• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) دراسة موضوعية لأسانيد الرسالة ومتنها .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) دراسة موضوعية لأسانيد الرسالة ومتنها

قدم له
آية الله المحقق البحاثة الشيخ باقر شريف القرشي(دامت بركاته)

تأليف وتحقيق
د.رزاق مخور داود الغراوي
مدخـل:
أثناء شروعنا بكتابة مؤلفنا "منتقى الفوائد الرجالية" ظهرت لنا فكرة الكتابة عن رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين (ع) من حيث دراسة سند الرسالة ومتنها دراسة موضوعية، وذلك لما وجدنا من فوائد عظيمة وكنوز دفينة تخص جانب حقوق الإنسان وواجباته تجاه خالقه ونفسه  ومجتمعه تناولها الإمام في رسالته هذه.

     إن الحقوق والواجبات حقيقتان اجتماعيتان لهما جذورهما الراسخة في حياة كل إنسان منذ العهود الغابرة وحتى هذا اليوم، حيث أصبحت حقوق الإنسان هي شعار القرن الحادي والعشرين، الشعار والطريق الأمثل لتقدم البشرية، ورمز تطلعاتها لتحقيق المستقبل الزاهر.

    فلو توغّلنا في الحق وتعاريفه، لوجدنا أنفسنا أمام نظريات وآراء متنوعة، تطرح سؤالاً واحداً: هل إن كلمة الحق مجرد اصطلاح ظهر نتيجة العادات والممارسات، أم هو شعور داخلي - نفسي ينبع من الكينونة، ومن واقع الحياة التي تستكمل به شروط استمرارها؟ أم هو هبة من عالم ما وراء الطبيعة؟!.

إن العقل يتشعّب في فهم مدلول هذه الكلمة رغم كثرة تداولها،وتعتبر كلمة الحق من كلمات التذكير،مثل العدل والصواب والخطأ، وتشير كلمة الحق في معناها العام إلى جملة من المعايير التي تهدف إلى تنظيم العلاقات البشرية، وتأمين المصالح الإنسانية. وقد اختلف العلماء عند محاولتهم وضع تعريف شامل للحق؛ فقال البعض منهم بأنه سلطة إرادية تثبت للشخص وتخوله أن يجري عملاً معيناً.. وتوالت التعاريف المختلفة لهذا اللفظ مما جعلهم يؤكدون أن تعريفه بصورة شاملة ينطبق على مفاهيمه في كل زمان ومكان[1].

وهكذا يمكن القول بأن الحق يرتبط بالمجموعات البشرية ومفاهيمها ويتطور بتطورها، ويظل دائماً أمراً اجتماعياً محدداً بجملة من المعايير والقوانين، وهو بذلك ليس مقولة إنسانية مجردة، وإنما هو تعبير تاريخي وضرورة ملحة لتنظيم علاقات المجتمع.

إنّ مبدأ القهر ومبدأ حرية الإنسان لا يلتقيان أبداً، ومن أجل ذلك تم تشريع قوانين حقوق الإنسان التي كانت أمراً لابدّ منه، لأن تلك القوانين - وبالخصوص القانون الدولي - تسعى لكبح جماح القوة وغطرستها ومنع استفحال سيطرتها وهيمنتها بدون حق، فكانت تلك التشريعات درعاً واقياً وحصناً يحمي حقوق الأفراد التي طالما نراها تنتهك في كثير من أرجاء العالم، تحت تأثير التفسيرات المختلفة لهذه الحقوق، بحسب نظرة الدول لها وحسب مصالحها وأطماعها الخاصة، والتي تجعلها في حالة استعداد دائم لوأد الحرية الإنسانية وحقوقها في سبيل تحقيق تلك الأطماع، ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن الحرية بمفهومها الصحيح لا تعني الاعتداء على حريات الآخرين، كما أنها ليست سبيلاً من سبل الفوضى والعبث، وإنما هي الطريق القويم لتحقيق ذات الإنسان وشعوره بماهيته دون التجاوز على الآخرين.

قال (تشارلز برادلو)[2]: (بدون حرية القول يتوقف ركب الحضارة ولن تستطيع الأمم أن تمضي في طريقها إلى الحياة الفاضلة التي يدخرها المستقبل للإنسان، ولخير لي ألف مرة أن أشتم بسبب حرية القول من أن أحرم منها، فالبذاءة تحدث يوماً ما، ولكن الحرمان من الحرية يذبح حياة الناس ويقبر آمال الجنس البشري)..

إن حرية القول التي تعتبر أعمق وأوضح صور الحرية تشكل سلاحاً رادعاً لجميع أنواع التسلط بحيث أن الكلمة على صغرها قد تكون سبباً في ازدهار الأمة وتحقيقاً لحريتها المنشودة.

وتأسيساً على ذلك فإن المجتمع المتميز يقتضي تبادل الثقة يبن أفراده، عن طريق توفير حرية القول والرأي؛ لأن آراء الشعب جزئية وليست شاملة مطلقة؛ لذلك وجب أن يتمتع كل شخص بحرية التعبير عن وجهة نظره لتتكامل هذه الآراء، كما يقول غاندي: (ينبغي أن يكون الناس أحراراً في البحث عن الحقيقة، وعندئذٍ تجعل الحقيقة الناس أحراراً) [3].

ففي هذه الكرة الأرضية التي أضحت كقرية صغيرة تتشابك فيها حياة الشعوب، وجب على الإنسانية مكافحة صنوف العناء والاضطهاد وفقدان الحريات، بتطبيق حقوق الإنسان، التي حرصت كل أمة، بل وكل دولة أن توجه أنامل الفخر إليها في هذا المضمار، حيث زعمت المملكة المتحدة أن الإنكليز سبقوا شعوب الأرض في مجال الحقوق، بينما زعم الفرنسيون أن هذا التطور ما هو إلاّ نتاج ثورتهم التي رفعت شعار (الحرية والإخاء والمساواة).

وعلى الرغم من اهتمام المعنيين بمسألة حقوق الإنسان، فإننا قلما نجدها واقعاً في حيز التطبيق، وبخاصة في العالم الثالث. بينما الإسلام - دين الرحمة لكل العالم - قد قرر تلك المبادئ في أكمل صورة وأوسع نطاق وقدمها للإنسانية منذ أربعة عشر قرناً، فسبق بها سبقاً لا مثيل له. وكانت خلاصة تلك المبادئ السامية (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، تلك الرسالة التي تهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفراداً وجماعات، حكومات وشعوباً، دولاً وأجناساً، وحسبها عظمة وسمواً أن غارس بذرتها نبعة شجرة النبوة، وأصل معدن الحكمة الإمام زين العابدين(ع).

وهكذا فإن البحث في موقف الدين الإسلامي العظيم من حقوق الإنسان ومدى اهتمامه بها لا يمكن تحديده في فترة معينة من التاريخ، ولا استخلاصه من نصوص مجتزأة عن سياقها، ورسالة الحقوق للإمام السجاد(ع) ما هي إلاّ دليل واضح على أن الإسلام ليس ديناً أو معتقداً فقط، وإنما هو دين ودولة ونظام اجتماعي لابد أن يسود بمفاهيمه وأفكاره المتميزة، ومن أجل ذلك سوف نوضح وبطريقة موضوعية بعض تلك البنود الهامة من رسالة الحقوق بعد ذكر وتحقيق أسانيد ومتن الرسالة،وعليه سينقسم كتابنا هذا على ثلاثة فصول :

الفصل الأول/ في أسانيد الرسالة وفيه ستة مباحث:

المبحث الأول:نسبة الرسالة.

المبحث الثاني:تحقيق الحال في الأسانيد والكتب التي أوردت الرسالة.

المبحث الثالث:المصادر التي أوردت الرسالة.

المبحث الرابع:محتوى متن الرسالة.

المبحث الخامس:اختلاف نسخ الرسالة.

المبحث السادس:النص المنتخب.

الفصل الثاني/ في متن الرسالة : وتشمل خمسين حقاً على الإنسان ، ابتداءً من حقوق الله تعالى إلى حق نفسه ومحيطه ومجتمعه ودولته ، وحقوق أهل الأديان الأخرى . وتبدأ بإجمال كالفهرس، ثم تفصل الحقوق واحداً واحداً.[4]

الفصل الثالث/ في بعض بنود الرسالة:

البند الأول/ حق النفس.

البند الثاني/حق الرعية والراعي.

البند الثالث/حق الوالدين.

البند الرابع/حق الأخ.

البند الخامس/ حق المرآة.

البند السادس /الحقوق الأخرى للغير.

ملحق الكتاب / في رحاب تاريخ ولادة الرسول الأكرم "ص"وأهل البيت (ع): ويحتوي هذا الملحق على ولادات ووفيات الأئمة الأربعة عشر بدأ من الرسول الأكرم (ص) وانتهائنا بالإمام الغائب الحجة بن الحسن (عج).

 الفصل الأول / أسانيد الرسالة / وفيه عدة مباحث :ـ

الرسالة هي ما يكتبه الإمام (ع) الى شخص أو أشخاص كرسالة الإمام زين العابدين (ع) المعروفة برسالة الحقوق ، ورسالة الامام أبي جعفر (ع) الى سعد بن طريف الحنظلي ورسالة الامام الصادق (ع) الى النجاشي ورسالة الامام موسى بن جعفر (ع) الى علي بن سويد السائي.[5]وغيرها من رسائل الأئمة عليهم‏السلام ،والرسائل منهم عليهم‏السلام كثيرة وهي تعدّ من مصاديق الروايات.وفي هذا الفصل سنتناول بالتفصيل الجوانب المتعلقة بأسانيد الرسالة ،لذا سينقسم الفصل على ستة مباحث:

المبحث الأول: نسبة الرسالة

    أجمعت المصادر الحديثيّة على نسبة رسالة الحقوق إلى الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع):.برواية أبي حمزة الُثمالي ، صاحب الدعاء المشهور باسمه الذي يُتلى في أسحار شهر رمضان المبارك،وقد ذكرهما أصحاب السير في كتبهم ومعاجمهم،وكذا العلماء والمحدثين في كتبهم الرجالية،وفيما يلي عرض موجز لسيرة صاحب الرسالة الإمام السجاد(ع)وراوي الرسالة أبي حمزة الثمالي:ـ

أولاً: صاحب الرسالة "الإمام علي بن الحسين (ع)" :

ولد الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في السنة الثامنة والثلاثين للهجرة النبوية الشريفة في شهر شعبان ، واختلف المؤرخون في يوم ولادته ومكانها ، فبعضهم قال : إنّه ولد في الكوفة[6] ، فيما قال آخرون إن ولادته كانت في يثرب[7].
وقد عُرف بين المؤرخين والمحدّثين بابن الخيرتين ؛ لاَنّ أباه هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، وأمّه من بنات ملك الفرس كسرى ، أُسرت في إحدى الحروب وعُرض عليها الزواج فاختارت الإمام الحسين عليه السلام فتزوجها تكريماً لها.
وجاء في ( ربيع الأبرار ) للزمخشري : أنّ لله في عباده خيرتان : فخيرته من العرب بنو هاشم ، وخيرته من العجم فارس[8] ، وفي ذلك قال أبو الأسود الدؤلي :
    وإنّ وليداً بين كسرى وهاشمٍ * لأكرمُ من نيطت عليه التمائمُ
استمرت إمامته أربعةً وثلاثين سنة ، عاصر فيها مُلك يزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان ، وتوفي مسموماً ـ حسب أكثر الروايات التاريخية ـ في عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان [9]، وذلك في النصف الأول من شهر محرم الحرام سنة خمس وتسعين للهجرة ، وقيل قبل ذلك أو بعده بقليل...

عاش حوالي سبعاً وخمسين عاماً ، قضى بضع سنين منها في كنف جدّه علي بن أبي طالب عليه السلام ثم نشأ في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين عليهما السلام سبطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واستقى علومه من هذه المصادر الطاهرة.
برز على الصعيد العلمي والديني ، إماماً في الدين ومناراً في العلم ، ومرجعاً ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى حتى سلّم المسلمون جميعاً في عصره بأنّه أفقه أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم... فقال الزهري ، وهو من معاصريه : « ما رأيتُ قرشياً أفضل منه » ، وقال سعيد بن المسيّب وهو من معاصريه أيضاً : « ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين » ، وقال الإمام مالك : « سمي زين العابدين لكثرة عبادته » ، وقال سفيان بن عيينة « ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه » ، وعدّه الشافعي أنّه : « أفقه أهل المدينة » .
وقد اعترف بهذه الحقيقة حكام عصره من بني أمية أنفسهم ، رغم ما بينه وبينهم من عداوة وخصومة ، فقال له عبد الملك بن مروان يوماً : « لقد أوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلاّ من مضى من سلفك.. » ، ووصفه عمر بن عبد العزيز بأنّه : « سراج الدنيا وجمال الإسلام »[10].
وحين اصطدم عبد الملك بن مروان بملك الروم وتماحكا حول مسألة النقود ، لم يجد الأول مفزعاً ومُعيناً إلاّ الإمام زين العابدين عليه السلام ، فهرع إليه يستعين به لإنقاذ المسلمين من ورطتهم ، فوضع له الإمام أطروحة متكاملة للنقد الإسلامي[11] ، وأنقذ المسلمين من إذلال الروم ، ولعلّ آثار هذه الأطروحة والعمل بالنقد ما زالت موجودة لحد اليوم.
من أشهر ألقابه : زين العابدين ، والسجاد ، وذو الثفنات ، والبكّاء ، والعابد ، وأشهرها الأول...

جاء في المرويات عن محمد بن شهاب الزهري أنّه كان يقول : « يقوم يوم القيامة منادٍ ينادي : ليقم سيد العابدين في زمانه ، فيقوم علي ابن الحسين » .
وجاء في ( تذكرة الخواص ) لابن الجوزي ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي سماه بهذا الاسم[12] ، وكذلك حسب الروايات الشيعية في تسمية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاَئمة أهل البيت الاثني عشر المعروفين عليهم السلام .
وجاء في تسميته بذي الثفنات ، أنّ الإمام الباقر عليه السلام قال : « كان لأبي في موضع سجوده آثار ثابتة وكان يقطعها في كلِّ سنة من طول سجوده وكثرته ... »[13] ، ويروي الشيخ الصدوق في الخصال عن الإمام الباقر(ع)أنه قال:"كان أبي علي بن الحسين (ع) يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ، كما كان يفعل أمير المؤمنين (ع) ...."

ويروي الرواة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام سبب تسمية الإمام السجاد بـ ( البكّاء )  أنّه قال : « بكى جدي علي بن الحسين عليه السلام على أبيه عشرين سنة ، ما وضع خلالها بين يديه طعام أو ماء إلاّ بكى ، فقال له أحد مواليه يوماً : جُعلت فداك يا ابن رسول الله ، إنّي أخاف أن تكون من الهالكين ، فقال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله ، وأعلم ما لا تعلمون ... وقال له مولىً آخر في يوم آخر : « أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقلّ ؟ فقال عليه السلام : ويحك ، إنّ يعقوب النبي كان له اثنا عشر ولداً ، فغيّب الله واحداً منهم ، فابيضت عيناه عليه من كثرة البكاء واحدودب ظهره... وأنا نظرتُ إلى أبي وإخوتي وعمومتي وسبعة عشر شاباً من بني عمومتي مجزرين أمامي كالأضاحي.. ونظرت إلى عمّاتي وأخواتي هائمات في البراري وقد أحاط بهنّ أهل الكوفة وهنّ يستغثن ويندبن قتلاهن... » » .
وجاء عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أيضاً أنّه قال : « البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمد ، وعلي بن الحسين » .

وتحدّث المؤرخون عن بكائه عليه السلام الكثير الكثير ، حتى قيل أنّه ما رأى جزاراً يذبح شاة حتى يدنو منه ويسأله هل سقاها ماءً وحين يقال له نعم ، يبكي ويقول : « لقد ذُبح أبو عبد الله عطشاناً » وما يجيئه ضيفٌ ويسأله عن ميّت له ، هل غسّله وكفّنه ؟ ويكون الجواب ، نعم هذا واجب يا ابن رسول الله ، حتى يبكي ويقول : « لقد قُتل والدي غريباً وبقي ثلاثة أيام تصهره الشمس بلا غُسل ولا كفن ... » .

ثانياً: راوي الرسالة"ثابت بن دينار"-أبو حمزة الثمالي- (رض):ـ

1.  قال الكشي: ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي،واسم أبي صفية دينار، مولى، كوفي، ثقة، وكان آل المهلب يدعون ولاءه وليس من قبيلهم، لأنهم من العتيك قال محمد بن عمر الجعابي ثابت بن أبي صفية مولى المهلب بن أبي صفرة، وأولاده نوح ومنصور وحمزة قتلوا مع زيد، لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله أبا الحسن عليهم السلام وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث. وروى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه. و روى عنه العامة، ومات في سنة خمسين ومائة. له كتاب تفسير القرآن. أخبرنا عدة من أصحابنا قالوا أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن سلم بن البراء بن سبرة بن سيار التميمي المعروف بالجعابي، قال حدثنا أبو سهل عمرو بن حمدان في المحرم، سنة سبع وثلاثمائة، قال حدثنا سليمان بن إسحاق بن داود المهلبي قدم علينا البصرة، سنة سبع وستين ومائتين قال (حدثنا )حدثني عمي عبد ربه قال حدثني أبو حمزة بالتفسير. وله كتاب النوادر رواية الحسن بن محبوب أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أبي عن سعد، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة. وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسين عليه السلام أخبرنا أحمد بن علي قال حدثنا الحسن بن حمزة قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام[14].

2.  قال النجاشي: كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروى عنه العامّة[15].وقد نسبه إليه النجاشي باسم «رسالة الحقوق» عن علي بن الحسين(ع)، ثم أسند روايتها إليه[16].

3.    قال الطوسي:ثابت بن ابي صفية دينار الثمالي الازدي ، يكنى أبا حمزة الكوفي ، ومن أصحاب الإمام السجاد (ع)[17].

4.  قال العلامة الحلي:ثابت بن دينار، يكنى دينار أبا صفية وكنيته ثابت أبو حمزة الثمالي روى عن علي بن الحسين (ع) ومن بعده وأختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى (ع) وكان ثقة وكان عربياً أزدياً[18].

5.    قال بن داود: ثابت بن دينار أبو حمزة الثمالي وأسم دينار أبو صفية ، ثقة له كتاب[19].

المبحث الثاني: تحقيق الحال في الأسانيد والكتب التي أوردت الرسالة

تعدّدت طرق هذه الرسالة بين المحدثين، فأوردها من القدماء الشيخ الصدوق في العديد من كتبه وبأسانيد مختلفة كما أوردها الشيخ بن شعبة الحّراني في كتابه "تحف العقول "والشيخ النجاشي في رجاله، ويمكن استعراض هذه الأسانيد والكتب و(مكانتها واعتبارها) التي أوردت الرسالة مع الإشارة إلى مؤلفيها وحسب تسلسل الأسانيد ، وبما إن كتب "الخصال والأمالي والفقيه"هي للشيخ الصدوق فأننا سنقتصر على ذكر صاحب هذه الكتب لاحقاً في مورد واحد وكالآتي:ـ

 (1) سند الصدوق في الخصال:

قال الصدوق: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى(رض)، قال: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدّثنا خيران بن داهر، قال: حدّثني أحمد بن علي بن سليمان الجبلي، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن محمد بن فضيل، عن أبي حمزة الُثمالي، قال: هذه رسالة علي بن الحسين(عليه السلام) إلى بعض أصحابه[20].

تحقيق حال سند الخصال:ـ

 وهذا السند قد وقع فيه بعض من الرجال الضعفاء والمجهولين:

1. علي بن أحمد بن موسى:ذكره السيد الخوئي في معجمه الرجالي[21]بأنه روى بعدة طرق لكنه لم يذكر في كتب الرجال بتهوين أو توثيق" .

2. محمد بن أبي عبد الله الكوفي:قال عنه صاحب كتاب منهج المقال في أحوال الرجال بأنه موثوق.[22]

      3.  جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري:وقد نص الشيخ الطوسي على وثاقته.[23]وضعفه العلامة في الخلاصة عن بن الغضائري في ضعفاء ،قال:جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور ، مولى مالك ابن أسماء بن خارجة ، الفزاري  ، أبو عبد الله . كذاب ، متروك الحديث جملة ، وفي مذهبه ارتفاع ، ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكل عيوب الضعفاء مجتمعة فيه [24].

4.    خيران بن داهر الخادم:وثقه الشيخ الطوسي في رجاله والنجاشي[25].

5.    أحمد بن علي بن سليمان الجبلي وأبيه:مجهولين عند الشيخ الطوسي.[26]

6.    محمد بن علي:قال عنه النجاشي في رجاله ضعيف جداً وفاسد العقيدة [27].

       7 .  محمد بن فضيل[28]: ابن كثير الاَزدي، أبو جعفر الكوفيّ، الصيرفيّ، الأزرق.

قال عنه الشيخ الطوسي في رجاله :محمد بن فضيل الكوفي الازدي ضعيف.[29]

المكانة والاعتبار لكتاب الخصال:

 لقد تفنن الشيخ الصدوق في تأليف كتابه (الخصال) من حيث أبوابه وعناوينه وأسلوبه ونهجه، فهو كتاب واحد ولكنه البحر إن تشعبت روافده، فبلغت زهاء الألف، وقد امتاز بأسلوبه ونهجه فكان المتميز في موضوعه وأبوابه.

    فالخصال مجموعة بديعة من الروايات رتّبها محمد بن علي بن حسين الصدوق المتوفى عام (381 هـ)  وقد حظيت منذ كتابتها إلى اليوم بالاهتمام والاستحسان لما تجتمع فيه من خصائص نذكرها بإيجاز[30]:

1 ـ جمع الشيخ الصدوق في هذا الكتاب الأحاديث التي تحتوي على "عدد" ليرتبها في أبواب مختلفة على ترتيب الأعداد.

2 ـ تنوع موضوعات الأحاديث في هذا الكتاب جعلت قراءته شيّقة ومثيرة بالنسبة إلى عامة الناس،فضلاً عن ذلك إن أغلب روايات الخصال تدور حول قضايا الأخلاق وأنواع السلوك والصفات الحسنة والقبيحة.

3 ـ يبدأ الخصال بالعدد "واحد" وينتهي بالعدد "ألف ألف" (مليون).

4 ـ يأتي الشيخ الصدوق في بداية كل رواية بسندها الكامل.

(2) سند الصدوق في الأمالي:

قال الصدوق: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى، قال حدّثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسديّ، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدّثنا إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: قال[31]...).

تحقيق حال سند الأمالي:

وهذا السند قد أعتمد عليه الشيخ الصدوق في كتابه ما لا يحضره الفقيه وهو أكثر أعتباراً من سند الخصال لوجود إسماعيل بن الفضل بدلاً من محمد بن فضيل ، وفي هذا الطريق أيضاً قد وقع فيه بعض من الرجال الضعفاء والمجهولين:ـ

1. علي بن أحمد بن موسى،ومحمد بن جعفر الكوفي :قد ذكرناهما في تحقيق سند الخصال.

2. محمد بن إسماعيل البرمكي:قال عنه النجاشي وكان ثقة مستقيماً ، ومعروف بصاحب الصومعة أبو عبد الله سكن قم وليس أصله منها .[32]

3.عبد الله بن أحمد:ذكره النجاشي في رجاله بأنه"مشهور في أصحابنا وله شعر في المذهب.[33] ممدوح ولكنه لم يصرح بتوثيقه.

4. إسماعيل بن الفضل:قال عنه النجاشي والبرقي"ثقة من أهل البصرة من أصحاب الإمام الباقر (ع).[34]

 المكانة والاعتبار لكتاب الأمالي :

الأمالي اصطلاح في الثقافة الإسلاميّة ـ خاصة في مجال الحديث والفقه والأدب العربي ـ يشير إلى أسلوب خاص في التعليم والتدوين. والهدف منه تدوين وكتابة كلام الشيوخ(الأساتذة ) مِن قبل المستمعين. أي أن الأستاذ يُملي والمستمعين (أو المُستَملين) يكتبون ما يقول.
في إملاء مجالس الحديث لم يكن يُشترط[35]  أن تكون الأحاديث ذات موضوع واحد؛ لتفاوت مستويات الحاضرين. ويُفضَّل في هذه المجالس أن تكون الأحاديث التي يُمليها الأستاذ ( المُملي ) قصيرة السند. ويُفضّل كذلك أن يُختم المجلس بحكايات ونوادر في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق[36]  وقد بلغ أسلوب الأمالي ذروته في القرن الثاني الهجري، إذ شهد هذا العصر بداية تدوين المجاميع الحديثية، ومن بينها المجاميع التي جاءت على شكل ( أمالي).
وفي القرن الرابع الهجري نَبَعت أمالي محمد بن علي بن بابويه ( الشيخ الصدوق ).. التي تُعتبر من أهم مفردات التراث الشيعي. حيث يشتمل هذا الكتاب على "87"مجلساً تتناول موضوعات متعددة، مثل: فضل الصوم، وفضل بعض الأشهر، وعدد من خطب وفضائل الإمام عليّ عليه السّلام، واستشهاد الإمام الحسين عليه السّلام، والصفات الإلهية، ومعراج النبيّ صلّى الله عليه وآله.
 (3) سند الصدوق في (الفقيه)[37]:

فقد ذكر في موضع الحديث ما نصّه: روى إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: قال...)[38]

تحقيق حال سند الفقيه:

1.    إسماعيل بن الفضل :وقد ذكرناه في تحقيق سند الأمالي.

المكانة والاعتبار لكتاب من لا يحضره الفقيه:ـ

وهو من الكتب الأربعة عند الشيعة الإماميّة،وقد استدل على صحّة رواياته بما ذكره الشيخ الصّدوق "قد" في أوّل "الفقيه" حيث قال:«ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي تقدَّس ذكره وتعالت قدرته، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوَّل وإليها المرجع...»[39].

وهذه الكلمات تدلُّ على صحّة روايات الكتاب من جانبين:

الجانب الأول: تأكيده بأنّها صحيحة وحجّة فيما بينه وبين الله.

الجانب الثاني: أنّها مستخرجة من الكتب المشهورة والمعوَّل عليها عند علماء الطائفة.

