لعلي أكون خَرافياً عندما أتكلم عن مخلوقات ممسوخة أسعفهم الحظ . ووصلوا إلى مكانة مرموقة ، بما لم يحلم بها القياصرة ، و لا أسعف الحكماء بامتلاكه لكي يوفر لهم ما يحلمون به لصالح الآخرين . و تبدو الأمور كانها تناقض الحقيقة وتثبت اليقين با نها ليست إلاّ أحلام خادعة .
حدثت هذه واستمرت تحدث إلى أن يشاء الله ليضع كل شيء في نصابه . ولكن ذوي النيات المشبوهة يتجهون ليصنعوا من هذه الأرض مزرعة لفطريات سامة أو كرةً يتقاذفها لاعبون أصحاب خبرة متخصصة . بيد أننا نتمتى أن لا تمضي الأمور الى متاهات لضياع كل شيء دون أدنى شك ، لتأخذ طريقها إلى حافة الهاوية التي تبدو أنها مرسومة لها مع سبق الإصرار .
أنا شخصيا أُعاني من مشكلة أمراض القطط ، مع إني لا أنحاز ضدها وارتكب جريمة محرمة. ولكن .. لأن التلوث لدينا هو الظاهرة الأبرز والكل يتعرض لعواقبه . فهل الناطقون بلغة سليمة ممن مُسخوا وأمسكوا بزمام الأمور ، واهمون حينما يهيمن على عقولهم : أن يكونوا ليس إلا ممارسي مزرعة تجريب للأمراض و التخريب و تردي القيم في هذه الأرض المبتلاة؟ و مزارعين مبدعين لحقول الفساد و المفسدين ،و قد جنوا ثماراً عظيمة بشكل رائع .
ولذا وجب محاسبة الآخرين على سوء النتائج من حملة التجريب التي مازالت مردوداتها رغم الهدر الكبير في الصرفيات سيئة النتائج . و ما زالوا ماضين يها رغم اخفاقاتهم المتوالية .
لذا سألجأ الى بدء قصتي ، لكي أقحمكم بقضاء جزء من المتاعب المضنية لتجاوز هذا الفراغ الممل . و سأجهد نفسي بحكاية ربما تستحق أن يرهق احد نفسه بكتابتها .
* * *
في وطننا الذي تعرض لغزو الممسوخين ، فعمَّهُ الغزو بدمار على دمار ، و خلف أوراماً خبيثة تشحمت بسببها بطون و انتفخت جيوب و خزائن الممسوخين . كان وطناً كريماً في خيراته الطبيعية للعديد من زوار المواسم إضافة للعاقّّّين من أهله وساكني أرضه ، و لعل القط في بلادنا متفق على أنه من( الجنس) . لذا فهو يحسن لغة ( الإنس ) و هو له حق المواطنة دون نقاش . حظي بمكانة تؤهله أن يمتلك حرية الحركة بلا استئذان، متمتعاً بحصانة تاريخية و توصيات لا يصح تجاوزها ، حاله مثل حال الآلاف ممن يحظون بمكانة مقدسة. و لذلك له الحق أن يجتاز البيوت بما لم يحظ به الكلب . فشاء الخراب و الأقدار المستجدة ، أن يكونا مع مجاميع من الصغار و الأمهات روّاداً للقمامة .
ربما إن الكلب، وهو أصيل المواطنة ، وهزيل أيضاً كحال غالبية المواطنين ، يخشى أن يصل إلى ما وصل إليه القط من جرأة ، تتطلبها مقولة ( البقاء للأقوى) .
بيد إن القط يتكيف بما يملك من قدرة و خفة حركة و حصانة، أن يتسلق الجدران ، من بيت إلى بيت . لكن الحال بمرور الوقت تغيرت كثيرا ، بسبب ما أصابه من وهن وسوء منزلة . فالقمامة التي كان يأنف أن يرتادها سايقاً ، لوفرة ما يحصل عليه مما يُطعم في البيوت، بدأت الآن تفتقر لما يسد رمقه . وتسبب ذلك باشتداد المنافسة الدموية بينه و بين الكلب من أجل لقمة تطيل ابقاء من يحصل عليها على قيد الحياة. في حين ما قبل المعارك الشرقية و الغربية ، كانت الكرامات متوفرة و كانت البيوت تلقي بفضلاتها ، بما لا يغبن حق أحد الطرفين . بل أحياناً لا يحتاجان لمعظمها . فأغلبها وهي صالحة كغذاء ، يتعففان عنها . و يظل هدفهما ما هو أطيب و غزيرالفائدة ، و غني بالفيتامينات و البروتين الحيواني .
