خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف /199)
قال الإمام الحسن عليه السلام :
ما استقصى كريم قط؛ قال الله تعالى: ( عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ) التحريم/3
و قال عمرو المكي -رحمه الله :
وقالوا عن زلل الإخوان التغافل من المروءة
وقال الأعمش -رحمه الله :
يطفئ شراً كثيراً التغافل
و قال جعفر - رحمه الله:
التغافل عظموا أقدراكم ب..
و قال بعض العارفين :
" تناسَ مساوئ الإخوان تستدِم ودّهم
قال الشاعر:
أحبُ من الأخوانِ كل مواتيِ * وكلَ غضيضُ الطرفِ عن هفواتِ
و قال أخر :
ويغضُ طرفاً عن إساءةِ من أساءَ * و يحلمُ عند جهلِ الصاحبِ
التغافل كتب الكثير من الكلام وأفاض الشعراء وتحدثت الأحاديث النبوية وذلك ما للتغافل بين الناس من أهمية التغافل عن الخطأ ليس بضعف أكثر منه كرم وكياسة وإحساس بالمسئولية
أحياناً أولادنا يخطئون و نتغافل عن الخط حتى نشعرهم بالذنب أكثر وهم يعرفون أنني أعرف أنهم أخطئوا فيكون أنتظرهم للعقاب أشد من إنزال العقاب نفسه
أحياناً تغافل الزوجة عن خيانة زوجها ويكون هذا أيضاً مصدر قلق للزوج اكثر من مصارحته بالخيانة
وأحيانا يتغافل الصديق عن خطأ صديقه حتى لا يقطع حبل المودة بينهما فيكون هذا أشد وطئاً عليه
وأحيانا نتغافل عن بعض السفهاء عندما يوجهون كلاماً لو دل إنما يدل عن غباء الحرف والكلمة ويمكن قلة الخبرة وعن التغافل قالوا :
قَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ : مَنْ شَدَّدَ نَفَّرَ ، وَمَنْ تَرَاخَى تَأَلَّفَ ، وَالشَّرَفُ فِي التَّغَافُلِ
وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ الْأَدِيبُ : الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ .
وَقَالَ الطَّائِيُّ : لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ لَكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ الْمُتَغَابِي
قَالَ الشَّاعِرُ نَزِرُ الْكَلَامِ مِنْ الْحَيَاءِ تَخَالُهُ صَمْتًا وَلَيْسَ بِجِسْمِهِ سَقَمُ
وَقَالَ آخَرُ : كَرِيمٌ يَغُضُّ الطَّرَفَ دُونَ خِبَائِهِ وَيَدْنُو وَأَطْرَافُ الرِّمَاحِ دَوَانِي
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْعَاقِلُ هُوَ الْحَكِيمُ الْمُتَغَافِلُ .
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ : مَا الْمُرُوءَةُ ؟ قَالَ التَّغَافُلُ عَنْ زَلَّةِ الْإِخْوَانِ .
وَفِي فُرُوعِ الْإِمَامِ ابْن مُفْلِحٍ : حَدَّثَ رَجُلٌ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا قِيلَ : الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ .
وَكَثِيرًا مَا وَصَفَتْ الْعَرَبُ الْكُرَمَاءَ وَالسَّادَةَ بِالتَّغَافُلِ
فَإِنَّ التَّغَافُلَ إنَّمَا يُمْدَحُ فِي أَمْرِ الْمَعَاشِ وَفِي الْمُسَامَحَةِ فِي كَلِمَةٍ ، وَإِهْمَالِ أَدَبٍ مِنْ آدَابِ الزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا
وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَأَمَّا فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْعِرْضِ فَلَا يَحْسُنُ التَّغَافُلُ لَا سِيَّمَا عَنْ الْوَاجِبَاتِ .
وَفِي الْحَدِيثِ { الْغَفْلَةُ فِي ثَلَاثٍ : عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَحِينَ يُصَلِّي الصُّبْحَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَغَفْلَةُ الرَّجُلِ عَنْ نَفْسِهِ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يَرْكَبَهُ}
وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ الشَّاعِرُ:
لِكُلِّ امْرِئٍ شَكْلٌ مِنْ النَّاسِ مِثْلُهُ فَأَكْثَرُهُمْ شَكْلًا أَقَلُّهُمْ عَقْلَا
وَكُلُّ أُنَاسٍ آلِفُونَ لِشَكْلِهِمْفَأَكْثَرُهُم ْ عَقْلًا أَقَلُّهُمْ شَكْلَا
لِأَنَّ كَثِيرَ الْعَقْلِ لَسْت بِوَاجِدٍ لَهُ فِي طَرِيقٍ حِينَ يَسْلُكُهُ مِثْلَا
وَكُلُّ سَفِيهٍ طَائِشٍ إنْ فَقَدْته وَجَدْت لَهُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عِدْلَا
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :
إذَا مَا بَدَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَك زَلَّةٌ فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالًا لِزَلَّتِهِ عُذْرَا
أُحِبُّ الْفَتَى يَنْفِي الْفَوَاحِشَ سَمْعُهُ كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَا
سَلِيمُ دَوَاعِي الصَّبْرِ لَا بَاسِطٌ أَذًى وَلَا مَانِعٌ خَيْرًا وَلَا قَائِلٌ هَجْرَا
وَالدَّاعِي إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ شَيْئَانِ : التَّغَافُلُ الْحَادِثُ عَنْ الْفَطِنَةِ ، وَالتَّأَلُّفُ الصَّادِرُ عَنْ الْوَفَاءِ . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : وَجَدْت أَكْثَرَ أُمُورِ الدُّنْيَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالتَّغَافُلِ
وتغافل عن الخطأ ولا تفكر في الوقوف عند الخطأ وتعاتب
فان كثرة العتاب تنفر وتفرق
ولا تنسى أن تلتمس العذر وتحسن الظن وتقبل الاعتذار
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً"
قال الإمام الشافعي: "الكيس العاقل؛ هو الفطن المتغافل "
وكفانا قول المصطفى ((يُبْصِرُ أَحَدُكُمْ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنِهِ))
وأخيرا التغافل أحيانا يكون أفضل الطرق للعقاب والعتاب فتغافلوا تكونوا على القومِ من السادة .وإذن فما علينا إلا أن نكون حليمين لقول الإمام علي عليه السلام لا علم إلا بحلم ..وأن نجعل الحلم أساس أعمالنا ويداً بيد لحمل هذه المسؤولية ولتسهيل مهام الحياة وزرع الرفاه والتآخي لحياة أفضل والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب المربي
السيد صباح بهبهاني
behbahani@t-online.de |