قد يعتقد البعض أنّ ما جرى من تجاهل متعمّد ومقصود للأمين العام للحزب نوري المالكي في الاحتفال التأبيني الذي أقامه حزب الدعوّة الإسلامية بمناسبة ذكرى استشهاد محمد باقر الصدر , وخروج الأمين العام غاضبا وتركه الاحتفال من دون أن يلقي كلمته , هو تصرّف فردي من قبل رئيس لجنة الاحتفال الدكتور وليد الحلي , لكنّ مصادر موثوقة من داخل الحزب تؤكد أن هذا التصرّف لم يكن تصرّفا فرديا , بل أن هذا التصرّف قد تمّ إعداده والاتفاق عليه مسبّقا بين رئيس الوزراء حيدر العبادي وصقور قيادة الحزب , لإعطاء رسالة للراي العام العراقي والأحزاب والقوى السياسية في العراق , أنّ نوري المالكي لم يعد قائدا للحزب , ولم يعد له اي دور في رسم سياسات الحزب العامة وعلاقته بالأحزاب والقوى السياسية التي تشّكل الخارطة السياسية الحالية , وأنّ بقائه أمينا عاما للحزب هي مسألة وقت لحين انعقاد مؤتمر الحزب العام .
والحقيقة أن هذا السيناريو كان متوّقعا بعد الانقلاب الذي قاده العبادي والزهيري والحلي والعلاق ولآخرون على زعيمهم والتآمر عليه بالاتفاق مع القوى السياسية الأخرى التي كانت تطالب بعزله , وبمباركة محمد رضا السيستاني الذي لعب دورا مهما في هذا الانقلاب , وبالرغم من كل الجهود التي بذلت من أجل إزالة آثار هذا التآمر وعودة المياه إلى مجاريها , إلا أنّ كلّ هذه المحاولات قد بائت بالفشل , وأصبح وجود نوري المالكي في أمانة الحزب يشّكل عبئا حقيقيا على منهج وسياسة الحزب التي اصبح العبادي هو من يمثلها بحكم موقعه كرئيس للوزراء , ولعلّ التطورات السياسية والأمنية اللاحقة وبروز ظاهرة الفصائل الإسلامية المجاهدة على الساحة العراقية , والمكانة المرموقة التي أعطيت للمالكي من قبل قيادات هذه الفصائل , هي القشّة التي قصمت ظهر البعير والتي أصبحت ترعب قيادة حزب الدعوّة , , وقيادة الدعوّة تدرك تماما أنّ قيادة نوري المالكي لهذه الفصائل المجاهدة , سيحدث تغييرات جوهرية على الخارطة السياسية في البلد بشكل عام والخارطة السياسية الشيعية بشكل خاص , فكل المؤشرات والدلائل تشير إلى تعاظم دور هذه الفصائل المجاهدة على الساحة السياسية وتحوّل قادتها إلى أبطال حقيقيين بنظر أبناء شيعة العراق .
ولعلّ من المصلحة لنوري المالكي ولمستقبله السياسي الخروج من قيادة حزب الدعوّة الإسلامية , بعد أن خرجت هذه القيادة عن منهجها السياسي والجهادي الذي أعطت من أجله آلاف الشهداء , ومن جانب آخر فأنّ دعم هذه القيادة لسياسات الحكومة التي يراسها حيدر العبادي , هي بحد ذاتها أصبحت تشّكل إحراجا للأمين العام نوري المالكي الذي رفض طيلة فترة حكمه أن يقدّم اي تنازل للآخرين على حساب الدستور ومصلحة الشعب , ولو كان المالكي قد قبل بتقديم هذه التنازلات المهينة التي تقدّمها حكومة رئيس الوزراء الحالية حيدر العبادي , لما حاربه الجميع ووقف ضدّه , وهنالك أمر مهم لا يمكن لنوري المالكي أن يتجاهله , وهو موقف مناصريه ومناصري الفصائل الإسلامية المجاهدة الرافض للذّل والخضوع والابتزاز , فهؤلاء المناصرون أصبحوا اليوم يشّكلون ثقلا سياسيا وقوة جماهيرية متعاظمة , خصوصا بعد الانتصارات الساحقة التي حققتها هذه الفصائل والتي أبرهت الأعداء قبل الأصدقاء .
ويقول أحد الكوادر المتقدّمة في حزب الدعوّة الإسلامية , إنّ تأخير انعقاد مؤتمر الحزب وتأجيله هو بسبب وقوف الغالبية العظمى من قواعد الحزب مع الأمين العام نوري المالكي , وهذا التأجيل هو من أجل كسب الوقت لشراء ذمم أكبر عدد ممكن من كوادر الحزب وإغرائها بالمال والمناصب والنفوذ , ونوري المالكي نفسه لم يعد مهيئا نفسيا ولا سياسيا لأن يتماشى مع سياسات هذه القيادة الجديدة , فهو بين احتمالين لا ثالث لهما , فأمّا أن تخرج هذه القيادة من الحزب ويبقى هو , أو يخرج هو من قيادة الحزب ويتابع مسيرته السياسية مع فصائل المقاومة الإسلامية في العراق , وهذا الاحتمال هو الأقرب للمنطق والصواب .
أياد السماوي / المنتدى الإعلامي الحر في العراق |