• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : كابوس عودتي معلما .
                          • الكاتب : سردار محمد سعيد .

كابوس عودتي معلما

منذ العام 1972 حتى العام 1992 كنت مدرسا في المدارس  ، ولكن إسم معلم يروق لي وإسم مربي يروق لي أكثر

في الجزائر وهو البلد الذي لن أنساه وأخذ من عمري أكثر من سبع سنوات وأعطاني أكثر مما يتعلمه المرء بسبع سنوات كانوا ينادونني ( شيخ ) وهي اللفظة السائدة تقريبا ، ومما لا أنساه ان مدير مدرسة  (ثانوية بن خلدون ) في العاصمة  - وهو يفخر كونه من تلاميذ العلا ّمة ( إبن باديس ) - والذي لا يرى إلا لماما سمع أحد الطلبة يناديني بلفظة استاذ ، فنادى عليه المدير قائلا :

إسمع ، أنا لا احب ان أسمع استاذ هذه ومن اليوم تنادي شيوخك بكلمة سيدي .

إذا ً ، إختلفت التسميات : أستاذ ( وليس استاد )، ومعلم ، وشيخ ، وسيد ومفهومها واحد جميل جليل القدر .

أمس زارني كابوس وكأني عدت معلما فرأيت العجب العجاب .

ولجت مديرية التربية فعرضوا لي أن أزورالمواقع الشاغرة .

الموقع الأول

مدرسة طينية لا مقاعد للجلوس فيها ، الرحلات هي الحصران المتهرئة يجلس عليها أطفال شعث ، يلبسون ( الدشاديش ) يبرز منها القفص الصدري فتشاهد أضلاع الصبية كأنها عيدان القصب .

السبورة على الارض إذ لا جدار يحتملها لأنها باب صفيح متهرىء وجده أحد المعلمين فإستثمره كسبورة .

الموقع الثاني

مدرسة لم يتوصل إلى تقنيات بنائها أمهر المهندسين المعماريين العالميين ولذلك قرروا المجيء اليها للإطلاع عن كثب للطراز المعماري الفريد الذي بنيت على أساسه .

هي مدرسة صرائفية بإمتياز إن صح التعبير- أي أنها صريفة - هذه الصرائف كانت منتشرة في بغداد بين البيوتات وتعني أن ساكنيها من ( الشراكوة ) الذين جاءوا إلى بغداد سعيا وراء الرزق ، وكان يعاب وهذا في ستينيات القرن الماضي على السلطة والحكومة انها لا تحترم إنسانية البشر .

بعد هذا العمر الطويل والتخـــ ــــــــــطيــــــــــــــــــــــــــــــط السليم عدنا نكرس هذه المفاهيم دون وعي ،-  ندحس - الصبية فيها أي اننا تقدمنا إلى الوراء سنينا فيا للديموقراطية العظيمة .

الموقع الثالث

مدرسة في مدينة فقلت لا بد انها  ذات قيمة ، فماذا رايت ؟ - أنصح المربين ومسؤولي العملية التربوية ان يزوروها مستصحبين معهم أساتذة القياس والتقويم من أصحاب الشهادات المزورة للإطلاع على منجزاتهم -

المدرسة من الخارج ملونة صبغها الأمريكان من أموالهم الخاصة ، البنفسجي والأخضر.. ماهذه الألوان الزاهية لا بد وان تكون مدرسة جيدة ، وإذا بالمثل المعروف  - من برة هلله هلله ومن جوه يعلم الله - مجسدا .

قال لي المدير هرب المقاول بعد ان اقتلع الأبواب والشبابيك والبلاط

من الطبيعي ان الكهرباء غير متوافرة فحوّل أحد المختبرات إلى مصلى، و حو ّل مختبر آخر ألى مخزن للكتب .

رأيت كتاب فيزياء ملقى على الأرض أخذت ومسحت التراب عن وجه الصفحة الأولى ، رأيت أسمي مع المنقحين ، فقال المديروقد تنبه لذاك : والله لو تنضم إلى أسرتنا التعليمية سنفخر بك ولكن أقول لك بحزن ان  الماء في مدرستنا غير متوافر  ، ليس ماء الشرب بل ماء الغسل والتشـــــــــــــ.... اما بيت الراحة للطلبة فهو بركة سيقوم ملحن مشهور بتأيف لحن لها ويسميه - بحيرة الهجع - . أين أنت يا بحتري حتى تنشدنا عن هذه البركة الحسناء ؟

ولكن الحق يقال فإن وسائل التهوية على أفضل ما تكون التقنيات الحديثة  !!!!! فالهواء يسرح ويمرح في الصفوف متى شاء ويهب عليلا في الصيف و الشتاء  ، أتعلمون لـِم َ ؟

لأنه لا توجد ولا زجاجة في الشبابيك الرديئة التي استبدلها المقاول

إنتهى الكابوس والحقيقة لم تنته .

حمدا لله اني متقاعد ولست بحاجة للعودة معلما .

وأنت يا معلم كان الله في عونك وعون طلبتك وأسرهم .


سردار محمد سعيد

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=658
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 09 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15