مع ظهور أحداث العصر وفجائعه والتي بدأت تترى المصيبة تلو الأخرى بدا طلب الناس وانتظارهم للفرج والإصلاح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى وأخذت الأعناق تشرأب نحو ذلك المصلح الذي تكلمت عنه الأديان والكتب والأحاديث وإن كان هناك اختلاف من هو ذلك المصلح ومتى يولد ومتى سيظهر إلا أنه هناك تسليم بظهوره ، وأكثر تلك الكتب والأحاديث تقول أنه من ذرية محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) يواطئ اسمه اسمه وكنيته كنيته ، يقول ( صلوات الله عليه)( لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)(1).
ويعلق الترمذي على الحديث ليقول (( حديث حسن صحيح)) ، وقد تضافرت الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة في حتمية ظهوره وفضله ( عجّل الله فرجه الشريف) نذكر نزرا يسيرا منها:-
فعن القاسم بن أبي بزّة ، عن أبي الطفيل ، عن علي ( رضي الله تعالى عنه ) عن النبي ( صلى الله عليه وسلم) قال ( لو لم يبقى من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا)(2).
وقال حدثنا ياسين عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن علي ؛ قال : قال رسول الله ( عليه السلام)( المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة )(3).
وأما الآيات الواردة في شأنه (عج) فهي كثيرة أيضا نذكر بعض منها باختصار:-
1- قوله تعالى ( الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)(4).
(روي عن حذيفة بن اليمان أنه دخل على النبي (ص) وقد نزلت عليه الآية فسأله من هؤلاء فعدهم عليه حتى وصل إلى ( وحسن أولئك رفيقا) فقال المهدي في زمانه )(5).
وفي آية أخرى يقول الله تعالى ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به بعد موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا)(6). ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام) (قال: إن عيسى (عليه السلام) ينزل قبل القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة ، يهودي ولا غيره ، إلا أمنوا به أي ( المهدي) قبل موتهم ويصلي عيسى خلف المهدي (ع)(7).
وفي آية (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(8).
روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام)( أن هذه الآية مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ويبيد الجبابرة والفراعنة ، ويملك الأرض شرقا وغربا ، فيملأها عدلا كما ملئت جورا)(9).
وبعد هذا الاستعراض السريع لحتمية ظهوره (عج) والشواهد المؤكدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ينبغي معرفة ما هو دوره بعد ظهوره نحو الأمة وما الذي سيقوم به والجواب يتضح من خلال الروايات التي تقول أنه يملأ الأرض قسطا وعدلا ، ومن أدواره الأساسية أيضا العدل و(الإصلاح) في الأمة ، وأكيد الإصلاح سيكون على جميع الأصعدة وفي كل الجوانب :-
1- الإصلاح الديني :-
ويكون ذك من خلال تثبيت أمر الله تعالى في الأرض من جديد وإعماره وإظهار دين الحق ويميت كل ما خالف ذلك من البدع والخرافات والباطل وإعادة نشر الإسلام في ربوع الأرض ويبسطه ويكون عليه السلام هو السلطان ويحكم بما أنزل الله ، فعن رفاعة بن موسى ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : ( وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها)(10) ، قال أذا قام القائم (ع) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)(11).
ويظهر أثر ذلك على الأرض من بسط العدل وذهاب الجور واضمحلال الكفر وأهله وظهور أمر الله على يده سلام الله عليه.
2- الإصلاح الاقتصادي :-
المتسبب في العوز الاقتصادي هم أهل الجور والظلم الذين لا يعدلون بين الناس ولاسيما في الجانب المادي فإذا ذهب هؤلاء وانتهوا في عصر الإمام الحجة (عليه السلام) انتعش الاقتصاد بفضل عدله (ع) بين الرعية لذلك يختلف الوضع الاقتصادي في دولته ليكون للأفضل بكثير لدرجة لم يسبق لها مثيل في أي عصر من العصور ، كما يروى بان رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال ( يكون في آخر أمتي خليفة يحثوا المال حثوا لا يعده عدا)(12).
فيرمي ويصب المال صبا بغير عدّ بسبب حياة الرفاهية التي يعيشها الإنسان في عصره صلوات الله عليه.
ويروى عن رسول الله (ص) أنه قال ( أبشروا بالمهدي ... (13) ويقسم المال بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد (ص) غنى ، ويسعهم عدله ، حتى أنه يأمر مناديا ينادي من له حاجة إلي )( 14).
3- الإصلاح الاجتماعي :-
تتبدل حياة الناس ويتغير الوضع الاجتماعي في عصر الإمام (ع) تغير تام فتتحول الحياة إلى الأفضل والأحسن من رعب وخوف إلى أمن واستقرار ومن مجاعات وأمراض إلى حياة صحيحة صحية في كل الجوانب ، فتنتهي النواقص والمحرومية وإهدار الكرامة والمصائب والمشاكل ليحل محلها ما يمثل عكسها في ذلك العصر وكل ذلك يكون في دولته (ع) ببركة نهضته فيتم حل كل ما يعاني منه الناس اليوم من أزمة سكن وبطالة وفاقة مالية حتى أن جميع طبقات الشعب يعيشون حالة النشاط والعمل والثروة وعلى المستوى الشخصي والنفسي يكون المؤمن أخو المؤمن لا يبغضه ولا يحسده ويتصافى كل من في الأرض ، يقول الأمير ( عليه السلام)( لو قد قام قائمنا .. ، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم)(15).