وهذان الجانبان يتضمَّنان ثلاث شهادات لكلّ منها فائدة ونتيجة مثمرة كما سيأتي، وقد أشكل بعض الرجاليين على كلا الجانبين.

أمّا الإشكال على الجانب الأول: فهو أنّ عبارته وإن كانت صريحة لا قصور فيها من حيث المقتضي، إلاّ أنّ صحّة روايات الكتاب إنّما هي في نظر الصّدوق وعلى مبناه، ولا يعني ذلك صحتها عند الرجاليين والعلماء، فلا تكون شهادته بالنسبة إليهم عن حسٍّ بل عن حدس، إذ إنهم لا يعلمون الكيفيَّة الّتي اعتمد عليها في تصحيحه للروايات، فلا يمكن التعويل على شهادته، مضافاً إلى أنّ المعروف من طريقة الشيخ الصّدوق أنّه مقلد وتابع لشيخه ابن الوليد بل مشايخه الآخرين في التصحيح من دون فحص عن حال الراوي، وقد صرَّح بذلك في مواضع من كتابه فهو تابع ومقلِّد لمشايخه، ولا يبقى في كلامه ملاك الشهادة فلا تكون حجّة على الآخرين.

وأمّا الإشكال على الجانب الثاني: فهو ما ذكره السيّد الخوئي (قد) في معجمه الرجالي[40]وهذا مضمونه: "أنّ الكتب المعروفة المعتبرة الّتي أخرج الصّدوق روايات كتابه منها ليست هي كتب من بدأ بهم السند في كتابه وقد ذكر جملة منهم في المشيخة، وإنّما هي كتب غيرهم من الأعلام المشهورين، كرسالة والده إليه، وكتاب شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد، فالروايات الموجودة في الفقيه مستخرجة من هذه الكتب، وأمّا أنّها صحيحة أو غير صحيحة فهو أمر آخر أجنبي عن ذلك... نعم هذا في حقِّ الشيخ ثابت، فإنّه قد صرَّح في كتابيه التهذيب والاستبصار بأنّه بدأ الأسناد بأصحاب الكتب، إلاّ أنّ الشيخ لم يذكر أنّ الكتب الّتي استخرج روايات كتابيه منها كتب معتبرة معروفة".

فضلاً عن ذلك هناك إشكال آخر يظهر من العلاَّمة المامقاني وقد نقله صاحب الجواهر، عن صاحب المفاتيح، عن جدّه وهو أنّ الصّدوق وإن شهد في أوّل كتابه بصحّة ما رواه إلاّ أنّه رجع عمّا ذكره، ولذا ذكر فيه كثيراً ممّا أفتى بخلافه ويشهد له التتبُّع لكتابه[41].

قال آية الله الشيخ مسلم الدّاوري[42]رداً على هذا الإشكال "ولا يخفى أنّ ذلك مجرَّد دعوى بلا وجه فلا تستحق الجواب".

وقال أيضاً[43] في الوجه الأوّل من الإشكال الأوّل: هو أنّ الإشكال وارد لو لم نكن نعرف رأي الصّدوق (قد) في اعتماده على توثيق الراوي، وأمّا إذا علمنا ذلك فالإشكال في غير محلّه كما هو الصحيح، فإنّ الصّدوق يعتبر وثاقة الراوي في الاعتماد على روايته، ويمكن استعلام ذلك من خلال الرجوع إلى كلماته وكلمات غيره من الأعلام.

والشواهد على ما ذكره صاحب كتاب أصول علم الرجال كثيرة:

1. ما ذكره الشيخ في الفهرست في ترجمة سعد بن عبد اللّه‏، عن الشيخ الصّدوق حيث قال: وقد رويت عنه كلّ ما في المنتخبات ممّا أعرف طريقه من الرجال الثقات.[44]

وهذا القول صريح في اعتماد الصّدوق على الوثاقة في الراوي.

2. ذكر النجاشي في رجاله أنّ ابن الوليد استثنى من كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري جملة من الرواة[45] ، وتبعه الشيخ الصّدوق على ذلك.

وبما إنّ الشيخ الصّدوق قد تبع شيخه ابن الوليد في التصحيح وفي كل ما لم يصححه وحيث إن شيخه يعتبر الوثاقة في الراوي فتحصيل حاصل إن الصدوق يرى ذلك أيضاً.

ويشفع ذلك التحصيل أنّ أبا العبّاس بن نوح قد استشكل على الصّدوق وشيخه فقال: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه وتبعه أبو جعفر بن بابويه (قد) على ذلك، إلاّ في محمّد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة[46]، ومفهوم هذه العبارة الأخيرة: «لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة» إنّ أبا العبّاس بن نوح، وابن الوليد، والصّدوق يعتبرون الوثاقة في الراوي، إذ لو لم يكن على ظاهر العدالة والثقة فالاستثناء في محلّه سواء كان ضعيفاً أو مجهولاً.

3. قال الصّدوق في أوّل كتاب المقنع:

«وحذفت الأسناد منه لئلاّ يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يملُّه قاريه، إذا كان ما أبيِّنه في الكتب الأصوليّة موجوداً مبيَّناً على المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم اللّه‏ تعالى»[47].

وقوله واضح وصريح في أنّه إنّما حذف الأسناد لأنّه كان مبيّناً على العلماء والفقهاء الثقات، وتفصيل ذلك أنّ قوله: «مبيّنا على المشايخ» يحتمل أحد وجوه[48]:"

           ‌أ-   أن يكون المراد من العلماء الفقهاء الثقات هو خصوص المشايخ ، وهذا الاحتمال بعيد لعدم خصوصية المشايخ في تصحيح الرواية.

                              ‌ب-      أن يكون المراد منهم أصحاب الأصول كزرارة، وابن أبي عمير وأضرابهما.

                               ‌ج-       أن يكون المراد هو الجميع.

وأيٍّ على هذين الاحتمالين الآخرين فيثبت المطلوب".

4. ما يستفاد من كلام الشيخ في العدّة حيث قال: «إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثَّقت الثقات منهم، وضعَّفت الضعفاء، وفرَّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذمُّوا المذموم، وقالوا: فلان متَّهم في حديثه، وفلان كذَّاب، وفلان مخلِّط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي وغير ذلك من الطعون الّتي ذكروها، وصنَّفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم حتى أنّ واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في أسناده وضعَّفه بروايته، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم»[49].

قال المحقق الشيخ الدّاوري: وعبارته هذه  تشتمل على حقائق[50]:"

الأولى:"أنّ سيرة الطائفة جارية على توثيق الثقات وتضعيف الضعفاء، ويظهر من قوله: «وجدت الطائفة» دعوى الإجماع على ذلك.

ولا شك في أنّ من جملة أعيان الطائفة الكليني، والصّدوق، فهما مشمولان لكلام الشيخ قطعاً إذ لا يمكن إغفالهما، فضلاً عن أنّه ذكر فهارسهم ومنها فهرست الصّدوق كما لا يخفى.

ويؤكِّد ذلك أنّ الشيخ كثيراً ما يتعرَّض لآراء الصّدوق في كتابي التهذيب، والاستبصار، كما أشار في عدّة مواضع إلى فهرست الشيخ الصّدوق.

الثانية: أنّ قوله: «واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم» منصرف إلى الصّدوق، وشيخه ابن الوليد، وقد استشهد باستثنائهما في كثير من الموارد في كتابيه التهذيب والاستبصار، وعلى فرض عدم الانصراف إليهما فهما مشمولان لكلامه قطعاً.

الثالثة: أنّ مسألة التصحيح والتوثيق والتضعيف ليست من المسائل المستحدثة، وفي كلام الشيخ ردٌّ على من يدَّعي أنّها من المصطلحات المحدثة ولم تكن معروفة في زمان الكليني، والصّدوق".

فضلاً عن أنّ قول الشيخ صريح في اعتبار الوثاقة عند الطائفة، والشيخ الصّدوق من أجلاّئها، ويؤيِّد ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي في ترجمة الصّدوق حيث قال: «كان جليلاً حافظاً للأحاديث بصيراً بالرجال ناقداً للأخبار»[51]

ومع كل هذا المدح والثناء الجميل هل يعقل أنّ الصّدوق يأخذ بكلّ رواية دون تمييز لرجالها وثاقة وتهويناً؟!

وإذا كان الشيخ ممّن يعتبر الوثاقة فكيف يَنعت الصّدوق بأنّه كان بصيراً بالرجال ناقداً للأخبار؟!

فيتضح أنّ الوجه الأوّل من الإشكال الأوّل غير صحيح.

وأمّا الجواب عن الوجه الثاني من الإشكال الأوّل: وهو تبعيّة الصّدوق لشيخه، فيذكر آية الله الدّاوري ما مضمونه[52]:"إنّما يرد الإشكال إذا كان ابن الوليد لا يعتبر الوثاقة في الراوي، وأمّا إذا كان يعتبرها فيه فأيُّ مانع من التبعيّة، وحينئذ لا يرد الإشكال[53]، وكذلك على فرض عدم دلالة الوجوه المتقدِّمة على اعتبار الوثاقة عند ابن الوليد إلاّ أنّ تبعيّة الشيخ الصّدوق له كاشف ـ إنَّاً ـ عن اعتبار ابن الوليد للوثاقة لما ثبت من أنّ الصّدوق يعتبرها، إذ كيف يتبع الصّدوق من يخالف مبناه؟".

ويظهر من ذلك إنّ تبعيّة الشيخ الصّدوق لشيخه ابن الوليد مع كونه بصيراً بالرجال ناقداً للأخبار ليست من التقليد المصطلح بل من جهة الاطمئنان والوثوق بدقّة نظر شيخه وكمال تورُّعه واحتياطه في الأخبار.

وأمّا الإشكال على الجهة الثانية:

وهو إنّ الشيخ الصّدوق لم يبدأ السند في كتابه بأصحاب الكتب المشهورة المعروفة، وإنّما بدأ بكتب غيرهم كرسالة أبيه، وكتاب شيخه ابن الوليد.

فأجاب المحقق الدّاوري ما مضمونه[54]: "أنّ الإشكال إذا كان على عدم أخذ الصّدوق روايات كتابه من الكتب المشهورة المعوَّل عليها بل أخذها من كتب مشايخه فقط فهو واضح الفساد، لتصريحه بأنّه أخذها من كتب جملة من الرواة كحريز بن عبد اللّه‏، وعبيد اللّه‏ الحلبي، وعلي بن مهزيار، وابن أبي عمير، والبرقي وغيرهم، وشهد بأنّ هذه الكتب مشهورة وعليها المعوَّل في عمل الأصحاب،وهذه العبارة تتضمن تصريحتين:

الأولى: تصريحه حول شهرة هذه الكتب.

الثانية:تصريحه بأن هذه الكتب عليها المعول في عمل الاصحاب.

ويتفرَّع من هاذين التصريحين: صحّة السند إلى صاحب الكتاب ومنه إلى الإمام عليه‏السلام ، بمعنى عدم الحاجة إلى ملاحظة حال الطريق وسند الرواية، لأنّ مقتضى الأولى: عدم الاحتياج إلى ملاحظة السند إلى صاحب الكتاب، ومقتضى الثانية: عدم الاحتياج إلى ملاحظة السند من صاحب الكتاب إلى الإمام عليه‏السلام وكونه معمولاً عليه هو ذلك، وقد استفيد من كلامه أمران:

أحدهما: ما قاله الحر العاملي في الوسائل وهو:" أنّ كلّ من ذكره الصّدوق في الفقيه وروى عنه فهو ينقل عن كتابه وهو معروف ومشهور لا حاجة معه إلى سند"، وشاهده أنّ الصّدوق ذكر في مشيخته طريقاً واحداً إلى كلّ شخص، وهذا دليل على أنّه نقل من كتابه، وإلاّ فلو كان نقله من كتب متعدِّدة وأفراد كثيرين فأيّ فائدة في ذكر طريق واحد، وهذا الأمر مهمٌّ جداً وهو وجه قوي لا مجال لمناقشته، وذكر صاحب الوسائل قرائن أخرى أيضاً.

وثانيهما: ما قاله العلاَّمة المجلسي وهو: أنّ كلّ من ذكره في المشيخة وذكر طريقه إليه فكتابه معروف ومشهور، أو معوَّل عليه لشهادته في أوّل الفقيه.

ولكن قد يناقش في هذا الأمر بعدم الملازمة بينهما وذلك لأنّ كلّ من ذكره في المشيخة ليست له رواية في الفقيه، وكذلك العكس، فبينهما عموم من وجه.

وأمّا إذا كان الإشكال على عدم التلازم بين أخذه الروايات من الكتب المعتبرة وبين صحّة أسانيدها لأنّه لم يلتزم بذكر صاحب الكتاب في أوّل السند لاحتمال أن يكون بينه وبين صاحب الكتاب شخص أو أشخاص مجهولون أو ضعاف، فتخريجه:

1. إنّ هذا احتمال بعيد جداً لا يصار إليه إلاّ مع الدليل، فإنّ الظاهر أنّ المتعارف هو البدء  بصاحب الأصل أو الكتاب إذا كان النقل من أصله أو كتابه ويذكر بعده بقيّة السند إلى آخر الرواية، إذا لم يكن هو الراوي المباشر عن الإمام عليه‏السلام ، وإلاّ بدأ به، ويؤيِّده ما تقدّم عن صاحب الوسائل.

أمّا قطعه للسند فأمر خلاف المتعارف بل ربما يوجب التدليس في النقل، والمتتبِّع لروايات الفقيه وكيفيّة نقلها يلمس ذلك بوضوح فإنّ الصّدوق كثيراً ما ينقل عن الراوي عن الإمام عليه‏السلام ، وقد ينقل عن الراوي عن الّذي روى عن الإمام عليه‏السلام في نفس المورد، وفي بعض الموارد الأخرى قد ينقل الرواية بثلاث وسائط عن الإمام عليه‏السلام ، وقد ينقلها بأربع وسائط، أو أنّه يذكر كلّ السند كما في الموارد الّتي نقلها عن ابن محبوب، فالاختلاف في النقل دليل على نقله من نفس الكتب، ولو كان نقله من كتاب شيخه فلماذا هذا الاختلاف؟

فضلاً عن ذلك أنّه لا معنى لذكر طريق في المشيخة إلى راو واحد أخذ رواياته من كتب متعدِّدة ولازم تعدُّدها أن تتعدَّد الطرق، اللّهم إلاّ إذا كان للراوي رواية واحدة أو روايات قليلة فيمكن ذلك كما في رواية أسماء[55] ، أو رواية «جاء نفر من اليهود...[56]».

2. على فرض التسليم بذلك إلاّ أنّه إنّما يضر بصحّة الروايات عندنا إذا لم نعرف مبنى الصّدوق في تصحيح الروايات، وأمّا مع معرفة مبناه وأنّه يعتبر الوثاقة في حجّية الرواية والمفروض أنّ الكتب الّتي نقل منها لا تحتاج إلى الطريق فالروايات معتبرة عندنا أيضاً.

3. على فرض التسليم وغضِّ الطرف عن شهادة الصّدوق بالوجهين المذكورين إلاّ أنّه يمكننا تصحيح كثير من الروايات الّتي كانت موجودة في الكتب المعروفة والمشهورة لعين ما ذكرنا في روايات الكافي، إذ لو كان النقل من غيرها وكان بينها اختلاف لذكره.

4. إنّ للصّدوق طرقاً صحيحة إلى بعض الرواة ويروي بها جميع كتبهم ورواياتهم، وبناء على ذلك فلا حاجة إلى ملاحظة إسنادها".

ويستنتج الشيخ الدّاوري من ذلك: أنّ الاعتماد على روايات الفقيه يبتني على جهتين[57]:"

الأولى: الأصول المتفق عليها، وهي:

1 ـ الحكم بصحّة الروايات المذكورة المعتبرة.

2 ـ الحكم بصحّة الروايات المذكورة في الكتب المعروفة والمشهورة إذا كان أصحابها ثقات.

3 ـ الحكم بصحّة الروايات الّتي ثبت للشيخ الصّدوق طريق صحيح إلى جميع روايات صاحبها.

4 ـ الحكم بصحّة الروايات الّتي ثبت للشيخ الصّدوق طريق آخر صحيح إلى الكتاب الّذي نقلها منه إذا علمنا ذلك من طريق الشيخ الطوسي أو النجاشي.

5 ـ الحكم بصحّة الروايات الّتي علم بأنّها غير معتمدة على القرائن.

6 ـ الحكم بصحّة الروايات الّتي نعلم بأنّها معتمدة على القرائن غير الفحوى والدليل والإجماع والعقل.

7 ـ الحكم بصحّة الروايات الّتي نعلم بأنّها معتمدة على القرينة الثابتة عندنا.

الثانية: الأصول الّتي لم يتفق عليها وإنّما يحكم بصحتها على وجه قويٍّ، وهي:

الحكم بصحّة جميع روايات الفقيه اعتماداً على شهادة الصّدوق في وجه قوي بناء على الشهادة الثانية والثالثة، أو بناء على الشهادة الأولى وعدم اعتماد الصّدوق على القرائن".

ترجمة حياة مؤلف الكتب الثلاثة[58] "الشيخ الصدوق (قد)":ـ

هو محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابَوَيه، أبو جعفر المعروف بـ « الصدوق ». وُلد بعد سنة 305 هجريّة، في أوائل فترة السفير الثالث للإمام المهديّ عليه السّلام الحسين بن روح.. في مدينة قمّ المقدّسة، ببركة دعاء صاحب الأمر الإمام المهديّ سلام الله عليه.
روى الشيخ الطوسيّ أنّ أباه عليّ بن الحسين بن بابوَيه لم يُرزَق من بنت عمّه ولَداً، فكتب إلى الحسين بن روح أن يسأل الإمام المهديّ عليه السّلام أن يدعوَ الله له أن يرزقه أولاداً فقهاء، فجاء الجواب: إنّك لا تُرزق من هذه، وستملك جارية دَيلميّةً وتُرزَق منها ولَدَينِ  فقيهَين .[59]
وجاء في ( سفينة البحار) 59:3 للشيخ عبّاس القمّي: وُلد بدعاء صاحب الأمر، ونال بذلك عظيم الفضل والفخر. وصفه الإمام عليه السّلام في التوقيع الخارج من ناحيته المقدّسة بأنّه فقيه خيّر مبارك، ينفع الله به. فعمّت بركتُه الأنام، وانتفع به الخاصّ والعامّ.
نزل الشيخ الصدوق في الريّ ( جنوب طهران اليوم )، ووجّه الناس بخراسان، ثمّ ورد بغداد سنة 355 هجريّة، وقد سمع منه شيوخ زمانه وهو حَدَث السنّ[60].

منزلته العلميّة:
نشأ الشيخ الصدوق في مرابع العلم وأجواء الفضيلة، فغذّاه والده من لُباب المعارف وأغدق عليه من فيض علومه وآدابه. ثمّ هو بنفسه كان يلتمس سبيل الزهد والتقوى وطلب العلم الصحيح، فزاد ذلك في تكامله وحسّن في نشوئه العلميّ. وفوق ذلك كلّه وقبله.. أنّه وُلد بدعاء مبارك خاصّ من قِبل الإمام المنتظر المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف.
وكانت نشأته الأُولى في عشّ آل محمّد صلوات الله عليهم بقمّ المقدّسة، البلد الطيّب الخصيب بالمواهب، المتوشّح بالفضائل والمعارف، وللبيئة الصالحة أثرها وشأنها.
ومؤشّرات المنزلة العلميّة للشيخ الصدوق تتّضح من خلال أمور ثلاثة:
الأوّل ـ مؤلّفاته القيّمة الجديدة والمبَكّرة في عالم التأليف.
الثاني ـ مباحثاته ومناظراته التي أظهر فهيا تفوّقاً وفضلاً، وإقناعاً للآخرين. وكان منها في حضور الأمير ركن الدين البويهيّ الدَّيلميّ.. الذي أكرمه، وكانَ خاطبَه بأنّ فضلاء المجلس مختلفون في وجوب طعن الشيعة وجوازه وعدمه، فانبرى الشيخ الصدوق في عَرض الإمامة والولاية بعد النبوّة الخاتمة. وكانت له أجوبة شافية كافية فيما عُرضت عليه من المسائل المشكلة، مُثبتاً بطلان المتجاوزين.
وبعد أن ناظَرَ وحاجَج، وغلبت براهينه مزاعم المدّعين، قال له ركن الدولة: إنّ الحقّ مع الشيعة. حيث انبسط وجه السلطان لِما سمع من الشيخ الصدوق من أحاديث لزوم الحُجّة في كلّ زمان، فأظهر ركن الدولة غاية تكريمه للشيخ وأعلن كلمة الحقّ في ذلك المجلس، ونادى: إنّ اعتقادي في الدِّين هو ما ذكره هذا الشيخ الأمين، وإنّ الحقّ هو ما تذهب إليه الفِرقة الإماميّة[61].
وكان للشيخ الصدوق مباحثات أُخرى مع الملاحدة وأهل الشبهات أورد بعضها في كتابه : إكمال الدِّين وإتمام النعمة، ذكرها الخوانساريّ في: روضات الجنّات 14:6 وكانت في مجلس ركن الدولة أيضاً.
الثالث ـ من الأُمور التي تكشف عن المنزلة العلميّة للشيخ الصدوق.. شهادات العلماء وأهل الاختصاص، وقد جاءت عاطرةً بالثناء عليه، زاخرةً بالتفضيل، منها:
قول الشيخ الطوسيّ: الشيخ الصدوق، جليل القدر، كان حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القميّين مِثله في حفظه وكثرة علمه[62] وكان بصيراً بالفقه والأخبار والرجال .[63]
وقول ابن إدريس: كان ثقةً جليل القدر، بصيراً بالأخبار، ناقداً للآثار، عالماً بالرجال، حفظةً، وهو أُستاذ الشيخ المفيد .[64]
ووصفه السيّد ابن طاووس بقوله: الشيخ المعظّم [65]،والشيخ المتَّفق على علمه وعدالته[66] ،
 وقال فيه المحقّق الكركيّ: الشيخ الثقة الصدوق، المحدّث الحافظ... الرَّحَلة المصنّف الكنز[67]
 وسمّاه الشيخ البهائيّ رئيسَ المحدّثين وحجّة الإسلام[68].
 ولقّبه الشيخ محمّد باقر المجلسيّ بالفقيه الجليل المشهور[69].
 ووصفه السيّد محمّد مهدي بحر العلوم في ( الفوائد الرجاليّة ) قائلاً: ركنٌ من أركان الشريعة، رئيس المحدّثين، والصدوق فيما يرويه عن الأئمّة عليهم السّلام أجمعين.
إلى غير ذلك من كلمات الثناء والإطراء والتوثيق والإقرار له بالفضل والأفضليّة على غيره في زمانه.
هذا، فضلاً عمّا كان للشيخ الصدوق من المرجعيّة العليا في الفُتيا، إذ كانت الأسئلة المختلفة في شتّى العلوم والمسائل تُرسل إليه من أرجاء العالم الإسلامي والحواضر العلميّة، فيجيب عنها. وقد أورد النجاشيّ في فهرسته أنّه كانت ترد إليه الرسائل من: واسط، وقزوين، ومصر، والبصرة، والكوفة، والمدائن، ونيشابور.. وغيرها من المدن .

وله مؤلفات كثيرة أشهرُها.. كما ذكر العلاّمة الحليّ في ( خلاصة الأقوال )، وابن شهرآشوب في  ( معالم العلماء) والميرزا عبد الله أفندي في ( رياض العلماء )، وأقا بزرك الطهرانيّ في (الذريعة وطبقات أعلام الشيعة) فراجع...

وفـاته:
بعد عُمرٍ عامر بالعطاء، نافح بالعلم، مشرق بأنوار المعرفة.. تُوفّي الشيخ الصدوق في بلدة الريّ، فدُفن قرب مرقد السيّد عبد العظيم الحسنيّ رحمه الله.
وخبر وفاته مستفيض مشهور ذكره الخوانساريّ في (روضات الجنات 132:6،140) وعدّه من كراماته. فيما حُدّد قبره في المنطقة المسمّاة بـ ( شهر ري ) اليوم جنوبيّ مدينة طهران، عند بستان طغرليّة في بقعة عالية ظهرت عنها الكرامات بعد مدفنه. وفي أطراف قبره قبور كثيرة لأهل الفضل والإيمان.[70]
وكانت وفاة الشيخ الصدوق طاب ثراه سنة 381 هجريّة، عن عمرٍ مبارك بلغ نيّفاً وسبعين عاماً..
(4) سند ابن شعبة الحرّاني في كتابه "تحف العقول"[71]:

وقد أورد ابن شعبة الحرّاني هذه (الرسالة) في كتابه القيم "تحف العقول عن آل الرسول(ص)" وهي مرسلة[72]  شأن كلّ ما في الكتاب وهذا الكلام يحتاج إلى توضيح سوف نشير إليه لاحقاً.

المكانة والاعتبار لكتاب "تحف العقول " ومؤلفه:

ولمعرفة أسانيد كتاب "تحف العقول "يقتضي الكلام في ثلاث أمور[73]:

الأمر الأول: في سيرة المؤلِّف.

الأمر الثاني: في الطريق إلى الكتاب.

الأمر الثالث: في تقرير المصنف ودلائله.

الأمر الأول/ سيرة المؤلِّف :ـ هو الشيخ أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، وصفه الحر العاملي في الوسائل بالشيخ الصّدوق [74]،وقال عنه في أمل الآمل: «فاضل محدّث جليل، له كتاب تحف العقول عن آل الرسول، حسن كثير الفوائد مشهور ...»[75].

وقال عنه الشيخ إبراهيم القطيفي ـ المعاصر للمحقّق الكركي ـ في خاتمة كتاب الفرقة الناجية: «الحديث الأوّل: ما رواه الشيخ العالم الفاضل العامل الفقيه النبيه أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ...»[76].

