كنت في وداع أحد القادة الإداريين الذين أسهموا في تطوير المؤسسة , وضخها بروح التفاؤل والأمل والعزيمة على العطاء الأفضل , وبعد أن تحدثنا وأبدينا رأينا بفترته القيادية , جاء دوره في الحديث , فقال: إن جوهر نجاحه يكمن في أنه لا يتمسك بقراراته , وإنما يُخضعها للمعلومات المتوفرة والمتجددة , فإن توفرت معلومات تعزز القرار أبقى عليه , وإن وجد معلومات تنقضه تنازل عنه وذهب إلى غيره , وأضاف أن من أهم صفات القائد الناجح أن يتخذ قرارات حيوية متوافقة مع إيقاع الحياة , ومتواكبة مع النور المعرفي.
والحقيقة أن القيادة المعاصرة بحاجة إلى قدرات تفاعلية , متواصلة مع المتغيرات المتواكبة في عصر الثورة المعلوماتية الفياضة , فما عاد التعنت والسطوة والقوة تنفع إذا كانت القرارات خاوية وجامدة , وكأنها مفرّغة من طاقة النشاط وقدرات التأثير وآليات البناء والنماء.
والقرار الملبي للتحدي عليه أن يكون مستوعبا لمفرداته ومآلاته , وما سينجم عن معادلات تفاعلاته مع ما فيه من عناصر , وما هي عوامله المساعدة والمانعة , وكيف يتم إبطال مفعول ونشاط ما يحتويه , ويسعى إليه وينتهجه من خطوات وصيرورات.
وفي عالمنا المتأخر تتجمد القرارات وتصاب بزمهرير الغباء , وقصر النظر وضعف الرؤية وشحوب التصور , وخواء الفكر , وإضطراب المنهج , والتترسن في أوعية إنفعالية ذات درجات غليان عالية , وإرادة فوران تئز في أركان المكان , حتى لتنسكب على الرؤوس فتسلخ عقولها , وتطلق ما في البشر المسموط بها من نوازع سلبية , وعواطف عدوانية جهنمية ذات سعير ودخان.
ولابد للأمة من قادة يجيدون السباحة في أنهار العصر, ويتفاعلون مع أمواجه بقدرات ومهارات صائبة ومجدية , لها مردوداتها الإنجازية والإستثمارية النافعة , المنمية لما يكتنزه الإنسان من أدوات إبداع وتقويه وإقتدار حضاري بنّاء.
فما عادت الأمة قادرة على الحياة , وقادتها متجمّدون متحنطون ومتقولبون في أطيان السكون , ومتجلمدون على ضفاف أنهار العصر الدفاقة الإبداع والعطاء والرقاء.
فهل ستحظى الأمة بقادةٍ يتجددون ويُجددون؟!! |