• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عندما يهبط سعر النفط !! .
                          • الكاتب : د . صادق السامرائي .

عندما يهبط سعر النفط !!

ماذا ستفعل الدول النفطية وأنظمتها عندما يصبح سعر برميل النفط بضعة دولارات؟!
 
فالنفط في حالة إنزلاق سعري وسيهبط إلى بضعة  دولارات مستقبلا , وسيستمر على هذا السعر لسنواتٍ عديدة قادمة , بسبب الأزمة الإقتصادية المتفاقمة , والتي لن يجد العالم منها مخرجا بسهولة , لأنه لا يعالج أسبابها الحقيقية , وإنما ينشغل بالتفاعل مع النتائج والتداعيات الناجمة عنها , والمتواصلة حتما , لأن ضخ المليارات لن تحل هذه الأزمة على الإطلاق , بل ريما ستزيد من تعقيداتها وتفاعلاتها السلبية في المجتمعات النفطية.
 
وفي هذا الزمن الصعب على الدول النفطية أن تتساءل عن مدى قدراتها الإقتصادية وإمكانيات تواصلها , وأن لا تكون ضحية لذريعة ضخ الأموال في الأسواق بحجة معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم , والتي سيكون لها نتائج خطيرة على الدول الضعيفة إقتصاديا.
 
إن معظم الدول النفطية لم تتطور إقتصاديا لأنها ما بنت القواعد الأساسية لإقتصاد بلا نفط , وإنما اعتمدت في تفكيرها وخططها على النفط , وتحت وهم أن أسعاره بإزدياد , وأن الحاجات العالمية ستزداد أيضا , ووفقا للتصورات الكثيرة بأن النفط يمكنه أن يتوفر لأكثر من قرن , وأن العالم سيبقى معتمدا عليه كمصدر رئيسي للطاقة . 
 
ومعظم الدول النفطية ألغت قوة العقل الإبداعية وإمكانية تصنيعه لمصادر بديلة للطاقة النفطية , بينما أصبح الوقت مؤهلا لتوفير البدائل العديدة للنفط , ولا أظنها فترة طويلة حتى نجد المحركات والآلات التي تعمل بطاقة أخرى غير النفط. 
 
وهذا يعني أن النفط سيفقد قيمته الإقتصادية ودوره في الحياة , أو أنه سيفقد الكثير من أهميته التي إكتسبها في القرن العشرين , لأن القرن الحادي والعشرين لن يكون قرن نفط بقدر ما سيكون قرن إبداعات فائقة وبنوعية جديدة , ستنقل البشرية إلى مراحل أخرى متقدمة من التفاعل اليومي , أكثر مما فعلته الكومبيوتر ببرامجها المتسارعة التطور.
 
ومن هنا فأن الدول النفطية ستصبح في مأزق , إن لم تتدارك وضعها الإقتصادي وتضع خططها وتبني تفكيرها على أن سعر النفط سيكون أقل من عشرة دولارات , حتى وإن بقي السعر أكثر من هذا , وأن تهتم بأرصدتها المتوفرة حاليا لأنها لن تكسب أكثر منها , وأن تتعلم كيف تستثمرها لصالح بلدانها ورفع مستوى معيشة الفرد فيها.
 
أي أن عليها مراجعة خططها وأفكارها ونظرياتها , وتتحرك وفقا لواقع حال القرن الجديد , وتتحرر من أفكار القرن العشرين , وتتخلص من تصوراته التي ما عادت ذات قيمة ودور في حياة هذا القرن , الذي يحمل على ظهر ربعه الأول ما لا يحصى من التساؤلات والتصورات , التي ستضعه على سكة مسير آخر لم تعهده البشرية من قبل.
 
فالدول النفطية بحاجة إلى تركيز أنظارها ونشاطاتها وإستثماراتها في بلدانها  , وأن لا تتوهم بالإستثمارات الخارجية لأن في ذلك مخاطرات وخيمة العواقب , أقلها أن تذهب جميع أموالها في مهب الريح بحجة أو بأخرى.
 
ولابد لأصحاب رؤوس الأموال  أن يستيقظوا من أحلام يقظة النفط وما يدره من أموال , لم يتعاملوا معها بعدل وإنصاف وما شاركوا أبناء بلدانهم فيها , وإنما إحتكروها وأمعنوا بالإسراف والتبذير الذي لا مثيل له , فأفقروا شعوبهم وأذاقوها الويلات , وأطعموها عناءا يوميا وقحطا شديدا , وهي تسعى فوق النفط. 
 
فقد عاشت البلدان النفطية إحتكارا نفطيا عائليا وكرسويا على مدى القرن العشرين ولا تزال, ولهذا لم نجد فيها نعمة النفط , بقدر ما رأينا نقمته في معظمها وخصوصا العراق ثاني أو ثالث دولة نفطية في العالم. 
 
فأموال النفط كانت تعني دوما شراء أسلحة عفا عليها الزمن , وخالية من قدرات مواجهة الأسلحة الحديثة , وإنما هي أسلحة فقدت صلاحيتها للعمل في الدول التي تصنعها , وبدلا من إتلافها والتخلص منها يتم بيعها للدول النفطية , التي ستشتري عوضا عنها بعد حين وهكذا دواليك , حتى وجدنا العراق وفي أعلى ميزانية في تأريخه يدخل حربا شعواء لمدة ثمان سنوات متواصلات مع جيرانه , فأستخدمت أموال النفط لدماره وأبناء شعبة والدخول في دوامة المآسي والويلات.
 
ومن خلال قراءة السلوك الإقتصادي لبلدان النفط على مدى القرن العشرين , يظهر بأن النفط لم ينفعها أكثر مما أضرها, إلا فيما قل وندر. 
 
فهو الذي شل عقلها الإقتصادي وحرمها من التفاعل الجاد مع الحياة , وعزلها عن الصراعات الإبداعية القائمة في الأرض , وإنتقل بها إلى حالة الجمود والتراخي وعدم الإعتماد على النفس ,  وإنما على برميل النفط. 
 
ولولا هذا الإعتماد لما دخلنا حروبا ولما حصلت التداعيات المؤلمة في بلداننا. 
ولهذا فأن هبوط سعر النفط ربما سيكون مفيدا للأجيال القادمة , لأنها ستعتمد على نفسها وتبتكر وسائل عيشها وأسباب بقائها القوي . 
 
وحالما تعتمد على نفسها وتتخلص من الإتكال على النفط , ستجد بأنها قادرة على التفوق والإبتكار وبناء أسس وجودها الحضاري ,  الذي يعبّر عن عقلها المبدع وطاقاتها الخلاقة , وسيكون لها مكانا مرموقا في مسيرة الإنسانية جمعاء. 
 
وبفقدان النفط لقيمته ودوره ستعيش بلدانه بسلام وتتذوق طعم الحياة , وستخرج من قاع آباره المظلمة السوداء كلونه المقيت ورائحته الكريهة.
 
وستقرؤون الفاتحة على كل بئر نفط لئيم لم ينفع أبناء أرضه على مر السنين , بل أحرقهم وحولهم إلى بعض نفط. 
 
فتبا للنفط وويلاته , ورحم الله قرنا كان برميل النفط فيه سيدنا ومستعبدنا ومدمرنا وسارق ذكائنا , ورغم ذلك يسموننا دولا نفطية , ولا يُعرف ماذا بقصدون بذلك؟!!
 
منشورة في 12\8\2008 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54588
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16