ماذا ستفعل الدول النفطية وأنظمتها عندما يصبح سعر برميل النفط بضعة دولارات؟!
فالنفط في حالة إنزلاق سعري وسيهبط إلى بضعة دولارات مستقبلا , وسيستمر على هذا السعر لسنواتٍ عديدة قادمة , بسبب الأزمة الإقتصادية المتفاقمة , والتي لن يجد العالم منها مخرجا بسهولة , لأنه لا يعالج أسبابها الحقيقية , وإنما ينشغل بالتفاعل مع النتائج والتداعيات الناجمة عنها , والمتواصلة حتما , لأن ضخ المليارات لن تحل هذه الأزمة على الإطلاق , بل ريما ستزيد من تعقيداتها وتفاعلاتها السلبية في المجتمعات النفطية.
وفي هذا الزمن الصعب على الدول النفطية أن تتساءل عن مدى قدراتها الإقتصادية وإمكانيات تواصلها , وأن لا تكون ضحية لذريعة ضخ الأموال في الأسواق بحجة معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم , والتي سيكون لها نتائج خطيرة على الدول الضعيفة إقتصاديا.
إن معظم الدول النفطية لم تتطور إقتصاديا لأنها ما بنت القواعد الأساسية لإقتصاد بلا نفط , وإنما اعتمدت في تفكيرها وخططها على النفط , وتحت وهم أن أسعاره بإزدياد , وأن الحاجات العالمية ستزداد أيضا , ووفقا للتصورات الكثيرة بأن النفط يمكنه أن يتوفر لأكثر من قرن , وأن العالم سيبقى معتمدا عليه كمصدر رئيسي للطاقة .
ومعظم الدول النفطية ألغت قوة العقل الإبداعية وإمكانية تصنيعه لمصادر بديلة للطاقة النفطية , بينما أصبح الوقت مؤهلا لتوفير البدائل العديدة للنفط , ولا أظنها فترة طويلة حتى نجد المحركات والآلات التي تعمل بطاقة أخرى غير النفط.
وهذا يعني أن النفط سيفقد قيمته الإقتصادية ودوره في الحياة , أو أنه سيفقد الكثير من أهميته التي إكتسبها في القرن العشرين , لأن القرن الحادي والعشرين لن يكون قرن نفط بقدر ما سيكون قرن إبداعات فائقة وبنوعية جديدة , ستنقل البشرية إلى مراحل أخرى متقدمة من التفاعل اليومي , أكثر مما فعلته الكومبيوتر ببرامجها المتسارعة التطور.
ومن هنا فأن الدول النفطية ستصبح في مأزق , إن لم تتدارك وضعها الإقتصادي وتضع خططها وتبني تفكيرها على أن سعر النفط سيكون أقل من عشرة دولارات , حتى وإن بقي السعر أكثر من هذا , وأن تهتم بأرصدتها المتوفرة حاليا لأنها لن تكسب أكثر منها , وأن تتعلم كيف تستثمرها لصالح بلدانها ورفع مستوى معيشة الفرد فيها.
أي أن عليها مراجعة خططها وأفكارها ونظرياتها , وتتحرك وفقا لواقع حال القرن الجديد , وتتحرر من أفكار القرن العشرين , وتتخلص من تصوراته التي ما عادت ذات قيمة ودور في حياة هذا القرن , الذي يحمل على ظهر ربعه الأول ما لا يحصى من التساؤلات والتصورات , التي ستضعه على سكة مسير آخر لم تعهده البشرية من قبل.
فالدول النفطية بحاجة إلى تركيز أنظارها ونشاطاتها وإستثماراتها في بلدانها , وأن لا تتوهم بالإستثمارات الخارجية لأن في ذلك مخاطرات وخيمة العواقب , أقلها أن تذهب جميع أموالها في مهب الريح بحجة أو بأخرى.
ولابد لأصحاب رؤوس الأموال أن يستيقظوا من أحلام يقظة النفط وما يدره من أموال , لم يتعاملوا معها بعدل وإنصاف وما شاركوا أبناء بلدانهم فيها , وإنما إحتكروها وأمعنوا بالإسراف والتبذير الذي لا مثيل له , فأفقروا شعوبهم وأذاقوها الويلات , وأطعموها عناءا يوميا وقحطا شديدا , وهي تسعى فوق النفط.
فقد عاشت البلدان النفطية إحتكارا نفطيا عائليا وكرسويا على مدى القرن العشرين ولا تزال, ولهذا لم نجد فيها نعمة النفط , بقدر ما رأينا نقمته في معظمها وخصوصا العراق ثاني أو ثالث دولة نفطية في العالم.
فأموال النفط كانت تعني دوما شراء أسلحة عفا عليها الزمن , وخالية من قدرات مواجهة الأسلحة الحديثة , وإنما هي أسلحة فقدت صلاحيتها للعمل في الدول التي تصنعها , وبدلا من إتلافها والتخلص منها يتم بيعها للدول النفطية , التي ستشتري عوضا عنها بعد حين وهكذا دواليك , حتى وجدنا العراق وفي أعلى ميزانية في تأريخه يدخل حربا شعواء لمدة ثمان سنوات متواصلات مع جيرانه , فأستخدمت أموال النفط لدماره وأبناء شعبة والدخول في دوامة المآسي والويلات.
ومن خلال قراءة السلوك الإقتصادي لبلدان النفط على مدى القرن العشرين , يظهر بأن النفط لم ينفعها أكثر مما أضرها, إلا فيما قل وندر.
فهو الذي شل عقلها الإقتصادي وحرمها من التفاعل الجاد مع الحياة , وعزلها عن الصراعات الإبداعية القائمة في الأرض , وإنتقل بها إلى حالة الجمود والتراخي وعدم الإعتماد على النفس , وإنما على برميل النفط.
ولولا هذا الإعتماد لما دخلنا حروبا ولما حصلت التداعيات المؤلمة في بلداننا.
ولهذا فأن هبوط سعر النفط ربما سيكون مفيدا للأجيال القادمة , لأنها ستعتمد على نفسها وتبتكر وسائل عيشها وأسباب بقائها القوي .
وحالما تعتمد على نفسها وتتخلص من الإتكال على النفط , ستجد بأنها قادرة على التفوق والإبتكار وبناء أسس وجودها الحضاري , الذي يعبّر عن عقلها المبدع وطاقاتها الخلاقة , وسيكون لها مكانا مرموقا في مسيرة الإنسانية جمعاء.
وبفقدان النفط لقيمته ودوره ستعيش بلدانه بسلام وتتذوق طعم الحياة , وستخرج من قاع آباره المظلمة السوداء كلونه المقيت ورائحته الكريهة.
وستقرؤون الفاتحة على كل بئر نفط لئيم لم ينفع أبناء أرضه على مر السنين , بل أحرقهم وحولهم إلى بعض نفط.
فتبا للنفط وويلاته , ورحم الله قرنا كان برميل النفط فيه سيدنا ومستعبدنا ومدمرنا وسارق ذكائنا , ورغم ذلك يسموننا دولا نفطية , ولا يُعرف ماذا بقصدون بذلك؟!!
منشورة في 12\8\2008