مابكَ تتلفتُ سائلا أو كالمتسائل ؟ هل تسأل عن أبيك ؟ الا تعلم انه هناك ؟ في ذاك القبر ينام ، أما تعلم أن القبر بعيدٌ وكبير ؟ ألا تدري أنه سوف لن يعود ؟ فالقبر محميٌ يافتى ، كلابٌ تحرسهُ وجنود ، مابكَ شارد الذهن ؟ هل تتذكر يوم اعتقلوه ؟ حين كان جالسا بينكم كي يتناول العشاء ، بعد جهدِ يوم طويل ، اتعبهُ فيه العناء ، كي يعود لك بالخبز والحلوى ، وحين كان يهمٌ بتناول الطعام ، طرقوا الباب ، وصوتُ الاصفاد كان واضحا في ذاك الصمت الرهيب ، كبلوه ، رفسوه ، حملوه في سيارتهم وانت ترنوا لهم وتصرخ : بابا ، بابا ، بابا ، ضربوك ، بصقوا في وجهك ، واقتادوا الوالد الحبيب ، اعتقلوه ، ودونما محاكمةٍ اعدموه ! جعلوك يتيما ، تلتهب الحسرات في صدركً حين تسمع صبياً ينادي : بابا ، مابكَ تشهق ؟ حين تستذكر ، تلك اللعب التي كان يجلبها لك ، وانت جذلا تأخذها منه ، ترتمي في احضانه ، تشعر بألآمان الذي أفتقدته بعد رحيله ، كان ظهيرك في هذا الزمن ، لكنهم ارادوا لك ان تبقى وحيدا ، لكن تأكد ان روحه تناجيك ، تناغي الليل كي يناغيك ، روحه تحمل اليكَ السلام كل مساء ، تحمله اليكَ من قبره البعيد ، لكن لاتبالي ، فالقبر كبير يافتى ومصممٌ وفق أحدث التصاميم ، بما يتناسب مع تكنولوجيا العصر الحديث وما يتلائم مع الديمقراطية الاميركية التي خصت بها اميركا العرب بشكل عام والعراق على وجه الخصوص ، أتعلم يافتى أن حفار القبور رفض ان يحفر ذاك القبر الكبير ؟ فما كان من اميركا الا ان تحفره بنفسها بواسطة الحفارات الحديثة ، من اجل ضمان سرعة الانجاز ، وكي تكون صادقة في كلامها حين قالت سنجعل العراق يابان الشرق الاوسط ، وفعلا كانت صادقة في كلامها ، لكن هناك مَنْ أساء فهم أميركا وراح يفسر قولها بأن العراق سيشبه اليابان في التطور ، غير أن أميركا كانت تقصد أن يكون العراق يشبه اليابان من ناحية الدمار الذي حلً بهيروشيما وناكازاكي بفعل القنبلتين الذريتين ، وكانت صادقة في ذلك الى ابعد الحدود ، بحيث جعلت النخيل يبكي على تلك الويلات الكثار ، وتركت ألأرامل يذرفن مايذرفن من دموعهن الغزار ، هاهو الفرات يئن تحت وطأة الحراب ، وذي دجلة هجرتها الاسماك وراح يلعن يومه الصياد ، وهذي متاحفنا تبحث عما كان فيها من آثار ، مابك يافتى تبكي حين تذكر المتاحف ؟ أحنينا الى التاريخ ؟ أشوقاً لتلك الحضارة ؟ لاتبكي باستمرار فلربما تنضبُ منك الدموع ، وأعلم انك ستحتاجها في القادمات من الايام ، ستحتاجها لكن لن تجدها ، ولن تجد من يعطيك بعضا من الدموع فالدموع يحتاجها الجميع ولايمكن ان يفرطوا بها أو يمنحوها كصدقة لليتيم ، لاتستغرب يافتى ، هذا هو الواقع ، مابكَ تتنهد ؟ حين تسمع الصبية يتحدثون عن لعبٍ أشتروها واخرى سيقتنوها ، وانتَ لا تجدُ مايكفيكً من الطعام ، تنظرُ في وجه أمكَ الشاحب فرطَ جوعٍ كبير ، مسكينةٌ أمك لاعمل لديها ولا معيل ، تترقبُ مايجودُ به الكرام ، وحين تتأخر عليها الصدقات ، تحتضنك وتسردُ لكً بعض الوعود ، لعلك تنسى الجوع أو تصبر كصبرها عليه ، مسكينةٌ امك ، تتلفت في زوايا المنزل لعلها تجد شيئا تبيعه كي تجلب لك الطعام ، تتلفتُ دون جدوى ، فلم يبقَ لديها مايمكن ان يباع سوى الشرف ، لكنها عراقية ، تأبى أن تبيعه ، مابك يافتى ؟ طوال الوقت تقول ان أبي بريء ، ألا تعلم انه متهمٌ ومدان ، الا تعلم ان الادانة تم اثباتها عليه ؟ واذا كنت تريد معرفة الادانة ، فهي : أن ابيك كان متهماً ومداناً بحب العراق !!!
khalidmaaljanabi@yahoo.com |