طبعاً كان يفترض أن أزف التهاني لأبناء الشعب العراقي، بمناسبة خطاب دولة رئيس الوزراء ، الذي يحمل بين طياته ، آيات من الفرح الغامر ، و الوعد الوافر ، بحل المعضلات و العثرات و التلكؤات .
و ما أن انطلقت تباشير الخطاب ، حتى ترددت أصداء بدايات لا نهايات خطب الزعيم عبد الكريم قاسم. ثم مواعيد زف البشرى بإيقاف طحن رحى الحرب العراقية الإيرانية.
فهو إذن على غاية من جحم الخطب الماضية السلاح ، المنطلقة بعد زود المد من الغضب على ما آلت إليه حال العراق . فالجماهير تدرك بحاستها السادسة التي نشّطتها عواصف الأحداث. ما يكمن بجوف الخطب التي تداعب آمال شعب و تدغدغ الأحلام ، مثل شعب العراق و ناس العراق .
و الجماهير الآن دقيقة الفراسة في صدق الكلمات ، من مخرج الكلمات و لفظ الكلمات و ملامح من يلقيها .
ما يعني : إن الوعود ما بعد الماءة يوم ، هي وعود لها من المضي كحد السيف( السيف أصدق انباء من الكتب ) . أو كفرحة طفل ، كما يمنون الحالمون المسالمون مخيلاتهم ، و قلوبهم التي ثقبتها الآهات .
و لأجل ذلك ظلت الأخبار تتوالى عن الرعب الذي أصاب الفاسدين و المفسدين و المحسوبين و المنسوبين . كما ظل الهلع يلتهم أكباد أصحاب المفخخات و أصحاب كواتم الصوت . و إن الحكومة تعني ما تقول من فعلها الفاعل و التنفيذ الفوري .، كونها تمسك بأعنة الدفاع و الداخلية و الأمن و ما إلى ذلك ( لو تعددت الأسباب .. قل تبرير الجواب ) .
فالعواصف التي لم يجئ زمن مثل هذا .. استطاع به الإنسان أن يروّضها، كما هي عليه اليوم : بكنس الأتربة و تنظيف الأرصفة ، و حتى قلع تلال القمامة. ومن ثم فتح الممرات أمام الرياح الباردة و اللافحة، حسب المؤثرات .و نحن نشاهد بالعين البصيرة أصحاب المولدات كأنهم ما عادوا يضحكون على الذقون . و يلوّحون بوقاحتهم في تخطي إنذارات الحكومة الرشيدة . إذ ربما من باب استغلال العقل الحكيم للحكومة . فتبيع الغاز ، و تقطر تقطيراً بإعطاء فترات التزويد بالتيارالكهربائي . و الإبقاء على أسعار الأمبيرات، دون أن يكون هناك تدن موجع لأسعارها .
و الحقيقة هناك العديد من المتغيرات التي حدثت . سبّاقة لجدية الخطاب ، لكي تبرهن على أن أصحاب المسؤولية ، قد تابوا من لعبة ابن آوى مع الديك، أثناء شد رحاله إلى الحج .
و حقاً نحن نراهن على ان كل ما نتوقعه ينبئ بالحلول السحرية ، و تغيير الأحوال من حال إلى حال .
و هذه التجربة لها مدلولها ، فهي أول تجربة في التاريخ تستطيع أن تروّض ألأبالسة عن شيطانياتهم بالحكمة و العقل ، و التي طالت و عرضت و تعمقت .
ربما لأن السلطة جادة بقلع أنياب الأبالسة، و بث الرعب الجاد في قلوب سالبي راحة الشعب و مفسدي قلوب المتسلطين عليه من أبناء الشياطين .و سالبي مكتسبات الدولة ، التي طالما أجزلت السلطة الجديدة منذ خمس سنوات و حتى اليوم . و لكنها تتعرض للنشل في منتصف الطريق أو في بدايته ، العلم عند الله .
و النشل عادة هي عودة لخفة اليد ، كما جالوا به النشالون و قطاع الطرق أيام زمان . فهؤلاء لنا تجارب معهم و ذكريات و نوادر غنية معهم ، حتى ازدادت ميانتهم : أن يمدوا أصابعهم في أفواهنا لينتشلوا لقمتنا .
و على كل حال .. ما دام الخطاب يبدو بصوت جهوري ، فإننا سنتمسك إلى حد الإستماتة بمبدأ ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) .
فالناس ـ لدينا ـ عندما احتشدت أمام التلفاز ، و غصت بهم المقاهي، و خارج المقاهي ، كانت الغاية لكي يتحسسوا : أنهم أهل لما يحمل الخطاب من وعود ، و صدق جهود .
وكان من شدة الإنصات و التدافع أن تتسبب حالات عديدة من الأغماء ـ ربما من شدة الحر ـ أو حب الاستطلاع . فتسبب حدوث حالات إغماء و سحق البعض.
لقد تدافعوا لكيريسمعوا بوضوح ، قوة الوعود التي لا بد أنها تختلف عن سابقاتها
و قد لا يصدقني أحد ، لو قلت : إن العديد من اوائك الذين يستبقون الأحداث ، فيبيعون آثاثهم، أو يلقون بها على المزابل لعتقها و قذارتها مما مضى عليها من سني القحط .. فعلوا ذلك استعداداً لاستلام الخير القادم و الفراش الناعم ، أنعم الله ضلوع الشياطين . و من زيادات الرواتب و المنح و الاكراميات .
كذلك إن البعض أغراهم الشيطان أن يفكروا بالزواج من امرأة ثانية. و بذلك نلفت النظر لردع مثل هذه الظاهرة المشينة . لأن المرأة تعبت من الغلبة و ابتلاع حقوقها . ذلك أن الزيادات القادمة : ما عبّدوا لها الطريق من أجل أصحاب الذكورة و دناءاتهم وصبيانيتهم، بل من أجل أن لا يطرق باب أحد إلاّ للخير العميم حسب مفهوم الديمقراطية الموجهة و التي تلعب المرأة فيها دوراً أشبه بدور زرقاء اليمامة ، لتنبئ عما يصعب على الرجال مشاهدته من خلف البيادي و بين الأكمات. |