بسم الله الرحمن الرحيم
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{83}
تنعطف الآية الكريمة لتنقل شيئا من خبر ايوب "ع" ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) , ندائه "ع" لما فقد جميع ولده وماله وابتلي بتمزيق جسده من العلل والامراض , ( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ) , الضر له عدة معاني منها الشدة , وما يصيب الانسان من المكاره كالأمراض وفقدان المال والولد وغيرها , ( وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) , بعد ان ذكر ايوب "ع" ما اصابه في ولده وماله وجسده , وصف ربه جل وعلا بأقصى غايات الرحمة .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ{84}
تبين الآية الكريمة مؤكدة :
1- ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) : استجاب الله تعالى لندائه ( دعاءه ) "ع" .
2- ( فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ) : بالشفاء من مرضه .
3- ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ) : بأن احيا الله تعالى له ولده , ( وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ) , فيها عدة اراء منها :
أ) احيا الله تعالى له من ولده الذين قد ماتوا قبل البلاء . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
ب) أتاه الله تعالى ذرية من زوجته , بعد ان رجعت شابة . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
ثم ان الآية الكريمة في ختامها بينت امرين :
1- ( رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ) : كان ذلك رحمة منه جل وعلا على ايوب "ع" .
2- ( وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) : في قصته "ع" عبرة للعابدين الصابرين , وخصوا بالذكر لانهم الاكثر انتفاعا بها من غيرهم .
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ{85}
تنعطف الآية الكريمة لتذكر ثلاثة من الانبياء "ع" ( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ) , وتصفهم ( كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ) , على الطاعات , وشدة التكاليف .
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ{86}
أكدت الآية الكريمة على امرين بخصوصهم "ع" :
1- ( وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ) : يؤكد النص المبارك الى ان الله تعالى ادخلهم في رحمته , واختلف المفسرون في نوع هذه الرحمة , فمنهم من قال :
أ) انها منزلة من المنازل الخاصة , ومقاما من المقامات الرفيعة .
ب) انها النبوة في الدنيا والنعيم في الاخرة . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
ت) النبوة . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
2- ( إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ ) : عدهم النص المبارك من جملة الصالحين , وهي من ارفع المنازل والمقامات .
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ{87}
تنعطف الآية الكريمة لتذكر شيئا من خبر يونس "ع" , ومعنى " ذا النون " هو صاحب الحوت , ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً ) , غاضبا على قومه , لما شاهد من عنادهم وما قاساه منهم , لكنه "ع" هجرهم دون ان يؤمر بذلك , ( فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) , افضل ما قيل في ذلك ما جاء في تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني ( قيل أي لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر أو لن نعمل فيه قدرتنا وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في امر مراغمة قومه من غير إنتظار لأمرنا أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسمي ظنا للمبالغة ) , ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) , الظلمات ثلاث , ظلمة الليل , وظلمة البحر , وظلمة بطن الحوت , وتضمن النداء ثلاثة محاور :
1- ( أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ ) : يستهل "ع" دعاءه بتوحيد الله تعالى .
2- ( سُبْحَانَكَ ) : ثم ينزهه ويعظمه .
3- ( إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) : في ختام دعاءه "ع" يعترف بظلمة لنفسه بهجرة قومه دون أذن منه جل وعلا .
( عن الرضا عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال ذاك يونس بن متي ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه رزقه ومنه قول الله عز وجل وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه أي ضيق عليه وقتر فنادى في الظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله وقال عز وجل فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ{88}
أكدت الآية الكريمة على ثلاثة منحنيات :
1- ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) : ان الله تعالى استجاب لدعائه "ع" .
2- ( وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ) : ويؤكد النص المبارك ان الله تعالى انجاه من الغم , بأن قذفه الحوت على الساحل , وانبتت له شجرة اليقطين .
3- ( وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) : يؤكد النص المبارك ان الله تعالى ينجي عموم المؤمنين من كربهم وغمهم ومن كل شدة يقعوا فيها , اذا ما توجهوا اليه جل وعلا بالدعاء والتضرع , كما هي الحال مع يونس بن متي "ع" .
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{89}
تنعطف الآية الكريمة لتعرج على ذكر شيئا من خبر زكريا "ع" ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) , دعاه بقوله , ( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً ) , وحيدا , من غير ولد يرثني , ( وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) , يرى المفسرون في النص المبارك عدة اراء قد تلتقي في بعض المحاور :
1- ( وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) : الباقي بعد فناء خلقك . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
2- ( وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) : فإن لم ترزقني من يرثني فلا ابالي به . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90}
اكدت الآية الكريمة على عدة امور :
1- ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) : استجاب الله تعالى لدعائه "ع" .
2- ( وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ) : وكان الولد يحيى "ع" .
3- ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) : كانت زوجته لا تحيض فحاضت , وكانت عقيما , فولدت .
4- ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) : يؤكد النص المبارك انهم جميعا كانوا مبادرين الى ابواب الخير .
5- ( وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ) : يختلف المفسرون في النص المبارك , فمنهم من يرى :
أ) (ويدعوننا رغبا) في رحمتنا (ورهبا) من عذابنا . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
ب) لعل المراد الرغبة في الطاعة لا في الثواب والرهبة من المعصية لا من العقاب لارتفاع مقام الأنبياء عن ذلك . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
6- ( وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) : خاشعين مخبتين دائمي الوجل .
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{91}
تنعطف الآية الكريمة لتذكر مريم "ع" ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) , حفظته , ( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ) , حيث نفخ جبريل "ع" في جيبها , فحملت بعيسى "ع" , ( وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) , فكانت بذلك وابنها "ع" آية من آياته عز وجل , ودلالة من دلالات قدرته جل وعلا .
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ{92}
تؤكد الآية الكريمة ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ) , امة الاسلام والتوحيد , ( أُمَّةً وَاحِدَةً ) , غير مختلفة في ما جاء به الرسل والانبياء "ع" , ( وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) , لا اله لكم غيري , فوحدوني , واخلصوا العبادة لي .
وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ{93}
تبين الآية الكريمة ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ) , اختلفوا وتفرقوا في الدين , حتى صار كالقطع المتفرقة , ( كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ) , كل من تلك القطع المتفرقة او الفرق المتجزئة راجعون الينا , فنجازيهم .
فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ{94}
تؤكد الآية الكريمة ( فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) , كل من يعمل صالحا من الاعمال , وهو مؤمن بالله تعالى ورسله "ع" , ( فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) , لا يضيع عطاءه واجره وثوابه , ( وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ) , ان يأمر الله تعالى الحفظة الموكلين بكتابة الاعمال , فيكتبون عمله في صحيفة الاعمال . |