من المعلوم إن مجتمعنا العربي والإسلامي مازال يعاني من حالة التخلف التي نزلت به من قبل الاستعمار العالمي والحكام المستبدين ,وانه يسعى جاهدا للتخلص منها , والانعتاق من أسرها . ومع ذلك فكثير ما نجده يتعثر في انطلاقه وخطوه , مما يجعل سيره بطيئا وتقدمه قليلا , فإذا أضفنا إلى ذلك إننا في عصر سمته السرعة في كل شئ وان العالم قرية واحدة بدا إن هذا التقدم يكاد يفقد أهميته واعتباره. وان حالة الفوضى السياسية والفكرية والثقافية التي تلقي بظلالها على المجتمع العربي والإسلامي تكاد تكون احد الأسباب الرئيسية في هذه الحالة المرضية , وقد نشأت هذه الحالة نتيجة تفاعل بين موروثات تاريخية ومقتبسات تاريخية ومقتبسات غربية , الأولى تعود إلى الماضي والأخرى تعود إلى الحاضر , فالمقتبسات لم تكن لأحسن ما يقتبس , ذلك إن المرض لم يكن قادرا على التمييز , وان الأطباء الذين تولوا معالجته لم يحسنوا تشخيص حالته , بعضهم عن قصد وبسوء نية , وبعضهم عن غفلة وعدم تقدير للمسؤولية .
لقد ورث مجتمعنا العربي والإسلامي المعاصر عن الماضي مفاهيم خاطئة عن الإسلام , وما زالت هذه المفاهيم تعمل عملها في قتل فاعلية المسلم المعاصر وتصده عن الإسهام الايجابي في حركة الحياة والبناء .ولو أخذنا على سبيل المثال المثال مايتردد كثيرا على السنة الناس من إن ماهم فيه من تخلف وانحطاط إنما هو بإرادة الله وبقضائه وقدره , وان الأمر متروك إليه فإذا أراد أن يغير حالهم إلى الأحسن يغيرها –وإنهم تناسوا الآية الكريمة ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))-,ونهم تجاه ذلك ليسوا مطالبين بشئ إلا الدعاء إلى الله أن يغير حالهم إلى أحسن ...ثم تنتهي مهمتهم عند ذلك .
إن هذا المفهوم (لإرادة الله ) و(للقضاء والقدر ) مفهوم خاطئ لا يمت إلى الإسلام بصلة , وهو دخيل على العقيدة الإسلامية .إذ من المعلوم إن النبي (ص) حينما بعث كانت البشرية تموج بالانحراف عن سواء السبيل ولم يقبل النبي (ص) والأئمة الأطهار وأصحابهم بهذا الانحراف السائد , ولم يستسلموا بحجة انه كان بإرادة الله وبقضائه وقدره , وإنما وقفوا في وجهه يعملون فيه معاولهم حتى أتوا عليه , وحتى رفعوا راية التوحيد في معاقل الأكاسرة والاقاصرة والحكام المستبدين , فمشيئة الله إذن هنا بحركة المؤمنين وجهادهم ,لا بقعودهم وانتظارهم .
هكذا كان المسلمون الأوائل يفهمون الإرادة الإلهية ومشيتها , لا كما يفهمها المسلمون المعاصرون والمتكاسلون المتواكلون .إن مثل هذه المفاهيم الخاطئة تسربت إلى المجتمع الإسلامي من مصادر غير إسلامية ,بل زرعها الاستعمار وإذنابه من الحكام المتسلطين على رقاب المسلمين وحاول أصحابها أن يجدوا لها مرتكزات في بعض الآيات وبعض الروايات ليعطوها صفة الشرعية , ولتكون مقبولة عند المسلمين , وقد استطاع هؤلاء ان يحققوا نجاحا في مسعاهم , وما تزال آثار ذلك قائمة في عقول كثير من المسلمين وسلوكهم .ولقد قام الإمام الخميني (قدس) بتفنيد هذه المفاهيم التي عطلت تفكير الأمة الإسلامية ,حيث قام بثورة ضد الطواغيت والحكام المستبدين فأنتج امة واعية تدافع عن حياض المسلمين وبيضة الإسلام والإسلام المحمدي الأصيل فكان روح الله الخميني إمام في امة والأمة التي صنعها وهذبها في إمام ,ولهذا قال السيد الخامنئي :(لم يكن يخطر بذهن المسلمين وغير المسلمين في العالم أن يقوم نظام سياسي اجتماعي يستند على أساس دين من الأديان ,بل-وأكثر من ذلك –يستند إلى الإسلام .كان هذا حلما ورديا يداعب أجفان البسطاء السذج من المسلمين ولم يتصوروا مطلقا انه يتحقق عمليا في يوم من الأيام ,وقد حول الإمام هذا التصور الخرافي الخيالي إلى كيان حقيقي له وجود مشهود فكان بمثابة المعجزة).
ولم تنتهي المسيرة برحيل الإمام الخميني (قدس) بل شقت نورها بقيادة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي (دام ظله الوارف) لتكون نبراسا وطريقا تهتدي يه الأمم وتشق طريقها وتناضل ضد الاستعمار الجديد المتمثل بالحركة الصهيونية واليمين المسيحي المتطرف.
فالإمام الخميني عملاق من عمالقة القرن العشرين الذي غير مسيرة التاريخ الحديث بمواقفه النبيلة اتجاه المستكبرين وعلى رأسهم الشيطان الأكبر أمريكا ,ونصر المستضعفين في جميع أنحاء العالم مقتبس هذا النصر من الآية الكريمة((ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)), ليكون مشعلا وقادا في طريق المستضعفين وأحرار العالم . |