• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : قراءة نقدية في (حديث شيخ الأزهر) ( 2 ) .
                          • الكاتب : الشيخ احمد سلمان .

قراءة نقدية في (حديث شيخ الأزهر) ( 2 )

تعريفه للعصمة:

قبل أن يبدأ شيخ الأزهر في ذكر أدلّة عدالة الصحابة, ذكر الفرق بين مفهوم العصمة ومفهوم العدالة لينتهي إلى هذه النقاط الثلاثة:

    العصمة هي عدم قدرة المعصوم على القيام بالذنب لوجود الكوابح الإلهية

    العصمة خاصة بالأنبياء والمرسلين فقط ولا تشمل غيرهم

    هذه العصمة لا ننسبها للصحابة بل ننسب لهم العدالة التي قد يجتمع معها الوقوع في الذنب.

نقد تعريفه العصمة:

لا أدري من أين جاء فضيلة الدكتور بهذا التعريف, إذ أنّ لازم هذا التعريف عدم وجود أي فضيلة للنبي صلى الله عليه وآله, وذلك لاعتباره العصمة (عدم قدرة) على ارتكاب الذنب وهو ما يساوق سلب الاختيار في مقام الفعل للنبي صلى الله عليه وآله وهو ما يساويه مع عامّة الناس:

فالإنسان العادي يقدم على الذنب لنزوع نفسه له وعدم وجود المانع والكابح بحسب تعبيره لفعل ذلك, ونفس هذا الشيء يحصل للأنبياء إلّا أنّ المانع الغيبي هو الذي يمنعهم من ارتكاب الذنب.

وقد التفت علماء الكلام شيعة وسنّة إلى خطورة هذا القول فنصّوا على بقاء القدرة والاختيار عند من كان معصوما, وهذه بعض كلمات علماء أهل السنة في ذلك:

    عرّفها الشريف الجرجاني في التعريفات 47: العِصمة ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.

    عرّفها السعد التفتزاني في شرح المقاصد 2/160 بقوله: العصمة لطف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة ولا إلى ارتكاب المعصية مع القدرة عليهما.

    ما ذكره شهاب الدين الخفاجي في كتاب نسيم الرياض 4/39:  فى شرح الشفا للقاضى عياض بأنها : لطف من الله تعالى يحمل النبى على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء.

فلعلّ سماحة الشيخ خانه التعبير أو اشتبه في المسألة فلم يطّلع على ما سطّره علماء الكلام في هذا الباب.

نقد حصره العصمة في الأنبياء:

أصرّ فضيلة الدكتور على كون العصمة محصورة في خصوص الأنبياء والمرسلين وأنّه لا وجود لمعصوم خارج دائرة النبوّة والرسالة, بل اعتبر هذا الحصر من بديهيات أهل السنة والجماعة غير القابلة للتشكيك.

والحال أنّ ما ذكره سماحة الشيخ غير صحيح لعدّة أمور:

أولا: لا شكّ ولا ريب أنّ العصمة هي عطيّة ومنحة من الله إلى بعض عباده, وكما أنّ إثباتها لشخص يحتاج إلى دليل عليه كذلك حصرها في مجموعة ونفي إمكانية اتصاف آخرين بها أيضا يحتاج إلى دليل ينهض بهذا الادعاء, ولم يأت شيخ الأزهر بدليل على هذا النفي سوى الدفع بالصدر والتكلّم بضرس قاطع, وهذا ما يخالف بديهيات البحث العلمي كما هو معروف.

ثانيا: نصّ مجموعة من علماء أهل السنة والجماعة على جواز العصمة على غير الأنبياء, نذكر منهم:

    ابن حجر العسقلاني في الفتح 11/438: وعصمة الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام حفظهم من النقائص وتخصيصهم بالكمالات النفيسة والنصرة والثبات في الأمور وانزال السكينة والفرق بينهم وبين غيرهم أن العصمة في حقهم بطريق الوجوب وفي حق غيرهم بطريق الجواز.