أحياناً لا يحتاج قطُنا المحصن بانتسابه للجنس ، و الذي يفتخر بانتسابه لهذا الوطن بخيراته الوافرة . وربما أن الحال ظلت تسير من سيء إلى أسوأ. مكث ينظر إلى الأمور بعين الترقب و عدم الرضا . فقد غزا منافسون جدد لم يحسب لهم حساب ، ولا يتوقع سوء الحال أن يدفع بمثل الصبية إلى نبش القمامة . وهكذا ما عادت الخلافات مع الكلب هي الحدود القصوى، و التي باتت محنته أن يموت نافقاً ، هي المعضلة المرتقبة . فليس أمام الكلب إلاّ الذهاب الى الخلاء و يبحث عن أي شيء يملأ أمعاءه من الحشائش إلى الخرق البالية التي تحللت من قدم مكوثها في قمامات ملقاة منذ سني الرخاء المندثرة .
هل سمعتم بكلاب تأكل خرقا و أدغالاً ؟ .. وفي أسوأ الأحوال : ليس أمام الكلب سوى أن يتوسد قمامة الخلاء و يطلق الحياة و يسلم الروح إلى ربها و يقول له :
ـ خذها و خلّصنا أيها الرب لأني لا أضمن لها العيش الكريم الذي أوصيت به .
و لذا لو غاب الكلب ، نقص منافسي القط واحداّ ، واتسعت الساحة لكي يلعب بها . ولم يلعب القط بل ورث الجوع الذي عاناه الفقيد . إذ كان من الوارد أن يتقدم رواد القمامة الذين ليس هم بالحسبان بتقديم معلومات من شأنها أن تنغص حياة القط و تفتح عليه باباً غير متوقع . ولكن الحمد لله القمامة تنمو بحجة كون كل النفايات تنمو ، فلماذا هي لا تنمو ما دامت الحروب قد التهمت و مسخت كل شيء؟
لا وجود لما يخشاه قطنا الوطني المقدام ، بالأخص بعد تغيير الأوضاع . كان القط يحلم لو تغيرت . فأن أحوالاً معاشية كريمة ومصانه بهيبة انتمائه للجنس ستوفر له ، يرعاها خلفاء الرب الجدد في أرضه ، الذين شُغف الجميع بالتحرق لسماع بياناتهم ، يغيب بيان ليخلفه بيان . و هم يبشرون بها ويتعهدون بوفرة خيرهم المنتظر . و بأنه أقرب من الحاجب للعين . و لكن وعودهم حتى هذه اللحظة ( الزور مرق و الهور خواشيق ) .
ما أن عاد قطنا الأصيل ، مغموماً مهموما من كثرة التحري و العراك دون العثور على عظم أو فتات خبز ، أو أي شيء معاف . ما أن وصل إلى مأواه متعباً منفوش الفراء .حتى استقبله نجله ، لا ليسأله عن حصيلة نبش القمامة بل ليبلغه : ــ إن ثعلباً أنيق الفراء ، يبدو عليه حديث العهد بهذه الديار ، ترافقه مجموعة من أشباهه ظل يلح بالسؤال عنه .
ففكر القط وقال : ــ لقد أقبلت النعم ...
غير أنه سرعان ما استدرك ليسأل ابنه : ــ ويلك .. ما وضْع مزاجه؟ ٍ
فقال الإبن : ــ كدراً. سألني وهو مكفهر الوجه :
ــ هل هذا مأوى قط بن هر؟ استدعه على الفور .
و أردف نجله :
فقلت لهٍ : ــ ذهب الوالد على باب الله لنبش القمامة ، علّه يجلب بعض العظام أو فتات خبز إن حالفه الحظ .ٍ
فقال لي الثعلب ضجراً: ــ عندما يعود بلّغه أنه مطلوب منه أن لا يغادر ماواه حتى الثامنة صباحاً دون أن يتجاوز الوقت ويخرج للحظة ، لكونه مستدعى . أسمعت جيداً ؟
قلت : ــ سمعت .
ولكن القط حين أبُلّغ ، حسب ما واجه في حياته هذه من تجارب نحس ، لم يفهم شيئا ، بل ظل مضطربا و يقلب الإستدعاء يمنة و يسرة .ٍ
:ــ استدعاء !!! عن أي شيء اُستدعى ؟ آكلين ؟ شاربين ؟ هل عثرت هناك في يوم ما على خزين أثري أو معدني ؟ هل اختلست شيئاً؟ هل أنا مشترك بفضائح الفساد ؟ هل أنا من أصحاب المنسوبيات و المحسوبيات ؟ هل أملك غير عضات الكلب وقذفي بحجارة الصغار ؟ٍ
ولم يتم حديثه بوفرة من الأستفسارات ، التي يدرك إنها لا تسعفه بحل . لينقذه من الورطة التي لا يعرف عنها أي شيء. . و أي باعث لهذا المأزق الذي هو فيه . ٍ
وفي الليل لم يفكر بلعقة لسان لطعام . أو لعقة ماء . وراح يقلب هذا الاستدعاء من كل الوجوه ، فلم يدرك مغزاه . و في أواخر الليل ، و بعد جهد جهيد توصل لما يلي :
لو أن هذا الاستدعاء كما كان الأمر يجري سابقا ً، بحيث أن المستدعى يُختطف و يصفو عليه الماء ، حينذاك لاقتادوني فوراً . لكن.. أن أمهل حتى الصباح ، و أذهب فوراً إلى المسائلة دون رقيب.. فالأمر أخف و أهون بكثير ... و لكن قلبي يقول لي أنهم أطلوا علينا من مفقسات نفس ذلك البيض .
