للسورة الشريفة كثير من الخصائص والفضائل منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الكاظم عليه السلام : من قرء هذه السورة في كل ليلة لم يعذبه الله ابدا ولم يحاسبه وكان منزله في الفردوس الأعلى اللهم ارزقنا تلاوته .
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً{1}
تستهل الآية الكريمة بـ ( تَبَارَكَ ) , كثر خيره جل وعلا , ( الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ) , الفارق بين الحق والباطل , ( عَلَى عَبْدِهِ ) , الرسول محمد "ص واله" , وهنا وصفه الباري جل وعلا بالعبد لعدة اسباب منها :
1- ان النبي الكريم محمد "ص واله" اختار ان يكون عبدا نبيا .
2- محله "ص واله" في الآية الكريمة محل عبودية , لا محل رسالة .
( لِيَكُونَ ) , الفرقان او العبد "محمد – ص واله-" , ( لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) , للجن والانس , منذرا مخوفا بعذاب الله .
( سئل ابا عبدالله "ع" عن القرآن والفرقان هما شيئان او شيء واحد ؟ , فقال "ع" القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به ) . "تفسير البرهان ج4 للسيد هاشم الحسيني البحراني" .
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً{2}
تستمر الآية الكريمة ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , خلقا وملكا وتدبيرا ...الخ , ( وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ) , كما ادعى اليهود والنصارى , ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ) , كما ادعى العرب والثنوية , ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ) , سواه وصنعه وفقا لما يناسبه , كالشكل والحجم ... الخ , حسب ما تقتضيه حكمته جل وعلا .
( عن الرضا عليه السلام قال تدري ما التقدير قيل لا قال هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء تدري ما القضاء قيل لا قال هو إقامة العين ) ."تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً{3}
تستمر الآية الكريمة ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ) , الكفار , ( لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) , لانهم ينحتون الهتم بأيديهم ثم يعبدونها , ( وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ) لا قدرة لديهم ولا يملكون :
1- ( ضَرّاً ) : دفع الضر .
2- ( وَلَا نَفْعاً ) : جلب النفع .
3- ( وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً ) : لا يملكون اماتة احد .
4- ( وَلَا حَيَاةً ) : ولا حتى احياء احد .
5- ( وَلَا نُشُوراً ) : ولا يملكون بعثه واعادة الحياة اليه " بعث الاموات " .
آلهة بهذا المواصفات لا تستحق العبادة .
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً{4}
تروي الآية الكريمة كلاما للكفار ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ ) , قال الكفار ان هذا القران كذب اختلقه محمد , ( وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ) , اعانه على كتابته اهل الكتاب , ( فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً ) , تكذيبا وزورا شنيع .
الآية الكريمة تضمنت تهمة من سائر التهم التي اتهم بها الرسول الكريم محمد "ص واله" .
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{5}
تروي الآية الكريمة جانبا مما زعمه الكفار بحقه "ص واله" ( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) , ما سطره المتقدمون من الحكايات والقصص الغريبة , التي في اغلبها غير حقيقية , ( اكْتَتَبَهَا ) , كتبها بنفسه او طلب من شخص ما كتابتها , ( فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) , تقرأ عليه غدوا وعشية ليحفظها , وهذا هو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة , كما جاء في تفسير القمي .
قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{6}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , لهم , ( أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , الفرقان جاءكم بما اشتهرتم به من الادب والفصاحة , فأعجزكم , كما وانه قد تضمن الكثير من اخبار الامم السابقة التي غابت عنكم , ومغيبات مستقبلية اخرى , فكيف يكون اساطير الاولين , ( إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) , انه جل وعلا ( غَفُوراً ) لمن تاب وانتهى , ( رَّحِيماً ) , لا يعاجلكم بالعقوبة .
وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً{7}
تروي الآية الكريمة جانبا من استهزاء المشركين به "ص واله" ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ ) , الغرض منها السخرية والاستهزاء , ( يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ) , يأكل الطعام كما نأكل , ويقصد السوق للتكسب , فلو كان رسولا من الله تعالى فلا ينبغي ذلك له , قصورهم الذهني وعزتهم بالإثم غيبت عن مدركاتهم ان الرسول لا يكون رسولا بالأمور الجسمانية , بل بالأمور النفسانية "الروحانية " , ( لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ) , هلا كان معه ملكا من الملائكة يكون معه نذيرا , وايضا دالا على صدقه .
أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً{8}
تستمر الآية الكريمة بالرواية عن المشركين مقترحين ( أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ ) , ان ينال كنزا من السماء , فيستغني به , عندها لا تكون له حاجة بقصد الاسواق طلبا للتكسب , ( أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ) , او ان يكون لديه بستان يأكل من ثماره , ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً ) , وقال المجرمون منهم ان تتبعون الا رجلا مغلوب على عقله , وهذه تهمة اخرى من سائر التهم التي كانت من نصيبه "ص واله" .
انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً{9}
الآية الكريمة تخاطبه "ص واله" بالخصوص , لكن خطابها يعمم لكافة الناس , المؤمن منهم ليزداد ايمانا , والكافر ليتعظ , ( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ) , في القول الشاذ والاحوال المخترعة , ( فَضَلُّوا ) , تاهوا وابتعدوا عن الطريق الصحيح المؤدي الى معرفة النبي , او الطريق المؤدي الى الحقيقة , ( فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ) , فلا يتمكنون الى الهدى والطريق القويم ابدا .
تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً{10}
الآية الكريمة في محل الرد على تهمهم واقتراحاتهم المتقدمة ( تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ ) , افضل مما اقترحوه من الكنز والبستان , ( مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , بدل البستان الواحد بساتين وانهار , لا تفنى ولا ينفد عطاءها , ( وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً ) , ليس البساتين فقط , بل وقصورا ايضا . |