    العيني في عمدة القاري 23/155: المعصوم من عصمة الله بأن حماه عن الوقوع في الهلاك، يقال: عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه ، والفرق بين عصمة المؤمنين وعصمة الأنبياء عليهم السلام ، أن عصمة الأنبياء بطريق الوجوب ، وفي حق غيرهم بطريق الجواز.

    ونقل فتح الله البناني في كتابه عصمة الأنبياء 6 عن بعض المتكلمين قوله: العصمة صفة توجب امتناع عصيان موصوفها والمختص بالأنبياء والملائكة وجوبها, فلا يمتنع حصولها لغيرهم على جهة الجواز.

ثالثا: العجيب أنّ جملة من علماء أهل السنّة والجماعة قد نصّ على ثبوت العصمة  لمجموعة من الناس من غير الأنبياء, ممّا يثبت أنّ ما تمسّك به شيخ الأزهر في ردّه على نسبة الشيعة العصمة لأئمّتهم عليهم السلام بعيد كلّ البعد عن ما احتوته الكتب.

نذكر أمثلة على ذلك:

    ابن أبي جمرة الأندلسي كما نقل عنه ابن حجر في الفتح 8/369: وفيه تقوية لأحد الاحتمالين في قوله صلى الله عليه وسلم عن أهل بدر إن الله قال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وأن الراجح أن المراد بذلك أن الذنوب تقع منهم لكنها مقرونة بالمغفرة تفضيلا لهم على غيرهم بسبب ذلك المشهد العظيم ومرجوحية القول الآخر أن المراد أن الله تعالى عصمهم فلا يقع منهم ذنب نبّه على ذلك الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به.

    المفسّر الزمخشري في الكشاف 1/270: ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهلّ صارخاً من مس الشيطان إياه ، إلا مريم وابنها " فالله أعلم بصحته؛ فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها، فإنّهما كانا معصومين.

    شمس الدين الذهبي في الموقظة 85: وقد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه, أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك, والعصمة للأنبياء والصدّيقين وحكّام القسط.

وعليه فنسبة الشيعة العصمة لأئمتهم عليهم السلام ليس بدعا من القول, بل شاركهم في ذلك أئمة أهل السنة والجماعة, ولولا خوف الإطالة و اصابة القارىء بالملالة لنقلت كبار علماء الصوفية في عصمة أوليائهم وأقطابهم وأوتادهم.

نقد نفيه العصمة عن الصحابة:

أكّد سماحة شيخ الأزهر على أنّهم لا ينسبون العصمة للصحابة, لكن من ينظر إلى كيفية تعامل أهل السنّة والجماعة يجد أنهم يعتقدون عمليا بعصمة الصحابة, فرغم تسليمهم بإمكانية وقوع الخطأ وصدور الذنب عن الصحابة إلّا أنّه نجد أنّ القوم يتهّمون كلّ من نسب الخطأ أو الزلل لواحد من الصحابة ويشكّكون في دينه وإيمانه!

بل نجد أنّ جملة من علماء أهل السنة قد صرّح بعصمة الصحابة بصورة واضحة تقطع الشك باليقين:

    ابن أبي حاتم الرازي في الجرح والتعديل 1/7: فاما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التفسير والتأويل وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته وإقامة دينه واظهار حقه فرضيهم له صحابة وجعلهم لنا أعلاما وقدوة فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين وعلموا امر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما من عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز..!

    قال السعد التفتازاني في شرحه للمقاصد2/279: واحتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها.

    ونقل الخلال في كتاب السنة 2/307 بسنده: عن بشر بن الحارث: رفع الخطأ عن أبي بكر وعمر.

وما أحسن في هذا المقام ذكر كلام العلامة ابن عقيل العلوي (الاشعري) حين ذكر حقيقة هذه العدالة التي نسبت للصحابة في كتابه النصائح الكافية 175: إنّنا أهل السنة قد أنكرنا على الشيعة دعواهم العصمة للأئمة الإثني عشر عليهم السلام وجاهرناهم بصيحات النكير وسفهنا بذلك أحلامهم ورددنا أدلّتهم بما رددنا أفبعد ذلك يجمل بنا أن ندعي إنّ مائة وعشرين ألفا حاضرهم وباديهم وعللهم وجاهلهم وذكرهم وأنثاهم كلهم معصومون أو كما نقول محفوظون من الكذب والفسق ونجزم بعدالتهم أجمعين فنأخذ رواية كلّ فرد منهم قضية مسلمة نضلل من نازع في صحتها ونفسقه ونتصامم عن كل ما ثبت وصح عندنا بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي والكذب والقتل بغير حق وشرب الخمر وغير ذلك مع الإصرار عليه لا أدري كيف تحل هذه المعضلة ولا أعرف تفسير هذه المشكلة..؟!!

