يالها من فكرة تقترب من حافة الجنون وتبتعد عن الواقعية السياسية,في زحمة الصراع الإقليمي الطائفي والقومي .أن يكون العراق عضوا في حلف النيتو كما الحال مع الجارة الشمالية تركيا,أمر في غاية التعقيد.
الأتراك ليسو ببعيدين عن بلدان الحلف الفاعلة كألمانيا وفرنسا وإيطاليا, وبما فيها اليونان العدو التقليدي لدولة السيد أتاتورك,هم يمتلكون مساحة من حرية التحرك,بعيدون عن الصراع الطائفي الذي يحكم العراق, ويجره الى دائرة صراع أوسع, أطرافها كثر, ليست السعودية أو أيران اللاعبين الأساسيين فيها فقط , لكنهما يمتلكان قدرة توجيه الدفة.وفي العراق أيضا حكومة مشدودة الى ذلك الصراع, لاتستطيع أن تبارحه لأسباب عدة, أولها إن الفرقاء السياسيين ,والكتل الفاعلة هي جزء من منظومة الصراع ,وليست مراقبة أو قادرة أن تنأى بنفسها عنه ,ثم إنها نتاج له أيضا, ولا قدرة لها على التحرر منه ,بل ربما أججته تحت عوامل الضغط ,أو لتحريك مياه راكدة ,وحتى بالنيابة عن حليف إقليمي منزعج من تطورات ما.
لو إنضم العراق الى حلف النيتو,لن يكون بمقدوره الخروج عن سياسات الحلف,وفي الوقت نفسه لن يكون بمستطاعه التحرر من عقدة الدول الإقليمية التي تجد إنه الضد الفاعل لمصالحها,وتهديد حقيقي لوجودها,وليس من حق دولة بحجم العراق وبطبيعة سكان وثقافة قومية ومذهبية غير منفصلة عن الجوار, أن تكون قاعدة من قواعده, التي تستخدم ربما لتوجيه الأحداث, ولممارسة ضغط عسكري على تلك الدول,عدا عن أن لاأحد يستطيع إحداث مقاربة بين الحال التركي والحال العراقي,والعراق مشدود لإيران والسعودية أكثر بكثير من إنشداده للجار التركي الذي لايفقه العراق من علاقته به سوى الحدود والتجارة والمياه,بينما ينفصل عنه بجغرافيا وعرة وثقافة قومية ومذهبية مخالفة.
الواقع السياسي العراقي ,والتركيبة المذهبية, والعقدة من وجود الإحتلال ,وتأثيره السلبي في التوتر الهائل في المنطقة ,يمثل عامل ضغط على أي حكومة تقترب كثيرا من الرؤية الامريكية,وواشنطن تدرك ماتدركه بغداد لذلك تتبادلان القبل على خجل ومن تحت الستار.
لو إنضم العراق الى حلف النيتو فإن دولا مثل إيران, ومجموعة مجلس التعاون الخليجي ستكون حذرة ومترددة, وربما إتخذت مواقف صعبة لوقف أي تقدم في العلاقة بين الحلف وبغداد,ولابد من الإشارة الى إن مخاوف دول الخليج وإيران ليست من صدام ونظامه الدكتاتوري الذي كان يمارس سياسة التحرش بالجيران,بل من العراق لأن طبيعة التاريخ والجغرافيا والتأثير, والتداخل الإقليمي والدولي والمصالح الحيوية للدول الكبرى جعلت من هذا البلد على حافة النار, وتكرر صراعه مع جيرانه ,سواء على البوابة الشرقية كما كانت تسمى في ثمانينيات القرن الماضي ,أو من جهة الجنوب والغرب...حلف بغداد الذي شكل في العام 1955 لم يكتب له النجاح لأن النظام السياسي الذي هيأ له سقط بكامله ,وصار من الماضي نتيجة مخاوف دفعت لإختلاق مؤامرة ما.
في هذه المرحلة ما على العراق إلا أن يكون على الحياد ,فهناك جبهة مشتعلة من حوله والصراع النووي بين واشنطن وطهران,الحرب المذهبية في البحرين,وإشتعال متصاعد في سورية,تداخلات خليجية,وعمل بالنيابة عن الغرب في المنطقة وبل يمكن القول إن درع الجزيرة يتحول رويدا الى طلائع متقدمة للنيتو,والعراق في هذه الاجواء يعاني من الإفتقاد لإستراتيجية واضحة,ومن صراع طائفي تخفيه أصباغ زينة منتهية الصلاحية,ومن فرقاء سياسيين لايرون لمسافة أبعد من انوفهم التي تشم رائحة المصالح الشخصية والفئوية فقط.
hadeejalu@yahoo.com |