هذه هي الحلقة الثالثة من هذ الموضوع الإعلامي، وللتذكيرفقد كنا قد تناولنا فى الحلقة الثانية بعض التداعيات الإعلامية العربية، ومدى تأثرالإعلام الخليجي بالخطاب التحريضي الذى يحاول البعض جره إلى قضايا الشحن المذهبي والتطاحن الطائفي، وهذا خلافا لما كان يسود بلدان المنطقة من إستقرارأمني وإعلامي، وقد أشرنا إلى أن المنطقة كما هومعلوم، هي منطقة هادئة تحفل بتنوع سكاني يتعايش فيها مختلف المكونات الدينية، بأمن ووئام منذ عشرات السنين، وبحيث لم تسجل فيها ولله الحمد حوادث أوسجالات عنفية متطرفة تذكر، إلى أن جائتنا أخيرا موجة ما يسمى بالربيع العربي، وتردى الأوضاع الأمنية فى بعض البلدان العربية وانهيارمنظومة التعاون العربي، وسيادة الإعلام التحريضي المغذي للفكرالطائفي المتطرف، والإنغماس في تعميق شرخ الفرقة بين المجتمعات والمكونات العربية، والدفع بهذه الممارسات الخارجة عن طبيعة الحياة الهادئة المستقرة التي ألفناها، للمناطق المستقرة بما فيها منطقة الخليج، إلتى عمل لجرها الى أحداث التوترات، ومحاولات نشرالفوضى وسجالات التصادم الفكري وتوتيروتمزيق وتفتيت عرى العلاقة والمحبة والتعاون والروابط الدينية والأخوية القائمة، التي حكمت أوجه العلاقة بين مختلف مكونات شعوبها منذ سنين طويلة.
وفى هذه الحلقة الجديدة نتناول جوانب أخرى هامة، تتعلق ببعض مسوغات التداعيات الأخرى، التى يدفع بها للمنطقة للأسف بعض المحسوبين على إعلامنا العربي وبعض الخليجيين من نخبنا الفكرية والإعلامية.
فمن المفارقات والكوارث المدمرة والدواهي العجيبة، التى أصابت المواطن العربي فى مقتل، هوأن يكون أغلب النخب الثقافية والفكرية والإعلامية، هم من نفس وذات مجتمعاتنا الخليجية والعربية، وبأنهم للأسف المسيسون الذين يوجهون وسائل إعلامنا، بزخم وركام كل ذلك الضخ الإعلامي الإستهلاكي المزيف من ذلك التنظيرالتضليلى الوهمي التصادمي الهلامي الترهيبي لمهاتراتهم وتنظيراتهم، التى تصب فى معظم خطاباتها فى جانب الفرقة والتمييزوالتأجيج والتجييش بين مختلف المكونات، وهي أفكاروتنظيرات باطلة لاسند ولا دليل ولامصدرلها، ويستقونها تارة من أفكارهم المفلسة، وتارة أخرى من مصادرالكتب الصفراء وبعض الفتاوى والدعاوي، التى يروجونها، لهدف دفع العمل التحريضي للمكونات وصنع العدوالوهمي، وإشاعة الرعب والخوف، وزرع الأوهام والخرافات المدعمة بالأدوات المزيفة والأكاذيب الفارغة والهدامة، التى يتناولونها ويزرعونها فى عقول ونفوس أبنائنا وبناتنا، والتى يكون مؤداها فى نهاية المطاف، هوزعزعة الإستقرارالأمني والإجتماعي بين مكونات المواطنين، وإلحاق الضرربعلاقاتنا العامة والخاصة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وإحداث المزيد من الهزات والتداعيات والإحباط والإنهزام والفشل، وبث الرسائل المحبطة التى يبعثون بها، إلى ضميرالأمة والمواطن العربي بصورة عامة بمختلف مكوناته، وهوالأمرالذى أصبح يمس جوهرومصداقية الإعلام العربي نفسه، الذى يتحدثون بإسمه بتلك الهشاشة والسطحية، بعيدا عن الأمانة العلمية والحرفية المهنية..!
وهذا بالتالى بكل أسف، ما أدى إلى بروزآثاروظواهرسلبية لاحصرلها فى أغلب محيط مجتمعاتنا العربية بمختلف مكوناتها الدينية والمذهبية، كنتيجة حتمية لهذا السلوك الأبله، فى نشروإشاعة هذا الخطاب العنصري الطائفي، وبما يصاحبه من تلك الممارسات والمظاهروالظواهرالسلبية السيئة، التى عمت وانتشرت وبرزت على السطح فى جانب هذا التأجيج، وبشكل أثروانعكس على مجمل السلوكيات والعلاقات التى طالت مجمل قطاعات وشرائح مجتمعاتنا العربية، وحتى أدى إستغلال حملات هذه التعبئة وهذا التجييش والشحن التعبوي التصادمي، بمختلف أجهزة ووسائل وأدوات الإعلام المتباينة، من صحافة وإصدارات عامة وخاصة، وبمافى ذلك الضخ الإعلامي المسموع والمرئي المؤدلج ومعه إعلام التواصل الإجتماعي، وأيضا بمساندة ودعم حثيث ومستمرﻻيتوانى ولا يكل ولا يمل، من ذلك الخطاب التحريضي أيضا الموجه عبرالمنابروالمحافل الدينية والثقافية، التى تديرها وتقودها الأفراد والجماعات الدينية المتشددة خصوصا، أقول بأنه قد أدت كل هذه الأعمال العقيمة والمتواصلة، سواء طيلة سنوات الربيع العربي أوحتى ما قبله أيضا من تلك الممارسات التحريضية، أقول أنها قد أدت ونتج وأثمرعهنا للأسف كل هذه التحوﻻت والتداعيات الخطيرة، وكنتيجة طبيعية أيضا لما جاء بهذا الضخ والسيل العارم لكل هذا الركام المشوه، من تلك الأدوات وصناعها من المحرضين الذين يقبعون خلف وسائل الإعلام والنشرالمطبوع والمسموع والمرئي، مما يتم تسخيرها وتوظيفها لصالح سجالات الشحن والتجييش والتحريض والتكفير، حيث يتم بواسطتها حقن أفكاروعقليات الشباب والجيل الطالع، باختلاف وتباين قدراتهم ومستوياتهم العقلية والفكرية، ليس نحوالبناء والتنمية وإنما من أجل الهدم والتخريب والتضليل والتزييف والنيل من وحدتنا الوطنية..!