خاتمة:

لم يوفق شيخ الأزهر في بيان معنى العصمة عند المسلمين, كما ساق أمورا مساق المسلّمات والحال أنّها موضع خلاف بين علماء أهل السنة والجماعة فضلا عن كونهم يخالفون فيها مدرسة أهل البيت عليهم السلام.



نظرية عصمة الأمة:

ذكر سماحة شيخ الأزهر أنّ أهل السنة والجماعة قد نسبوا العصمة إلى (مجموع الأمّة) بحيث إذا اتفق علماؤها على رأي من الآراء الدينية فهو الحق الذي لا يشوبه باطل.

وقد نفى أن يكون مدرك هذه العصمة هو حكم العقل, إذ لا مانع من اجتماع الأمة على ضلالة بل مدركه نقلي وبالتحديد روائي وهو حديث (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وما شاكله من الأحاديث.

 

صحّة حديث (عدم الاجتماع على الضلالة):

ناقش المحدّثون والأصوليون صحّة هذه الأحاديث التي استفاد منها البعض عصمة الأمة من الضلالة, وأوردوا عليها عدّة اشكالات:

    أمّا المحدّثون: فقد اختلفوا في صحّة هذه الأحاديث على أقوال, فمنهم من عدّه من الموضوعات, ومنهم من اعتبره من الضعاف وأفضل ما قيل فيه هو أنّه حسن بمجموع طرقه وفي هذا القول نظر؛ أمّا ألفاظ الحديث التي ذكرها شيخ الأزهر واعتبرها دليل عصمة الأمة فهي قطعا ضعيفة السند عند جمهور المحدّثين.

    أمّا الأصوليون: فقد أوردوا على هذا الحديث عدّة اشكالات تسقطه عن الحجية وتمنع عن الاستدلال به في مثل هذا الأمر, ويكفينا في المقام نقل كلام إمام الحرمين الجويني في كتب البرهان في أصول الفقه 1/435: فإن تمسك مثبتو الإجماع بما روى عن النبي عليه السلام أنه قال لا تجتمع أمتي على ضلالة وقد روى الرواة هذا المعنى بألفاظ مختلفة فلست أرى للتمسك بذلك وجها لأنها من أخبار الاحاد فلا يجوز التعلق بها في القطعيات وقد تكرر هذا مرارا, ولا حاصل لقول من يقول هذه الأحاديث متلقاة بالقبول فإن المقصود من ذلك يئول إلى أن الحديث مجمع عليه وقصاراه إثبات الإجماع بالإجماع على أنه لا تستتب هذه الدعوى أيضا مع اختلاف الناس في الإجماع.

وعليه, فإنّ أصل الاستدلال بهذا الحديث هو محلّ اشكال عند جمهور المحدّثين والأصوليين.

 

نقد دلالة الحديث على المدعى:

كالعادة, ساق شيخ الأزهر هذا الحديث مساق المسلّمات, واعتبره قطعي الدلالة على المدّعى, والحال أنّ أهل السنة والجماعة اختلفوا اختلافا شنيعا في فهم هذا الحديث بل وفي تطبيقه على أرض الواقع!

تحديد دائرة الأمة: وقع خلاف بين الذين تناولوا هذا الحديث بالشرح في تحديد من هي الأمة المقصودة؟

    فهناك من ذهب أنّ المراد منها هي عموم المسلمين أو السواد الأعظم بحسب تعبيرهم.

    وآخرون ذهبوا إلى أن المراد من الأمة المعصومة خصوص العلماء المجتهدين وأئمة الدين.