و تمنى القط :
ـ أن تكون ألمسألة أخف بكثير مما ذهبت إليه. لماذا نسيء الظن و نظلم الخلق؟ يا لي من نافذ للصبر . من أين يأتي الصبر، و دنياي كلها صفعات و ضربات و عضات ؟ و تلاحقنا سموم السيانيد . وأنت لا تجد رفيقاً . حتى الصغار اولئك الذين كنت أقضي ليلي ساهراً، أشخر لهم لكي يناموا على لحن شخيري لكي يثقل أجفانهم الكرى ، ذلك الشخيرالذي يشبه مناغاة أُم لصغيرها. لم يسعفني بموقف امتنان. فيا لك من زمن جاحد .
وأطال بالتفكير بما هو يستدعي الأسف ، لذا أغلق الموضوع ، ليفكر في ذهابه غير المربح للقمامة :
ــ أين غأدًْرتْ عنابر الطعام؟ وأين الجرذان التي ألْحًمت و كادت أن تبلغ حجمي، حين كنت بكامل فتوتي ؟
كان لا يتاتى اصطيادها: إلاّ بجسارة وقوة إرادة . أما الآن ، و بعد أن غدت الأرض قاعا بلقعا ، فقد رحلت تلك الجرذان الشهية ولا يعلم أحد إلى أين إلاّ الله . ربما نفقت أو هاجرت مع من هاجر .
* * *
في الصباح وفي وقت مبكر جداً ، حيث لم يخلد القط إلى النوم، أقعى ينتظر حلول الموعد بقلق و عدم اطمئنان و حساب و كتاب، لكي يكون جاهزا حسب الموعد المطلوب .
إلى أين؟ لا يدري... وعند ذاك توقفت عجلة ـ همر ستيشن ـ ونودي عليه ، و دُفع الى جوفها و انطلقت به . وتذكر تلك العجلات المتآكلة التي يحشر بها المستدعى ، حين كان المخلوق ذو قيمة متدنية ، لا يُقدس ديانته و لا معتقده . وتمنى أن يكون استدعاؤه فاتحة خير .
ولكن.. إلى أين ؟ لايدري . لماذا يُدْفع دفعاً ؟ لا يدري . ما هي الأسباب ؟ لا يدري . و هل يتناول لقمة دسمة ؟
و دفعت به الأماني أن يكون مدعواً الى وليمة من اللحوم الفاخرة . : ـ هل يأكل هناك و عياله يتضورون جوعاً؟؟ لا و الله إذا معل فمي و تقبلته بطني فالعنة عليها، و سأبصق في جوفها .
هكذا إن حدث ذلك و تحقق حلمه ، فهو لم يفعل ما يلام من أجله . وضحك ساخراً من هذا الإستنتاج .
توقفت العجلة أمام بناء منيف ــ شبه سري ــ كتبت على واجهته ( هذا من فضل ربي ) و أسفلها ( أهلاً و مرحباً بالمدعوين الكرام ) .
هبط الثعلب الأنيق الذي لم يتناول معه الحديث طيلة الطريق ، ربما لعلوّ شانه . كأنه ما كان في يوم ما هو و ابن عمه ( إبن آوى) لصوصاً للدجاج واليوم يستقل عربة (همر ستيشن) . و أشارت زمرته للقط أن يهبط .
كانت هناك مدرجات على مدى ارتقائه إلى الأعلى التي ينبغي أن يعتليها . وقبل دخوله إلى حيث يرغبون أشار أحد السادة باشمئزاز ، أن يحتذي حذءاً احتراما لمنزلة المجتمعين. فاعترض لعدم ملائمة حجم الحذاء الكبير على أطرافه . ولكنه طُلب منه أن ينفذ ولا يناقش . فأذعن رغم معاناته من ثقل الأحذية و ما أضفت عليه من منظر مزرٍ . كان المكان شبه سرّي ، مدجج بالرقابة.