وقال صاحب الرياض: «الفاضل العالم الفقيه المحدّث المعروف صاحب كتاب تحف العقول عن آل الرسول.[77]

وذكره المحدّث القمّي في سفينة البحار فقال: «الحراني أبو محمّد الحسن بن علي بن شعبة كان رحمه‏الله عالماً فقيهاً محدّثاً جليلاً من مقدمي أصحابنا صاحب كتاب تحف العقول وهو كتاب نفيس كثير الفائدة، قال الشيخ الجليل العارف الرّباني الشيخ حسين بن علي بن صادق البحراني في رسالته في الأخلاق والسلوك إلى اللّه‏ على طريقة أهل البيت عليهم‏السلام في أواخرها: ويعجبني أن أنقل في هذا الباب حديثاً عجيباً وافياً شافياً عثرت عليه في كتاب تحف العقول للفاضل النبيل الحسن بن علي بن شعبة من قدماء أصحابنا حتى أنّ شيخنا المفيد ينقل عن هذا الكتاب وهو كتاب لم يسمح الدهر بمثله ...».[78]

كما إنّ ابن شعبة وإن كان من القدماء ومعاصراً للشيخ الصّدوق رحمه‏ الله ، وهو من تلاميذ أبي علي محمّد بن همّام بن سهيل الإسكافي المتوفى سنة 336 هـ ، (ويروي عنه المفيد المتوفى سنة 413 هـ) [79]، فعلى الرغم من ذلك إلا إن الكتب الرجالية لم تتعرض لترجمته عدا من ذكرنا كلماتهم وهم من المتأخّرين، إلاّ أنّه لما كان من المشهورين فمن البعيد أن يكون مدح هؤلاء له وثناؤهم عليه من دون مستند، ومن المؤكد أن يكون مدركهم أقوال أو كتب من تّقدمهم وإن لم تصل إلينا فجانب الحس في كلماتهم أقوى من الحدس.

وهذا المدح والثناء الجميل من العلماء المعاصرين له والمتأخرين عنه إنما يدل على مكانته واعتباره فضلا عن الحكم بوثاقته.

الأمر الثاني: الطريق إلى الكتاب

فقد ذكره الحر العاملي في كتابه وعده من الكتب المعتمدة الّتي وصلت إليه،  وقال: «ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا رضي اللّه‏ عنهم جميعاً»[80]،إلاّ إن صاحب الوسائل لم يذكر له طريقاً بخصوصه.

ويستظهر من العبارة السابقة دخول هذا الكتاب في قوله: «الطرق المذكورة عن مشايخنا» دون قوله «الطرق المشار إليها».

فضلا عن أنّ الشيخ الحر العاملي قد صرّح في كتابه أمل الآمل: بأنّ الكتاب مشهور. وهو المستفاد من كلام الشيخ البحراني الّذي نقله المحدّث القمّي كما تقدّم.

والنتيجة: أنّ وجود الطريق ولو إجمالاً، والشهادة بأنّ الكتاب مشهور يكون كافيا في مكانة الكتاب واعتباره، وبذلك يخرج الطريق إلى الكتاب عن الإرسال.

الأمر الثالث: في تقرير المصنف ودلائله

إن التأييد والوثوق بصحّة روايات الكتاب وبانها مسندة وغير مرسلة جاءت استنادا إلى شهادة مؤلفه، حيث قال في مقدمته: «ووقفت ممّا انتهى إليَّ من علوم السادة عليهم‏السلام على حِكم بالغة، ومواعظ شافية، وترغيب فيما يبقى، وتزهيد فيما يفنى، ووعد ووعيد، وحض على مكارم الأخلاق والأفعال، ونهي عن مساويها، وندب إلى الورع وحث على الزهد ... ـ إلى أن قال : "وأسقطت الأسانيد تخفيفاً وإيجازاً، وإن كان أكثره سماعاً ... بل خذوا ما ورد إليكم عمّن فرض اللّه‏ طاعته عليكم، وتلقوا ما نقله الثقات عن السّادات بالسمع والطاعة، والانتهاء إليه والعمل به ...".[81]

والمستفاد منها أنّ ما ضمنه كتابه نقله الثقات عن الأئمة عليهم‏السلام ، وأن الروايات مسندة، إلاّ أنّه أسقطها إرادة منه للتخفيف والإيجاز.

فالّذي يظهر من كلام المصنّف  ثلاث إيضاحات:

الأوّل: أنّ روايات الكتاب كلّها مسندة، وإنّما أسقطها إرادة للتخفيف والإيجاز.

الثاني: أنّ روايات الكتاب نقلها الثقات عن الأئمة السادات عليهم‏السلام.

الثالث: أنّ أكثر روايات الكتاب مسموعات.

ومن خلال هذه العبارات ،يمكن استظهار اعتبار وصحة روايات الكتاب ،وانها كلها مسندة.      قال المحقق الشيخ الداوريّ[82] :"فإن تمكنّا من تحصيل الاطمئنان بهذه الشهادة، أي أنّ جميع روايات الكتاب كلّها كانت مسندة، وكلّها عن الثقات، فلابدّ من الحكم بالصحّة والاعتبار وإلاّ فلا، والاحتياط في محلّه".

تتمة بحث الأسانيد:

 سند النجاشي في كتابه الرجالي[83]:

ذكر النجاشي سند رسالة الحقوق بعد ترجمة حياة راوي الرسالة، وهذا نص ما قاله[84] :{ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي واسم أبي صفية دينار ، مولى ، كوفي ، ثقة ، وكان آل المهلب يدعون ولاءه وليس من قبيلهم ، لأنهم من العتيك قال محمد بن عمر الجعابي : ثابت بن أبي صفية مولى المهلب بن أبي صفرة ،وأولاده نوح ومنصور و حمزة قتلوا مع زيد ، لقى علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن عليهم السلام وروى عنهم ، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث . وروى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : " أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه " . وروى عنه العامة ، ومات في سنة خمسين ومائة . له كتاب تفسير القران . أخبرنا عدة من أصحابنا قالوا : أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن سلم بن البراء بن سبرة بن سيار التميمي المعروف بالجعابي ، قال : حدثنا أبو سهل عمرو بن حمدان في المحرم ، سنة سبع وثلاثمائة ، قال : حدثنا سليمان بن إسحاق بن داود المهلبي قدم علينا البصرة ، سنة سبع وستين ومائتين قال : حدثنا : حدثني: عمي عبد ربه قال : حدثني أبو حمزة بالتفسير . وله كتاب النوادر رواية الحسن بن محبوب أخبرنا الحسين بن عبيد الله قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا أبي عن سعد ، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة . وله رسالة الحقوق عن علي بن الحسين(ع)}،ثم ذكر سند الرسالة "أخبرنا أحمد بن علي قال : حدثنا الحسن بن حمزة قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه ،عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين عليهما السلام".

وقال صاحب المستدرك الشيخ النوري في سند النجاشي[85]:"إنه أعلى وأصح من طريق الصدوق في الخصال إلى محمد بن الفضيل.

ترجمة كتاب (رجال النجاشي)ومؤلفه:

وهو لأبي العبّاس أحمد بن علي بن العبّاس النجاشي الكوفيّ الأسدي، المولود سنة 372 هـ والمتوفَّى سنة 450 هـ ، والنجاشي نسبة إلى جدّه الأكبر عبد اللّه‏ النجاشي الوالي على الأهواز في زمان الإمام الصّادق عليه‏السلام ، وللإمام عليه‏السلام رسالة إليه معروفة رواها الكليني في الكافي.[86]

وقد ألّف النجاشي كتابه الرجال بعد فهرست الشيخ لأنّه ترجم الشيخ وذكر الفهرست في عداد كتبه.

وقد تميَّز كتابه بالدقة والضبط، ولذا قيل إنّ النجاشي أكثر دقّة من الشيخ في علم الرجال، ولعلّه لاشتغال الشيخ بكثير من العلوم والتأليف فيها.

وأمّا ما ورد في كتاب النجاشي في ترجمة محمّد بن حسن بن حمزة الجعفري من أنّه توفِّي سنة 463 هـ [87]، وهو لا ينسجم مع ما تقدَّم من تأريخ وفاة النجاشي، فلا يبعد أنّ ذلك زيادة من النسّاخ في حاشية الكتاب ثمّ أدخلت في المتن سهواً.

ثمّ إنّ النجاشي من أعيان وأركان هذا الفن.

وقال العلاَّمة: ثقة معتمد عليه له كتاب الرجال نقلنا عنه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة[88].

واعتمد عليه المحقّق في المعتبر وغيره، وأثنى عليه كلّ من ذكره من المتأخرين بأجمل الثناء.

 وقال عنه صاحب الذريعة [89]:عمدة الأصول الأربعة الرجالية نظير الكافي بين الكتب الأربعة للعالم النقاد البصير الشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد ، من ولد عبد الله النجاشي الذي كتب إليه الصادق (ع) الرسالة الأهوازية ، و هو أفضل من خط في علم الرجال أو نطق بفم ، لا يقاس بسواه و لا يعدل به من عداه ، بل قوله المقدم عند المعارضة على غيره من أئمة الرجال ، قال السيد بحر العلوم في رجاله :"وبتقديمه صرح جماعة من الأصحاب نظرا إلى كتابه الذي لا نظير له في هذا الباب و الظاهر أنه الصواب " ولد "372" و توفي"450"عده الشيخ النوري في خاتمة المستدرك من الاثنى عشر الذين ختم بهم المشايخ .

  ومن الأسانيد الأخرى التي لم ترد متن الرسالة واكتفت بذكر سندها هو ما ذكره  الشيخ النوري في كتابه "المستدرك" [90] عن أبن طاووس في كتابه "فلاح السائل" قوله: «روينا بإسنادنا في كتاب (الرسائل)[91] عن محمد بن يعقوب الكليني، بإسناده إلى مولانا زين العابدين(ع)».

 ويمكن القول ان عبارة (بإسناده) تدلّ على كون الحديث مسنَداً عند الكليني.

ويفسر السيد الجلالي[92] العبارة المتقدمة بقوله: " أنّ كتاب (الرسائل) مفقود، وان ابن طاوس قد نقل عنه بِحذف الإسناد".

وقال أيضاً:"ومن المحتمل جدا أن يكون الكليني قد رواه عن شيخه علي بن إبراهيم، الذي يروي الرسالة كما في سند النجاشي"[93].

وان تحققنا من ضعف الأسانيد وتعدد الطرق إلى أبي حمزة، فإن هذا لن يدع مجالاً للباحثين للتحقيق السَنَدي حول هذه الرسالة لجوانب عديدة أهمها:[94]ـ"

1. إن المنهج المختار عند الرجاليين هو عدم اللجوء إلى المعالجات الرجاليّة إلاّ في مواقع استقرار التعارض بعدم المرجّحات، والمفروض هنا عدم وجود ما يُعارض مضامين هذه الرواية أصلاً.

2. أنّ أمثال هذه المضامين، الدائرة حول الآداب والحِكَم ليست بحاجة إلى الأسانيد، لشهادة الوجدان بما فيها.

3. دقة وبلاغة العبارة وقوة وعظمة "محتوى المتن"،مما يشير إلى عظمة كاتب الرسالة.

4. تلقّي كبار المحدّثين لها بالقبول بإيرادها في كتبهم، المؤلّفة للعمل، خصوصاً كتاب الفقيه الذي وضعه المؤلّف على أنْ يكون حجّة بينه وبين الله تقدّس ذكره، وأنّ جميع ما فيه مستخرَج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع[95] وهذا كاف في تجويز النسبة المعتبرة في الكتب".

المبحث الرابع: المصادر التي أوردت الرسالة:

 لقد تداول الأعلام هذه الرسالة القيّمة بالرعاية والعناية، وتناقلوها على طولها في مؤلّفاتهم، فقد وردت في الكتب التالية مخطوطها ومطبوعها، كما نشرت مستقلةً أيضاً، وإليك ما وقفنا عليه من طبعاتها:

1ـ تحف العقول عن آل الرسول (ع)، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحّراني (ق 4) (ص 255 ـ 272).

2ـ كتابُ مَنْ لايحضره الفقيه، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين (ت 381) وقد أوردها في نهاية كتاب الحج، بعنوان (باب الحقوق) فلاحظ (ج 2 ص 371 ـ 381) من طبعة النجف.

3ـ الخصال، للشيخ الصدوق، في أبواب الخمسين فما فوقه (ص 564 ـ 570).

4ـ الأمالي، للشيخ الصدوق، في المجلس (59) (ص 301 ـ 306).

5ـ روضة المتّقين شرح الفقيه، للمحدث المولى محمد تقي المجلسي

الأول (ت 1070) في (ج 5 ص 500 ـ 527) مشروحةً.

 6ـ بحار الأنوار، للعلامة المجلسي محمد باقر بن محمد تقي (ت 1110) في الجزء (71)،من ص2-ص9،باب1 جوامع الحقوق نقلاً عن "الخصال"،و ص9 :نقلاً عن "الآمالي"،ومن ص10-21،عن "تحف العقول".

يقول العلامة المجلسي"أنما أوردناه مكرراً للاختلاف الكثير بينهما وقوة سند الأول وكثرة فوائد الثاني".

7- مكارم الأخلاق، للطبرسي صاحب مجمع البيان (ق 6) (ص 455).

8ـ عوالم العلوم والمعارف، للشيخ عبد الله البحراني (ق 12) في الجزء (18).

9ـ مستدرك الوسائل، للمحدّث النوري حسين بن محمد تقي (ت 1320) في (2 / 274) من الطبعة الأولى و (11 / 154) من الطبعة الحديثة.

10ـ أعيان الشيعة، للإمام السيد محسن الأمين العاملي (ج 4 ص 215 ـ 230).

11ـ بلاغة علي بن الحسين (ع)، للشيخ جعفر عباس الحائري (المعاصر) (ص 130 ـ 163).

12ـ الإمام زين العابدين (ع)، للسيد عبد الرزاق المقَرَّم الموسوي (ت 1391 هـ) (ص 118 ـ 135).

13ـ حياة الإمام زين العابدين (ع) الشيخ باقر شريف القرشي (ص 477 ـ 511).

14ـ شرح رسالة الحقوق، للخطيب السيد حسن القبانچي الحسيني فقد شرح الرسالة في مجلدين، طبعا في النجف، واُعيدا في قم (1406) وبيروت.

15ـ رسالة الحقوق عن الإمام السجاد (ع) برواية أبي حمزة الثمالي (رض) ، كتاب جهاد الإمام السجاد (ع) ملحق1 ، للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي، بيروت :1414هـ.

16- وتنسب إلى الإمام زيد الشهيد باسم «الرسالة الناصحة والحقوق الواضحة» وتشبه أنْ تكون مختصرةً من رسالة الحقوق المروية عن والده الإمام زين العابدين (ع)، كما جاء في مؤلّفات الزيدية (2 / 44) رقم (1608) للسيّد أحمد الحسيني.

وذكر الشيخ عبد الجبار الرفاعيّ كتاب الحقوق للإمام زيد بن عليّ، في معجمه[96] وقال: مخطوط في الجامع الكبير في صنعاء برقم 2364.

كما ذكرها في هذا الجزء بعنوان «رسالة الحقوق» برقم (20491) وأورد طبعاتها، ومنها: بغداد 1369 هـ (179 ص) تحقيق عبد الهادي المختار، سلسلة حديث الشهر .

والأعمال المؤلّفة حول (رسالة الحقوق) ضمن ما أورده الشيخ الرفاعيّ مما كتب عن الإمام السجّاد (ع) في هذا المجلّد هي بالأرقام:ـ

* 20372: رسالة إمام زين العابدين (بالاردو).

* 20399: رسالة حقوق إخوان (ترجمة فارسية).

* 20400: رسالة حقوق (ترجمة فارسية).

* 20489: رسالة الحقوق (ترجمة فارسية).

* 20490: رسالة الحقوق (بالاردو).

* 20742: النَهْجَيْن في شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، للشيخ صالح بن مهدي الساعدي...

المبحث الخامس :محتوى متـن الرسالة:

تحتوي الرسالة على (خمسين حقّاً).

وقد ذكر هذا العدد، في خاتمة متن الرسالة الذي أورده الشيخ الحراني في تحف العقول، فقال: «فهذه خمسون حقّاً محيطاً بك».[97]

والصدوق لم يورد هذه الخاتمة في رواياته، إلاّ أنـّه التزم بكون عدد الحقوق «خمسين حقّاً» في كتابه الخصال حيث عنون للباب الذي أورد الرسالة فيه بأبواب الخمسين فما فوقه، وذكر الرسالة في أوّل حديث في الباب، وقال: الحقوق الخمسون التي كتب بها عليّ بن الحسين سيّد العابدين (عليه السلام) إلى بعض أصحابه.[98]

وقد التزم أكثر المعاصرين الذين أوردوا متن الرسالة في مطبوعاتهم بترقيم الحقوق، فزاد بعضهم رقماً واحداً فكان العدد (51).

والسبب في ذلك أنّ الصدوق ذكر في رواياته «حقّ الحجّ» وهذا لم يرد في رواية تحف العقول، فلمّا جمع المؤلّفون بين الروايتين، اعتقاداً بوحدة الرسالة، زاد عندهم هذا العدد الواحد.

ثم إنّ المؤلّفين المعاصرين ارتبكوا كثيراً في ترقيم سائر الحقوق، فلم يرقّموا ما هو حقّ من جهة، ورقّموا ما ليس بحقّ من جهة اُخرى، وإليك بيان ذلك[99]:"

1ـ عدّ جميع المؤلّفين «حقّ نفسك» بالرقم [2] مع أنـّه ليس حقّاً مستقلاً، وإنّما المراد منه حقّ أعضاء نفس الإنسان، بقرينة قوله ـ في المقدّمة ـ في جوامع الحقوق: «[ب] ثم ما أوجبه الله عزّ وجلّ لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل لِلسانِك...».[100]

 وهذا واضح في كون المراد بحقّ النفس، حقّ ما لنفس الإنسان، أي في جوارحه، في مقابل قوله بعد ذلك: «ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك».[101]

ثمّ إنّه ذكر عند تفصيل حقوق الأعضاء: ما نصّه: « وأما حقّ نفسك عليك أنْ تستعملها في طاعة الله: فتؤدّي إلى لسانك حقّه»[102] فوجد الفاء في «فتؤدي» يقتضي كون ما بعدها تفريعاً وتفصيلاً لما قبلها.

ومن الواضح أنـّه لم يذكر للنفس حقّاً غير استعمال الجوارح، فيدل على أنّ المراد بالنفس «شخص الإنسان» لا النفس الناطقة، فليس المراد وضع حقّ خاص لها، دون الجوارح حتّى يضاف على حقوقها.

والغريب أن طابع «تحف العقول» عدّ هذا الحقّ برقم [2] بينما لم يذكر «حقّ الحجّ» فأخلّ بالحقّين كما سيتضح.

2ـ ذكر في مقدّمة الرسالة، في جوامع الحقوق: «[ج] ثم جعل عزّ وجل لأفعالك عليك حقوقاً» ثم ذكر الواجبات وقال في آخرها: «ولأفعالك عليك حقّاً»[103] فتكون الحقوق المذكورة «ستّة» آخرها «حقّ الأفعال».

وقد ذكر في تحف العقول «حقّ الأفعال» بعد [13] «حقّ الهدي» بقوله: «واعلم أنّ الله يُراد باليَسير ولا يُراد بالعسير...» إلى آخره.[104]

فلا بدّ أنْ يكون حقّ الأفعال، مستقلاً، غير حقّ الواجبات الخمسة المذكورة أوّلاً، ويؤيده أنّ محتواه لا يرتبط بما سبقه بشكل مستقيم، بل هو أمر عام لها ولغيرها.

والظاهر أنّ المراد بحقّ الأفعال هو حدّ العمل الذي يجب على الإنسان القيام به في كلّ مجال، حتّى في غير الواجبات الخمسة المذكورة أولاً، وهذا أصل عظيم له دور كبير في حياة الإنسان.

لكن جميع المؤلّفين أهملوا هذا الحقّ في الترقيم، كما أن روايات الصدوق لم تورده إطلاقاً، وهو الحق [14] بترقيمنا.

3ـ اعتبر المؤلّفون «حقّ المملوك» برقم مستقل [21] بينما هو داخل في حقّ الرعية بالملك، وله موردان: (الزوجة والمملوك) وهذا هو ثالث حقوق الرعيّة: بالسلطان، وبالعلم، وبالملك، وقد صرّح في المقدّمة ـ في اُصول الحقوق ـ بعنوان [هـ ]بانّ حقوق الرعيّة ثلاثة.

بينما تصير حسب ترقيمهم، أربعة !

والظاهر أنّ الموجب لهذا الارتباك هو ملاحظتهم لكلمة «حقّ» وعدّهم لها ـ حيث وقعت ـ برقم مستقلّ، من دون تأمّل في المعاني.

وقد وفّقنا الله لتلافي كلّ هذا الارتباك فرتّبنا النصّ إلى أصول الحقوق، وهي السبعة المُعْلَمة برموز من حروف (أ، ب، ج، د،هـ،و، ز).

وإلى فروع الحقوق، وهي الخمسون، مرقمة بالأعداد، ومطبوعة بالحروف البارزة.

وإلى بنود الحقوق، وهي موادّها المذكورة تحت عنوان كلّ حقّ، ذكرنا كلّ

مادّة منها في سطر مستقلّ مبدوءاً بشريط في أول السطر: (ـ:).

وبما أنّ النصّ الذي أثبتناه هو جامع بين كلّ الروايات الواردة وملفّق منها، وهي رواية تحف العقول التي اتّخذناها أصلاً، وروايات الصدوق.

فقد وضعنا المعقوفين ليحتويا ما ورد في روايات الصدوق زيادة على ما في تحف العقول.

ووضعنا بين القوسين ما اختصّت به رواية تحف العقول، ولم يرد في روايات الصدوق.

وما خرج عن المعقوفين والقوسين، فهو مشترك بين النصّين ووارد في جميع الروايات.

وما أضفناه من العناوين وغيرها، فقد نبّهنا على وجه إضافته".

المبحث السادس: اختلاف نسخ الرسالة:

إنّ المتتبع لنسخ الرسالة بين ما أورد في تحف العقول وبين روايات الصدوق، من جهة، وبين رواية الصدوق في بعض كتبه وبين ما أورده في بعضها الآخر من الملاحظ وجود اختلاف في عبارات من متن الحديث زيادة وحذفاً تارة، وإجمالاً وتفصيلاً اُخرى.

ووقوع مثل هذا الاختلاف في الأحاديث الطوال أمر محتمل، يعود ذلك أساساً إلى اعتماد الرواة على النقل بالمعنى، لأنّ أمثال هذه الروايات تهدف إلى إبلاغ معانيها، وأداء مضامينها، ولا يدخل في القصد منها ما يوجب المحافظة على ألفاظها بنصوصها، وليست كما هو المفروض في الكلمات القصار، والخطب البلاغية المبتنية على إعمال الصناعات اللفظية والمحسّنات البديعيّة المؤثّرة في نفوس السامعين إلى جانب المعاني والمؤدّيات.

ومن المحتمل أيضاً أن يلجأ بعض الرواة إلى الاختصار لأمثال هذه

الأحاديث الطوال، والاقتصار على الجمل المهمّة فقط.

وقد حمّل بعضُ المتأخّرين الشيخَ الصدوق مسؤولية القيام بالاختصار، قائلاً: «إنّه يختصر الخبر الطويل، ويُسقط منه ما أدّى نظره إلى إسقاطه».[105]

لكنّ هذا تحاملٌ على الشيخ الصدوق المعترَف له بكثرة النقل للأخبار والحفظ والمعرفة بالحديث والرجال والآثار[106].

ومع احتمال النقل بالمعنى كما ذكرناه، لم تصل النَوْبة إلى احتمال الاختصار أصلاً.

مع أنّ أصل الاختصار أمر جائزٌ لا مانع منه، إذ هو عبارة عن تقطيع الحديث، المعمول به، والمقبول من دون نزاع، لتعلّق غرض المحدّث ببعض الحديث فيقتصر عليه.

فضلاً عن أنه لا يوجد دليل على نسبة الاختصار ـ المفروض ـ إلى الشيخ الصدوق.

فمن المحتمل ـ قويّاً ـ أن يكون بعض الرواة السابقين على الصدوق، قد اختصر النصّ، ورووه له مختَصراً.

ويشهد لهذا الاحتمال: أن روايات الصدوق في كتبه المختلفة هي في نفسها متفاوتة.

مع أنّ الأصل هو رواية اللفظ.

إلاّ أن المقارنة بين النصّين تعطي اطمئناناً بأنّ الرواة مع اختصارهم للنصّ، عمدوا إلى نقل مقاطع بطريق رواية المعنى، فالنصّان لا يختلفان في المعنى عند اختلافهما في اللفظ، وعند اتفاقهما في اللفظ فالاختصار ملحوظ.

وأما وحدة النصّ الصادر من الإمام (ع)، فالدليل عليه أمران[107]:"

الأول: الاستبعاد الواضح في أنْ تُوجّه رسالة بنصّين مختلفين إلى شخص

معيّن، ويرويهما راو واحد، من دون ذكر التفاوت بينهما.

الثاني: تطابُق أكثر عبارات النصّين لفظاً من دون أدنى تفاوت مما يدّل على وجود أصل مشترك بينهما، وعلى أخذ المختصر من المفصّل".

المبحث السابع: النصّ المنتخب[108]:

هنالك نصين من رسالة الحقوق أوردهما الشيخ الحراني والشيخ الصدوق في كتبهم ، فإنّا تمكنّا بالمقارنة الدقيقة بين النصّين من انتخاب نصٍّ جامع، بالتلفيق بينهما، بحيث لا يشذّ عنه شيء من عبارتيهما، ولا كلمة واحدة مؤثّرة في المعنى.

وبما أنّ نصّ (تحف العقول) هو أوفى، وأجمع، وأسبك، وأكثر تفصيلاً فقد جعلناه (الأصل) وأوعزنا إلى ما في روايات الصدوق من الفوائد والزوائد، بما لا يفوت معه شيء مما له دخل في جميع أبعاد النصّ.

يقول صاحب البحار"أنما أوردناه مكرراً للاختلاف الكثير بينهما وقوة سند الأول وكثرة فوائد الثاني"[109].

وقد أشرنا إلى الرموز المستعملة في عملنا سابقاً.

ولم نُشِرْ إلى الأخطاء الواضحة، ولا الاختلافات المرجوحة، تخفيفاً على القارئ المتتبع.

