها ان تقيم انقلابا عسكريا او مدنيا في العراق لان هذا محال ، بسبب ان المرجعية عملها في المقام الاول هداية الناس وإصلاح النفوس ، فإن قلتم لنا في ايران اسوة حسنة ، فايران ليست كالعراق ، العراق سقط صدام من خلا الاحتلال الامريكي ، وايران كان سقوط الشاه بيد السيد الخميني ، وايران نسبة الشيعة فيها 95 % على عكس العراق فإن هناك شركاء لنا في الارض والوطن شأنا أم ابينا ذلك ، لا يمكن أن يقبلوا بأن يقوم الحكم بيد المرجعية لوحدها وبيد الشيعة بصورة عامة ، وان نفرض عليهم كما هو في ايران ، فلا يتوقع احد ان العالم سيسكت ،وان أمريكا ستسكت ، وان الخليج سيسكت ، وايران ستسكت ، فكل يريد مصلحه وغايته ،لان الثورة ان قامت بها المرجعية وسيطرت على الحكم ، فسيكون على خلاف مع ولاية الفقيه ، وايران تتمنى ان تجعل كل العالم تحت ولاية الفقيه (وانا لست بصدد ان اهدافهم هذه حقة ام لا ، لكننا نذكر الواقع السياسي التي تعيشه ايران كدولة كبرى لها تأثيرها في المنطقة ، ومن ينكر ذلك فاليراجع ) مهما حصل للعراق ، حتى ولو استدعى الامر الى ارسال قوات التحالف الى العراق مرة أخرى بمعية السعودية وقطر ، بحجة إعادة الشرعية للحكومة ، كما حصل ويحصل الان في اليمن ، فلا نكن اداوات بسيطة نستخدم من قبل حفنة من السياسيين ونطبق ما يخططون له باستمرار .
أما متى تنجح الثورة بمفهومها العام ؟ فأعتقد انها ستنجح إن كان اغلب الشعب من المستقلين وليسوا متحزبين ، التحزب للاشخاص وموالاتهم لاحزابهم هو من يعيق تحقيق هكذا ثورة ، لأنك ستثور على ابنك وصديقك وجارك وعمك وحتى زوجتك ، لان اغلبنا لديه توجهات حزبية تميل لجهة ما ، أي ستكون حربا اهلية يحرق فيها الأخضر واليابس بكل سهولة .
أما لو كانت الناس تتبع الاستقلالية في توجهاتها السياسية ويكون المعيار في اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب ايام الانتخابات ، وان لا تأثر الاموال وقطع الاراضي على بعض الناس من اجل انتخاب حزب ما ، فستكون نسبة نجاح الثورة كبيرة ، مقارنة مع وضعنا الحالي .
أما الان وقد اشتعلت بنا نار الثأر والثورة على الفاسدين ، ما هي الطريقة المثلى لاسترداد الحقوق المغصوبة من السياسيين ؟
اعتقد ان افضل وسيلة في الوقت الحاضر هي المطالبة بنزاهة القضاء وتفعيل دوره بشكل كبير ، كما يتم تفعيل هيئة النزاهة وايقاضها من سباتها العميق العتيق ، وفتح الكثير من ملفات الفساد التي اخذت عليها الرشاوى بمئات الملايين من الدولارات . والتي طالبت المرجعية بهذين الركنين حتى بح صوتها .
فإن لم يحدث هذا الامر ولم تستجب الحكومة فحلنا يكمن في صناديق الاقتراع ، الصناديق التي لا يمكن لأي شخص ان يقف بطريقها ، لا السارق ولا المعادي ولا الحاقد ، ولا دول الجوار ولا الاستكبار ولا غيرها .
لكن بشرط ان يكون الاختيار ضمن المصالح العامة لا الشخصية والحزبية الضيقة ، وكلامي هذا قد يوافق عليه اكثر الناس ، لكن اخشى ان تتغير قناعاتهم بين ليلة وضحاها ، ويتحول الفاسد الى شريف ، والمجرم الى نزيه ، من خلال خدعة يقوم بها بعض السياسيين ، الذين يعرفون متى وكيف يفعلون هكذا امور ، كما ذكرت سابقا وأكررها مرة أخرى ، ان الأحزاب السياسية والسياسيين ليسوا بأغبياء ، بل لديهم الحيل التي يبثونها في الوقت المناسب ، لذى نقول ان الالتزام بتوجيهات المرجعية ضرورة لا محيص منها ، لان المرجعية هي الوحيدة القادرة على فهم مخططاتهم ومعرفة كيفية التصدي لها ، على عكسنا نحن أكثرية الشعب بحكم عدم الخبرة ، وغيرها من الأسباب .
في النهاية ، ان النداء بإقامة ثورة على السياسيين من قبل المرجعية هي دعوة بعيدة عن الإنصاف ، ومخاطرها أكثر من نفعها ، فإن فشلت الثورة ولم تحقق ما تصبوا اليه ، فيقينا سينادي الكثير من الناس ، ان السبب في إعلان الثورة وعدم نجاحها هي المرجعية ، ويحملونها مسؤولية الدماء التي سالت والأرواح التي زهقت ، والأموال التي نهبت ، والممتلكات التي اغتصبت ، في حين انها استجابت لما تدعون اليه من خلال العاطفة لا أكثر ، فأنا احمد الله على انها لا تستجيب لنا ، لان قناعاتنا وآرائنا لا نهاية لها وهذا أمر طبيعي بسبب اختلاف الأفكار بين شخص وآخر ، لذى فالمرجعية تضع المصلحة العامة اعلى من كل المصالح الأخرى .
|