إرتقى نحو الباب الأبنوسي وأُشير إليه بصمت أن يحث خطاه إلى حيث الجلسة ، ألتي احتدمت بالنقاش و السباب . و تبين للقط بخيبة أمل ، إن ما يحدث كان عبارة عن عراك حول توزيع الحصص و المغنانم .
وصل أخيراً إلى مدرج اعتلاه وإصبح الثعلب يشير إليه ، ليقف إلى جانب رئيس الجلسة وامام الجالسين الذين تطلعوا نحوه بنظرات مبهمة . حيّاهم ولم يجب أحد .
كُتبت لوحة تعريف باسم رئيس الجلسة أمامه مباشرة : ( علي بابا) . و الذي على يمينه كُتب ( أبو حزامين ) . وعلى شماله ( أبو نا زانم) . و كانوا يكتسون بأجود أنواع فراء الثعالب .
أدرك القط : إنها بداية لا تبشر بفأل حسن.. و سرعان ما التقطت عيناه صورة متكاملة للجلسة. بدت تتخللها مخلوقات ممسوخة و غيرها هادئة الطبع منصتة كأنها لا تمتلك واجباً سوى الإنصات .. رغم الضوضاء و الضجيج . فعلى جهة أقصى الشما ل تجلس الثعالب . ثم في اليمين الذئاب الغاضبة لكون ما مخصص لها لا يناسب استحقاقها . وفي الوسط القطط السمان . وكانت هناك القردة مقعية تنصت لهذا الجدل الحاد ، وقد التزمت الموقف الذي يطابق المثل القائل ( الذي يأخذ امّي يصير عمي ) . و في المقدمة تربعت الديناصورات . من أين جيء بها ؟؟؟؟
المذهل .. كل تلك التي تجلببت بالجلود قريبة الشبه بالزيتوني ــ كفانا الله و إيّاكم شرأيام الزيتوني ، ونتمنى من الله أن هذا الضجيج وسلاطة اللسان لا يفسح مجالاً لتفريخ فراخاً زيتونية أو فراخ عفاريت ــ و ربما تفاؤلاً أو إبراز العضلات للتهديد إذا لم تحسم الأمور . وكان يبدو هذا الموقف هو جانب من التزام التريث إلى أن تصفو الصافية .
كان هذا التنوع يدلل على نمط من العدالة . أو جرّاء الدعم لمجموعات لاتبدو ضعيفة تجاه مناهضيها . و يجدر أن نلفت النظر إلى هذه التشكيلة ذات الذوق لمجموعات تتصدرها هذه المجاميع القادمة من منافيها الإختيارية و الإحترازية. في مقصورات اشبه بالأقفاص ، لكي يسهل فتح مصاريعها على الأرض الأم و لكي يتشمموا رائحة ترابها و دون أن توضع الآذان على أديمها و تثار الدهشة لسماع انينها . وهي مجموعات لم تمسسها النار التي اكتوت بها الأرض الأم ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل كانت ملامح الرخاء واضحة على مظهر هذه الجميع . ولكن ما قاموا به قبل هذا اليوم كان من باب التمهيدات ، لإستكمال الاستحواذ على الدور المهيمن .
بدت الجلسة محتدمة كما لو كان عرضاً مسرحياً . الكل لا يبدو لديه نِيّة للتنازل عن قنطار من حصصه . و كان في واقع الحال ما يدور في الداخل ــ لكي نكون منصفين أكثر ــ صراعا متحضرا غير دموي ، إتّسم باتباع القيم الديقراطية كوسيلة تتسم بالطابع المتحضر لتطبيق المحاصصة . و نعود لننتبه لما تساءل عنه القط مع نفسه :
ــ ماذا كان يأكل هؤلاء ؟
أن أبهر ما يشاهده ، هو إمتلاكهم الفراء الفاخرة والخدود المنتفخة والأجسام البهلوانية . وقد تزيّن منهم من تزيّن بلحى تسترسل على صدورهم بيضاء براقة . و الأخرى كالكحل .
من أين جاءت اللحى لهذه المخلوقات ؟ وهناك أناث صوَّاتات . وفي كل الأحوال جاء سؤال زوجة قط من القطط السمان من عائلة قططية أرستقراطية تنتسب لبلد متحضر . و تبدو من استفسارها أنها جاهلة بدقائق الأمور ، و لم يزودها الزوج بمعلومات دقيقة عن بلده سوى الإطناب بالماضي العريق لتاريخ وطنه ، فاستفسرت :
ــ هل هؤلاء هم الذين نشأت الحضارات الرائدة لديهم ، و بدأت الخليقة على أرضهم ؟
قال القط السمين القادم من الخارج : ــ إنه قط محلي كان من التنابلة المتسكعين ، له ابن خالة مهاجر عمل له فيزة و اوجد له عملاً ولكنه فضّل البقاء هنا . للأسف أنه ينتمي لسلالة اجدادنا العظام غير الهجينة .إنه يميل إلى التشابه مع هيكل مومياء من هياكلهم ؟
قال قط آخر: ــ على ما تسعفني ذاكرتي كنا هنا ، في يوم ما ، في بحبوحة و حصانة . وكان جيراننا لا يقر لهم قرار إلاّ أن يوفروا لنأ كل ما لذ وطاب . وكانت أفراخ الدجاج سلوتنا عندما نريد أن نشاكس و نضحك . أين هو الدجاج المحلي الان ؟ أين الأوز ؟ أين البرهان؟ أين الديك الرومي ؟
كانت ذكريات أيام زمان تتوالى من بعد مشاهدة القط المحلي المنكود الذي أصر أن لا يفارق وطنه .. في الدنيا عقول تحسب التوقعات بالمقلوب .