متن رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ((ع)): 

   وتشمل خمسين حقاً على الإنسان ، ابتداءً من حقوق الله تعالى إلى حق نفسه ومحيطه ومجتمعه ودولته ، وحقوق أهل الأديان الأخرى . وتبدأ بإجمال كالفهرس، ثم تفصل الحقوق واحداً واحداً.[110] وكالآتي:ـ

اعلم ـ رحمك الله ـ أنّ لله عليك حقوقاً محيطةً بك في كلّ حركة تحرّكْتَها أو سكنة سكنْتَها [أو حال حُلْتَها] أو منزلة نزلتَها أو جارحة قلَّبْتَها أو آلة تصرّفْتَ بها (بعضُها أكبرُ من بعض):

[ا] فأكبر حقوق الله عليك: ما أوجَبَهُ لنفسه تبارك وتعالى من [1] حقّه الذي هو أصل الحقوق (ومنه تُفَرَّعُ).

[ب] ثمّ ما أوجبه الله عزَّ وجَل لنفسك، من قَرْنك إلى قدمك، على اختلاف جوارحك:

   فجعل [2] للسانك عليك حقّاً[111] و [3] لسمعك عليك حقّاً، و [4 ]لبصرك عليك حقّاً، و [5] وليدك عليك حقّاً، و [6] لرجلك عليك حقاً، و [7 ]لبطنك عليك حقاً، و [8] لفرْجِك عليك حقاً.

فهذه الجوارح السبعُ التي بها تكون الأفعال.

[ج] ثمّ جعل عزّ وجل لأفْعالك عليك حقوقاً:

   فجعل [9] لصلاتك عليك حقاً، و [10] لحجّك عليك حقاً[112]، و[11 ]

لصومك عليك حقاً، و [12] لصَدَقتك عليك حقّاً، و [13 ]لهَدْيك عليك حقاً، و [14 ]لأفعالك عليك حقاً.

ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك، من ذوي الحقوق الواجبة عليك، وأوجبها عليك: [د] حقوق أئمّتك،ثمّ [هـ] حقوق رعيّتك، ثمّ [و ]حقوق رحمك، فهذه حقوقٌ يتشعّبُ منها حقوق.

[د] فحقوق أئمّتك ثلاثة:

   أوجبُها عليك [15] حقُّ سائسك[113] بالسلطان، ثمّ [16] حقّ سائسك بالعلم، ثمَّ [17] حقّ سائسك بالمِلْك.

وكلُّ سائس إمامٌ.

[هـ] وحقوق رعيّـتك ثلاثة:

أوجبها عليك [18] حقُّ رعيّـتك بالسُلطان، ثمَّ [19] حقُّ رعيتك بالعلم، فإنّ الجاهل رعيّة العالم، ثمَّ [20] حقّ رعيّـتك بالمِلْك: من الأزواج وما ملكت الأيمانُ.

[و] وحقوق رَحِمكَ كثيرة، متّصلةٌ بقَدَر اتّصال الرحم في القرابة.

فأوجبها عليك [21] حقُّ اُمِّك، ثمَّ [22] حقّ أبيك، ثمَّ [23] حقّ ولدك، ثمَّ [24 ]حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب، والأول فالأول[114].

[ز] ثمَّ [حقوق الآخرين][115]:

[25] حقّ مولاك المُنْعم عليك، ثمَّ [26] حقّ مولاك الجارية نِعْمَتُك عليه، ثمَّ [27 ]حقّ ذي المعروف لديك، ثمَّ [28] حقّ مُؤذّنك لصلاتك، ثمَّ [29 ]حقّ إمامك في صلاتك، ثمَّ [30] حقّ جليسك، ثمَّ [31] حقّ جارك، ثمَّ [32 ]حقّ صاحبك، ثمَّ [33] حقّ شريكك، ثمَّ [34] حقّ مالِك، ثمَّ [35] حقّ غريمك الذي يُطالِبُك[116]، ثمَّ [36] حقّ خليطك، ثمَّ [37] حقّ خصمك المدّعي عليك، ثمَّ [38 ]حقّ خصمك الذي تدّعي عليه، ثمَّ [39] حقّ مُسْتشيرك، ثمَّ [40] حقّ المُشير عليك، ثمَّ [41 ]حقّ مُسْتنصِحك، ثمَّ [42 ]حقّ الناصِح لك، ثمَّ [43 ]حقّ مَنْ هو أكبر منك، ثمَّ [44 ]حقّ مَنْ هو أصغر منك، ثمَّ [45 ]حقّ سائلك، ثمَّ [46 ]حقّ مَنْ سألتَهُ، ثمَّ [47] حقّ مَنْ جرى لك على يَدَيْه مساءةٌ بقول أو فعل، عن تعمّد منه أو غير تعمّد، [ثمَّ[48 ]حقّ من جرى على يديه مسرّة من قول أو فعل][117] ثمَّ [49 ]حقّ أهل ملّتك عامّة، ثمَّ [50] حقّ أهل ذمّتك.

ثمَّ[118] الحقوق الجارية بقَدَر عِلَل الأحْوال وتصرُّف الأسْباب.

فطوبى لِمَنْ أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه، ووفّقهُ لذلك وسدّده.[119]

[ا ـ حقّ الله][120]

[1] فأمّا حقّ الله الأكبر عليك:

ـ فأنْ تعبدَهُ لا تُشرِكَ به شيئاً، فإذا فعلتَ ذلك بإخْلاص جَعَل لك على نفسه أنْ يكفيَكَ أمرَ الدنيا والآخرة (ويحفظَ لك ما تحبُّ منها).

 [ب ـ حقوق الأعضاء] (5)

وأمّا حقّ نفسك[121] عليك: أنْ تستعملَها[122] في طاعة الله: (فتؤدّي إلى لِسانك حقّه، وإلى سمعك حقّه، وإلى بصرك حقّه، وإلى يدك حقّها، وإلى رجلك حقّها، وإلى بطنك حقّه، وإلى فرجك حقّه، وتستعينَ بالله على ذلك):

[2] وأمّا حقّ اللسان:

ـ فإكرامه عن الخَنى.

ـ وتعويده على الخير [والبرّ بالناس، وحسن القول فيهم].

(ـ وحمله على الأدَبِ

ـ وإجمامُه إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا.

ـ وإعفاؤهُ عن الفضول الشنيعة، القليلة الفائدة التي لا يؤمَنُ ضررُها مع قِلّة فائدتها.[123]

 ـ ويُعَدّ شاهدَ العقل، والدليل عليه، وتزيُّن العاقل بعقله حسنُ سيرته في لسانه.

ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم)[124]

 [3] وأمّا حقّ السمع:

ـ فتنزيهُهُ عن أنْ تجعلَه طريقاً إلى قلبك إلاّ لفوهة كريمة تُحدِث في قلبك خيراً، أو تكسب خلقاً كريماً، فإنّه باب الكلام إلى القلب، يؤدّي إليه ضروبَ المعاني على ما فيها من خير أو شرٍّ.

ولا قوة إلاّ بالله[125]

 [4] وأمّا حقّ بصرك:

ـ فغضّهُ عمّا لا يحلّ لك.

(ـ وترك ابتذاله إلاّ لموضع عِبْرة تستقبلُ بها بَصَراً، أو تستفيد بها عِلماً، فإنّ البَصَر بابُ الاعتبار)[126]

 [5] وأمّا حقّ يدك:

ـ فأنْ لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك (فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل.

ـ ولا تقبضها عمّا افترضَ اللهُ عليها.

ولكن توقّرها: بقَبْضها عن كثير ممّا يحلّ لها، وبسطها إلى كثير ممّا ليس عليها، فإذا هيَ قد عُقِلَتْ وشُرِّفَتْ في العاجل وَجَبَ لها حُسْنُ الثواب من الله في الآجل)[127]

 [6] وأمّا حقّ رِجْلِك[128]:

ـ أنْ لا تمشيَ بها إلى ما لا يحلّ لك. [فبها تقف على الصراط، فانظر أن لا تَزِلّ بك فتردى في النار]

(ـ ولا تجعلَها مطيّتَك في الطريق المستخفّة بأهلها فيها، فإنّها حاملتُك وسالكةٌ بك مسلك الدين، والسبق لك.

ولا قوّة إلاّ بالله).

 [7] وأمّا حقّ بطنك:

ـ فأنْ لا تجعلَه وعاءاً (لقليل من) الحرام (ولا لكثير.

ـ وأنْ تقتصِدَ له في الحلال، ولا تُخرجه من حدّ التقوية إلى حدّ التهوين، وذهاب المروءة.

ـ وضبطه إذا هَمَّ، بالجوع والعطش.[129]

ـ [ولا تزيد على الشَبَع] فإنّ الشَبَع المنتهي بصاحبه إلى التخم مَكْسَلةٌ ومَثبَطة ومَقْطَعة عن كلّ برّ وكرم، وإنّ الريّ المنتهي بصاحبه إلى السُكر مَسْخَفةٌ ومَجْهَلة ومَذْهَبة للمروءة).

 [8] وأما حقّ فرجك:

ـ (فحفظه ممّا لا يحلّ لك [أنْ تُحْصِنَه عن الزنا، وتحفظه من أنْ يُنْظَر إليه ]

والاستعانة عليه بغضّ البَصَر، فإنّه من أعون الأعوان، وكثرة ذكر الموت، والتهدّد لنفسك بالله والتخويف لها به.

وبالله العصمة والتأييد، ولا حول ولا قوّة إلاّ به).

 [ج] ثمَّ حقوق الأفعال[130]

[9] فأمّا حقّ الصلاة:

ـ فأن تعلم أنّها وفادة إلى الله، وأنّك قائمٌ بها بَيْنَ يدي الله، فإذا علمتَ ذلك كنتَ خليقاً أنْ تقومَ فيها مقامَ العبد، الذليل [الحقير]، الراغب، الراهب، الخائف، الراجي، المسكين، المتضرّع، المُعَظِّم مَنْ قامَ بَيْنَ يديه بالسُكونِ والإطْراق[131] (وخشوع الأطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه.

والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك، واستهلكتها ذنوبك).

ـ [وتُقْبل عليها بقلبك.

ـ وتقيمها بحدودها وحقوقها].

ولا قوّة إلاّ بالله.

 10ـ [وحقّ الحجّ:

ـ أنْ تعلم أنَه وفادة إلى ربّك، وفِرارٌ إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك][132]

 [11] وأمّا حقّ الصوم:

ـ فأنْ تعلم أنـّه حجابٌ ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك، ليسترك به من النار [فإن تركت الصوم خرقتَ سِتْرَ الله عليك].

(وهكذا جاء في الحديث: «الصوم جُنَّةٌ من النار» فإنْ سكنتْ أطرافك في حجبتها رجوتَ أن تكون محجوباً، وإن أنتَ تركتها تضطرب في حجابها، وترفع جنبات الحجاب فتطّلعَ إلى ما ليس لها، بالنظرة الداعية للشهوة، والقوّة الخارجة عن حدّ التُقْية لله، لم تأمن أنْ تخرق الحجابَ وتخرجَ منه.

ولا قوة إلاّ بالله)

 [12] وأمّا حقّ الصدقة:

ـ فأنْ تعلم أنّها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد[133] [عليها ](فإذا علمتَ ذلك) كنتَ بما استودعتَه سِرّاً أوثق [منك] بما استودعته علانيةً (وكنتَ جديراً أنْ تكون أسررت إليه أمراً أعلنته، وكانَ الأمر بينك وبينه فيها سراً على كلّ حال، ولم تستظهر عليه في ما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنـّك أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثقّ به في تأدية وديعتك إليك.

ـ [وتعلم أنّها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النار في الآخرة]

ـ ثمّ لم تمتَنَّ بها على أحد، لأنّها لك، فإذا امتننتَ بها لم تأمن أنْ تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى مَنْ مننت بها عليه، لأنّ في ذلك دليلاً على أنك لم تُرِد نفسك بها، ولو أردتَ نفسك بها لم تمتَنَّ بها على أحد.

ولا قوّة إلاّ بالله)

 [13] وأمّا حقّ الهَدْي:

ـ فأن تُخلِصَ بها الإرادة إلى ربّك، والتعرُّض لرحمته وقبوله، ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلّفاً ولا متصَنّعاً، وكنت إنّما تقصد إلى الله.[134]

 [14 وأما حقّ عامّة الأفعَال][135]

ـ واعلم أنَّ الله يُراد باليسير، ولا يُراد بالعسير، كما أراد بخلقه التَيْسير ولم يُرد بهم التَعْسير.

ـ وكذلك التذلّل أولى بك من التَدَهْقُن، لأَنّ الكُلفة والمؤونة في المتدهْقِنين، فأمّا التذلُّل والتمسْكن فلا كُلْفة فيهما، ولا مؤونة عليهما، لأنّهما الخِلقة، وهما موجودان في الطبيعة.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[د] (ثمّ حقوق الأئمّة)[136]

[15] فأمّا حقّ سائسك بالسُلطان:

ـ فأنْ تعلم أنّك جُعِلتَ له فِتنةً، وأنـّه مُبتلىً فيك بما جعله الله له عليك من السُلطان.

(ـ وأنْ تُخلص له في النصيحة.

ـ وأنْ لا تماحكه[137]، وقد بُسِطَتْ يدُه عليك، فتكونَ سبب هلاك نفسك وهلاكه.

ـ وتذلَل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك، وتستعين عليه في ذلك بالله.

ـ ولا تعازّه[138]، ولا تعانده، فإنّك إنْ فعلتَ ذلك عقَقْتَه، وعقَقْتَ نفسك، فعرّضْتها لمكروهه، وعرّضْتَهُ للهلكة فيك، وكنت خليقاً أن تكون مُعينا له عليه نفسك)[139] وشريكاً له في ما أتى إليك [من سوء].

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [16] وأمّا حقّ سائسك بالعلم:

- فالتعظيم له.

ـ والتوقير لمجلسه.

ـ وحسن الاستماع إليه، والإقبال عليه.

(ـ والمعونة له على نفسك في ما لا غنى بك عنه من العلم، بأنْ تفرّغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتزكي له قلبك، وتجلي له بصرك: بترك اللّذات، ونقص الشهوات.

ـ وأنْ تعلم أنّك ـ في ما ألقى إليك ـ رسولُه إلى من لَقِيَك من أهل الجهل، فلزِمَك حسنُ التأدية عنه إليهم، ولا تخُنْهُ في تأدية رسالته، والقيام بها عنه إذا تقلّدتها).

[ ـ وأن لا ترفع عليه صوتك.

ـ وأن لا تجيبَ أحداً يسأله عن شيء حتّى يكونَ هو الذي يُجيب.

- ولا تحدّثَ في مجلسه أحداً.

ـ ولا تغتابَ عنده أحداً.

ـ وأن تدفعَ عنه إذا ذكر عندك بسوء.

ـ وأنْ تستر عيوبه.

ـ وتُظهر مناقبه.

ـ ولا تُجالس له عدوّاً.

ـ ولا تُعادي له وليّاً.

فإذا فعلتَ ذلك شهدتْ ملائكةُ الله عزّ وجلّ بأنّك قصدتَهُ وتعلّمتَ علمه لله جلّ وعزّ اسمه، لا للناس][140].

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

 [17] وأمّا حقّ سائسك بالمِلْك:

ـ فنحوٌ من سائسك بالسلطان، إلاّ أنّ هذا يملك مالا يملكه ذاك، تلزمك طاعته في مادَقَّ وجلّ منك إلاّ أنْ تخرجَك من وجوب حقّ الله، فإنْ حقّ الله يحول بينك وبين حقّه وحقوق الخلق، فإذا قضيته رجعتَ إلى حقّه[141] فتشاغلت به.

ولا قوّة إلاّ بالله[142]

 [هـ] (ثم حقوق الرعيّة)

[18] فأمّا حقّ رعيّتك بالسُلطان:

(ـ فأنْ تعلمَ أنّك إنّما اسْترعيتَهم بفضل قوّتك عليهم، فإنّه إنّما أحلّهم محلّ الرعيّة لك ضعفهم، وذلّهم، فما أولى مَنْ كفاكَهُ ضعفُهُ وذلّه ـ حتّى صيّره لك رعيّةً،

وصيّر حكمك عليه نافذاً، لا يمتنع عنك بعزّة ولا قوّة، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلاّ بالله ـ بالرحمة والحياطة والأناة[143] !)[144]

[ ـ فيجب أنْ تعدِلَ فيهم، وتكونَ لهم كالوالد الرحيم.

ـ وتغفر لهم جهلهم.

ـ ولا تعاجلهم بالعقوبة]

(وما أولاك ـ إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها ـ أنْ تكون لله شاكراً ! [وتشكر الله عزّ وجل على ما آتاك من القوّة عليهم] ومَنْ شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه.

ولا قوّة إلاّ بالله).

 [19] وأمّا حقّ رعيّـتك بالعلم:

ـ فأن تعلم أنّ الله قد جعلك قيّماً لهم في ما آتاك من العلم، وولاّك [145] من خزانة الحكمة.

فإنْ أحسنْت في [تعليم الناس] (ما ولاّك الله من ذلك، [ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم] وقمتَ لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه [زادك الله من فضله] كنت راشداً، وكنتَ لذلك آملاً معتقداً[146].

وإلاّ[147] كنتَ له خائناً، ولخلقه ظالماً، ولسلبه وغِرِّه متعرّضاً)

[كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أنْ يسلبَك العلم، وبهاءَهُ، ويُسقطَ من القلوب محلّك].

 [20 وأمّا حقّ رعيّـتك بالملك][148]

 وأمّا حقّ رعيّـتك بملك النكاح[149]

ـ فأنْ تعلم أنّ الله جعلها لك سَكَناً (ومستراحاً) واُنْسَاً (وواقيةً.

ـ وكذلك كلّ واحد منكما يجب أنْ يحمد الله على صاحبه) ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه (ووجب أنْ يُحسن صحبة نعمة الله).

ـ فتكرمها وترفق بها.

ـ وإن كان حقّك عليها أوجب[150] (وطاعتك لها ألزم في ما أحببتَ وكرهتَ، مالم تكن معصيةً) فإنّ لها[عليك] حقّ الرحمة والمؤانسة) [أنْ ترحمها، لأنّها أسيرك.

ـ وتطعمها، وتسقيها، وتكسوها.

ـ فإذا جهلتْ عفوت عنها]

(ـ وموضع السكون إليها قضاءُ اللذة التي لابدّ من قضائها، وذلك عظيم.

ولا قوّة إلاّ بالله).

 وأما حقّ رعيّتك بِمْلك اليمين[151]:

ـ فأن تعلم أنـّه خلقُ ربّك [وابن أبيك واُمّك] ولحمك ودمك، وأنك تملِكُهُ، لا أنْتَ صنعتَه دونَ الله، ولا خلقتَ له سمعاً ولا بصراً، ولا أجريتَ له رزقاً[152]، ولكنّ الله كفاك ذلك، ثمّ سخّره لك، وائتمَنَك عليه، واستودَعَك إيّاه (لتحفظه فيه، وتسير فيه بسيرته، فتطعمه ممّا تأكل، وتلبسه ممّا تلبس، ولا تكلّفه ما لا يُطيق)[153].

 ـ فإنّ كرهته (خرجت إلى الله منه و) استبدلت به، ولم تعذّب خلق الله عزّ وجلّ.

ولا قوّة إلاّ بالله.

 

[و] (وأمّا حقّ الرحم)

[21] فحقّ أمك:

ـ أنْ تعلم أنّها حملتْك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأطعمتْك من ثمرة قلبها ما لا يُطعم أحدٌ أحداً، وأنّها وَقَتْك بـ (سمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها) و) جميع جوارحها (مُستَبْشِرةً بذلك فَرِحةً، موابلةً محتَملةً لما فيه مكروهها وألَمِها وثقلها وغَمّها، حَتّى دفعتها عنك يدُ القدرة، وأخرجتك إلى الأرض.

ـ فرضيت أن تشبعَ وتجوع هي [154]، وتكسوك وتعرى، وتَرويك وتظمأ، وتُظِلّك وتضحى، وتُنْعِمك ببؤسها، وتلذّذك بالنوم بأرَقها، (وكانَ بطنُها لك وعاءاً، وحِجْرها لك حواءاً، وثديُها لك سقاءاً، ونفسُها لك وقاءاً) تباشِر حَرّ الدنيا وبردها لك ودونك ـ (فتشكرها على قدر ذلك): [فإنّك لا تطيق شكرها] (ولا تقدر عليه) إلاّ بعون الله وتوفيقه.

  [22] وأمّا حقّ أبيك:

ـ فتعلم أنـّه أصْلُك، (وأنّك فرعُه) وأنّك لولاه لم تكن، فمهما رايتَ في نفسك مما يُعْجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه.

ـ فأحمد الله واشكره على قدر ذلك.

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [23] وأمّا حقّ ولدك:

- فتعلم أنـّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه.

ـ وأنّك مسؤول عمّا ولّيتَهُ من حُسْن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة له على طاعته (فيك وفي نفسه، فمثابٌ على ذلك ومعاقب).

ـ فاعمل في أمره عمل [مَنْ يعلم أنـّه مثابٌ على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه] (المتزيّن بِحُسْن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذِر إلى ربّه في ما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه.

ولا قوّة إلاّ بالله).

 [24] وأما حقّ أخيك:

ـ فأنْ تعلم أنـّه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجيء إليه، وعزّك الذي تعتمد عليه، وقوّتك التي تصول بها[155]

ـ فلا تتّخذه سلاحاً على معصية الله.

ـ ولا عُدَّة للظلم لخلق الله[156]

ـ ولا تدع نصرته على (نفسه، ومعونته على) عدوّه (والحؤول بينَهُ وبين

شياطينه) و (تأدية) النصيحة إليه، (والإقبال عليه في الله).

ـ فإن انقاد لربّه وأحسن الإجابة له[157]،وإلاّ فليكن اللهُ (آثرَ عندك) و أكرم عليك منه.

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [ز ـ حقوق الآخرين]

[25] وأمّا حقّ المنْعِم عليك بالولاء[158]:

فأن تعلم أنـّه أنفق فيك ماله، وأخرجك من ذُلّ الرِقّ ووحشته إلى عزّ الحرّيّة واُنسها، وأطلقك من أسْر الملكة، وفكّ عنك قيد[159] العبوديّة (وأوجدك رائحة العزّ) وأخرجك من سجن القَهْر [160](ودفع عنك العُسر، وبسط لك لسانَ الإنصاف، وأباحك الدنيا كلّها) فملّكَكَ نفسَك، (وحلّ أسْركَ) وفرّغَكَ لعبادة ربّك (واحتملَ بذلك التقصير في ماله)

ـ فتعلم أنـّه أوْلى الخلق بك (بعد اُولي رحمك) في حياتك وموتك، وأحقّ الخلق بنصرك [161](ومعونتك، ومكانفتك في ذات الله[162]، فلا تُؤْثِر عليه نفسك) ما احتاج إليك.

 [26] وأما حقّ مولاك الجارية عليه نعمتُك:

ـ فأنْ تعلم أنّ الله جعلك حاميةً عليه، وواقيةً، وناصراً، ومعقلاً، وجعله لك وسيلة وسبباً بينك وبينه، فبالحريّ أنْ يحجبك عن النار، فيكون ذلك ثوابك منه في الآجل.

ـ ويحكم لك بِميراثه في العاجل ـ إذا لم يكن له رَحِمٌ ـ مكافأةً لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقّه بعد إنْفاق مالك، فإن لم تقم بحقّه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه.

ولا قوّة إلاّ بالله.[163]

 [27] وأما حقّ ذي المعروف عليك:

ـ فأنْ تشكره

ـ وتذكر معروفه.

ـ وتنشر له[164] المقالة الحسنة.

ـ وتُخلص له الدعاء في ما بينك وبين الله سبحانه. فإنك إذا فعلتَ ذلك كنتَ قد شكرتَه سرّاً وعلانيةً.

ـ ثمّ إن أمكنك مكافأته بالفعل[165] كافأته (وإلاّ كنتَ مُرْصِداً له موطِّناً نفسك عليها[166]).

 [28] وأمّا حقّ المؤذّن:

ـ فأنْ تعلم أنـّه مذكّرك بربّك، وداعيك إلى حظّك، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك.

ـ فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

ـ (وانْ كنتَ في بيتك مهتّماً لذلك، لم تكن لله في أمره متّهِماً، وعلمت أنـّه نعمة من الله عليك، لاشكَّ فيها، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال.

(ولا قوّة إلاّ بالله).

 [29] وأمّا حقّ إمامك في صلاتك:

ـ فأن تعلم أنـّه قد تقلّد السفارة في ما بينك وبين (الله، والوفادة إلى) ربك.

ـ وتكلّمَ عنك ولم تتكلّمْ عنه.

ـ ودعا لك ولم تدعُ له

ـ (وطُلِبَ فيك ولم تُطْلَب فيه)

ـ وكفاك همّ[167] المقام بين يدي الله (والمسألة له فيك، ولم تكفه ذلك) فإن كان في شيء من ذلك تقصير[168] كان به دونك [وإنْ كان تماماً كنت شريكه] (وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه).

ـ ولم يكن له عليك فضل، فوقى نفسَك بنفسه، و (وقى) صلاتك بصلاته.

ـ فتشكر له على [قدر] ذلك.

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله .

 [30] وأمّا حقّ الجليس:

ـ فأن تُلين له (كنفك[169]، وتطيّب له) جانبك

ـ وتنصفه في مجاراة اللفظ.

(ـ ولا تُغرق في نزع اللحظ إذا لحظت.

ـ وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت).

ـ وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار، وإن كان الجالس إليك

كان بالخيار، ولا تقوم إلاّ بإذنه[170]

ـ [وتنسى زلاّته.

ـ وتحفظ خيراته.

ـ ولا تُسْمعه إلاّ خيراً]

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [31] وأمّا حقّ الجار:

ـ فحفظه غائباً.

ـ وإكرامه شاهداً.

ـ ونصرته (ومعونته في الحالين جميعاً[171]) [إذا كان مظلوماً].

