ما زال اغلبية المحللين سواء كانوا اشخاص من العامة او خبراء سياسيين يستندون على افكار اشبه ما تكون بالخرافات عند قيامهم بتحليل اي حدث. و من بين هذه الاخطاء او الاوهام الشائعة هي النظرة الى مختلف الدول و الاطراف السياسية و الانظمة على اساس انها كيانات واحدة منسجمة من الناس. فمثلا عند الحديث عن احداث 11 سبتمبر في امريكا اصبح من المؤكد بالادلة القطعية بانها كانت حادثة مدبرة من الداخل. و لكن ليست الحكومة الامريكية هي التي دبرت الحادثة, لسبب بسيط و هو ان انه لا يوجد كيان منسجم اسمه الحكومة الامريكية. هذه الحكومة تتكون من لوبيات مختلف الشركات و البنوك و المصالح التي تتعارض حينا و تتصالح حينا اخر. فلم تقم الحكومة الامريكية بالتخطيط لهذا الحدث بل ان هنالك شركات و بنوك كبرى عبارة عن مافيات اخطبوطية عالمية عملاقة و متنفذة داخل هذه الادارة تخطط للحصول على مكاسب مما تقوم به. و قد حدث في الماضي ان قامت المافيات هذه بالايقاع ببعضها عندما تعارضت مصالحا.
يتحدثون عن تعارض المصالح الروسية الامريكية كثيرا هذه الايام و برغم ذلك فان شركة شيل للنفط تقوم الآن بتنفيذ مشاريع نفطية في روسيا و توقع على عقود ضخمة تؤدي الى افراغ محتوى العقوبات التي تفرضها جماعات اخرى من هذه المافيات على روسيا بسبب تضرر مصالحها من سياسات بوتين. و في الوقت الذي تبدي روسيا معارضتها الشديدة للسياسة الامريكية في في الشرق الاوسط على وسائل الاعلام فان شركات الاسلحة الروسية تحقق ارباح هائلة من الحرب الدائرة في سوريا و العراق.
في الحقيقة لا يوجد شيء اكثر ايهاما للناس من هذه النظرة الى الدول و الانظمة على اساس انها كيانات سياسية و ان هذه الكيانات السياسية تتصرف وفق مصالح الدولة و انها متحدة منسجمة لديها مصالح مشتركة.
لا توجد حكومات و لا سياسيين. تذكر ذلك دائما!
هنالك تجار و شركات و بنوك تجارية و الحروب ليست سوى اسواق. عندما تتخلص من فكرة “الحكومة” و تحاول التحليل على اساس الشركات فانك ستفهم سبب التناقض في الاحداث على الارض. فلماذا تدعم تركيا الدولة الاسلامية و امريكا تدعم خصومها و في نفس الوقت يكشف هنا و هناك عن صفقات امريكية للاسلحة يتم انزالها على مقاتلي الدولة الاسلامية بينما تقوم طائراتها بقصف مواقعهم. امريكا ضد ايران و ايران تدعم الحكومة العراقية التي تؤيدها امريكا .. ما هذه الهريسة التي ليس فيها اشياء منطقية و لماذا تختفي الحدود بين الاعداء و الخصوم حتى اصبح من غير المعلوم من يقف ضد من و مع من؟
الامر بسيط ..
انه عرس الدم في عالم رأسمالي متأزم يحتاج فيها التجار الى الحروب للاحتفاظ باسعار الاسهم في كازينوهات وولستريت و غيرها. لم تعد هنالك دول تدير سياسات بل هنالك شركات تدير السياسيين. و العالم ليس سوى سوق وحشي ترتع فيه طفيليات الدولار. و هذه الشركات تتجول بين الزبائن المتحاربين بلا تمييز للحصول على اكبر حصة من الصفقات المعقودة.. و كلما تفوق طرف على اخرمن اطراف النزاع و يبدو انه سيحسم القتال لصالحه يسارع التجار الى دعم الطرف الاخر لابقاء التوازن.
و بالطبع فان ما ينطبق على الحكومة الامريكية ينطبق على جميع الحكومات. فلا يوجد شيء اسمه حكومة عراقية مثلا, بل هناك مافيات و عصابات و امراء حرب من اصحاب المليارات لديهم مسلحيهم و مناطق نفوذهم و هم في صراع و تصالح على المصالح. بل ان هنالك مناطق اقتصادية حرة بين اطراف النزاع في العراق تعقد فيها الصفقات بين الاعداء الذين يقاتلون بعضهم البعض.