وانا اصعد في تلك الشاحنة مع المئات من الشباب المشاركين في الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 مطوقين بقوات الحرس الجمهوري المدججين بأحدث أنواع السلاح بعد أن دخلوا المدينة مستخدمين القصف العشوائي من المدفعية والطائرات السمتية وراجمات الصواريخ وغيرها من أسلحة الموت التي هدمت المدينة ولم ينجو منها حتى المرقد العلوي الشريف، ركبنا في الشاحنات (البدي) . ولم نكن نعلم الى أين سيكون المصير بعد أن سجلت الأسماء وعناوين وحداتنا العسكرية ، مشت الشاحنات في رتل طويل من النجف الى بغداد مرورا بمحافظة بابل وكان الطريق طويل جدا واستغرقت الرحلة أكثر من ثمان ساعات ،وصلنا الى المكان ليلا ولم أكن أعلم أين أنا برغم أني كنت من الساكنين في بغداد واعرفها كما اعرف غرف بيتنا الصغير في حي الشعب شمال العاصمة.
وما أن توقفت الشاحنات حتى صاح بنا أحد الحراس من أين أنتم ولما عرف أننا من النجف الاشرف لم يتردد في إطلاق عبارات الشتم والسباب ولم يكتفي بهذا لكنه ذهب بعيدا جدا حين مس الأئمة الأطهار بكلامة النابي الذي كان ينبع من روح الطائفية التي كانت نقطة التحول في هذه الرحلة الطويلة حينها فقط أصابني شعور أننا سوف لن نخرج من هذا المكان حتى نتمنى الموت على أنواع العذاب الذي سوف نناله هنا في هذا المكان المجهول خصوصا واني كنت احمل في صدري اثار لجروح رصاصات اصابتني اثناء التصدي لقوات الحرس الجمهوري التي استباحت المدينة المقدسة ، وبعد أن ادخلونا في (جملونات) مظلمة كان أحدنا يتبول في مكان نومه نعم هذه هي الحقيقة ، وفي الصباح علمنا أننا في مقر تابع للدفاع الجوي يقع خلف مطار بغداد الدولي وهو ما بات يعرف بمعتقل (الرضوانية) الأحداث والقصص والصور في هذا المكان كثيرة ولا اريد الخوض بها الان، ولكن أن يكون يوم 19 من شهر اذار 2015 يوم آخر في حياتي هذه هي المفارقة في هذا اليوم يتم تكريمي بدرع الأبداع والتميز الإعلامي وأن اوشح بعلم بلدي العراق بمناسبة اليوبيل الذهبي للصحافة النجفية ومرور أكثر من عشرة قرون على صدور اول صحيفة ومجلة في النجف الاشرف مع عدد من زملائي الصحفيين والإعلاميين .
هنا أريد أن أتوقف قليلا خصوصا وانا لست من الذين يؤمنون بالصدفة ابدا واقول اين انت اليوم ياظالم اين انت ياطاغية العصر نحن اليوم نكرم وانت اليوم يهدم قبرك العفن وتسكن قعر جهنم مع اسلافك الطغات المجرمين . |