ـ ولا تتّبع له عورةً (ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها، فإن عرفتها منه ـ من غير إرادة منك ولا تكلُّف ـ كنت لما علمتَ حصناً حصيناً وستراً ستيراً، لو بحثت الأسنّة عنه ضميراً لم تتّصل إليه لانطوائه عليه)[172]

[وإن علمت انه يقبل نصيحتك نصحتَه في ما بينك وبينه].

(ـ لا تستمع عليه من حيث لا يعلم).

ـ ولا تسلّمه عند شديدة.

(ـ ولا تحسده عند نعمة).

ـ وتُقيل عثرته، وتغفر زلّته[173]  (ولا تدّخر حلمك عنه) إذا جهل عليك.

ـ ولا تخرج أن تكون سلماً له، تردّ عنه لسان الشتيمة، وتُبطل فيه كَيْد حامل النصيحة).[174]

ـ وتعاشره معاشرةً كريمة.

ولا(حول) ولا قوّة إلاّ بالله.

 [32] وأمّا حقّ الصاحب:

ـ فأن تصحبه بالفضل (ما وجدت إليه سبيلاً) و (إلاّ فلا أقلّ من) الإنصاف[175]

ـ وأن تكرمه كما يكرمك (ولا يسبقك في ما بينك وبينه إلى مكرمة، فإن سبقك كافأتَهُ)[176]

ـ (وتحفظه كما يحفظك)

ـ [وتودّه كما يودّك] (ولا تقصّر به عمّا يستحقّ من المودّة

ـ تلزم نفسك نصيحته وحياطته.

ـ ومعاضدته على طاعة ربه)

ـ ومعونته على نفسه في ما لا يهمّ[177] به من معصية (ربّه).

ـ ثمّ تكون[178] عليه رحمة، ولا تكون[179] عليه عذاباً.

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [33] وأمّا حقّ الشريك:

ـ فإنْ غاب كفيتَه.

 ـ وإنْ حضر ساويتَه[180].

ـ ولا تعزم على حكمك دون حكمه.

ـ ولا تعمل برأيكَ دونَ مُنَاظرته.

ـ تحفظ عليه ماله.

ـ وتَنْفي عنه خيانته[181] في ما عزّ أوهانَ، فـ (إنّه بلَغَنَا) «أنّ يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا».

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [34] وأمّا حقّ المال:

ـ فأنْ لا تأخذَه إلاّ من حِلّه.

ـ ولا تُنفقه إلاّ في حلّه[182] (ولا تحرّفه عن مواضعه، ولا تصرفه عن حقائقه، ولا تجعله ـ إذا كان من الله ـ إلاّ اليه، وسبباً إلى الله).

ـ ولا تُؤثِر به على نفسك مَنْ لا يحمدك (وبالحريّ أن لا يُحسن خلافته[183] في تركَتِك، ولا يعمل فيه بطاعة ربّك، فتكون مُعيناً له على ذلك، أو بما أحدثَ في مالك أحسن نظراً، فيعمل بطاعة ربّه فيذهب بالغنيمة).

[ ـ فاعمل فيه بطاعة ربّك، ولا تبخل به] فتبوءَ بـ (الإثمِ و) بالحسرة والندامة مع التبعة[184].

ولا قوّة إلاّ بالله.

[35] وأمّا حقّ الغريم الطالب لك[185]:

ـ فإنْ كنتَ مُوسِراً أوفيتَه[186] (وكفيتَه وأغنيتَه، ولم تردُدْه وتمطله[187]، فإنْ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «مطلُ الغنيّ ظلم»)

ـ وإنْ كنتَ مُعْسِراً أرضَيْتَه بحُسْن القول (وطلبت إليه طلباً جميلاً) وردَدْتَه عن نفسك ردّاً لطيفاً.

(ولم تجمع عليه ذهاب ماله، وسوء معاملته، فإنّ ذلك لؤمٌ.

ولا قوّة إلاّ بالله[188].

 [36] وأمّا حقّ الخليط[189] :

ـ فأن لا تغُرَّه.

ـ ولا تغشّه.

(ـ ولا تكذّبه.

ـ ولا تغفله).

ـ ولا تخدعه.

(ـ ولا تعمل في انتقاضِهِ عمل العدوّ الذي لا يُبقي على صاحبه.

ـ وإن اطمأنَّ إليك استقصيت له على نفسك، وعلمت: «أنّ غبن المسترسل ربا».

[ ـ وتتّقي اللهَ تبارك وتعالى في أمره]

ولا قوّة إلاّ بالله.

  [37] وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك:

ـ فإن كانَ ما يدّعيـ عليك حقّاً [كنتَ شاهدَه على نفسك] (لم تنفسخ في حُجَّته) [ولم تظلمه] (ولم تَعْمل في إبطال دعوته) [وأوفيته حقّه] (وكنْتَ خَصْم نفسك له، والحاكم عليها، والشاهد له بحقّه، دون شهادة الشهود، فإنّ ذلك حقّ الله عليك).

ـ وإن كان ما يدّعيه باطلاً رَفَقْتَ به) وردَعته[190] وناشدته بدينه[191])  [ولم تأتِ في أمره غير الرفق، ولم تُسْخط ربّك في أمره] (وكسرتَ حدّتَهُ بذكر الله، وألغيتَ حشو الكلام ولُغَطَهُ الذي لايردّ عنك عادية عدوّك[192]، بل تبوء بإثمِه، وبه يشحذ عليك سَيْف عداوته، لأنّ لفظة السوء تبعث الشرّ، والخير مَقْمَعَةٌ للشرّ.

ولا قوّة إلاّ بالله .

 [38] وأمّا حقّ الخصْم المدّعى عليه:

ـ فإنّ كانَ ما تدّعيه حقّاً[193] أجْملتَ في مقاولته (بمخرج الدعوى[194] فإنّ الدعوى غلظةٌ في سمع المدّعى عليه) [ولم تجحَدْ حقه].

(ـ وقصدت قصد حجّتك بالرفق، وأمهل المهلة، وأبين البيان، وألطف اللطف.

ـولم تتشاغل عن حجّتك بمنازعته بالقيل والقال، فتذهب عنك حجّتُك، ولا يكون لك في ذلك دَرْكٌ)

[وإنْ كنتَ مُبْطلاً في دعواك اتّقيْتَ الله عزّوجلّ، وتُبْتَ إليه، وتركتَ الدعوى]

(ولا قوّة إلاّ بالله)

 [39] وأمّا حقّ المستشير:

ـ فإنْ حضرك له وجه رأي، جهدتَ له في النصيحة و[195] أشرت عليه (بما تعلم أنّك لو كنتَ مكانه عملتَ به.

ـ وذلك ليكنْ منك في رحمة، وليْن، فإنّ الليْن يؤنِسُ الوحشةَ، وانّ الغلظ يُوحش موضع الاُنس.

ـ وإن لم يحضرك له رأي، وعرفتَ له مَنْ تثقُ برأيه وترضى به لنفسك، دَلَلْتَه عليه وأرشدته إليه[196] فكنتَ لم تألُهْ خيراً[197]، ولم تدّخره نصحاً.

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

 [40] وأما حقّ المُشير عليك:

ـ أنْ لا تتّهمَه في مالا يُوافقك عليه من رأيه (إذا أشارَ عليك، فإنّما هي الأراء وتصرُّف الناس فيها واختلافهم، فكن عليه في رأيه بالخيار، إذا اتّهمْتَ رأيه، فأمّا تهمتُهُ فلا تجوزُ لك، إذا كانَ عندكَ ممّن يَستحقّ المشاورة.

ـ ولا تدعْ شُكْره على ما بدا لك من أشخاص رأيه، وحُسْن وجه مشورته)

ـ فإذا وافقك حمدتَ الله (وقبلتَ ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها، إن فزع إليك.

(ولا قوّة إلاّ بالله).

 [41] وأمّا حقّ المستنصِح:

ـ فإنّ حقّه أنْ تؤدّيَ إليه النصيحةَ (على الحقّ الذي ترى له أنـّه يحمل، وتُخرج المخرجَ الذي يلين على مسامعه، وتكلّمه من الكلام بما يُطيقه عقله، فإنّ لكلّ عقل طبقةً من الكلام يعرفه ويَجْتنيه)[198]

 ـ وليكن مذهبُك الرحمة [له والرفق به]

(ولا قوّة إلاّ بالله).

 [42] وأمّا حقّ الناصِح:

ـ فأنْ تُلين له جناحك.

ـ (ثمّ تُشَرْئب[199] له قلبَك[200]، وتفتح له سمعَك، حتّى تفهمَ عنه نصيحته.[201]

ـ ثمّ تنظر فيها): فإنْ كانَ وُفِّقَ فيها للصواب[202] حمدتَ الله (على ذلك، وقبلتَ منه وعرفتَ له نصيحته).

ـ وإن لم يكن وُفِّقَ له فيها[203] رحمتَه، ولم تتّهمْهُ، وعلمتَ أنـّه (لم يألُك نصحاً، إلاّ أنـّه) أخطأَ، [ولم تُؤاخذه بذلك] إلاّ أنْ يكونَ (عندك) مستحِقّاً للتهمة، فلا تعبأ بشيء من أمره على (كلّ) حال.

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [43] وأما حقّ الكبير:

ـ فإنّ حقّه توقير سِنِّهِ.

ـ وإجلال إسلامه، إذا كان من أهل الفضل في الإسلام، بتقدُّمه فيه[204]:

ـ وترك مقابلته عند الخِصام.

ـ ولا تسبقه إلى طريق.

ـ ولا تؤمّه في طريق[205]

ـ ولا تستجهله.

ـ وإن جهل عليك، تحمّلتَ، وأكرمته بحقّ إسلامه [وحرمته] (مع سِنّه، فإنّما حقّ السِن بقدر الإسلام.

ولا قوّة إلاّ بالله .

  [44] وأمّا حقّ الصغير:

ـ فرحمته.[206]

ـ (وتثقيفُه وتعليمه)

ـ والعفو عنه، والستر عليه.

ـ والرفق به.

ـ والمعونة له.

ـ (والستر على جرائر حداثته، فإنّه سببٌ للتوبة.

ـ والمداراة له، وترك مماحَكته، فإنّ ذلك أدنى لرشده)

 [45] وأمّا حقّ السائل:

ـ فإعطاؤه [على قدر حاجته][207] إذا تيقّنتَ صدقَهُ وقَدَرْتَ على سَدّ حاجته.

ـ والدعاء له في ما نَزَلَ به.

ـ والمعاونة له على طلبته.

ـ وإن شككتَ في صدقه، وسبقتْ إليه التهمةُ له، ولم تعزم على ذلك، لم تأمَنْ أنْ يكونَ من كيد الشيطان، أراد أنْ يصدَّك عن حظّك، ويحولَ بينك وبين التقرُّب إلى ربّك، فتركتَه بستْرهِ، وردَدْتَه ردّاً جميلاً.

ـ وإنْ غلبتْ نفسُك في أمره، وأعطيتَه على ما عَرَضَ في نفسك منه، فإنّ ذلك من عزم الاُمور.

 [46] وأمّا حقّ المسؤول:

ـ إنْ أعطى قُبِلَ منه (ما أعطى) بالشُكر له، والمعرفة لفضله.

ـ وَطلب وجه العُذْر في منعه.[208]

(ـ وأحْسِنْ به الظنّ.

ـ واعلم أنَّه إنْ مَنَعَ فمالَه مَنَعَ، وأنْ ليس التثريبُ في ماله[209]، وإنْ كان ظالماً، فإنّ الإنسان لظلوم كفّار).

 [47] وأمّا حقّ مَنْ سَرَّكَ (اللهُ به وعلى يديه)[210]:

ـ فإن كانَ تعمّدها لك: حمدتَ الله أوّلاً، ثمّ شكرتَهُ[211] على ذلك بقدره، في موضع الجزاء.

ـ وكافأته على فضل الابتداء، وأرصدتَ له المكافأةَ.

ـ وإن لم يكن تعمّدها: حمدتَ الله وشكرته، وعلمت أنـّه منه، توحّدك بها.

ـ وأحببتَ هذا[212] إذْ كان سبباً من أسباب نِعَمِ الله عليك.

ـ وترجو له بعد ذلك خيراً، فإنّ أسبابَ النِعم بركةٌ حيثُما كانَتْ، وإنْ كان لم يتعمّد.

ولا قوّة إلاّ بالله.

 [48] وأمّا حقّ مَنْ ساءَك (القضاء على يَدَيْه، بقول أو فعل):

ـ فإنْ كانَ تعمّدها كان العفوُ أولى بك[213] (لما فيه له من القَمْع، وحُسْن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق.

ـ [وإن علمت أنّ العفوَ عنه يضرُّ، انتصرتَ] فإنّ الله يقول: (ولَمَن انتصر بعد ظُلْمِه فأولئك ما عليهم من سبيل) (إلى قوله (من عزم الأمور)[214]

وقال عزّ وجلّ (وإنْ عاقَبْتُم فعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُم بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُم لهو خيْرٌ للصابِرين)[215] هذا في العَمْد.

ـ فإنْ لم يكن عَمْداً، لم تظلمه بتعمُّد الانتصار منه، فتكونَ قد كافأته في تعمّد على خطأ.

ـ ورفقتَ به، وردَدْتَه بألْطَفِ ما تقدِرُ عليه.

ولا قوّة إلاّ بالله)

 [49] وأمّا حقّ أهل مِلّتك (عامَّةً):

ـ فإضمار السلامة.

ـ و (نشر جناح) الرحمة [بهم]

ـ والرفق بمسيئهم.

ـ وتألّفهم.

ـ واستصلاحهم.

ـ وشكر محسنهم (إلى نفسه، وإليك، فإنّ إحسانه إلى نفسه إحسانٌ إليك، إذا كَفَّ عنك أَذاه، وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه.

ـ فَعُمَّهم ـ جميعاً ـ بدعوتك.

ـ وانصرهم ـ جميعاً ـ بنصرتك).

[ـ وكُفَّ الأذى عنهم.

ـ وتُحبُّ لهم ما تُحبّ لنفسك، وتكرهُ لهم ما تكره لنفسك].

ـ وأنْزِلْهُم ـ جميعاً منك منازلهم: كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ[216] [وعجائزهم بمنزلة اُمّك].

(ـ فَمَنْ أتاك تعاهَدْتَه بلُطف ورحمة.

ـ وصِلْ أخاك بما يجبُ للأخ على أخيه).

 [50] وأمّا حقّ أهْل الذمّة:

ـ (فالحكم فيهم) أنْ تقبل منهم ما قَبل الله.

ـ (وتفي بما جعل الله لهم من ذمّته وعهده.

ـ وتكِلَهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم، واُجبروا عليه.

ـ وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك، في ما جرى بينك وبينهم من معاملة).

[ ـ ولا تظلمهم ما وَفَوا لله عزّ وجل بعهده] (وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمّة الله، والوفاء بعهده وعهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حائلٌ، فإنّه بلغنا أنـّه قال: «مَنْ

ظَلَمَ معاهَداً كنتُ خصمه» فاتّق الله.

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

 (فهذه خمسون حقاً محيطاً بك، لا تخرج منها في حال من الأحوال، يجب عليك رعايتها، والعمل في تأديتها، والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك).

ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

الفصل الثالث: شرح بعض بنود الرسالة

البند الأول/ حق النفس:

إن النفس البشرية من أكرم الكائنات والمخلوقات عند الخالق، وكان من نتيجة هذا التفضيل أن ألقيت على عاتق الإنسان مسؤولية حمل الأمانة الإلهية، في الوقت الذي خلقت كل الأشياء لأجله وسخرت لخدمته، فكان حق النفس على الإنسان أن يستخدمها في مرضاة الخالق جل وعلا؛ قال الإمام زين العابدين(ع): (وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه).

إن حق النفس في الإسلام يتضمن مجموعة من الحقوق على الإنسان الواعي تأديتها كما يجب، وأن يضع كلاً منها في موضعه، ويتطلب هذا من الإنسان أن ينكب أولاً على معرفة النفس، والبحث عن حقيقتها، لأن هذه المعرفة تقود إلى معرفة الخالق المبدع على حد قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (من عرف نفسه فقد عرف ربه)[217] ، وقال (لافونتين) أيضاً في هذا الصدد: (إن أول أمر يجب على الإنسان أن يتعلمه هو معرفته نفسه). وقد صنع سقراط حسناً إذ بنى فلسفته على الحكمة الذهبية القائلة: (اعرف نفسك)[218] معتبراً إياها وحياً سماوياً.

ذكر السيد الخميني(قد) في كتابه[219]:"..أن النفس لما تستجمع قواها من ملك البدن وتعود القوى إلى باطن ذاتها فكلما كانت القوى أقرب إلى عالم الجسم والجسماني كلما كان أسرع إلى الضعف والكلال ، وكلما كانت أبعد كانت أبطأ في الإصابة بالضعف".

أذن علينا أعطاء حق النفس من خلال ترويضها على الصلاح وأبعادها عن الفساد وإيصالها إلى طرق السعادة والنجاة وهذا لا يتسنى إلا بإدراك طرقها ودقائق مصالحها ومفاسدها من الشريعة الإسلامية السمحاء.

البند الثاني/ حقق الرعية والراعي :

يبدأ الإمام عليه السلام بتأكيد الحق الأكبر والأول الذي يؤسس لبقية الحقوق ويؤدي لها ، وهو حق الرعية على الراعي ، أي حق الأمة على القائد ، أو حق المحكوم على الحاكم ، وهذا الحق طبعاً هو موضوع ابتلاء الأمم والشعوب على امتداد العصور والأزمان ، فيقول عليه السلام مخاطباً الحاكم « فإنّما حقوق رعيتك بالسلطان : فأن تعلم ، أنك إنّما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، وإنّ الله إنّما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفهم وذلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه حتى صيّره لك رعية ، وصيّر حكمك عليه نافذاً ، لا يمتنع منك بعزّة ولا قوة ، ولا ينتصر في تعاظمه منك إلاّ بالله ، بالرحمة والحياطة والاَناة ، وما أولاك إذا ما عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه... » .
ثم يفصّل هذه الحقوق وكأنه امتداد أصيل لجده الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذي ترك عهده لمالك الاَشتر وثيقة خالدة اعترف ويعترف بها كل القادة والزعماء التأريخيين ومازالوا ، وكيف أنها صارت منهجاً علمياً رصيناً في سياسة الحاكم لرعيته ورفقه بها وتعامله معها.
وبعد أن يحدد الإمام زين العابدين عليه السلام حقوق المحكوم على الحاكم ، يتوقف عند حقوق الحاكم على المحكوم ، فيعطي كل ذي حق حقه ، بلا

مواربة أو تحيّز أو مساومة ، فيقول مخاطباً المحكوم هذه المرّة : « فأما حق سائسك بالسلطان ، فأن تعلم أنك جُعلت له فتنة وأنه مبتلى بك ، بما جعل عليك من السلطان ، وأن تُخلص له في النصيحة ، وأن لا تُماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلّل وتلّطف لاِعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ، ولا تعازّه ولا تعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك وكُنتَ خليقاً أن تكون معيناً له على نفسك وشريكاً له في ما أتى إليك... » .
بهذه الموازنة الدقيقة يضع الإمام زين العابدين عليه السلام معايير الحقوق بين الراعي والرعية ، فلا يُسرف الراعي في استخدام رعيته التي بايعته وعاضدته وساندته ، فيذلها ويمتهنها ، ويحوّلها إلى قطيع وخول تكبّراً واستهتاراً ، وفي نفس الوقت لا تُسرف الرعيّة في الدلال والتغنّج على الوالي فتعانده وتتعزّز عليه وتماحكه وتجادله فتُهلكه وتهلك معه ، وإنّما أن يعرف كلّ ذي حق حقّه ، ويعرف كلّ حدوده وواجباته ومسؤولياته لتجاوز المحن وعبور المطبّات واحتواء الفتن..
ولعلك تلاحظ الدقة والبلاغة والإيجاز في تعبيره عليه السلام حين يقول « وتلطّف لإعطائه ـ للسلطان ـ من الرضا ما يكفّه عنك ( ولكن ) لا يضرّ بدينك.. » !
البند الثالث/ حق الوالدين:

قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم)[220].

هذه الآية الكريمة تعطي دورساً بالغة ووصايا إلى الجيل الجديد، وتدعوه للالتفات إلى الوراء قليلاً، ليذكر فضل من تكفلت فطرتهم برعايته والاهتمام به، إن الوالدين ليبذلان لوليدهما من أجسامهما وأعمارهما، ومن كل ما يملكان دون بخل بما يبذلان، لأن قلوبهما مجبولة على حب الأبناء ورعاية زينة الحياة الدنيا، ومن هنا كانت الوصية للأبناء برعاية الوالدين وحفظ حقوقهما، وحق الوالدين يتمثل بحق الأم، وحق الأب.

أ- حق الأم: إن وصايا الكتب السماوية، والأحاديث والروايات المتواترة جميعاً تصور تلك التضحية النبيلة الواهبة التي تتقدم بها الأم، تلك البذرة التي تغدو قشراً خالياً لتنمو منها النبتة الخضراء وتكبر، ولا يجازيها أبداً إحسان من الولد مهما أحسن في القيام بأداء حقها. قال الإمام زين العابدين (ع): (فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض. فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمى، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلاّ بعون الله وتوفيقه).

بهذه العبارات المضيئة والتعابير الدقيقة، يستثير الإمام زين العابدين(ع) الضمير والرحمة في قلب الإنسان تجاه من (حملته كرهاً ووضعته كرهاً)[221] ، وتذكره بالمشاق العظيمة التي تحملتها الأم في سبيل فلذة كبدها، لذلك قال الرسول الأعظم(ص): (حق الوالد أن تطيعه ما عاش، وأما حق الوالدة فهيهات هيهات.. لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها)[222] ، لأن الأم بطبيعة الحال، تتحمل النصيب الأوفر من العناية والرعاية لولدها لما تجود به من حنان وعطف بلا حدود، فنتيجة لتلك التضحيات اللامتناهية كان للأم حقها العظيم على الأبناء. وبخاصة إذا كانت طيبة ومؤمنة، لتأثيرها البالغ في جنينها، فتجعل منه إنساناً سوياً ومستقيماً، وحتى أثناء الرضاع تسري أخلاق الأم إليه. قال تبارك وتعالى: (وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً)[223] ، ومهما قلنا ومهما نقدم من توصيات في حقوق الأم، تتضاءل العبارات، وتعجز الكلمات أمام الواجب تجاه صانعة الأجيال على مر العصور.

ب- حق الأب: ليس في الكون عند الآباء أغلى وأثمن من بر أولادهم بهم، على الرغم من كونه وفاء لبعض ما لهم من ديون، وسعادتهم بأداء الحق إليهم، كسعادة العالم باكتشاف اختراع ضخم. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (إن للولد على الوالد حقاً؛ وإن للوالد على الولد حقاً؛ فحق الوالد على الولد أن يطيعه في كل شيء إلاّ في معصية الله سبحانه، وحق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويحسن أدبه، ويعلمه القرآن)[224] ، وقال الإمام السجاد (ع): (وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك وأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلاّ بالله).

إن الأوامر في الاسم والحقوق إنما تنبثق من نبع واحد وترتكز على ركيزة واحدة، ألا وهي نبع العقيدة في الخالق عز وجل، ومن تلك العقيدة الراسخة تنبع كل التصوّرات الأساسية للعلاقات الكونية والحيوية والإنسانية التي تقوم عليها التشريعات الاجتماعية والقانونية، وهذه السمة تتضح في منهج آية الإحسان (وقضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً)[225].

إن دور الأب لا يمكن إلغاؤه، لإسهامه في مجال صياغة الابن، وبالذات إذا كان الأب عملاقاً في الصفات الطيبة، وقوياً في شخصيته، فإذا تجذرت في الأب الخصال النبيلة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من كيانه، فالنتيجة تكون انتقال هذه الصفات إلى الأبناء بقوة. حتى تقضي تماماً على نقاط الضعف الموجودة فيهم. ومن هنا حتى لو كانت الأم على قدر من الذكاء والفطنة وكرم الأخلاق فإنها لا تستطيع إحياء نقاط القوة التي أماتها الأب[226]، إلاّ إذا كانت تتمتع بخصال وراثية متميزة، ومتزينة بالشخصية القوية والفذة.

وبذلك كان أداء حق الوالد جزءاً بسيطاً من رد الجميل، وفي هذا قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) لبعض بنيه: (يا بني إن الله رضيني لك ولم يرضك لي فأوصاك بي ولم يوصني بك، عليك بالبر فإنه تحفة كبيرة)[227].

إن الولد بضعة من أبيه؛ يرث أخلاقه كما يرث صفاته الجسدية والعقلية، إضافة إلى إحاطته بشعور العزة والحماية والصيانة له من والده، والذود عنه. وفوق ذلك كله، يشرف الابن بشرف أبيه، وما إلى ذلك من نعم الوالد التي لا يعين على أداء حقها إلاّ الخالق، ومن الذي يقرأ دعاء الإمام السجاد (ع) ولا يهتز من أعماقه انتباهاً لحق والديه حيث يقول: (اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرّهما برّ الأم الرؤوف، واجعل طاعتي وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان، وأثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أؤثر على هواي هواهما، وأقدم على رضاي رضاهما، واستكثر برّهما بي وإن قلّ، واستقل برّي بهما وإن كثر)[228] .

آيات وأحاديث في عقوق الوالدين:وهو أشد أنواع قطيعة الرحم[229]وأفضعها،وردت في خصوص ذمه آيات وأخبار كثيرة نقتصر على ذكر بعضها:قال تعالى" وقضى ربك ألا تعبدوا إلاّ إياه وبالوالدين إحساناً أما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً"[230]

"والأخبار في ذم العقوق أكثر من أن تحصى،ورد في بعض الأخبار القدسية"بعزتي وجلالي وارتفاع مكاني! لو أن العاق لوالديه يعمل باعمال الأنبياء جميعاً لم أقبلها منه".

قال رسول الله (ص):"إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ، ولا يجدها عاق ولا قاطع رحم...". وقال الإمام الصادق (ع):"لو علم الله شيئاً هو أدنى من أُف لنهى عنه وهو من أدنى العقوق".وقال أيضاً"ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما".

آيات وأحاديث في بر الوالدين:(ضد العقوق)،والإحسان إليهما هو أفضل القربات وأشرف السعادات،ولذلك ورد ما ورد الحث عليه والترغيب إليه،قال تعالى:"واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"[231] .