فعلّق آخر: ــ إن رداءة حاله .. ظاهرة محرجة لكرامتنا . إنه بصراحة ما كان يستوجب أن لا نسمح لمراسل من الفضائيات العالمية أن يبعث بمنظره هذا . إنه منظر منفر . نفاية .. كنا نتوقع أن أبناء الوطن يطلون عبر الفضائيات بحشمة مشرّفة . شيء مؤسف . أين رحل ذلك الوطن الجميل؟ هل ابتلعه ديناصور ؟ أليس من الأفضل أن ترحل هذه المخلوقات المنفرة إلى جحيم ؟
* * *
بوغت المجتمعون بطرقات ( علي بابا ) رئيس جلسة مؤسسة ( التحقق وكشف الأحوال) لأيقاف ما اعتاد سماعه من عراك على ما يجنون و يحوشون من حصص و مغانم .
مشط الرئيس (علي بابا) لحيته و فراءه الذهبي . واتكأ على كرسيه الأبنوسي . وكانت هناك مسحة ابتسامة على وجهه ، هدّأَت خافق قط القمامة :
ــ أيها القط ...
نادى رئيس الجلسة بديقراطية في منتهى الشفافية .، و هو دائب على تصفح أوراقه و يتنحنح.، ثم يلتفت ليتداول الحديث الخافت مع مساعده ( أبو حزامين) : ــ مالذي نبدأه معه ؟
قاطعه القط على وجه السرعة: ــ نعم يا سيدي معالي السيد رئيس الجلسة. حفظك الله ورعاك.
قال علي بابا : ــ قل أطال الله عمرك ولا تقل حفظك الله و رعاك . فذلك زمن ولّى . و الآن .. أتعرف الاتهام الموجه إليك ؟
قال القط في سرّه ، وهو بحيرة واضحة : يبدو أن الإمور سوداء مظلمة . ثم أعلن :
ــ أُقسم بشرفكم جميعا و بلحاكم الطاهرة ، أنني لا اعلم شيئاً عن أية تهمة . فأنا ياسيدي كما تراني : ما دمت لا أملك سوى جلدي المنفوش هذا ــ ودار دورة كاملة ــ أنرى يا سيدي ؟ . وأحمد الله لكونه لا يباع ولا يشترى، فالمثل يقول (حرامي لا تصير ، من السلطان لا تخاف ). لا ماكل ولا شارب . لا أنا و لا عائلتي . منذ ليلة ما قبل البارحة . والله شاهد على ما أقول يا سيدي و بطوننا ساحات شاغرة . قال علي بابا : ــ ها.............. إذن هنا الحكاية . ماذاأكلــتـُ.............................م ؟!
: ــ خراء . . وما حيلة المضطر إلاّ ركوبها .
قال رئيس الجلسة و هو يبدو هازئاً :
ــ كلا .. ليست الحكاية حكاية خراء . التهمة أنك أُُودِعَتْ في حوزتك وديعة ، وبدلاً من الحفاظ عليها و إعادتها إلى أصحابها .... إزدردتها .
ثم بعد أن تأنى ( علي بابا ) قال :
ــ سيد قط...إن الخالق سبحانه و تعالى منَّ عليكم بالمساءلة ، إذا تجاوزتم على مال الغير . أي المال الذي يُسلب من بيت المال ، أو مِن الذي انتشلته بيدك أو الذي تودعه بموجب أرقام سرية . أو ثمناً لإنهاء عملية اختطاف. الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي . و أنت تعرف إن الذين يكنزون الذهب و الفضة تنتف لحاهم . ثم.. ماذا يحدث لهم بعدها يا سيد قطيط .............. ؟؟؟ رأساً إلى جهنم .هناك يحتجز مع ذوي المال الحرام و ... لا داعي لأقولها ... فالمسألة لا تحتاج إلى توضيح .