    وفرقة اختارت أن المراد من الحديث خصوص اجماع الصحابة ولا قيمة لإجماعات القرون المتأخرة

من هم العلماء: اختار شيخ الأزهر إلى ما ذهب إليه الأصوليون من أنّ المراد من الحديث هم العلماء والفقهاء, لكن المشكلة لم تحلّ إلى الآن, إذ أنّنا سنصطدم بقضية أخرى وهي تحديد أيّ علماء يندرجون تحت هذا العنوان؟ فالمسلمون قد انقسموا إلى مذاهب وفرق أصولا وفروعا وكلّ فرقة تدين الأخرى وتعتبرها خارجة عن تعبيره (أمتي), ومن هنا فإنّ كلّ فرقة من هؤلاء ستنسب العصمة لإجماعها!

    اعتبر أحمد بن حنبل أنّ المراد بهذا الحديث هم خصوص أهل الحديث حيث قال: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟ (فتح الباري 13/249) وكما هو معروف أنّ الإمام أحمد كان من الذين شنوا حملة شعواء ضدّ الجهمية الذين عبّر عنهم في ما بعد بالأشاعرة والماتريدية

    نقل ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري 234 عن أئمة الأشاعرة من الطعن في أتباع أحمد بن حنبل ونسبتهم إلى الإلحاد: إن جماعة من الحشوية والأوباش الرعاع المتوسمين بالحنبلية أظهروا ببغداد من البدع الفظيعة والمخازي الشنيعة مالم يتسمح به ملحد فضلا عن موحد ولا تجوز به قادح في أصل الشريعة ولا معطل ونسبوا كل من ينزه الباري تعالى وجل عن النقائص والآفات وينفي عنه الحدوث والتشبيهات ويقدسه عن الحلول والزوال ويعظمه عن التغير من حال إلى حال وعن حلوله في الحوادث وحدوث الحوادث فيه إلى الكفر والطغيان ومنافاة أهل الحق والإيمان وتناهوا في قذف الأئمة الماضين وثلب اهل الحق وعصابة الدين ولعنهم في الجوامع والمشاهد والمحافل والمساجد والأسواق والطرقات والخلوة والجماعات ثم غرهم الطمع والإهمال ومدهم في طغيانهم الغي والضلال إلى الطعن فيمن يعتضد به أئمة الهدى وهو للشريعة العروة الوثقى وجعلوا أفعاله الدينية معاصي دنية.

    طعن ابن تيمية في الأشاعرة بأقبح الألفاظ كما في مجموع الفتاوى 8/227: فالمعتزلة في الصفات مخانيث الجهمية وأما الكلابية في الصفات وكذلك الأشعرية ؛ ولكنهم كما قال أبو إسماعيل الأنصاري : الأشعرية الإناث هم مخانيث المعتزلة, ومن الناس من يقول: المعتزلة مخانيث الفلاسفة؛ لأنه لم يعلم أن جهما سبقهم إلى هذا الأصل, أو لأنهم مخانيثهم من بعض الوجوه، و الشهرستاني يذكر أنهم أخذوا ما أخذوا عن الفلاسفة؛ لأنه إنما يرى مناظرة أصحابه الأشعرية معهم بخلاف أئمة السنة؛ فإن مناظرتهم إنما كانت مع الجهمية، وهم المشهورون عند السلف بنفي الصفات؛ وبهذا تميزوا عند السلف عن سائر الطوائف.

    وهذا ابن حجر الهيتمي الشافعي يطعن في ابن تيمية وأتباعه, قال: و لا يغتر بانكار ابن تيمية لسن زيارته فإنّه عبد أضله الله كما قاله العز بن جماعة  وأطال في الرد عليه التقي السبكي في تصنيف مستقل و وقوعه في حق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليس بعجب فانه وقع في حق الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون و الجاحدون علوا كبيرا فنسب اليه العظائم كقوله ان لله تعالى جهة و يدا و عينا و غير ذلك من القبائح الشنيعة و لقد كفره كثير من العلماء عامله الله بعدله و خذل متبعيه الذين نصروا ما افتراه على الشريعة الغراء (الفتاوى الحديثية 210).