وقال رسول الإنسانية محمد (ص):"بر الوالدين أفضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل الله".وقال أيضاً"من أصبح مرضياً لأبويه أصبح له بابان مفتوحان إلى الجنة".

والأخبار في ثواب بر الوالدين غير محصورة فينبغي لكل مؤمن أن يكون شديد الاهتمام في تكريمهما وتعضيمهما واحترامهما ولا يقصر في خدمتهما ويحسن صحبتهما وألا يتركهما حتى يسألاه شيئاً مما يحتاجان اليه بل يبادر الى الاعطاء قبل أن يفتقر الى السؤال،وإن ضجراه فلا يقل لهما اف وإن ضرباه لا يعبس وجهه وقال لهما:غفر الله لكما،ولا يملأ عينيه من النظر إليهما إلا برحمة ورقة،ولا يرفع صوته فوق صوتهما،ولا يده فوق ايديهما،ولا يتقدم قدامهما بل مهما أمكن له لا يجلس عندهما،وكلما بالغ في التذلل والتخضع كان أجره أزيد وثوابه عظيم"[232]. 

البند الرابع/ حق الأخ:

 الإسلام دين التآخي والتآلف ، يُقدم المثل الصالح في نسج علاقات تقوم على الاُخوّة الصادقة . ويعتبر المقياس الصحيح للإخوة هو ذاك المستند إلى الحقوق المتقابلة . فكل إخلال بها سوف ينعكس سلبا على رابطة الإخاء ويحقق علاقة غير سليمة بين الطرفين ، بل مشحونة بروح العداء وتؤدي إلى القطيعة والجفاء . وضرب لنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المثل الأعلى في مراعاة حقّ الإخوان ، كان إذا فقد الرّجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده[233] ولأخيه الإمام علي عليه السلام توصية ذهبية في هذا المجال ، يقول فيها عليه السلام : «لا تُضيّعنّ حقّ أخيك اتكالاً على ما بينك وبينَهُ ، فإنَّهُ ليسَ لك بأخٍ مَنْ أضعت حقَّهُ»[234]. وللأخ أيضاً حق الإكرام ، فمن أكرمه حصل على رضا الله تعالى ، وينبغي قضاء حاجته وعدم تكليفه الطلب عند معرفتها ، ويتوجب المسارعة إلى قضائها . فقضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين .
وبلغ السمو السلوكي لأهل العصمة ، في تقدير حق الإخوة ، درجة بحيث أن الإمام الباقر عليه السلام سأل يوماً أحد أصحابه ـ سعيد بن الحسن ـ قائلاً: «أيجيء أحدكم إلى أخيه ، فيدخل يده في كيسه ، فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟» فقلت : ما أعرف ذلك فينا ، فقال أبو جعفر عليه السلام : «فلا شيء إذاً» ، قلت : فالهلاك إذاً ، فقال : «إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد»[235] وقدم لنا أهل بيت العصمة مقاييس معنوية نحدد من خلالها مدى تعظيم الأشخاص لدين الله تعالى ، ومدى قربهم وبعدهم عنه ، ومن هذه المقاييس حق الإخوان ، قال الإمام الصادق عليه السلام : «من عظّم دين الله عظّم حق إخوانه ، ومن استخفَّ بدينه استخفَّ بإخوانه» [236]، وعن الاِمام العسكري عليه السلام : «وأعرف النّاس بحقوق إخوانه ، وأشدّهم قضاءً لها ، أعظمهم عند الله شأناً»[237].

وهنا فائدة لابد من الإشارة إليها وهي حق كبير الأخوة على صغيرهم وهذا الحق عظيم فينبغي المحافظة عليه، قال رسول الله (ص):"حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده"[238].

البند الخامس/ حق المرأة:

المرأة نصف المجتمع، والمؤثر القوي على أفراده، وبصلاحها تصلح الأسرة؛ لذلك توالت وصايا الرسول (ص) وأهل بيته(ع) للاهتمام بها في جميع الظروف. حيث قال الإمام زين العابدين (ع): (وحق الزوجة عليك أن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً وتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك وتطعمها وتكسوها فإذا جهلت عفوت عنها).

يتناول هذا الحق جانباً أساسياً في ميدان التكافل في الحياة الاجتماعية الشرعية بين الرجل والمرأة، حيث يعرض الإمام الحقوق الشرعية والأدبية والمادية للزوجة، مرة بالتشريع، ومرة بالتوجيه الوجداني المؤثر، فنلاحظ في ألفاظ الإمام السجاد (ع) جانباً كبيراً من الحنان واللطف جسّد التعبير الكامل عن حقيقة الصلة الوطيدة التي يحددها الإسلام العظيم لذلك الرباط الإنساني الوثيق.

فكأن عذوبة كلامه عن حق الزوجة، مستوحاة من قوله تبارك وتعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون)[239] ، إن رباط الزوجية من أمتن الروابط وأوثق الصلات، ومنها تفرعت القرابات، وتكّون المجتمع، وفي صلاحها صلاح الأمة، وفيها منشأ قوة الدولة في جميع أنحاء العالم، لذلك شرع الإسلام لها من الحقوق والواجبات ما يكفل استمرارها على ضوء الأخلاق العالية والمبادئ النزيهة، فينشأ الجيل على الدين ويشب على الفضيلة ويتهيأ لتحمل الأعباء الرسالية للإنسانية[240].

ومن هنا فقد نظر الإسلام إلى المرأة نظرة الاهتمام، فأوجب إعلاءها تعظيماً لشأنها، وأوجب على الزوج المهر، وجعله حقاً خالصاً للزوجة جزاء ما رضيت به من شركة، وما فرضته على نفسها من تبعة، وما ستقدمه من معونة وتضحية، إعزازاً لجانبها وتكريماً لعمق التزامها بهذا الرباط المقدس، واعتباره مكرمة يلتمس بها الوصول إلى رضا المرأة وليس ثمناً لشرائها، فلو كان المهر ثمناً لشراء المرأة، لما كان العالم بأكمله يطيق مهر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع).

إن الإسلام العظيم حدد لكل من الرجل والمرأة حقوقاً وواجبات راعى فيها ما بينهما من مميزات وفوارق بيولوجية وسيكولوجية؛ فقد خلق الرجل أقوى جسماً، وأصلب عوداً، وأثبت قلباً. فكانت نتيجة هذا الأمر أن أصبح الرجل أقل انقياداً للعاطفة وأوفر خبرة في الحياة، لذلك جعل الخالق وظيفة الرجل ومهمته خارج بيته، وجعل على عاتقه أسباب ديمومة الأسرة واستمرارها واستقامتها، لما له من ميزات طبيعية، ويمكن اعتبار قول العالم الاجتماعي النفسي الهولندي غريموس معبراً عن ذلك الإطار حيث قال: (إن مقابلة الأدوار النسائية والرجالية أمر أزلي وحتمي، وإنه ليس باستطاعة أي شيء أن يغير هذا نظراً للاختلافات الطبيعية البيولوجية التي تحدد وتعزز وجود الجنسين القوي والضعيف، وعلى هذا الأساس تتعارض الأنوثة مع ما هو اجتماعي، وترتبط بما هو بيولوجي)[241] ، وهذا لا يقصد منه أن المرأة كائن مخلوق لخدمة الرجل، أو مسخر لرضاه، وملبٍّ لرغباته، فهذا مما لا يحتمله العقل الواعي. إن الخالق العظيم رب الرجل، ورب المرأة على السواء، خلقهما من نفسٍ واحدة، وإنما المرأة - التي خلقت ممتلئة بفيض الحنان ومتزينة برقة العاطفة، ورهافة الحس - كعقد الجواهر الثمين، لابد من تعهده والحفاظ عليه، فخالقها تبارك وتعالى أودع فيها قمة أسرار اللطف والرقة. لأنه أوجدها لوظيفة أكبر وأعمق في الحياة، ألا وهي نشأة الجيل واستقامته، وهذا ما لا يطيقه الرجل مهما بلغت قدراته النفسية، وتجاربه في الحياة.

والمرأة في مملكتها تعد صاحبة الدور الأول في تقويم الأسرة وصلاحها، والأسرة هي الدائرة الأساسية التي تجعل الفرد كائناً اجتماعياً، يتآلف مع محيطه، ويتواصل مع ثقافته، ويكتسب الخبرات والمهارات الضرورية التي تؤهله للعيش في كنف المجتمع العام[242] حيث ورد عن الرسول المصطفى(ص) أنه قال: (من سعادة المرء؛ المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب البهي، والولد الصالح)[243] .

    إن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة هي التي لا تشبهها أية علاقةٍ أخرى في عالم الحياة الإنسانية، فهي علاقةٌ مميزة. لذلك حينما يتحدث الفقهاء عن عقد الزواج فإنهم يعتبرونه عقداً مقدّساً، فيه روح العبادة. والله جل شأنه في القرآن الكريم يتحدث عن هذه العلاقة بشكلٍ لا ترقى إليه أية علاقةٍ أخرى، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[244]. فالعلاقة الزوجية هي علاقة سكن، ويعني الاطمئنان والشعور بالأمن. فكما أن الإنسان في بيته يشعر بالأمن والخصوصية، فكذلك في العلاقة الزوجية ينبغي أن يكون هذا الشعور موجوداً. والمودة تعني مشاعر الحب المتبادلة بين الزوجين، والرحمة تعني العطف والشفقة خاصة حينما يحتاج أحد الطرفين إليها من الآخر. وفي آيةٍ أخرى يصف الله تعالى هذه العلاقة بوصفٍ عجيب يستدعي التأمل والوقوف، يقول تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾[245] ، فالعلاقة الزوجية من حيث صلتها بالإنسان كصلة اللباس به.
والتعبير في الآية الكريمة باللباس يُشير إلى اللصوق، حيث أن اللباس لاصق بجسد الإنسان، فكذلك حال العلاقة الزوجية، ملتصقة بالإنسان نفسياً وشعورياً وعملياً.

المعاشرة بالمعروف:

يؤكد القرآن الكريم على أن الشكل الوحيد المقبول للعلاقة الزوجية هو المعاشرة بالمعروف، ولا يمكن أن يقبل الشرع بعلاقةٍ زوجية لا تقوم على هذا الأساس. وفي القرآن الكريم اثنا عشر مورداً يتحدث عن العلاقة الزوجية بالتأكيد على مبدأ المعروف، يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[246] ، ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾[247] ، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[248]، إلى آخر تلك الموارد.
والآية الكريمة: ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ تؤكد أن العلاقة الزوجية إما أن تكون قائمة على مبدأ العلاقة بالمعروف، وإلا فإن البديل: ﴿تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. ولذلك أفتى الفقهاء بأن الزوج إذا لم يتعامل مع زوجته بالمعروف فإن لها أن تشكوه للحاكم الشرعي، ولمعالجة الموضوع تحصل ثلاث خطوات[249]:"
الأولى: يستدعي الحاكم الشرعي الزوج ويأمره بأن يتعامل مع زوجته بالمعروف، ويزجره عن الإساءة لزوجته، فإذا لم يلتزم بكلام الحاكم الشرعي، تأتي الخطوة الثانية.
الثانية: يقوم الحاكم الشرعي بتأديبه وتعزيره، سجناً أو ضرباً أو توبيخاً، أو أي إجراءٍ آخر حتى تتحقق العلاقة بالمعروف بين الزوج وزوجته. وإذا لم يؤدي هذا الإجراء هدفه، تأتي الخطوة الأخيرة.
الثالثة: من حق الزوجة أن تطلب الطلاق، فيأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق، فإذا لم يُطلّق الزوج طلّقها الحاكم الشرعي".
وفي توضيح هذه الحقيقة يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين:«إن المستفاد من مجموع هذه الآيات هو: المقابلة بين المعاشرة بالمعروف والتسريح بإحسان؛ هذا يقتضي أنه حين لا تتحقق الأولى (المعاشرة بالمعروف) من قبل الزوج لأي سبب من الأسباب (اختياري أو قهري ـ لأن الصيغة مطلقة من هذه الجهة) يتعين التسريح بإحسان. فإن الترديد جاء بكلمة (أو) التي مقتضاها هو خيار المكلف بين الأمرين. فلا وجه للقول بأن للزوج أن يعاشر بالمعروف أو بغير المعروف. وإذا أراد أن يفارق كان عليه أن يفارق بإحسان لأن هذا يتنافى مع كلمة (أو) في الآيات الكريمة وفي جميع موارد استعمالها. فالحاصل أن العلْقة الزوجية وجوداً مبنيةٌ على المعاشرة بالمعروف فقط، وانقطاعاً مبنيةٌ على المفارقة بإحسان»[250].

ما هو المعروف؟

المعروف هو ما تعارف عليه الناس، من الذوق المكتسب من لون حياتهم الاجتماعية. وكل عصرٍ وجيل له أعرافه وتقاليده. ومطلوبٌ من الرجل أن يتعامل مع زوجته ضمن العرف الشائع للتعامل.
والمعروف ما عرفه الشرع وقبله العقل.
والمعروف ما عرفه الناس الأسوياء في فطرتهم وميولهم.
وبالتالي فإن أية مخالفة لهذا المبدأ تُعتبر إساءة للمرأة. قال السيد السبزواري في تفسيره:«بين في هذه الآية المباركة أن الطريق الصحيح هو المعاشرة مع النساء بالمعروف، بأن تكون المخالطة والمصاحبة والعيش معهن بما هو المعروف بين أفراد المجتمع، ولم يعيّن سبحانه وتعالى كيفية ذلك، ليكون العرف الذي هو الشائع في كل عصر وزمان هو المعتمد في ذلك»[251] .
وفي استفتاءٍ قُدّم للمرجع الراحل السيد الخوئي عن حكم رفع الصوت على الزوجة في مقام حدوث أمر لا يعجب الزوج هل يكون من باب أذية المؤمن المحرّمة؟ أجاب رحمه الله: «ما علم أنه يؤذيها لا يكون من المعاشرة بالمعروف»[252] .

واجب الزوج تجاه إساءة زوجته

عندما تصدر من الزوجة إساءة تجاه زوجها فإن النصوص الدينية تتوجه للرجل وتُخاطبه باعتباره رباً للأسرة، وقائداً لهذه المؤسسة العائلية بأن يستوعب هذه الإساءة، ولذلك تؤكد النصوص أن من حق الزوجة على زوجها أن يغفر لها جهلها وخطأها. «عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها، وقال أبو عبد الله : كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها»[253] .
«وعن يونس بن عمّار قال: زوّجني أبو عبدالله جارية لابنه إسماعيل فقال: أحسن إليها، قلت: وما الإحسان؟ قال: أشبع بطنها واكسُ جنبها وأغفر ذنبها» [254] .
والمرأة كالرجل، فكما أن الرجل معرض للخطأ فهي أيضاً معرضة للخطأ، وخاصة مع أعباء الحياة والظروف التي تعيشها.
في بعض الأحيان يكون الزوج حاداً وقاسياً فيما يتطلبه من زوجته، فلا يقبل منها خطأ ويعتبر أن أي خطأ من الزوجة مبرر لمعاقبتها. وهذا خطأ، على الرجل أن يتفهم جيداً حقوقه التي أقرها الشرع على زوجته. إذ يُقر الشرع للزوج على زوجته حقين أساسيين فقط:
الأول: حق الاستمتاع الجنسي، ما لم يكن مانع ديني أو صحي.
الثاني: أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، على تفصيلٍ في المسألة.
فإذا قصّرت المرأة وتجاوزت في هذين المجالين، فتكون مخطئة، ولكن فيما عداها، كالطبخ وترتيب البيت وتربية الأولاد، فكل ذلك إحسان منها وتفضل، جرى عليه العرف والتعامل، فليتق الله بعض الأزواج في زوجاتهم، ولا يندفعون تجاه القسوة على المرأة نتيجة قصور فهمهم لحقوقهم.
ولذا يجب أن يعلم الرجل أنه محاسبٌ أمام الله، فقد يكون هناك شأنٌ معين من زوجتك لا يُعجبك، ولكن عليك أن تعرف أنها كإنسان لها خصائصها وطبائعها ولم يخلقها الله تعالى وفق مزاجك، وقد ورد في الحديث: لا يترك مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر.[255]
وعلى الرجل أن ينظر إلى الجوانب الإيجابية لدى زوجته، ولا يُركّز على الجوانب السلبية فقط. والقرآن الكريم صريحٌ في هذا الجانب، يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾[[256] . وبعبارةٍ أخرى: على الرجل أن يتحمل بعض ما يكرهه من زوجته، لأن هناك جوانب أخرى، يجعل الله فيها خيراً كثيراً، ومن أبرزها ما يرتبط بالأولاد وتربيتهم، فانفعال الرجل وعدم تحمله بعض ما يكرهه من زوجته يؤثر سلباً على تربية وتنشئة الأولاد. وفي المقابل إذا تحمل الرجل وصبر، فإن من مظاهر الخير الكثير أن الأولاد يتربون التربية الصالحة السليمة في أحضان أمهم وفي ظل الانسجام بين والديهم.
    من ناحية أخرى، ليس الطلاق وحده وغياب الأم يوجد مشكلة للأولاد، وإنما سوء المعاملة بين الرجل وزوجته له أكبر الأثر في تعقيد نفسية الأولاد، ويترك ذلك مشاعر مضطربة تجاه الأم وتجاه الأب، فعلى الرجل أن يكظم غيظه، وأن لا يُظهر مشكلته مع زوجته أمام أولاده، تفادياً لأي مضاعفات تحصل لهم.
وأخيراً فإن الإساءة للأم يؤثر على قدرة الأم في تربية أولادها، إذ من الضروري أن تحظى بالاحترام والتقدير من قبل أولادها، وهذا لا يكون إذا كان سلوك الزوج معها قاسياً. والنصوص الدينية في هذا الإطار كثيرة جداً، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب على بلائه»[257] ، وفي حديث آخر عنه : «ومن صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين»[258] . وسوء الخلق الذي يقصده الحديث هو ما يُمثل سجيةً للزوجة، فضلاً عن أن يكون ذلك خطأً عارضاً .

البند السادس/الحقوق الأخرى للغير [259]: إن من أهم أسباب سوء العلاقة بين الإنسان والآخرين الذين يتعامل معهم هو أن تتعاظم في نفسه مصالحه دون أن يُفكر في مصالح الآخرين، فيهتم بحقوقه ولا يلتفت إلى حقوق الآخرين. والحياة قائمةٌ على الحقوق المتقابلة، فكما أن لك حقوقاً، فإن لمن يتعامل معك حقوقاً، وعليك عند أي مشكلةٍ أو قضية أن تستحضر حقوقك وحقوق الطرف الآخر، أما إذا استحضرت حقوقك فقط وغفلت عن حقوق الطرف الآخر، فهذا يجعلك في موقفٍ ذهنيٍّ ونفسيًّ يُبعدك عن الإنصاف والموضوعية، وبالتالي يحصل سوء العلاقة، ويحصل الابتعاد وقد يحصل العدوان،ونشير الآن إلى بعض حقوق الغير والآخرين التي وردت في رسالة الحقوق:

أولاً / حق المعلِّم أو الأستاذ :
أوجب الإسلام لمن يعلِّم الناس حقاً عظيماً يتناسب مع عظمة العلم والمعرفة ، وقد نقل لنا القرآن الكريم رغبة موسى عليه السلام ـ وهو من أولي العزم ـ في طلب العلم ، وكيف صَمّمَ على بلوغ هذا الهدف السامي مهما كانت العوائق ومهما بعد المكان وطال الزمان ، عندما قال : (.. لآ أبرَحُ حتى أبلُغَ مجمعَ البحرينِ أو أمضِيَ حُقُباً )[260] ، ولما وجد العبد الصالح وضع نفسه موضع المتعلم ، وأعطى لأستاذه حق قيادته وإرشاده ، قائلاً له : ( هل أتَّبِعُكَ على أن تُعلّمنِ ممَّا عُلّمت رُشداً )[261] ، فإذا نَبهه إلى أمر تنبّه ، وإذا انكشف له الخطأ سارع إلى الاعتذار من أستاذه ووعده بالطاعة ، وأعطى بذلك درساً بليغاً في أدب المتعلم مع المعلّم .
وكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه بُعث معلّماً ، ودعا في أحاديث عديدة إلى مراعاة حق العلم والمعلِّم . وتناولت مدرسة أهل البيت عليهم السلام

حقوق المعلم والمتعلم معاً بشيء من التفصيل وحثت على إكرام المعلم وتبجيله ، لكونه مربّي الأجيال.
تمعّن في هذه السطور التي سطرها الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق ، بعبارات تحمل معاني التقدير والعرفان بالجميل ، فيقول : «حق سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتّوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس»[262].
وانطلاقاً من حرص الإسلام الدائم على انسياب حركة العلم ، وعدم وضع العقبات أمام تقدمه وانتشاره ، طلب من المعلم أن يضع نصب عينه حقوق المتعلّم ، فيسعى إلى ترصين علمه ، واختيار أفضل السُّبل لإيصال مادته العلمية ، ولا يُنفّر تلاميذه بسوء عشرته .
ومن المعلوم أن الأئمة عليهم السلام قد اضطلعوا بوظيفة التربية والتعليم وأعطوا القدوة الحسنة في هذا المجال ، وخلّفوا تراثاً علمياً يمثل هدىً ونوراً للأجيال . فمن حيث الكفاءة العلمية فهم أهل بيت العصمة ، ومعادن العلم والحكمة ، ومن حيث التعامل الأخلاقي فهم في القمّة ، بدليل أنّ الطلاّب يقصدونهم من كلِّ حدب وصوب ، ويسكنون لهم كما يسكن الطير إلى عشّه . وكان الإمام الصادق عليه السلام يشكّل الأنموذج للمعلم الناجح الذي يقدّر العلم حقّ قدره ، وقد جمع إلى علميته الفذّة أخلاقية عالية . قال الحسن بن زياد : سمعتُ أبا حنيفة وقد سُئل عن أفقه من رأيت، قال : جعفر بن محمد . وقال ابن أبي ليلى : ما كنتُ تاركاً قولاً قلته أو قضاءً قضيته لقول أحد إلاّ رجلاً واحداً هو جعفر بن محمد[263]. وقال فيه مالك بن أنس ـ أحد أئمة المذاهب الأربعة ـ : كنت أرى جعفر بن محمد . وكان كثير الدعابة والتبسم . فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وآله وسلم اخضرَّ واصفرَّ.. [264]، وقال مالك أيضاً: ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وورعاً..[265]. ثم أشاد بزهده وفضله . وعلى الرغم من كونه يمتاز بشخصية محببة كانت له هيبة وجلالة في قلوب الناس .
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن المقدام ، قال : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنّه من سلالة النبيين[266].
ثانياً/حق الجار:"حق الجوار قريب من حق الرحم ، إذ الجوار يقتضى حقاً وراء ما تقتضيه أخوة الإسلام فيستحق الجار المسلم ما يستحقه كل مسلم وزيادة فمن قصر بحقه عداوة أو بخلاً فهو آثم،قال رسول الله (ص):"الجيران ثلاثة :فمنهم من له ثلاث حقوق:حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة،ومنهم من له حقان:حق الإسلام وحق الجوار،ومنهم من له حق واحد:الكافر له حق الجوار".وقال أيضاً"أحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمناً".

وفي بعض الأخبار"أن الجار الفقير يتعلق بجاره الغني يوم القيامة ويقول:سل يا رب هذا لم منعني معروفه وسد بابه دوني؟"[267].

ثالثاً/حق الجليس: إنَّ للجلوس آداباً وأحكاماً ، وللجليس حقوقاً وعليه التزامات . ولما كان الإنسان يتأثر بجليسه سلباً أو إيجاباً ، ويكتسب من أخلاقه ، ويكون وسطاً ناقلاً لآرائه ، أهتم الإسلام بموضوع الجليس ، فقد روي عن الإمام علي عليه السلام انه كان يقول : «جليس الخير نعمة ، وجليس الشرّ نقمة»[268].
وعلى العموم توصي مدرسة أهل البيت عليهم السلام بمجالسة العلماء ، ومزاحمتهم بالرّكب ، ومجالسة الحلماء لكي يزداد الإنسان حلماً ، ومجالسة الأبرار الذين إذا فعلت خيراً حمدوك ، وإنْ أخطأت لم يعنّفوك ، وكذلك مجالسة الحكماء ؛ لما فيها من حياة للعقول ، وشفاء للنّفوس . وأيضاً مجالسة الفقراء ؛ لكي يزداد الإنسان شكراً . كما نجد نهياً عن مجالسة الأغنياء الذين أطغاهم الغنى فأصبحوا أمواتاً وهم أحياء ، ونهياً عن مجالسة الجهلاء ، وأهل البدع والأهواء ، وضرورة الفرار منهم كما يُفر من المجذوم.
ومن الطبيعي أن للجليس الصالح حقوقاً ، يغلب عليها الطابع المعنوي، وهي عبارة عن آداب العشرة الحسنة معه ، أدرجها الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق وهي : «وحقّ جليسك أن تلين له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه ، ومن تجلس إليه يجوز له القيام عنك بغير إذنك ، وتنس زلاّته ، وتحفظ خيراته ، ولا تسمعه إلاّ خيراً»[269].
رابعاً ً/ حق الناصح والمستنصح :
ما من إنسان إلاّ ويأتي عليه زمان يلتمس فيه النصح والإرشاد للخروج من مشكلةٍ وقع فيها ، أو لمشروع يعتزم القيام به ، وعندما يقدّم إليه أحدٌ نصيحة مخلصة ، يُفتح له باب المخرج أو تُكسر له حلقة الضيق ، فيمتلئ قلبه غبطةً وابتهاجاً .
والإسلام دين التناصح والتشاور ، يعتبر الدّين النصيحة ، ويشجع على بذلها . والبعض من الأفراد يتحاشى النصيحة ، خوفاً من إغضاب إخوانه ، وخاصة أولئك الذين يسدّون آذانهم عن الآراء والنصائح التي لا تتفق ـ عاجلاً ـ مع مصالحهم وأهوائهم . هذا الموقف ترفضه تعاليم أهل البيت عليهم السلام ، يقول الإمام علي عليه السلام في كلماته الوعظية للحسن عليه السلام : «أمحَضْ أخاك النَّصيحة ، حسنةً كانت أو قبيحة» [270]، ويقول عليه السلام : «ما أخلصَ المودّةَ مَنْ لم ينصح»[271]  . والإسلام يرى أن أفضل الأعمال ـ التي توجب القرب من الحضرة الإلهية ـ : النصح لله في خلقه .
وقد أشار الإمام زين العابدين عليه السلام لهذين الحقّين المتقابلين بقوله :
«حقّ المستنصح : أن تؤدّي إليه النّصيحة ، وليكن مذهبك الرّحمة له ، والرّفق به .
وحقُّ النّاصح : أن تلين له جناحك وتُصغي إليه بسمعك ، فإن أتى بالصّواب حمدتَ الله عزّ وجلّ ، وإن لم يوافق رحمته ، ولم تتّهمه ، وعلمت أنَّه أخطأ ، ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقاً للتّهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على حال»[272].

