بسم الله الرحمن الرحيم
طسم{1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ{2}
تقدم الحديث عنها .
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{3}
تسلط الاية الكريمة وما يليها الضوء على عدة جوانب من قصة موسى "ع" مع فرعون ( نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ) , نقص عليك شيئا من خبرهما , بالحق الثابت , ( لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) , المؤمنون هم المنتفعون بتلك القصص .
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{4}
تبين الآية الكريمة اعمال فرعون ( إِنَّ فِرْعَوْنَ ) , اولا وقبل كل شيء :
1- ( عَلَا فِي الْأَرْضِ ) : استكبر وتجبر في ارض مصر , حتى ادعى الربوبية .
2- ( وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ) : فرقا في خدمته , او تصنيف لسكان مصر .
3- ( يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ ) : بني اسرائيل .
4- ( يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ ) : حديثي الولادة من الذكور , وذلك بناءا على قول احد الكهنة , حيث اخبره ان مولودا ذكرا من بني اسرائيل سوف يقضي على ملكه .
5- ( وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ ) : للخدمة .
ثم تختتم الآية الكريمة بوصفه ( إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) , بالقتل وغيره من المعاصي .
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ) , نتفضل عليهم , ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ) , يقتدى بهم في الايمان وفعل الخير , ( وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) , يختلف المفسرون في تلك الوراثة , فمنهم من يذهب :
1- يرثون ملك فرعون .
2- يرثون الارض بعد هلاك فرعون .
3- مطلق وراثة الارض .
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ) , نسلطهم فيها , وقيل ان تلك الارض مصر او الشام او كليهما , ( وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) , فيرى فرعون وهامان وزيره وجنود فرعون ما كانوا يحذرون من ولادة ذلك المولود في بني اسرائيل , حيث لم تنفع حيلهم في القضاء عليه ليدوم لهم ملكهم .
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ{7}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع مسلطة الضوء على الجانب الاخر , جانب ام موسى "ع" ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى ) , وحي الهام , ( أَنْ أَرْضِعِيهِ ) , بعد ولادته "ع" , ولم يعلم به الا اخته , ( فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ) , نهر النيل , ( وَلَا تَخَافِي ) , عليه من الغرق او الضياع , ( وَلَا تَحْزَنِي ) , لفراقه , ( إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ ) , وعد رباني برجوعه اليها , ( وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) , من رسل رب العالمين , كل ذلك كان فيه تسلية لأم موسى "ع" .
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ{8}
تستمر الآية الكريمة في سرد تفاصيل القصة ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ) , استخرجوه من النهر , ( لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ) , ليكون هذا الوليد في المستقبل القريب عدوا لهم , يقتل رجالهم , وحزنا لنهاية ملكهم , ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) , فيها عدة اراء نذكر منها :
1- في تدابيرهم للقضاء على المولود الجديد .
2- خاطئين في انتشالهم لموسى "ع" وتربيته بينهم .
3- خاطئين عاصين لله تعالى .
وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{9}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ ) , كان فرعون قد عزم على قتله , فاعترضته زوجته , ( قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ) , وقع حبه في قلبها , وكانت لا تنجب , ( لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا ) , يبدو على سيماءه النفع والخير والبركة , ( أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ) , نتبناه , فأطاعوها , ( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) , بعاقبة الامر , وانه هو الذي سيذهب ملكهم على يديه .
( عن ابن عباس قال فرعون قرة عين لك فاما لي فلا قال رسول الله صلى الله عليه وآله والذي يحلف به لو اقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما اقرت امرأته لهداه الله به كما هداها ولكنه ابى للشقاء الذي كتبه الله عليه ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{10}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً ) , عندما سمعت ان ال فرعون التقطوه من النهر , فأصبح قبلها فارغا مما سواه , او صار عقلها صفرا لما داهمها من الخوف عليه , ( إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ) , قاربت ان تكشف امره وقصته , او قاربت ان تموت قبل ان ترى ما سيجري عليه , حيث كانت تتوقع انهم سيقتلونه , ( لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا ) , بالثبات والصبر , ( لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) , المصدقين الواثقين بحكمته جل وعلا .
وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{11}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ) , يروي النص المبارك ان ام موسى "ع" طلبت من ابنتها مريم ان تقتفي اثره وان تتبع خبره , ( فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ) , من مكان بعيد , ( وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) , من غير ان يشعروا بها .
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ{12}
تستكمل الآية الكريمة الموضوع ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ) , يبين النص المبارك ان الله تعالى منعه "ع" من ان يرضع من المرضعات , قبل ان يرد الى امه , فاحتار ال فرعون بأمره , ( فَقَالَتْ ) , فقالت لهم مريم اخته "ع" مقدمة لهم عرضا او اقتراحا يتناسب مع ما يطمحون اليه :
1- ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ) : لا يقصرون في ارضاعه .
2- ( وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) : وايضا لا يقصرون في تربيته .
بدا هذا العرض مقنعا , فوافقوا عليه .
فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{13}
تستمر الآية الكريمة في سرد التفاصيل ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ ) , كما في الوعد الرباني المتقدم , ( كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ) , بعودة وليدها , ( وَلَا تَحْزَنَ ) , حينئذ على فراقه , ( وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) , ان وعده جل وعلا حق ثابت , ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) , النص المبارك يحتمل عدة اراء منها :
1- لا يعلمون بهذا الوعد .
2- او لا يعلمون ان مريم اخته , وتلك المرضعة هي امه .
3- اكثر الكفار لا يعلمون ان وعد الله تعالى حق , واقع لا محال . |