هذا غيض من فيض وإلّا من اطلّع على كتب العقائد والملل والنحل سيجد أضعاف ما ذكرناه.

حقيقة (الضلالة) الممنوعة: اعتبر الشيخ الأزهر تبعا لمن سبقه من العلماء أنّ مفهوم امتناع الاجتماع على الضلالة هي عصمة الأمّة من الوقوع في الخطأ وهي تماما كعصمة الأنبياء غاية ما في الأمر أنّ الثانية هي عصمة أفراد والأولى عصمة مجموعة!

وما ذهب إليه الدكتور بعيد كلّ البعد عن معنى الحديث, إذ أنّ الحديث لم يثبت من قريب ولا من بعيد العصمة لمجموع الأمة بل أكثر ما يدلّ عليه هو بقاء الحقّ بين الناس واستحالة اندراسه كما دلّت على ذلك الأحاديث الأخرى التي نصّت على بقاء الحقّ إلى قبيل القيامة.

وهذا عين ما نصّ عليه ابن حزم الظاهري في الأحكام 4/497: إنما الاخبار التي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما فيها أن أمته عليه السلام لا تجتمع ولا ساعة واحدة من الدهر على باطل ، بل لا بد أن يكون فيهم قائل بالحق وقائم بالحق وقائم به، وهكذا نقول، وهذا الخبر إنما فيه بنص لفظه وجود الاختلاف فقط، وأن مع الاختلاف فلابد فيهم من قائل بالحق.

ومن هنا فإنّ جمعا من علماء أهل السنة والجماعة قد شكّك في دلالة الحديث على المدّعى وحمله على غير ما حمله عليه شيخ الأزهر:

    فقد تعرّض إمام الحرمين الجويني إلى الحديث وحكم بتشابه متنه وشكّك في دلالته, قال في البرهان 1/436: ثم الأحاديث متعرضة للتأويلات القريبة المأخذ الممكنة فيمكن أن يقال قوله صلى الله عليه و سلم لا تجتمع أمتى على ضلالة بشارة منه مشعرة بالغيب في مستقبل الزمان مؤذنه بأن عليه السلام لا ترتد إلى قيام الساعة وإذا لم يكن الحديث مقطوعا به نقلا ولم يكن في نفسه نصا فلا وجه للاحتجاج به في مظان القطع.

    وقد نقل العلامة طاهر الجزائري في كتابه توجيه النظر 1/311 توجيه بعض علماء الأصول لهذا الحديث بحيث يهدم أساس دعوى العصمة, قال: لا تجتمع أمتي على ضلالة الضلالة الخطأ الذي يؤاخذ عليه صاحبه وقد جرى على شاكله هذا من قال إنه لا يلزم من الإجماع على حكم مطابقته لحكم الله في نفس الأمر وحينئذ فيكون المراد بالضلالة المنفية عنهم ما خالف حكم الله ولو باعتبار ظنهم لا ما خالف حكم الله في نفس الأمر .

    بل نقل ابن حجر العسقلاني في الفتح 1/31 عن الطبري أنّ الضلالة المنفية هي خصوص الاجتماع على تولية إمام للمسلمين ولا يتعدّى الحديث هذا المقدار,قال: قال الطبري والصواب أن المراد في الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة.

ولعلماء الأصول والمصطلح أقوال أخرى في توجيه هذا الحديث طوينا عنها كشحا واكتفينا بذكر هذه الأمثلة لتنبيه القارىء اللبيب

 

خلاصة:

انتقد شيخ الأزهر عقيدة الشيعة في عصمة الأئمة الإثني عشر الذين أجمع المسلمون على علمهم وفضلهم وزهدهم وتقواهم وورعهم, بل وحذّر من تبنّي مثل هذه العقيدة رغم أنّه لم يتعب نفسه في ذكر أدلّة الشيعة على ذلك من آيات قرآنية وروايات نبوية.

وفي المقابل نجد أنّه تقبّل فكرة عصمة الأمة المبنية على حديث آحاد مختلف في صحة صدوره عن المصطفى صلى الله عليه وآله بل وحتى في دلالته على المدعى.

 

والحمد لله ربّ العالمين...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70087
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15