ويستمر الإمام عليه السلام في تفصيل رسالة الحقوق هذه ، فيشير إلى حق المشير وحق المستشير ، ، وحق الصغير على الكبير ، وحق الكبير على الصغير ، وحق السائل وحق المسؤول ، وحق من سرّك ، وحق من ساءك القضاء على يديه ، وهكذا حتى يحس القارئ لهذه الرسالة القانونية ، أنّه غارق في مدوّنات دستورية بالغة التركيز والدقة ، فلاجملة مضافة ولا حرف زائد ، ولا سجع ممل ، ولا إنشاء غائم ، مستلاًّ كل ذلك من القرآن الكريم والحديث الشريف والسُنّة النبوية المطهّرة...

ولم يفُت الإمام عليه السلام في خاتمة رسالته ، أن يحدّد حقوق أهل الذمّة مذكّراً بحديث جدّه أمير المؤمنين عليه السلام : « الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لكَ في الخلق... » [273]، فيقول عليه السلام : « وأما حق أهل الذمّة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم في ذمته وعهده ، وتكِلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك في ما جرى بينك وبينهم من معاملة... » .
إلى أن يقول : « وأن تقبل منهم ما قبل الله عزَّ وجلَّ منهم ، ولا تظلمهم ما وفّوا لله عزَّ وجلَّ بعهده... » .
وهذا يعني أنّ المقياس الأول والأخير في تحديد الحق بينك وبين الآخرين هو حدود الله ، فلا مجال للأهواء والمصالح والمتغيّرات ، ولا أغطية ومجاملات وعلاقات على حساب اللياقات ـ كما يقولون ـ ولا ( حق فيتو ) يتوارى خلفه أصحاب المصالح والأهواء ، ولا عبارات مطّاطة وتوظيف نصوص تكيل الأمور بمكيالين وتزنها بميزانين.

    تأسيساً على ذلك ، يمكننا القول إن رسالة الحقوق التي كتبها لنا الإمام زين العابدين هي أول إعلان إسلامي بل عالمي لحقوق الإنسان ، كما ثُبّت قبل ألف وأربعمائة سنة ، وقبل أن يعرف العالم إعلانات واتفاقيات ومبادئ الحقوق بهذه النظرة الشمولية الرائدة...

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

"ملـحق الكتـاب"

في رحاب تاريخ ولادة الرسول الأكرم "ص"وأهل البيت (ع)

سفينة النجاة الأولى/النبي الأعظم محمد (ص):

 وُلِدَ رسول اللّه - ص - محمد بن عبد الله ‏بن عبد المطّلب بن هاشم ‏بن عبد مناف سيّد الأوّلين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين يوم الجمعة بمكّة - زادها اللّه شرفاً - في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار، بعد طلوع الفجر، وقيل: عند الظهر[274] سابع عشر ربيع الأوّل عام الفيل. وقيل: لاثني عشرة مضت من الشهر[275]. وقيل: اليوم العاشر منه. وقيل: الثاني‏[276]. والأوّل أشهر. وعليه الأكثر.
وحملت به اُمّهُ آمنة بنت وهب في أيّام التشريق في منزل أبيه عبد الله بمنى عند الجمرة الوسطى. وفيه إشكال عظيم‏[277]. وربّما دفع بما نقل عن عليّ‏بن طاووس(ره) في كتاب الإقبال من أنّه كان ليلة تاسع عشر من الشهر وكان آخرها يوم التشريق الجاهلية[278].
وصدع(ص) بالرسالة يوم السابع والعشرين من رجب المرجّب بعد أربعين سنةً، وبقي بمكّة - زادها اللّه شرفاً - بعد مبعثه ثلاث عشرة سنةً، ثم هاجر إلى المدينة المنوّرة ومكث فيها عشر سنين.
وقبض(ص) بالمدينة مَسْمُوماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة النبويّة - وقيل: لاثنتي عشرة ليلةً مضت من شهر ربيع الأوّل في السنة المذكورة[279]. وقيل: الثامن عشر منه: وقيل الثاني‏[280]. والأوّل أظهر - عن ثلاث وستّين سنةً بالإتّفاق.
وتوفّي أبوه عبد الله ‏بن عبد المطّلب عند أخواله وهو(ص) ابن شهرين‏[281]. وقيل: توفّي قبل تولّده(ص)[282] وقيل بعد مضيّ سبعة أشهر من ولادته‏[283]. وقيل بعد مضيّ سنتين وأربعة أشهر[284]، وهذا هو المشهور عند الجمهور.
وتوفّيت اُمّه آمنة وهو ابن أربع سنين. وقيل: ابن ستّ سنين‏[285].
وتوفّي عبد المطّلب وهو نحو من ثمان سنين.
وتزوّج(ص) خديجة الكُبرى بنت خويلد وهو ابن بضع وعشرين سنةً، فولد له(ص) منها قبل مبعثه القاسم، ورقيّة، وزينب، وأمّ كلثوم، وبعده الطيّب، والطاهر. وفاطمة الزهراء(ع). وقد جاء في الخبر الصحيح المعتبر: «أنّه لم يولد له(ص) بعد المبعث إلّا فاطمة الزهراء(ع)[286] ».
وتوفّيت خديجة رضي اللّه عنها حين خرج رسول اللّه - عليه وآله صلوات اللّه - من الشعب، وكان ذلك قبل الهجرة بسنةٍ كاملةٍ.
وتوفّي عمّه أبو طالب بعد موت خديجة بسنة تامّة[287]. وقيل: بعد ثلاثة أيّام‏[288]. والأوّل يحكى به. وكان للنبيّ(ص) إذ ذاك ستّ وأربعون سنةً وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوماً. فلمّا فقدهما أشرف الكائنات - عليه وآله أفضل الصلوات - شنأ المقام بمكّة الشريفة ودخله حزن عظيم وملال جسيم حتّى أوحى اللّه تعالى إليه: «أن اخْرُج من القرية الظالم أهلها فليس لك ناصرٌ بعد أبي طالب».[289] وأمره سبحانه وتعالى بالهجرة فهاجر.
سفينة النجاة الثانية/ الإمام علي (ع):

 ولد الإمام أبو الحسنين عليّ‏بن أبي طالب أمير المؤمنين - عليه صلوات رب العالمين - بمكّة - زادها اللّه تعالى شرفا - في البيت الحرام يوم الجمعة بعد عامِ الفيل ومولدِ الرسُول الجليل(ص) بثلاثين سنةً، ثلاث عشرة ليلةً خلت من رجب المرجّب. وقيل: شهر شعبان المعظّم. وقيل: الثالث والعشرين منه‏[290].
ثمّ إنّه لم يُولد قبله(ع) ولابعده مولودٌ في بيت اللّه الحرام إكراما له من اللّه عزّ وجلّ، وكفاه بهذه شرفا، فيالها من فضيلةٍ جزيلة، ومزيّة جليلة، ومنزلة جميلة.
و أبو طالب‏ بن عبد المطّلب ‏بن هاشم ‏بن عبد مناف، فهو ووالد رسُول اللّه - عليه وآله صلواتُ اللّه - أخوان للأبوين.
واُمّه فاطمة بنت أسد رضي اللّه تعالى عنها.
فهو - عليه السلام والتحيّة البالغة والإكرام - وإخوته أوّل هاشميّ وُلد بين هاشميّين.
وقبض - عليه السلام من ربّ الأنام - بالكوفة قتيلاً ليلة الجمعة أو ليلة الأحد لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة عن ثلاث وستّين سنةً. وبقي بعد رسُول اللّه - عليه وآله صلواتُ اللّه - ثلاثين سنةً، ودفن في الغريّ من نجف الكُوفة بالمشهد المبرور، المنوّر المحبُور.
سفينة النجاة الثالثة/ السيدة فاطمة بنت محمد(ع):

َوُلدت فاطمةُ الزهراء بنت سيّد المرسلين - عليه وعليها وعلى بعلها وبنيها صلوات ربّ العالمين - بعد مبعث أبيها النبيّ الأمين بخمس سنين في العشرين من شهر جمادى الآخر.
وقبض الرسُول وكان للبتول ثماني عشرة سنةً وسبعة أشهر. وقبضت ولها ثلاث وعشرون سنةً[291]  في ثالث الشهر المذكور. وقيل ثالث شهر رمضان‏[292]. وروي أيضا أنّها(ع) قُبضت ولها ثماني عشرة سنةً وخمسة وسبعون يوما[293].
وبقيت(ع) بعد أبيها(ص) خمسةً وسبعين يوما[294]. وقيل: أربعين يوما[295]. وقيل: مائة يوم تقريبا[296].
ودفنت بالمدينة بين القبر والمنبر. وقيل: في بيتها[297]. وقيل: في البقيع في بيت الأحزان‏[298]. والعلم عند الرحمن.
سفينة النجاة الرابعة/الإمام الحسن بن علي (ع):

َوُلِدَ الإمام أبو محمّد الحسن الزكيّ سيّد شباب أهل الجنّة - عليه السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المنوّرة يوم الثلاثاء في النصف من شهر رمضان المبارك سنة اثنين من الهجرة. وقيل: سنة ثلاث منها[299].
وقبض(ع) بها أيضا مَسْمُوما يوم الخميس سابع عشر شهر صفر. وقيل: يوم السابع منه سنة تسع وأربعين من الهجرة[300]. وقيل: ثماني وأربعين،[301]  أو خمسين منها[302]. وكان له(ع) ثماني وأربعون سنةً.
وكان سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث‏بن قيس عليها اللّعنة. ودفن(ع) بالبقيع.
سفينة النجاة الخامسة/الإمام الحسين بن علي (ع):

َوُلِدَ الإمامُ أبو عبد اللّه الحسين الشهيد سيّد شباب أهل الجنّة - عليه السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة الطيّبةِ يوم الجمعة آخر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث من الهجرة. وقيل: يوم الخميس ثالث عشر رمضان المبارك[303]‏. وقيل: لخمس خَلَونَ من شعبان المعظّم[304]. وقيل: يوم الثالث منه‏[305]. وكان بين ميلاده الطيّب وميلاد الحسن المبارك(ع) ستّة أشهر لا غير. وقيل: أو عشرا[306].
وقبض(ع) بكربلاء قتيلاً يوم الاثنين. وقيل: يوم الجمعة عاشر محرّم الحرام قبل الزوال سنة إحدى وستّين من الهجرة[307]. وكان سِنّه الشريف ثماني وخمسون سنةً. وقيل: سبع وخمسون وخمسة أشهر. ودفن(ع) بكربلاء أيْضا.
سفينة النجاة السادسة/ الإمام علي بن الحسين (ع):

َوُلِدَ الإمامُ أبو محمّد زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب -عليهم السلام والتحية والإكرام- بالمدينة المنوّرة يوم الأحد خامس شعبان ثمان وثلاثين أو سبع أو ستّ وثلاثين من الهجرة[308]. والأوّل أشهر. وقيل: في النصف من جمادى الآخر[309]: وقيل التاسع من شهر رمضان[310]؛ لاختلاف الروايات.
وقبض بها أيضا يوم السبت ثاني عشر المحرّم وكان له سبع وخمسُون سنةً. ودفن في البقيع مع عمّه(ع).
واُمّه شاه زنان رضي اللّه عنها. وقيل: سلامة. وقيل: شهر بانو بنت يزدجردبن شهريار ملك الفرس‏[311].
سفينة النجاة السابعة/ الإمام محمد بن علي (ع):

وُلدَ الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ باقر العلم - عليهما السلام والتحية والإكرام - بالمدينة الطيّبة يوم الاثنين ثالث شهر صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة. وقيل: غرّة شهر رجب‏[312].
وقبض(ع) بها أيضا سنة أربع عشرة ومائة أو ست عشرة ومائة من الهجرة وكان له سبع وخمسُون سنةً. ودفن بها أيضا في البقيع مع أبيه(ع).
واُمّه اُمّ عبد الله بنت الحسن ‏بن الحسن ‏بن عليّ ‏بن أبي طالب(ع).
سفينة النجاة الثامنة/ الإمام جعفر بن محمد (ع):

ولد الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المنوّرة يوم الاثنين سنة ثلاث وثمانين من الهجرة.
وقبض(ع) في منتصف رجب على الأشهر يوم الاثنين سنة ثماني وأربعين ومائة. وسنّه الشريف خمس وستّون سنةً. ودفن(ع) بها أيْضا في البقيع مع أبيه وجدّه(ع).
واُمّه اُمّ فروة. قيل: اسمها فاطمة بنت القاسم‏بن محمّد النجيب ‏بن أبي بكر[313].
سفينة النجاة التاسعة/ الإمام موسى بن جعفر (ع):

َوُلدَ الإمامُ أبو إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالأبواء موضع شريف بين مكّة المعظّمة والمدينة المكرّمة يوم الأحد سابع شهر صفر سنة ثماني، أو تسع وعشرين ومائة من الهجرة[314].
وقبض(ع) مَسْمُوما ببغداد في حبس السندي ‏بن شاهك في جمعة لستّ بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وكان له أربع أو خمس وخمسُون سنةً. ودفن(ع) بها أيْضا في مقابر قريش. واُمّه اُمّ وَلَدٍ تسمّى حميدة البربريّة رحمها اللّه تعالى.
سفينة النجاة العاشرة/ الإمام علي بن موسى (ع):

وُلد الإمامُ أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا- عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة الطيّبة يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة.
وقبض(ع) بأرض طوس من أرض خراسان سابع عشر رمضان على المشهور[315]. وقيل: الثالث والعشرين من ذي القعدة[316]. وقيل: آخر شهر صفر سنة ثلاث ومأتين من الهجرة[317]، وهو (ع) ابن خمس وخمسين سنةً ودفن - عليه الرحمة والبركات - هُناك أيْضا. واُمّه اُمّ ولدٍ يقال لها: اُمّ البنين رحمها اللّه تعالى.
سفينة النجاة الحادية عشر/الأمام محمد بن علي (ع):

وُلِد الإمامُ أبو جعفر محمّد بن عليّ الجواد - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المبرورة يوم الجمعة سابع عشر، أو خامس عشر، أو تاسع عشر شهر رمضان المبارك سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة. وقيل: كان المولد الشريف عاشر شهر رجب المرجب[318] أيضا.
وقبض(ع) ببغداد في آخر ذي القعدة. وقيل: حادي عشرها سنة عشرين ومأتين‏[319]. وكان له خمس وعشرون سنةً وشهران. ودفن(ع) فيها أيْضا مع جدّه -عليه التحيّة والإكرام- بمقابر قريش.
واُمّه اُمّ ولدٍ تسمّى الخيزران من أهل بيت مارية القبطية اُمّ إبراهيم‏ بن رسُول‏اللّه(ص). وقيل: اسمها سبيكة نوبيّة، ويقال: ذرة، ولكن الرضا(ع) سماها الخيزران‏[320] عليها الرحمة والرضوان.
سفينة النجاة الإثنتى عشر/ الإمام علي بن محمد (ع):

وُلِدَ الإمامُ أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المنوّرة يوم الجمعة للنصف من ذي الحجة الحرام سنة اثنتي عشرة ومأتين من الهجرة. وقيل: في السابع منه‏[321] وروي أيْضا في خامس رجب المرجّب سنة أربع عشرة ومأتين[322]. واللّه اعلم.
وقبض(ع) بسُرّ مَن رأى يوم الإثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومأتين. وكان سنّه الشريف إحدى وأربعين سنةً. وقيل: وستّة أشهرٍ[323]أيْضا. ودفن(ع) بها أيْضا. واُمّه اُمّ ولدٍ يقال لها سمانة رحمها اللّه تعالى.
سفينة النجاة الثالثة عشر/ الإمام الحسن بن علي (ع):

َوُلد الإمامُ أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ - عليهما السلام والتحيّة والإكرام - بالمدينة المحبُورة يوم الاثنين رابع ربيع الآخر سنة اثنين ومأتين من الهجرة.
وقبض(ع) بسرّ من رأى يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأوّل. وروي لثمان خلون منه سنة ستّ وستّين ومأتين‏[324]. وروي أيضا يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من المحرّم الحرام‏[325]. ودفن إلى جانب أبيه(ع). واُمّه اُمّ ولد يقال لها: حديثة رحمة اللّه عليها.
سفينة النجاة الرابعة عشر/ الإمام محمد بن الحسن (عج):

َوُلِدَ الإمامُ أبو القاسم محمّد بن الحسن الخلف الحجّة القائم المهديّ صاحب الأمر والزمان - عليهما صلوات الرحمن - يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان المعظّم سنة ستّ وخمسين ومأتين من الهجرة. وقيل: للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين‏[326]. وكان سنّه الشريف عند وفاة أبيه(ع) خمس سنين. آتاه اللّه سُبْحانه العلم والحكمة كما آتاهما يحيى(ع) صبيّا. واُمّه ريحانة، ويقال لها: نرجس وصيقل وسوسن أيْضا.
ووكيله عثمان ‏بن س عيد، فلمّا توفّي أوصى إلى أبي جعفر محمد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسن‏ بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ ‏بن محمّد السمري رضي اللّه عنهم أجمعين. فلمّا حضرت السمري الوفاةُ سُئِل أن يوصي فقال: «للّه أمرٌ هو بالغه».
فالغيبة الثانية هي الّتي وقعت بعد السمريّ(ره). كذا رواه الشيخ الصدوق قدّس سرّه في كمال الدين وتمام النعمة[327]. وسوف يظهر(ع) بمكّة زادها اللّه شرفا، ويملأ الأرض بظهوره عدلاً وقسطا كما مُلئت جوراً وظلما.

قال رسول الله (ص):"لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً.

وعن أمير المؤمنين علي (ع):"إذا قام قائمنا... ولذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت السباع والبهائم ، حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلاّ على نبات ، وعلى رأسها زّبيلها لا يهّيجها سبع ولا تخافه"[328].

وقد انهينا كتابة هذه المسودة في يوم الجمعة المباركة بتاريخ الثالث من شهر رجب الاصب عام 1430هـ .

والحمد لله أولاً وأخراً...

 

رزاق مخور داود

                                                                                        النجف الاشرف

 

 

[1] المحامي عباس، عبد الهادي/حقوق الإنسان، ج1 دار الفاضل - دمشق، ط1/1995م ص16.

 

[2] تشارلز برادلو (1832-1891م) مصلح اجتماعي إنكليزي.

[3] المحامي عباس، عبد الهادي/ ج1 ص357.

 

[4] راجع الفصل الثاني من الكتاب"متن الرسالة".

[5] أصول علم الرجال:ص264 ، الشيخ مسلم الداوري.

[6] شذرات الذهب 1 : 104 .

[7] الفصول المهمة | ابن الصباغ المالكي : 187 .

[8] ربيع الأبرار 1 : 334 | 73 .

[9] الإتحاف بحب الأشراف | عبد الله الشبراوي الشافعي : 143 ، دار الذخائر للمطبوعات .

[10] تاريخ اليعقوبي 2 : 303 ـ 305 .

[11] المصدر السابق : 8 .

[12]  تذكرة الخواص : 291 .

[13] المناقب 4 : 180 ـ 181 .

[14] رجال الكشي : ص 519.

[15] رجال النجاشي (ص115) رقم296.

[16] المصدر (ص116).

[17] رجال الطوسي ، باب الثاء – 1083-.

[18] خلاصة الاقوال ، العلامة الحلي،85.

[19] رجال بن داود :رقم 277 ، ص 60.

[20] الخصال (ص 564) رقم (1).

 

[21] معجم رجال الحديث ، ج12،ص278 ، رقم:7919.

[22] منهج المقال في أحوال الرجال،محمد الاسترابادي.(والظاهر إن هذا التوثيق جاء على وفق مباني المتأخرين ومنهم صاحب منهج المقال).

[23] رجال الطوسي،الشيخ الطوسي.

[24] ونقل العلامة من قول المصنف : " كذاب . إلى آخر ما هنا بلفظه في خلاصة الأقوال ( ص ٢١٠ ، رقم ٣ ) . وقال ابن داوود في القسم الثاني ( رقم ٩٣ ) : غض ] : هو أبو عبد الله ، كذاب يروي عن الضعفاء والمجاهيل ويضع الحديث ، غير معتمد عليه لا في شاهد ولا في غيره " . وقال النجاشي رقم ٣١٣ ) : " قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث . ( وضعا ، ويروي عن المجاهيل " ونقله في خلاصة الأقوال ( ص ٢١٠ ، رقم ٣

[25] رجال النجاشي،ص149:ت 409.

[26] رجال الطوسي،الشيخ الطوسي.

[27] رجال النجاشي،ص322،باب الميم.

[28] ذكر في رجال البرقي 20 و 48، رجال النجاشي 2|272 برقم 996، رجال الطوسي 297 برقم 283 و 360 برقم 25 و 389 برقم 35، فهرست الطوسي 174 برقم 633 و 682، معالم العلماء 104 برقم 696، رجال ابن داود 331 برقم 1450 و 510 برقم 462، رجال العلامة الحلي 139 برقم 13 و 251 برقم 19، ايضاح الاشتباه 283 برقم 647، نقد الرجال 328 برقم 643، مجمع الرجال 6|22، نضد الايضاح 312، جامع الرواة 2|174، وسائل الشيعة 20|339 برقم 1100، الوجيزة 165، هداية المحدثين 249، مستدرك الوسائل 3|744، بهجة الآمال 6|554، تنقيح المقال 3|172 برقم11247، الذريعة 6|364 برقم 2240، معجم رجال الحديث 17|140 برقم 11561 و 11562 و 11564 و 11571 و 23|10 برقم 15130، قاموس الرجال 8|341.

[29] رجال الطوسي،ص379:رقم (5124)ت25.

[30] للمزيد من التفاصيل حول أهمية الكتاب يمكن الرجوع إلى "مقدمة السيد مهدي الخراساني  لكتاب الخصال".

[31] الأمالي للصدوق (ص 302) وهو تمام المجلس (59) في ربيع الآخر سنة (368).

 

[32] رجال النجاشي،ص322،ت:915.

[33] رجال النجاشي،ص213،ت:569.

[34] رجال النجاشي ، ص131،والبرقي ص19.

[35] ( كما يُفهم من كتاب التقريب للنووي 126:2 ـ 127 ).

[36] ( لاحظ: تدريب الراوي للسيوطي 126:2 ـ 127 ).

[37] إن أسلوب الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه يتصف  باختصار الأسانيد معتمدا على المشيخة في ذكر تلك الأسانيد ،وهذه المؤاخذة على الكتاب سنوضحها  في فقر.ة المكانة والاعتبار لكتاب "من لا يحضره الفقيه".

[38] من لا يحضره الفقيه (2 / 376).

[39] من لا يحضره الفقيه: 1 : 12. وقد كتبه استجابة لطلب الشريف أبي عبد اللّه‏ المعروف بنعمة، حيث سأله أن يصنِّف له كتاباً في الفقه والحلال والحرام والشرائع والأحكام، وقال في آخر الكتاب: 4 : 396: قد سمع السيّد الشريف الفاضل أبو عبد اللّه‏ محمّد بن الحسن العلوي الموسوي المديني المعروف بنعمة ـ أدام اللّه‏ تأييده وتوفيقه وتسديده ـ هذا الكتاب من أوّله إلى آخره بقراءتي عليه ورويته عن مشايخي المذكورين وذلك بأرض بلخ من ناحية أيلاق.

[40] معجم رجال الحديث: 1 : 77.

[41] مقباس الهداية: 1 : 361 ؛ وجواهر الكلام: 5 : 300.

[42] أصول علم الرجال:ج1،ص63.

[43] نفس المصدر .

[44] الفهرست: 102.

[45] رجال النجاشي: 2 : 242 .

[46] رجال النجاشي: 2 : 244 .

[47] المقنع : 50.

[48] "نقل بتصرف من كتاب أصول علم الرجال ص66".

[49] عدّة الأصول : 366.

[50]"نقل بتصرف من كتاب أصول علم الرجال،ص67.

[51] الفهرست: 189.

[52]نقل بتصرف من كتاب أصول علم الرجال :ص68،

[53] وقد استظهرنا في الصفحات السابقة بأن ابن الوليد والصدوق كليهما يعتبران الوثاقة في الراوي.