4- الإصلاح السياسي:-
السياسة كما هي بقية الأمور في حياة المجتمع ( الاجتماع – الثقافة – التربية – الاقتصاد..الخ) تتغير أيضا قي عهد الإمام (عجل الله فرجه الشريف) فتنقشع كل دول الظلم والجور وتكون دولته هي الوحيدة وحكومته هي الوحيدة على وجه الأرض ليتم تطبيق العدل السياسي بحذافيره على كل البشر فلا يظلم أحد في دولته المباركة بأي نوع من أنواع الظلم.
ويؤسس لدولته الفتية عاصمة وهي الكوفة ويحكم بين الناس كقائد لهم بالعدل ويحكم بحكم جده ( صلوات الله عليه) حتى أنه يقوم ببعض (الهدن مع بعض الدول الغربية ويقود معارك عسكرية فيفتح القسطنطينية ورومية وبلاد الصين)(16).
وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام)( بأن الروم تسلم على يده فيبني لهم مسجدا ويستخلف عليهم رجلا من أصحابه (17).
هذا شيء يسير من تحرك الإمام ودوره الإصلاحي بعد ظهوره ، فما هو دورنا نحن وواجبنا قبل الظهور وبعده؟
يقع على عاتق المؤمنين وجوب الاستعداد الروحي والمعنوي لاستقبال الإمام ونصرته في كل عصر ولاسيما في العصر المتوقع فيه قرب ظهوره ويتضح ذلك من خلال العلامات التي حددها أهل البيت (ع) لقرب ظهوره ، فيجب إظهار الجاهزية لنصرته (ع) وذلك يكون بالدعاء له بتعجيل فرجه والإعداد للروح والنفس لتكون لديها القابلية لنصرته والجهاد تحت رايته ولوائه المقدس لما في نصرته نصر لله تعالى ولدينه ولرسوله ولشريعته ، بل يجب الإسراع والمبادرة إلى ذلك لما فيه من الفضل العظيم حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ( إذا رأيتم الرايات السود من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي)(18).
ولهذا كان انتظار الفرج من أفضل العبادات ، قال رسول الله (صلوات الله عليه)( أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله)(19).
فيجب علينا أن ننتظر هذا الإمام الهمام الانتظار الحقيقي الذي يجسد فينا الإسلام الأصيل الذي يريده منا هو أي كما يريده الله ورسوله وأهل بيته الطاهرين بأعمالنا الصالحة التي ترضيهم عنا وأن نكون خير من يمثلهم من خلال سلوكنا وأخلاقنا المرضية لكي يستجاب لنا عندما ندعو له بالفرج (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا)
1- الترمذي ، أبو عيسى محمد بن عيسى – الجامع الصحيح ( سنن الترمذي) ج4 ص 438- ط\1 ، 1408هـ \ 1987م – دار الكتب العلمية – بيروت \ لبنان.
2- الازدي السجستاني ، أبو داوُد سليمان بن الأشعث – سنن أبي داوُد ج4 ص 107 ، ت\ محمد محي الدين عبد الحميد – المكتبة العصرية – بيروت\ لبنان.
3- القزويني ، أبو عبد الله محمد بن يزيد – سنن ابن ماجة ص 699 – ط\ 1 ، 1421هـ \ 2000م – دار إحياء التراث العربي – بيروت \ لبنان.
4- سورة النساء : آية 69
5- المهدي (عج) في الكتاب والسنة لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي ، ص 28 ، نقلا عن شواهد التنزيل.
6- سورة النساء : آية 159
7- المالكي ( ابن الصباغ) ،علي بن محمد بن أحمد – الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة عليهم السلام ، ص 295 – ط\ 1، 1408هـ ، 1988م – مؤسسة الاعلمي للمطبوعات – بيروت \ لبنان.
8- سورة القصص : آية 5
9- البحراني ، السيد هاشم – البرهان في تفسير القرآن ، ج 6 ص 58 – ط\ 2 ، 1427هـ ، 2006م – مؤسسة الاعلمي للمطبوعات – بيروت\ لبنان.
10- سورة آل عمران : آية 83
11- العياشي ، أبو النصر محمد بن مسعود ابن عيّاش – تفسير العياشي ، ج1 ص 207 – ط\ 1 ، 1411هـ - 1991م – مؤسسة الاعلمي للمطبوعات – بيروت \ لبنان.
12- الفصول المهمة ، ص 293
13- هكذا في الأصل ( فراغ).
14- القزويني ، السيد محمد كاظم – الإمام المهدي من المهد وحتى الظهور ، ص 495 – ط\ 1 ، 1415هـ ، 1995م – مؤسسة النور للمطبوعات - بيروت\لبنان.
15- المجلسي ، العلامة الشيخ محمد باقر – بحار الأنوار ، ج 52 ص 316- ط\ 3 ، 1403، 1982م – مؤسسة الوفاء – بيروت \ لبنان.
16- آل قطيط ، الشيخ هشام – سلوا المهدي عن دولته ، ص 453 – ط\ 1 ، 1430هـ ، 2009م – منشورات الفجر – بيروت \ لبنان.
17- المصدر السابق.
18- الفصول المهمة ، ص 291
19- بحار الأنوار ، ج 52 ص 122