واصل معالي علي بابا و هو يضحك طارقاً بمطرقته ، موجهاً كلامه للجميع :
ــ أرجو الإنتباه لذلك : هو ابن هذه الأرض المباركة ، أرض الأنبياء و الأوصياء و حمورابي . .... ولكنه تخلى عن تقاليدهم كلها دفعة واحدة .
قال القط : ــ لا وحق الأنبياء و الأوصياء ياسيدي، لا أعرف حمورابي و لا يعرفني . هل هو من الرفاق الثعالب ؟ هل قدّم شكوى ضدي ؟ أين يسكن؟ أهو الذي استدعاني عن مصير الوديعة ؟ وماهي ؟
قال رئيس الجلسة:
ــ أين تعثر عليه ؟؟ إنه هناك في الخارج . رحّلوه مع من رحّلوه و أسكنوه في متحف العظماء هرباً من هذه الخِلق. ولا علاقة له بموضوعك . الوديعة هي من الحصص التموينية . . فهمت؟
قال القط:
ــ مرة أُخري؟! مالى و للحصص التوينية ؟
قال رئيس الجلسة : أرايت ؟ تدخل في جحر فتقع في بئر. هرب رجل القوانين و تريد أن تلحق به إلى المتحف . مات ولم يخلص من هذه الوجوه الكالحة .
قال القط :
ــ مالي وله ؟ هل أنا من لصوص الآثار ؟ من هجره للمتحف ؟ أنا ؟... أم هو هاجر وترك وطنه في هذه الحالة المزريه لكي تأتوا أنتم و تغيرونه من حال إلى حال . أو ربما راح هناك لكي يتناول وجبات سمك الكافيار ويترك أبناء وطنه الذين يرثى لحالهم وديعة بأيدي نضيفة مثل أيديكم . و لكنه كما يبدو تحالف معكم لكي يتقدم بشكواه ضدنا ، بدلاً من الوقوف بجانبنا .
قال رئيس الجلسة : ــ ليس من أجل الكافيار بل حملوه وتعاليمه إلى هناك لكون تعاليمه اللبنة الأولى لتعاليم العالم .
قال القط و أساه يتفجر :
ــ تركوا العراق في حيص بيص ، و النفط ينادون به ( ياجوعان جاي) . في كل الأحوال ما هي مهمتكم معي يا سيدي ؟
: ــ مساءلتك عن مصير الشحمة المودعة لديك والتي ازدردتها.
فقال القط : ــ أنا !!!
قال علي بابا : ــ ها... من ؟
قال القط : ــ أنتم تاكلون و نحن نضرس . ثم تتركون عزيز قومكم أسير المتاحف العالمية و تسائلوني عن الشحمة ، التي ما عرفتها و لا شممتها ولا عرفها حتى أجدادي أيام أن كان مشرِّع قوانينكم حياً يرزق .
قال رئيس الجلسة مبتسماً : ــ حمرابي ... كان الأجدى بك أن تعرف منه تاريخ بلدك اتعرف عدد قوانينه؟
قال القط : ــ معرفتها تخصكم ، أما أنا فكلا .. فقط أعرف أنه انصف معكم أنتم المنعمين بكرم أكياس الدولار و الكافيار يا ذوي الفراء الثمينة وأودع قوانينه في رقابكم و تركني في نزاع مع الجوع .
ــ إسمع .. لا تشط عن موضوعنا . فمن أحكامه : الذي يشرب من ماء الأنهار المقدسة ، أيام عنفوانها و نقصانها ، كان يفترض به أن يكون أميناً على ودائع الناس . ثم عليه أن لا يهبط إلى مستوى نبش القمامة . فمثل هذا لا يليق بتعاليمه و لا بشرف و إنفة ابن هذا الوطن . وبما أن صاحب الشحمة التي تقتضي اللياقة أن لا نكشف اسمه، قد يكون فقد معها ما لم يضع القانون يده عليها . لذا.. ينبغي تحميلك مسؤولية إعادتها إلى المجلس الموقر .
هزّ القط ذيله متفاجئاً و ضحك .
قال الرئيس: ــ ضحكت؟؟؟
قال القط : ــ من يسمعكم لا يتصوركم هذا الخليط بعضكم لا يشبه بعض . بل بشر من ذوي الإحساس و الشعور بالمسؤولية . ورغبات دنيوية وآخروية . ولاقتنع بأن مهمتكم أكبر بكثير من معضلة الشحمة الملعونة .
عقّب علي بابا : ــ نحمد الله على ان قططنا تمتلك الوعي الوطني و لم تغادره و تفقد أصالتها و تراثها . تدرك أننا رغم بنيتنا الفسلجية قد مسخت، من بشر إلى ما نحن عليه . ولكننا نمتلك جميع سجايا البشر و هذا يدلل على وعينا بالمعضلات التي يواجهها الوطن . فالقط الذي لم يهاجر بل يرتبط مثل ارتباط الجنين بحبل المشيمة . كذلك يرتبط بقمامة وطنه التي لم تشهد قنينة كحول واحدة تسيء إلى سمعتها . ولكنك مع شديد الأسف كان عليك أن لا تفرط و تضيعها بازدراد الشحمة .
