في أواسط الأربعينات من عمره.. حباه الله بشئ ليس بالقليل من الوسامة والبنية السليمة والقامة الممشوقة برزت كلها من خلال أناقة ملفتة. هو ليس وصفا لبطل سينمائي بل لرجل التقيته في إحد المطاعم في بغداد. كان يعزف على البيانو نغمات رائعة ويؤدي بصوته أحيانا أغاني لاتقل روعة عن عزفه. سألناه أن يؤدي بعضا من أغاني فيروز وبعض الاغاني الاجنبية فلبى الطلب سعيدا بأن أحدا كان يهتم لما يفعل، فقد كان يدرك إن معظم رواد المطعم منشغلون إما بالطعام أوالحديث الى الحبيبات أو الأصدقاء وربما لم يلحظ بعضهم وجوده ظنا منه إن الموسيقى إنما كانت تصدر عن جهاز تسجيل. بعد إن أنهى عمله، مر بالقرب من طاولتنا فإستوقفناه لنسأله عن موسيقاه، فأبدى ثقافة واسعة في مجالات عديدة، فتملك صديقتي الفضول ودعته لتناول فنجان قهوة ليحدثنا عن ابنته التي تدرس في احدى الجامعات في الخارج وولده الذي يدرس في إحدى مدارس بغداد. أخبرنا العازف بأنه إبتدأ العزف في البيت كهواية ثم تطورت لتكون عملا آخر بالاضافة الى عمله، وإن زوجته تعشق موسيقاه وتشاركه الغناء أحيانا. كان يتحدث عنها بكثير من الحب، رفيقة روحه التي شاركته حياته لأكثر من عشرين عاما. إزداد فضول صديقتي لتسأله عن الحب وهل يمكن أن يستمر كل هذه المدة بعد الزواج؟ أخبرنا بالكثير ولكن أهم مافيه هو إن زوجته مصابة بشلل الأطفال. إستغربنا ماقال فهذا يعني إنها كانت مصابة بذلك قبل الزواج فكيف اختارها إذن؟ لم يكن ذلك غريبا بالنسبة اليه ربما لأنه سؤال سبق وإن واجهه عدة مرات طيلة زواجه. قال إنه إلتقاها في الكنيسة وأعجبته بروحها الطيبة وثقافتها وثقتها العالية بنفسها والتي تميزها عن غيرها من النساء صحيحات الجسم، فوقع في حبها واختارها زوجة له ولم يكن الخيار سهلا، فقد كان عليه أن يخصص جزءا من وقته لمساعدتها في اعمال البيت حتى كبر الاولاد وشاركوه في ذلك. لم يخف إن زواجهم مر بالكثير من المطبات وانه كغيره من العلاقات الزوجية شهد بعض المشاكل لكن الحب بقي حيّا رغم ذلك ولم يندم يوما على زواجه بها.
لا أنكر إن قصة هذا العازف كانت أقرب الى الأفلام بالنسبة الينا، خصوصا في مجتمع كمجتمعنا لايتعامل مع المعاقين على إنهم أناس طبيعيين فكيف اذا كان الأمر يتعلق بالزواج واختيار شريكة الحياة. وعادت بي الذاكرة الى قصة زميل لي في الجامعة، أحبته إحدى الزميلات بجنون حتى إنها فكرت بالانتحار لتجاهله إياها. وعندما علم بالأمر، لم يستغل عواطفها بل أخبرها بكل لطف بأنه مرتبط بفتاة أخرى بينما أسرّ لنا بأنه لايرغب بها لأن أنفها ضخم وهو لايحب ذلك خصوصا في المرأة. وبعد سنوات التقيت زميلي فعلمت إنه قد تزوج من إمرأة جميلة وبأنف جميل لكنها حوّلت حياته الى جحيم، فغدا محطما.
في زمن يغص بالعنف والقتل والخوف والتعب، يصبح الحب هو نبض الحياة الوحيد والأمل الذي يبقي الإنسان حيا، فهل يمكن أن نتعلم عشق الروح التي تدوم أبدا ونغض الطرف عن جمال الوجه والجسد والذي مهما إستمر فسيندثر يوما ما؟؟ |