فمن هذه الممارسات المشبوهة على سبيل المثال لضرب هذه الوحدة، هوخلق وهم تلك الأسطورة الرهيبة، لأكذوبة البعبع الشيعي المخيف، الذى يريد التمدد والإنتشاروابتلاع منطقة الخليج على حساب أهل السنة (وبمافى ذلك جرنا إلى إستدعاء قضايا تاريخية نافذة عفا عليها الزمن، وإثارة وتوظيف هذه السجالات الطائفية) التى ليست أصلا بمجال ومحورإهتماماتنا أوخلافاتنا السياسية الطافحة على الاقل على سطح الأحداث الراهنة للربيع العربي، وهوالأمرالذى أدى بالتالى إلى نمووتزايد كل هذه الإرهاصات والمحاور، وبروزظاهرة هذه التيارات والجماعات وأصحاب النزعات المتشددة والمتطرفة من جميع الفرقاء، ليس فى منطقتنا فحسب وإنما تجاوزتغلغلها أيضا كظاهرة عربية إسلامية عامة، للأسف سيئة السمعة والصيت غزت أنحاء متفرقة من العالم..!
ومن المضحك المبكي، بأن يكون أغلب مايثيره الإعلام العربي، من كل هذا التضليل الإعلامي المؤجج، لإثارة الحساسيات والنعرات والفتن الطائفية والمذهبية، مصدره ومبعثه هوالإعلام العربي نفسه، ممثلا ببعض تلكم النخب من المفكرين والمثقفين والإعلاميين العرب الذين حادوا عن رسالتهم، وأخذوا يتحفوننا بذلك الكم الهائل من حصيلة مدخراتهم المفلسة من تلك التحاليل والبحوث والتنبؤات المضللة الفاشلة، التى أصبحت تصب الزيت على الناروتزيد فتيله إشتعاﻻ..!
ولكي لانذهب بعيدا..هاكم مثالا صارخا أسوقه هنا، كدلالة واضحة على بعض مصادرهذه النماذج التى تدلل على مصداقية تلك الحقائق الدامغة المرة المؤلمة لحال أوضاعنا الإعلامية، زيادة على مآسينا ومعاناتنا مع قضايانا الحيوية، وهو مثال حي وصادق، يبين ويدلل على ما أشرت إليه فى جانب ذلك التجييش والتعبئة والشحن الطائفي، لتأجبج الصراعات والخلافات فى المنطقة الخليجية، أﻻ وهي تلك الترهات والتخرصات، من التنظيرات المفبركة (الغبية) التى طالعنا بها استاذ جامعي خليجي طالما كنا قد إحترمناه وقدرنا له سابقا، بعض طروحاته وتنظيراته الإعلامية الرصينة، ولكنه للأسف مالبث أن إنقلب على عقبيه عبرهذه التنظيرات المخلة للأمانة الأخلاقية والأدبية لرسالته، فأخذلنا وأحبط تطلعاتنا بفشله وانضمامه، إلى قائمة المتخاذلين الذين تخلوا عن دورهم النهضوي من بعض أقطاب القوميين والمثقفين العرب الذين شاخوا وأفل نجمهم، بعد أن كانوا محط الآمال التى كان المواطن العربي يطمح إليها، فى قيادتهم ودعمهم للمشروع العربي الناهض، ولكنهم قد أخذلونا، بعد أن أصبحوا للأسف ضمن تلك الدائرة المعنية بعقدة إحباطاتنا ونكساتنا العربية والقومية، وهكذا كان للأخيرمساهمته السلبية فى خلق وصنع وهم أسطورة وخطرالبعبع الشيعي، الهادفة لبث الخوف والرعب فى ذهنية المواطن العربي والخليجي خصوصا، وأظن أن ما طالعنا به من تلك التنظيرات البائسة، وهي فيما يبدوليست الأخيرة، حول تلك الخزعبلات من الترهات والقصص الخيالية عن الغزوالإيراني والمد الشيعي، الذى يستهدف دول الخليج وما أسماه بالطابورالخامس فى منطقة الخليج، ويعني به شيعة الخليج الذين سيقدمون الدعم لهذا الغزو، على حد هذا الزعم التخريفي، بعد أن جردهم من إنتماءاتهم وولاءاتهم الوطنية والقومية لبلدانهم التى يشهد القاصي والداني على إخلاصهم وتمسكهم بوحدتهم وبتراب وطنهم، والذين لايحتاجون لمثل هذا الدعي أومن هم على شاكلته لتقييم أوضاعهم وإثبات ولاءاتهم، وتلك لاشك خزعبلات ودعاوي رخيصة وقصص عجيبة إنطلقت من نافوخ هذا الدعي دون مسؤلية، وهي مزاعم لاشك أنها تنطوي على إستنتاجات ملفقة وفارغة من أي مضمون، بل وتشبه إلى حد بعيد جدا قصص (ألف ليلة وليلة) وروايات التراث الشعبي الخرافية، التى قرأناها أيام الطفولة والشباب..!
كاتب سعودي |