الأزمة  المالية التي تمر بها المؤسسات الصحية في العراق في هذه الأيام ليس لها مثيل في تاريخ وزارة الصحة ، فقد باشرت العمل طبيبا يوم 14 شباط 1987 وواصلت العمل طيلة 28 عاما لكنني لم أشعر يوما بأن مؤسساتنا الصحية  ستكون عاجزة عن تقديم الخدمات الصحية للمواطنين مثلما  بدأت أشعر بذلك خلال هذه الأيام ، فحتى تحت ظروف الحصار الاقتصادي خلال سنوات التسعينات كانت الوزارة قادرة على توفير احتياجات المؤسسات الصحية  ، وعندما شعرت الوزارة بصعوبة ذلك لجأت في عام 1999  للعمل بنظام التمويل الذاتي الذي كانت له نتائج إيجابية على واقع الخدمات الصحية  وتطوير المؤسسات من مستشفيات ومراكز صحية .

إن عملي في أكثر من مفصل إداري ومنها منصب مدير عام دائرة صحة النجف الأشرف لعامي 2005 و 2006 جعلني أستشعر خطر العجز المالي الكبير الذي تمر به وزارة الصحة  ، والذي سينعكس على نوعية الخدمات المقدمة للمواطنين ، فلو بقي الحال على ما هو عليه فإن المؤسسات الصحية ستكون عاجزة تماما على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية والتغذية للمرضى والأطباء المقيمين  وكذلك رواتب الموظفين كافة ، ولذلك فلابد من البحث عن بدائل لتوفير الأموال اللازمة لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية للمواطنين .

البديل الأول برأي المتواضع هو العودة لنظام التمويل الذاتي أي خدمة لقاء أجر ، لكن الظروف التي يعيشها البلد لا تشجع على العمل بهذا النظام في الوقت الحاضر .

البديل الأخر هو استغلال الموارد المالية للأجنحة الخاصة في دعم المؤسسات الصحية ماليا  ، فمن المعلوم إن معظم المستشفيات في العراق تمتلك أجنحة خاصة للرقود وإجراء العمليات الجراحية لقاء أجور مناسبة ، وإن الوزارة ألزمت المستشفيات بأن تكون نسبة أسرة الجناح الخاص  25 % من عدد الأسرة الكلي . لكن المشكلة إن الأموال المستحصلة من الجناح الخاص  لا تستفيد منها المستشفى بالشكل الأمثل ، حيث إن 34  % من الوفر النقدي يذهب إلى الجناح الخاص نفسه كحوافز للمنتسبين و 30 % يذهب لتطوير الجناح ، فيما تذهب نسبة 36 % إلى الوزارة ودائرة الصحة وكما يأتي :

وزارة الصحة 12 %

دائرة العيادات   9  %

منتسبو دائرة العيادات  7 %

دائرة الصحة   5  %

مديرية العيادات  3 %

إن الظرف الحالي يحتم على وزارة الصحة إعادة النظر بما يخصص لها من واردات الجناح الخاص في جميع مستشفيات العراق والتي تبلغ حوالي 28  % من الوفر النقدي ، ولذلك نرى أن تقوم الوزارة بتخفيض حصتها وحصة دائرة العيادات الشعبية ومنتسبيها إلى  8 %  فقط  ، وكذلك تخفيض حصة دائرة  الصحة ومديرية العيادات الشعبية فيها إلى  3  % ، وتخفيض نسبة تطوير الجناح  إلى 25 % بدلا من 30 %  ، وكذلك تخفيض  نسبة إدارة الجناح إلى 20 %  ، وبذلك سيتوفر ما نسبته  35  % من الوفر النقدي  يخصص لخدمات المستشفى وشراء الأدوية والمستلزمات الطبية وبقية احتياجات المستشفى على أن تشكل لجنة خاصة برئاسة مدير المستشفى لتحديد أبواب صرف هذه الأموال .