[54] نقل بتصرف من كتاب أصول علم الرجال،ص68-70.
[55] مشيخة الفقيه: 29.
[56] مشيخة الفقيه: 11.
[57] نقل بتصرف من كتاب أصول علم الرجال ص71.
[58] كتاب "الخصال والأمالي والفقيه"،التي ذكرناها سابقاً.
[59] الغيبة ،الشيخ الطوسي،210.
[60] لؤلؤة البحرين،الشيخ يوسف البحراني:372.
[61] روضات الجنات ،6 : 141 -142.
[62] الفهرست : 156.
[63] رجال الطوسي: 495.
[64] السرائر: 529.
[65] الإقبال: 465.
[66] فرج المهموم : 129.
[67] الاجازات ،61: 66.
[68] الدراية:9.
[69] الوجيزة:165.
[70] سفينة البحار، 3: 60.
[71] راجع تحف العقول عن آل الرسول،ص 182.
[72] لم يذكر السند هنا لعدم وروده في الكتاب (تحف العقول) ، حيث إن أسلوب الشيخ الحراني في نقل الروايات يتميز بالإيجاز حاله كحال كتاب الفقيه للشيخ الصدوق،لكن الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه يرجع أسانيد الكتاب إلى (المشيخة).وسنوضح أسلوب الشيخ الحراني في نقل الروايات في فقرة المكانة والاعتبار لكتابه.
[73] أصول علم الرجال :ص274،.
[74] وسائل الشيعة: 20 : 41.
[75] أمل الآمل: 2 : 74 .
[76] خاتمة مستدرك الوسائل: 1 : 186 .
[77] رياض العلماء: 1 : 244 .
[78] سفينة البحار: 4 : 441 .
[79] خاتمة مستدرك الوسائل: 1 : 187 (هامش).
[80] وسائل الشيعة: 20 : 61.
[81] تحف العقول عن آل الرسول صلّى اللّه‏ عليهم: 10.
[82] أصول علم الرجال :277
[83] لم نذكر سند النجاشي مع الأسانيد السابقة لأنه لم يورد الرسالة نصاً وإنما اكتفى بذكر سندها فقط.
[84] رجال النجاشي،ص115-116،باب ث .ت:296.
[85] مستدرك الوسائل :11: 169.
[86] أصول الكافي: 2 : 198، ب 82 إدخال السرور على المؤمنين، الحديث 9. دار الأضواء ـ بيروت. (المصحح).
[87] رجال النجاشي:2: 334.
[88] رجال العلامة:30.
[89] الذريعة :10:ص154،ت:279.
[90] لاحظ مستدرك الوسائل (11 / 169).
[91] كتاب الرّسائل للشيخ الكليني:وهو ثقة الإسلام وأوثق الناس في الحديث وأثبتهم وهو مصنّف كتاب الكافي الشريف.ولكلّ من الشيخ الطوسي والنجاشي طرق صحيحة إلى جميع كتبه"راجع كتاب الفهرست من ص165-ص166،للشيخ الطوسي،ورجال النجاشي :2: 292،للشيخ النجاشي،وذكرها له الزركلي في الاعلام (ج 8 ، ص 17)، والسيد محسن الامين في اعيان الشيعة (ج 47، ص 153)، والعلامة الخوانساري في روضات الجنات (ج 6، ص 117)، والشيخ عباس القمي في الكنى والالقاب (ج 3، ص 120)، كما ذكره له الشيخ آغا بزرگ الطهراني في الذريعة (ج 10، ص 239، الرقم 766) وقال: «وقد نقل عنه [ اي كتاب رسائل الائمة ] السيد رضي الدين علي بن طاووس في «كشف المحجة، ص 159، 173» رسالة اميرالمؤمنين (ع) تاليف علم الهدى ابن الفيض الكاشاني، الذي اول مكاتيبه رسالة اميرالمؤمنين (ع) الى ابنه الحسن (ع)، نقلها عن كتاب «رسائل الائمة‏» للكليني وظاهرة النقل عنه بغير واسطة، وعليه فلا يبعد وجود الكتاب اليوم في بعض المكتبات‏» .
[92] جهاد الإمام السجاد زين العبدين (ع)،ملحق1.
[93] لمزيد من التفاصيل راجع سند النجاشي في الصفحات السابقة.
[94] نقل بتصرف من كتاب جهاد الإمام السجاد ملحق 1، ص5.
 [95]راجع كتاب من لا يحضره الفقيه (1 / 3).
[96] معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت: (ج 8 ص 181) برقم (20453).
[97] تحف العقول (ص 272).
[98] الخصال (ص 564).
[99] نقل بتصرف من كتاب جهاد الإمام السجاد،ملحق1،محتوى الرسالة.
[100] لاحظ الرسالة (ص 271).
[101] لاحظ الرسالة، المقدمة (ص 271).
[102] لاحظ الرسالة (ص 273).
[103] لاحظ الرسالة (ص 271).
[104]تحف العقول (ص 255) لاحظ الرسالة الحق رقم [14].
[105] مستدرك الوسائل (11 / 170).
[106] لاحظ الخلاصة، رجال العلامة الحلي (ص 147) رقم (44)
 [107] جهاد الإمام السجاد ملحق1،نسخ الرسالة.
[108] اعتمدنا النص المحقق من رسالة الحقوق من كتاب "جهاد الإمام السجاد،ملحق1"لأنه حسب علمنا أفضل النصوص المطبوعة "تنظيماً وتحقيقاً".
[109] بحار الأنوار،العلامة المجلسي،ج71:ص21.
[110]   وقد صحح روايتها علماؤنا ، وبحث أسانيدها العلامة الجلالي في كتابه جهاد الإمام السجاد ص269، وشرحها العلامة السيد حسن القبانجي باسم (شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين) ، وذكر شروحها وترجماتها صاحب الذريعة: 7/42 ، ومعجم المطبوعات النجفية/220، وموسوعة مؤلفي الإمامية:1/233. (راجع: رجال النجاشي/116، وتحف العقول لابن شعبة الحراني/255، والخصال/564 ، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي: 4/293، ومستدرك الوسائل: 11/154، والبحار: 71/10، ونهج السعادة: 7/211، وأعيان الشيعة: 1/638، ومجلة تراثنا: 61/140).
[111] في التحف، أخَّرَ ذكر اللسان عن السمع والبصر، هنا، لكنّه قدمه عليهما في ذكر تفصيل الحقوق، فكان ما أثبتناه هنا أنسب.
[112] الحقّ رقم [10] لم يذكر في رواية التحف، لا هنا ولا في تفصيل الحقوق، وإنما ورد في روايات الصدوق، فقط، فلاحظ ما ذكرناه عند التفصيل عن الحقّ [10].
[113] السائس : القائم بأمر والمدبر له.
[114] في غير التحف: الأولى فالأولى.
[115] ما بين المعقوفين هنا زيادة منّا، لتحديد عناوين اُصول الحقوق السبعة، والمعبّر عنها بـ «الحقوق الجارية...» في آخر هذه المقدّمة، فلاحظ.
[116] أضاف في النسخ هنا: وهذا غير مذكور في تفاصيل الحقوق، لا في الصدوق ولا التحف، وبدونه تتم الحقوق: خمسين حقّاً، فالظاهر كونه زائداً.
[117] هذا الحقّ مذكور في المتن في النصّين، لكنه لم يذكر هنا في مقدمة الصدوق في الخصال.
[118] كذا جاءت كلمة (ثمّ) هنا في الروايات والنسخ كلّها وأظنها مصحفة عن (هي) إشارة إلى جميع الحقوق المذكورة في [ز] ويؤيد هذا، أن الرسالة ـ في كل نسخها ـ تنتهي عند ذكر (حقّ أهل الذمة) ولم يذكر فيها عن حقوق أخرى أيّ شيء، فليلاحظ.
[119] هذه المقدمة لم يوردها الصدوق في الفقيه ولا الأمالي، وإنّما أوردها في الخصال كما في التحف.
[120] مابين المعقوفين أضفنا لتوحيد النسق مع العناوين التالية المثبتة في أصل التحف.
[121] اعتبر كثير من الذين طبعوا رسالة الحقوق في عصرنا «حقّ النفس» حقّاً منفصلاً وأعطوه رقماً مستقّلاً، فأدّى بهم ذلك إلى زيادة عدد الحقوق إلى (51) بينما هي (خمسون) قطعاً كما عرفت في المقدّمة، مع أنّ هذا هو عنوان جامع لما تحته من (حقوق الأعضاء) كما سجّلنا فلاحظ، وقد عدّها في تحف العقول المطبوع مستقلاً بينما لم يورد (حقّ الحجّ) الآتي برقم [11 ]وسيأتي أنّ من الضروري إيراده.
[122] في نسخة: تستوفيها.
[123] في روايات الصدوق:
[124] روى الكليني بسنده عن إبراهيم بن مهزم الأسدي عن أبي حمزة [الثمالي] عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: إنّ لسان بني آدم يُشْرف على جميع جوارحه، فيقول: كيف أصبحتم ؟ فيقولون: بخير، إنْ تركتَنا.
ويقولون: اللهَ، اللهَ فينا.
ويُناشدونه ويقولون: إنّما نثاب [بك] ونعاقب بك.
الكافي (2 / 115) كتاب الإيمان والكفر، باب الصمت وحفظ اللسان، ورواه في الاختصاص المنسوب إلى المفيد (ص 230) وما بين المعقوفات منه.

[125] في الصدوق:
[126] في الصدوق ـ بدل ما بين القوسين ـ:
[127] مابين القوسين ليس في روايات الصدوق.
[128] في أكثر النسخ «رجليك» مع تثنية الضمائر العائدة إليها في الفقرة الأولى. وقد أفردنا الجميع لوروده في نسخ أخرى، كما أنّه الأنسب بسائر الفِقَر.
[129] في نسخة التحف: والظمأ.
[130] هذا العنوان لم يرد في الصدوق.
[131] في الصدوق : والوقار ، بدل ( والإطراق ) .
[132] حقّ الحجّ هذا لم يرد في تحف العقول، ووجوده ضروري، كما شرحنا في المقدمة.
[133] لأن الصدقة أول ما تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد السائل .كما ورد في الخبر.
[134] في الصدوق:
[135] هذا العنوان من وضعنا، وقد أوضحنا أنّ عدّ هذا الحقّ ضروريّ، لقوله في مقدّمة الرسالة بعد حق الهدي: «ولأفعالك عليك حقّاً» وقد شرحنا ذلك في المقدّمة، وذكرنا أنّ المؤلّفين لم يرقّموا هذا الحقّ، وهو ساقط من روايات الصدوق بالكليّة.
[136] العنوان الأصلي لم يرد في الصدوق، وكذا جميع العناوين الاصلية التالية.
[137] لا تماحكه : لا تخاصمه ولا تنازعه.
[138] لا تعازه : لا تعارضه في العزة.
[139] في الصدوق بدل ما بين القوسين قوله : وأنّ عليك أنْ لا تتعرّض لسخطه ، فتُلقي بيدك إلى التهلكة ، وتكون شريكاً له في ما يأتي إليك من سُوء .
[140] مابين المعقوفين ورد في الصدوق، وأكثر المذكورات من حقوق المعلّم مذكور في حديث مسند إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، لاحظ آداب المتعلمين (ص 74 ـ 77) الفقرة [21].
[141] أي إذا قضيت حق الله فأرجع إلى أداء حق مالكك .
[142] في الصدوق بدل هذا الحقّ:
[143] الحياطة: الحفاظة والحماية والصيانة، والأناة:كقناة الوقار والحلم وأصله الإنتظار.
[144] في الصدوق:
[145] في الصدوق: بدلّ (وولاك).
[146] الآمل: خادم الرجل وعونه الذي يأمله.
[147] في الصدوق:
[148] هذا العنوان منّا لتوحيد النسق، ولكنّ المؤلّفين جعلوا ما تحته حقّين: حق الزوجة، وحقّ ملك اليمين، وهو سهو كما شرحنا في المقدّمة.
[149] في الصدوق.
[150] في تحف العقول: أغلظ، بدل: أوجب.
[151] ) في الصدوق:
[152] في بعض نسخ الصدوق:
[153] بدل ما بين القوسين في الصدوق:
[154] في الصدوق: وهكذا إلى آخر الفقرة، باختلاف يسير.
[155] في الصدوق:
[156] في تحف العقول.
[157] في الصدوق:
[158] الولاء: بالفتح النصرة والملك والمحبة والصداقة والقرابة.
[159] في التحف: بدل قيد.
[160] في الصدوق
[161] في الصدوق.
[162] المكانفة: المعاونة.
[163] في الصدوق.
[164] في الصدوق: بدل وتنشر له.
[165] في الصدوق: بدل (بالفعل).
[166] الضمير: في عليها إلى المكافأة ، أي ترصد وتراقب وتهيئ نفسك على المكافأة في وقتها.
[167] في الصدوق.
[168] في الصدوق.
[169] الكنف: الجانب والظل.
[170] في الصدوق، اختلاف في الفاظ هذه الفقرة، والمعنى واحد.
[171] المراد بالحالين: الشهود والغياب.
[172] في الصدوق ـ بدل ما بين القوسين ـ: فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه.
[173] في الصدوق.
[174] كذا، ولعلها: «النميمة» لأنـّها أنسب بما قبلها وما بعدها سجعاً، ولأن حامل النصيحة لا كيد له ظاهراً، فلاحظ.
[175] في الصدوق .
[176] هذه الجملة مؤخرة في التحف عن الجملة التالية.
[177] في الصدوق.
[178] في الصدوق.
[179] في الصدوق.
[180] في الصدوق: ، بدل (ساويتَه).
[181]في الصدوق.
[182] في الصدوق.
[183] في بعض نسخ التحف، خلافتك.
[184] ما يترتب على الفعل من الشر وقد يستعمل في الخير.
[185] الغريم: الدائن ويطلق أيضاً على المديون.وفي بعض النسخ (الغريم المطالب لك).
[186] في الصدوق.
[187] المطل: التسويف والتعلل في أداء الحق وتأخيره عن وقته.
[188] هنا موضع الذي ذكر في المقدمة مع فروع الحقوق، لكنّه لم يعنون هنا في أيّ من النصين لا في تحف العقول، ولافي كتب الصدوق.
[189] الخليط: المخالط كالنديم والشريك والجليس ونحوها.
[190] كذا في بعض النسخ، والظاهر أنه الصواب وفي أكثرها ورَوّعْتَهُ والظاهر عدم صحّته، وفي بعض النسخ: ورّعته، فمعناه دعوته إلى الورع.
[191] روعه: أفزعه ، وناشدته بدينه: حلفته وطلبته به.
[192] اللغط: كلام فيه جلبة واختلاط ولا يتبين ، وعادية عدوك أي حدته وغضبه ، وعادية السم: ضرره ويشحذ عليك أي يغضب وأصله من شحذ السكين ونحوه: أحده.
[193] في الصدوق.
[194] المقاولة: المجادلة والمباحثة.
[195] في الصدوق.
[196] في الصدوق.
[197] لم تأله: لم تقصره من ألا يألو.
[198] كذا في بعض النسخ وفي أكثرها: يجتنبه، فلاحظ.
[199] كذا في النسخ، ولعلّ الكلمة «تشرّف».
[200] إشرأب للشيء: مد عنقه لينظره والمراد أن تسقي قلبك من نصحه.
[201] في الصدوق: بدل هذه الفقرة.
[202] في الصدوق.
[203] في الصدوق وفي بعض النسخ.
[204] في التحف لتقديمه، وفي الصدوق
[205] في الصدوق.
[206] أضاف الصدوق.
[207] إلى هنا ينتهي ما في الصدوق من حقوق السائل.
[208] في الصدوق
[209] التثريب: التوبيخ والملامة.
[210] في الصدوق: بدل ما بين القوسين:
[211] في الصدوق في هذا الحق: فقط، ولم يورد باقي ما هنا.
[212] هذا إشارة إلى الشخص الذي سرّك.
[213] في الصدوق: [وإن علمت...الخ].
[214] سورة الشورى (42) الآية: 41 ـ 43.
[215] سورة النحل (16) الآية: 126.
[216] في الصدوق بدل ما هنا:
[217] القبانجي، حسن السيد علي/ شرح رسالة الحقوق، ج1 دار التفسير - قم، ط3/1416هـ.ق ص72.
[218] المصدر السابق/ كتاب الوجود، ص72.
[219] كتاب "أربعون حديثاً"ص194.
[220] سورة النساء: الآية 35.
[221] سورة الأحقاف: الآية 15.
[222] القبانجي، حسن السيد علي/ شرح رسالة الحقوق، مصدر سابق، ص549.
[223] سورة مريم: الآية 32.
[224] بيضون، لبيب/تصنيف نهج البلاغة، مصدر سابق، المبحث259 ص664.
[225] سورة الإسراء: الآية 23.
[226] الشيخ الشمري، حسن/ قبس من نور فاطمة، مؤسسة الثقلين، 1999م ص107.
[227] القبانجي، حسن السيد علي/ شرح رسالة الحقوق، مصدر سابق، ص14.
[228] من أدعية الصحيفة السجادية (دعاء الإمام لوالديه).
[229] المراد بالرحم الذي يحرم قطعه وتجب صلته،ولو وهب له شيء لا يجوز الرجوع عنه،وهو مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بعدت النسبة وجاز النكاح،والمراد بقطعه أن يؤذيه بالقول أوالفعل ."راجع كتاب جامع السعادات،ج2،ص53".
[230] الإسراء :23 .
[231] الإسراء:24.
[232] نقل بتصرف من كتاب "جامع السعادات"ج2،ص56.
[233] بحار الأنوار 16 : 233 .
[234] شرح نهج البلاغة ـ لابن ابي الحديد 16 : 105 .
[235] أُصول الكافي 2 : 181 | 13 باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه .
[236] بحار الأنوار 74 : 287 .
[237] بحار الأنوار،75: 117.
[238] ذكره الشيخ النراقي في كتابه"جامع السعادات"ج2،ص56.
[239] سورة الروم: الآية 21.
[240] اعلموا أني فاطمة: ج1 ص112. وانظر الشيخ الشمري، قبس من نور فاطمة، ص104.
[241] المرأة والأسرة في حضارات الشعوب، ج3 ص93.
[242] فوكوياما، فرانسيس/ ص10. انظر الشيخ حسن الشمري: قبس من نور فاطمة، مؤسسة الثقلين 1999.
[243] مكارم الخلاق، ص65، انظر الشيخ الفلسفي، محمد تقي، الطفل بين الوراثة والتربية، ج1 .
[244]  سورة الروم آية 21.
[245]  سورة البقرة آية 187.
[246]  سورة النساء آية 19.
[247]  سورة البقرة آية 229.
[248]  سورة البقرة آية 228.
[249] مقتطفات من خطبة الجمعة،الشيخ الصفار.
[250] فساد العلاقة الزوجية ولاية الحاكم الشرعي على الطلاق، ص48،
[251] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج7 ص349.
[252] صراط النجاة ج2 ص379، مسألة رقم 1176..
[253] وسائل الشيعة، حديث رقم 25330.
[254] وسائل الشيعة، حديث رقم 25332.
[255] شرح رسالة الحقوق، ج1 ص457.
[256]  سورة النساء آية 19.
[257] بحار الأنوار، ج73 ص367.
[258]  وسائل الشيعة، حديث رقم 25348.
[259] لأن حقوق( الوالدين والأخ والمرأة) "السابق ذكرها "من حقوق الغير أيضا ، والسبب ذكرها في بحوث مستقلة لأولويتها.
[260] (الكهف 18 : 60).
[261] (الكهف 18 : 66).
[262] بحار الأنوار 2 : 42 .
[263] في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 43 .
[264] الإمام جعفر الصادق ، المستشار عبد الحليم الجندي : 159 ، طبع القاهرة 1977 م ـ 1397 هـ.
[265] في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 31 .
[266] في رحاب أئمة أهل البيت 2 : 31 .
[267] راجع كتاب"جامع السعادات ،ص57.
[268] ميزان الحكمة 2 : 60 .
[269] شرح رسالة الحقوق ، السيد حسن القبانچي 2 : 151 .
[270] نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : 403 .
[271] ميزان الحكمة 10 : 55 .
[272] راجع متن رسالة الحقوق في الفصل الثاني  من الكتاب.
[273] نهج البلاغة 3 : 83 ـ 102.
[274] الكافي 1: 439 باب مولد النبيّ(ص) ووفاته.
[275] هذا ما ذهب إليه أكثر المخالفين، واختاره أيضاً الكليني في الكافي 1: 349.
[276] لعلّ الصحيح: الثامن؛ لأنّه لم نجد القول بالثاني. راجع الكافي 1: 439 باب مولد النبيّ(ص) ووفاته، مرآة العقول 5: 170، بحار الأنوار 15: 248 وما بعده.
[277] قال الكليني في الكافي 1: 439: «وحملت به اُمّه في أيّام التشريق...» وذيّله المجلسي في مرآة العقول 5: 170-171: «إعلم أنّ هاهنا إشكالاً مشهوراً أورده الشهيد الثاني؛ وجماعة، وهو أنّه يلزم على ما ذكره الكليني؛ من كون الحمل به‏9 في أيّام التشريق، وولادته في ربيع الأوّل: أن يكون مدّة حمله صلّى اللّه عليه إمّا ثلاثة أشهر، أو سنة وثلاثة أشهر...». وللمزيد راجع أيضاً بحار الأنوار 15: 252-253.
[278] إقبال الأعمال: .603 وفيه: «يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل عند طلوع فجره».
[279] هذا هو المشهور بين العامّة، واختاره الكليني في الكافي 1: 439.
[280] حكاهما في جامع المقال: 186.
[281] الكافي 1: 439.
[282] حكاه عن ابن اسحاق في المناقب 1: 173.
[283] حكاه عن الواقدي في المناقب 1: 173.
[284] حكاه عن الكازروني في المنتقى العلّامة المجلسي في مرآة العقول 5: 179.
[285] حكاه عن محمّدبن إسحاق في المناقب 1: 173.
[286] قال الكليني في الكافي 1: 439: «وروي أيضاً أنّه لم يولد بعد المبعث إلّا فاطمة». وروى في الكافي 8: 536 / 281 في حديث طويل عن عليّ‏بن الحسين‏8: «ولم يولد لرسول اللّه‏9 من خديجة على فطرة الإسلام إلّا فاطمة(ع)».
[287] هذا موافق لما قاله الكليني في الكافي 1: 440، وفي كثير من التواريخ: أنّ خديجة توفّيت بعد أبي طالب. راجع مرآة العقول 5: 185.
[288] لم أجد قائلاً بذلك ولكن في المناقب 1: 174 نقلاً عن كتاب المعرفة: «إنّ وفاة خديجة بعد موت أبي طالب بثلاثة أيّام».
[289] الكافي 1: 440 و 8: 341، تفسير العيّاشي 1: 257، بحارالأنوار: 19: 78 و 117.
[290] حكاهما وغيرهما من الأقوال العلّامة المجلسي في مرآة العقول 5: 276.
[291] لعلّ في العبارة سقط؛ لأنّه يفهم منها أن فاطمة(ع) بقيت بعد أبيها بخمس سنين ولم يقل به أحد، بل المكثّر يقول: توفّيت بعد أبيها بثمانية أشهر والمقلّل يقول: أربعين يوما. نعم قيل: إنّها ولدت على رأس سنة إحدى وأربعين من مولد النبيّ(ص) فيكون سنّها على هذا ثلاثا وعشرين سنة.
[292] حكاه في كشف الغمّة 1: 503.
[293] الكافي 1: 10/457 باب مولد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.
[294] الكافي 1: 1/458 باب مولد الزهراء فاطمة(ع).
[295] حكاه في المناقب 3: 357، كشف الغمّة 1: 500.
[296] حكاه في كشف الغمّة 1: 503.
[297] الكافي 1: 9/461 باب مولد الزهراء فاطمة (ع)، وقال الصدوق في الفقيه 2: 572: «والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها».
[298] قاله الإربلي في كشف الغمّة 1: .501 ونقل الأقوال كلّها الشيخ الطوسي في التهذيب 6: 9.
[299] الكافي 1: 461 باب مولد الحسن‏بن عليّ صلوات اللّه عليهما، المناقب 4: 28، كشف الغمّة 1: 514.
[300] الدروس 2: 7 - 8.
[301] حكاه في المناقب 4: 29.
[302] قاله ابن شهر آشوب في المناقب 4: 29، والإربلي في كشف الغمّة 1: 542، والطبرسي في إعلام الورى: 205 وغيرهم.
[303] حكاه الشهيد في الدروس 2: 8.
[304] كشف الغمّة 2: 3، المناقب 4: 76.
[305] إعلام الورى: 213.
[306] حكاه في جامع المقال: 188.
[307] كشف الغمّة 2: 40، وحكاه في التهذيب 6: 42.
[308] حكي الأقوال في المناقب 4: 175، وبحار الأنوار 46: 12 - 16، ومرآة العقول 6: 1 - 3.
[309] كما في المناقب 4: 175، وإعلام الورى: 251.
[310] لم نعثر على قائل به. ولعلّه من سهو القلم والصحيح التاسع من شهر شعبان كما في جامع المقال: 188.
[311] وذُكر لها غيرها من الأسماء، كما في المناقب 4: 176، وإعلام الورى: 251، وكشف الغمّة 2: 74، وبحار الأنوار 46: 12 - 16، ومرآة العقول 6: 1 - 3.
[312] رواه في مصباح المتهجّد: 801، وإعلام الورى: 259.
[313] حكاه عن أبي جعفر القمّي في المناقب 4: 280، وعن الجعفى الشهيد في الدروس الشرعيّة 2: 12.
[314] كما في الكافي 1: 476، كشف الغمّة 2: 212، الدروس 2: 13.
[315] لم أعثر على هذا التاريخ لشهادة الإمام عليّ‏بن موسى الرضا، ولعلّه من سهو القلم والصحيح: سابع شهر رمضان كما في جامع المقال: 189.
[316] بحار الأنوار: 49: 293 نقلاً عن العدد.
[317] إعلام الورى: 303.
[318] كما في جامع المقال: 189، المناقب 4: 379، كشف الغمّة 2: .343 وفي الأخيرين: «ليلة الجمعة من شهر رمضان».
[319] حكاه الشهيد في الدروس الشرعيّة 2: 15، وعنه في بحار الأنوار 50: 15.
[320] كما في المناقب 4: 379، والكافي 1: 492.
[321] رواه العلّامة المجلسي في مرآة العقول 6: 109 عن مصباح الشيخ، ولكن قال في المصباح: 767: «وروي: أنّ يوم السابع والعشرين منه ولد أبو الحسن عليّ‏بن محمّد العسكري(ع)».
[322] حكاه في المناقب 4: 401، وعنه في بحار الأنوار 50: 114.
[323] كما في الكافي 1: 497 - 498، والمناقب 4: 401.
[324] ما روي هو: لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومأتين. كما في الكافي 1: 503، والمناقب 4: 422، وكشف الغمّة 2: 402.
[325] حكاه في جامع المقال: 189.
[326] كما في الكافي 1: 514، وكشف الغمّة 2: 446، والدروس الشرعيّة 2: 16.
[327] كمال الدين وتمام النعمة: 432 - 12/433 باب ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان....
[328] مفاتيح الجنان،ص578.نقلاً عن سنن بن داود.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54958
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16