لذا راودت القط الرغبة أن يعبث بقصد الممازحة الساخرة مع السيد علي بابا
فقال: ــ إذن يا معالي الثعلب الكبير.... لماذا ارتضيتم أن تنمسخوا بهذه الحال المقززة؟؟؟؟
ـ لم ننمسخ بل رؤياكم هي التي مسخت.
ـ لكي أكون صادقاً معك يا صاحب المعالي أتسمح لي بممارسة الديمقراطية ؟
قال : ــ نعم......... لك ذلك . لماذا لا ؟...
قال القط : ــ إذن أطلب منك أن تقسم بشرفك وبشرف الديقراطية، التي هي صاحبة اليد الطولى أن تقيّد أية محاولة لمقاطعتي .
هزّ رئيس الجلسة رأسه موافقاً : ــ بالطبع .. بالطبع : أُقسم لك بشرفي .. وأُقسم لك أيضاً بشرف الديمقراطية ، بل وبمحتوى الديمقراطية و نزاهتها .
لماذا استدعيناك إذن؟ الاستدعاء من صفات الديقراطية بدون قيود ولا (كلبجة) . فنحن نؤمن بديقراطية الأكثرية كما نؤمن بديقراطية الأقلية ..بل ديمقراطية الكل حسب احتياجهم منها..إنظر إلى إخوانك القطط السمان إنظر لهؤلاء .. كم هم مشحومون متوردون، منفوخون من الديقراطية . أي باستطاعتك أن تتكلم دون خوف . من حق ابن هذا الوطن أن يأكل كما من حقه أن لا يأكل .
قال القط : ــ آ............... هنا تسكب العبرات . كم هو جميل أن تضمن لنا أحقية الأكل أو الموت جوعاً. ألآن باتت أرداف الديقراطية واضحة لكل عـين ... أنت تعرف يا سيدي و السادة الأجلاء السائرون على هدى مبادئ حمورابي .أيها المجموعات التي تمثل أقصى ما نطمح إليه من الشمال إلى اليمين . من مبادئ الاختلاف ، من الملتحين إلى الذين حُلقت شواربهم. أيها المتحاصون من ثعلبكم إلى قردكم . تدركون أنه لا توجد شحمة في القمامة لسبب بسيط جداً: هو لكثرة روادها الباحثين عن شيء يحشرونه في أمعائهم . لا شحمة ولا عظم ولا هم يحزنون . بل خرق وحُفّاظات فضلات الصغار و الجائع يأكل أي شيء لكي لا ينفق .
قال رئيس الجلسة بجزع : ــ كفاك من إعادة للكلام عن القذارات يا أخي .أنت من أبناء الأجداد العظام ويجب عليك أن لا تهبط بمثلك إلى هذا الدرك . أنت يا أخي تعرض مشاعرنا للانتكاس .
هزّ القط ذيله بهزء و قال : ــ يقولون له نريد خبزاً .. يقول لماذا لا تأكلون الكيك؟ أنا أقول : لك لم يعد لإبن الوطن من أي صنف هنا أكثر من نعمة الجوع . القمامة هي أُمنا و أبونا و مصدر حياتنا و أكثر من غيرها كرماً و أحساساً بمعاناتنا . و إحساساً بواقعنا المزري وكفى .
بذرة تؤكل لم تتركوها لا للزرزور و لا لأبي الزّعر و لا لزيط اللّيط (1) فهاجر الجميع أو نفق . هل أصحاب الوطن بلا معدة ولا روح ولا حق ؟ توزيعكم للحصص: واحد بحمار وأربعين ببغل .
أنا فقط أُريد أن أقول لك : نحن القطط و الكلاب في هذا البلد ــ وإن كنا متخاصمين ــ أغنياء و متخمين جداً بنعمة داء الأكياس المائية . و ديدان الكبد .. وداء القطط الذي استوردتموه معكم ، هدية لنا مشكورين . فلا نحن من أصحاب الملياديرات و أمراضها ولا المليونيرات.ولا الماربجوانا ولا آكلي أسماك الكافيار ، بحثاً عن محفزات جنسية . ولم نصنع من أوراق البنكنوت أكياساً للكرزات. كنا نتطلّع سابقاً لما تبشر به وعودكم . و ما يصدر من أمال عراض يطلقها بيان من بياناتكم، التي تدَجنتْ الآن ، يعلن عن الخير الوافر . و كانت وعودكم أبرز المنشطات لغدد اللعاب في رأس القائمة ، إلى أن ترسو الوعود عند سمك ( دودة الزعيم) . و دودة الزعيم ايضا نفقت . هل حلّ محله القرش؟ا هل القرش أو الديناصور على الأبواب ؟ الله هو وحده الذي يجيب .
