العراك والاقتتال مفردتان تدلان على ضرب من ضروب العداء.. هذا ما عهدناه بهاتين المفردتين، لكن..! في مجلس نوابنا -الذي أغلق أبوابه قبل يومين أمام أكثر من ثلاثين مليون طارق، هم بأمس الحاجة اليه في ظرفهم الحرج- لايبدو أن المفردتين تعكسان مايمارسه فعلا تحت قبته، إذ أن مايحدث هناك ليس أسلوبا عدائيا، بل هو طبيعة على أعضائه اتباعها والتطبع بها، بغية تمرير مايحلو لكتلهم وأحزابهم -وآمريهم- تمريره، وإبعاد مالايرغبون تمريره، وللتغطية على هاتين الحالتين، يتبعان أسلوب المخاصمة التي تتفاقم فتصبح عراكا، وبذا ترفع الجلسة الى إشعار مسمى او غير مسمى.
أقول: (الله لايجعلها غيبة) إذ قد يحتسب الحديث اليوم عن برلماننا غيبة.. فهم يتمتعون بإجازتهم، في وقت ينام فيه مهجرون ونازحون تحت رحمة البرد القارس وقلق الغرق فيما ستسببه الأمطار التي حتما ستهطل على رؤوسهم الحاسرة من سقف يحميها. هي إجازة فصلية كان حريا بمجلس النواب إرجاؤها الى حين، كما كان يرجئ إقرار القوانين ويؤجل القراءات تلو القراءات، لاسيما وأنها الإجازة الفصلية الأولى التي قضى نصف الفصل التشريعي الأول بين تشكيل وتبديل وتحضير، ولم يسجل حضور لإنجاز قانون يصب في صالح البلد والمواطن، الذي لم يعد هذا الديدن غريبا عليه، فعلى مايبدو أنه متناسل من فصل الى فصل.. ومن دورة الى دورة.
وبعودة بالذاكرة الى الدورات السابقة، أظنني أقارب حقيقة الوصف لو شبهت قاعة اجتماعات المجلس بحلبة مصارعة، فقد سجل التاريخ في الدورتين السابقتين، كيف صال وجال خلالهما أغلب لاعبي حلبة البرلمان كما شاءوا يمينا وشمالا.. صعودا ونزولا.. صالحا وطالحا.. حلالا وحراما. ومارسوا فيها أحدث الصيحات، لاسيما الخارجة عن قانون الألعاب جميعها، وحتى قانون الأخلاق والأعراف والمهنية، إلا القليل النادر من بعض الخيرين الذين يمكن عدهم بأصابع اليد الواحدة -لااليدين-.
أما أغرب الغرائب ان رئيس هذه الحلبة كان طيلة الفصل التشريعي الأول، بعيدا بعض الشيء عن المشاكل التي عصفت بالعراق والعراقيين، ولم تكن المصائب التي صرعت كثيرا منهم بين فقيد ومصاب ومهجر ومسبي ومغتصب ومسلوب، إذ كان التعامل مع هذه الحالات كما نقول: (من بعيد لبعيد)، ولم يضع أصبع الشفاء على الجرح الذي مافتئ ينزف من العاشر من حزيران المنصرم، فالخوف -كل الخوف- أن تكون العدوى من رئيس المجلس السابق قد أصابته. وهناك مثل نردده نحن العراقيين سأستند عليه وأتكئ على فحواه، يقول المثل: (إذا حچيت خلي شاهدك حاضر). إذ أول شاهد على التماهل في عمل رئيس المجلس هو مصيبة الموازنة، وأظن اللجوء الى الأمثال في مقالي هذا ينفعني كثيرا ويقرب ما أريد الوصول اليه، فالمثل الثاني يقول: (يابو حسين چنت بوحدة صرت باثنين)، فقد كانت بالأمس موازنة عام واحد، واليوم هي مصيبة عامين، بعد أن انضمت موازنة العام 2015 الى قائمة المصائب المتأخرة، والتي يدفع ثمن تأخيرها المواطن اولا والمواطن ثانيا والمواطن ثالثا.
وفي كل الأحوال.. سواء أتصارع النواب أم كانوا مجازين.. أو في كافتريا المجلس.. أو في مكة لأداء فريضة الحج.. أو في دولة أجنبية للعلاج.. او في أخرى للاستجمام، فالحال على مابدا منذ ثماني سنين وعلى مايبدو اليوم، هو ذات الحال، فالطاس نفس الطاس.. والحمّام نفس الحمّام.. والنواب نفس النواب، والتغيير الذي كنا نرتجيه شمل الأسماء والوجوه ولاشيء سواها.
|