وكنت معي ..
ما حزرتكِ كيف تريدين أن اشتهيكِ ..
وأرضكِ ما عاد فيها الذي كان حلماً
تطوقهُ الشمسُ ..
سبحانكِ اليوم ما عدت أرضي ..
وما عدت ذاك الفضاء.
سنينٌ من الجدب لا العدل فيها ..
واخوة يوسف ..
ما دنسوا غير انفسهم في الرحيل ..
وما سوروا غير وجه السماء.
وتتبعني
في المساء طيورٌ خرافيةٌ ..
لا اراها ..
تحيطُ بسوري الذي هدّهُ القائد العسكري ..
كما هدَّ قبر أبي ذات يومٍ ..
وارحلُ ..
في دورتي الدمويةِ ..
عشر سنينٍ من القهرِ ..
والحربِ ..
قال الذي كان يصحبني ..
هل قرأتَ الصحيفة هذا الصباح ..؟
فاصمتُ ..
هل لوّثتك الليالي ..
وانت تحوكَ القميصَ الذي مزقتهُ ..
زليخة قبل الأوان .؟
وهل زرتها قبل هذا المساء.
وكنت معي
لهجةً اشتهيها ..
وخبزاً يكلّله الملح والسنوات العجافُ ..
وترميهِ في نار تنور أمي الذي اطفاتهُ ..
الحروب ..
السنين ..
الحصار.
وابقى وحيداً ..
اخاطب صمت الفراغ الذي سدَّ نافذتي ..
والطريق الذي كان يوصلني ..
ذات يومٍ اليكِ ..
مددتُ يدي ..
يوم كنا معنا ..
فوق أبراج بابلَ والجيشُ يقصفنا بالمدافع* ..
كان الحسينُ ..
يداسُ باحذيةِ الجند لا الخيل في كربلاء.
وكانت لنا رايةٌ تستباحُ ..
وفكرٌ يباعُ ..
ورأسٌ نسلمه آخر الامر دون حياء.
وكنتِ معي
والاذاعاتُ ..
تُنشد في عيد ميلاد من وزع الموت ..
في الطرقات ..
الأغاني ..
القصائدُ ..
تُلقي القنابل فوق الرؤوس ؟
العشائرُ ..
ترقصُ في حضرة العصبياتِ ..
والمرجعياتُ ..
(( سامحها الله )) لا شغل يشغلها ..
غير قبض الزكاة ..
وحيض النساء.
وكنت معي
حين أبكتني بغداد في عرسها ..
كان صوت المغني ..
يهرولُ خلف التوابيت في المقبرة .
وخلفي ..
(( احنا مشينا للحرب ))*
نعطل سيف عليٍّ وآياته ..
ثم نتبعُ منْ في السقيفةِ ..
حتى يكون لنا في الولاية ...
فوق رقاب العبيد نصيبٌ ..
وفي ذمة الله يوماً نصيب.
فمن كان يشهد صفين ..
يعرف أن لهم في عبور الفراتِ مآرب شتى.
وأن لهم في الطريقِ إلى حانةٍ ..
في الرشيدِ* قنانٍ ..
من الخمرِ ممزوجةٍ بالدماء.
وكنت معي
حين مالتْ عليَّ الجموعُ ..
الغزاةُ ..
وكان الفراتُ يسيرُ الى الهورِ* منكسراً ..
والطيورُ تغادرُ اعشاشها ..
حين جفتْ مياهُ الجنوبِ ..
وودعنا اللهُ ..
والاغنيات.
اكادُ اشمُّ جحافل ابناءنا القادمين حفاةً ..
يهيمون في البردِ لا يتقون الرصاص ..
وهم يشربون الشتاء.
اكادُ ارى وجه أمي الذي لم يرَ الابتسامة يوماً ..
يبخرُ أحزانه في مقام الحسينِ ..
ويختمها بالبكاء.
نزور المقابرَ..
علّ المقابرُ
تخبرنا عن خواء البيوت التي اُطفات ذات يومٍ ..
ونعبرُ للموت محتفلين بوادي السلام ..
ومجتمعين على املٍ في اللقاء.
اكادُ ارى وطني ميتاً ..
وهو يحبو على طرقاتِ الجحيمِ إلى الهاوية.
واسمع ابناءهُ في القبورِ..
وهم يلعنون السماء.
ارى وطني غائباً عن حضور الوليمة ..
حيث الوليمة تسحقنا مرغمين ..
بلا قدرٍ او قضاء.
وتعبرني الطائراتُ ..
إلى أين يتجه المدُّ ..
ما كنت اعرف حجم الخسارة ..
فالبحرُ علمني أن اعود اليهِ ..
وأنت معي دائماً ..
غير اني نسيتكِ في البرد دون غطاء.
وكنت معي
صوت اغنيةٍ ...
في اسطوانة عمري الذي بيع كالخردواتِ ..
بسوق النخاسةِ ..
يقذفني الهمُ ذات اليمينِ ..
وذات الشمالِ ..
ويبسط قلبي ذراعيهِ ..
محتفلاً بالذين يعودون للكهفِ جهراً ..
وبالقادمين ..
على ظهر ناقة صالح ..
هم ذبحوا بعضهم حين ولّوهُ امر المدينة ..
هم اشركوا هبلاً في الصلاة.
وهم اشعلوا النار حول الخليج.
فمن اين تبتدأ الحرب ..
من اين يخرج ياجوج ..
من اي بابٍ ..
سيدخل نيرون كي يوقظ النار في شرق بغداد
او غربها ..
اكان اختياراً لنا كل هذا الدمار .؟
اكان انتحاراً لنا كل هذا الخراب ...؟
سيجلبهم للمدينة (( يحفظه الله )) من كلِّ سوءٍ ..
على ظهر دبابةٍ ..
تسحق الواقفين على جانبيّ الطريق ..
ويتركهم للعراء.
والجيش يقصفنا بالمدافع*: اشارة الى الانتفاضة الشعبية1991 وضرب مقام الحسين (ع) من قبل حرس الطاغية صدام.
(( احنا مشينا للحرب ))*: من اغاني الحرب العراقية الايرانية.
الرشيد*: شارع مشهور في بغداد.
الهورِ*: مسطحات مائية في جنوب العراق جفّفها الطاغية.
وادي السلام : مقبرة النجف الاشرف. |