فهتف الجميع : ــ إعدموه .. إعدموه ؟
قاطعهم القط : ــ ذات يوم ابتاع ثلاثة أصحاب بلحاً . و كان أحدهم أعمى . ظل الأعمى يأكل واحدة واحدة و الجميع صامتون . ظن الأعمى أنهما يأكلان اثنين اثنين ففعل ذلك والإثنان صامتان. ظل يأكل تلاث ، ثلاث ، و الإثنان صامتان. ظل يأكل اربع أربع و الإثنان صامتان . وعندما لم يقل له أحد ماذا تفعل ؟ ظنهم ينهبون ما تبقى ، جمع التمر من أمامهم وقال: ــ قولوا فرهود؟
صاح الجميع : ــ إعدموه القصد واضح.. لماذا لا تعدموه؟
قال القط للرئيس علي بابا ، بعد أن تريث ليسمع زبدة هذا الضجيج. ،على أنهم يصنعون شيئاً للآخرين و ليس لزيادة أسهمهم . و أن هناك شيئأً ذي بال يؤدّى للآخرين: ــ دعهم يتشفون ويشبعون رغبتهم السلطوية للانتقام كمن سبقوهم . ولكن ليسمعوا:ــ هل عتقت الحكاية؟ عندما كانوا هناك عبر البحار يبحثون عنكم من أجل نزع فرائكم وبيعها ؟
كل الحياة التي عشتها وعاشها آبائي و أهلي نكدة . فيها غُلْبة . حياة دائماً.. إذا أراد أمثال هذه المجاميع الذين هم أنتم بما فيكم (عليِّكم ) و( أبو حزامينكم ) و(ناازانمكم ) ، سواء رضيتم أم لا، فإنها تبدو شرسة و ليست رؤوفة و لا رحيمة . عليها أن تعجل بقرار الإعدام ، لأن من سبقها هو هكذا . وما دام الحكم هو كما كان يجري .. فلماذا لا يسلكوه؟ . و لكني أفيدكم بحقيقة : إن عائلتي لا تمتلك لكم ثمن أتعابكم في طريقة قتلي . وما دام الحكم هو كما كان يجري .. فلماذا لا تسلكوه؟ ، وأن يبدأ الأمر كذلك عبر سحقي حتى العظم ؟ لم يأت واحد و يعطي مغلوبا حقه. أغلب الذين أتوا هم بالمطلق ليس أهلاً لها و يتراجعون عن وعودهم عشرات الخطوات. ولذلك من الحيف أن أحيا حياة كل وظيفتها يافطة للشعارات و من ثم أكون سنداناً للمطرقة .
الكل يثري . والكل يبحث عن صنفه ليشاركه في النهب . الكل يطرق على رؤوسنا . من الذي يطرق بهدوء؟ لا تكاد أن تجده . الكل يريد أن يقضي حاجته بمطرقته الثقيلة شديدة الوطأة على رأسك . وهذه هي المحصلة النهائية حتى اليوم .
أما بعد اليوم .. لا أدري إذا كان الوضع يتحسن . لكن حتى الآن فقط نسمع و عود ثعالب و ذئاب . وأصحاب مطارق . ولكن مهما كان حقيقيا فإنه بعيد للغاية ، حتى ترسو أمورنا إلى برّ الاستقرار . و قد لا يحدث هذا اطلاقاً ، و نفاجأ بإعصار يقلع حتى هذا البناء المنيف .
إنها للأسف نظرة قد تكون تشـــاؤمية، ولكني لا أحتمل وقتاً من المعاناة أكثر من هذا. ولذا .. لا يفوتني أن أقول : إن سارقي كل الشحم ، بما فيها الشحمة التي اتهمتموني بابتلاعها هي في كروش هؤلاء و ليس ببطني السقيمة .
ردّ عليه رئيس الجلسة بغيظ : ــ هذه دعاية رخيصة .
قال القط : ــ سمّها ما شئت لكننا نُسمي الأشياء بأسمائها . إن التحصيل الحاصل .. هي مسالة فرهود .
قال رئيس الجلسة و هو يرفع ذراعيه وكفّيه مفتوحتين : ــ آ................. إلى هنا وكفى . . إلى هنا وكفى... فلقد تحولت أنت الى حاكم يوجه التُهًمْ ونحن المتهمون . لذا .. يجري التحفظ عليك و ترفع الجلسة الى حين اتخاذ ألقرار المناسب .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زيط الليط طيرصغير كثير الحركة سريعها |