(( أمي باركي لي سأمسي حراً ..!! ، فمختار العصر تفضل عليّ كثيراً و اراحني مما أنا فيه من ثقلٍ و طولٍ .. !! ..)) هكذا باتت كلماتي الاخيرة قبل تقبيل عنقي برصاصة قيل عنها رصاصة الرحمة ، يااا لها من رحمة ..!! جعلت قلبي يرفرف كحمامة بيضاء يلاحقها مجموع من الغربان في سماء بلادي ، و الغريب أنّي معتاد على الفرار من الغربان على الرغم من اختلاف الوانهم ، فمنذ نوعومة اظافري افر و افر .. فما إن تسنمتُ الرابعة حتى حملت المناديل الورقية حول اشارات المرور او بين سيارات المسؤولين ، فهم يحتاجونها اكثر من غيرهم فايديهم قليلا ما تكون نظيفة ، و لكن الملفت للنظر انهم لا يحبون النظافة على الرغم من الوسخ الظاهر على ايدهم ، و كإنهم لم يقرؤوا أخباره ( ص ) عن النظافة فهي من الايمان ..!! فأرجع الى المقعد الثاني لسيارتهم لاتوسل بأولادهم المتخمين ليشتروا مني القطعة او القطعتين و بدل إن يحذروا آبائهم من القاذورات التي تلم بايديهم ، تجتاحني عيونهم الحائرة المتعجبة و كإني من كوكب المريخ او لستُ انساناً .. !! ، فتتصاعد صرخاتهم (( ما هذا المخلوق يا ابي ؟! فاليبتعد عنا ..!! يجلب لنا الوباء )) ، فبدل إن ايشتروا مني الماديل .. اقسم لهم بكل النواميس أني انسان !! لربما لن يصدقوا كلامي لكني القي عليهم الحجة من كوني انسان ، فتجتاحني الحيرة بعد رحيلهم عني و يسأل عقلي قلبي (( أ لأن قصري يختلف عن بيوتهم ؟! )) ، فامي من بنته من صفائح الدهن الفارغة التي كنا نجمعها من مزبل بيوتكم ، اتذكر يومها وجدتُ شكلاتا ممزوجة ببعض بقيا التراب (( كم كانت لذيذاً ؟! )) و لكن للاسف لم اظفر إلّا بقضمة واحدة منها فقد انهالت عليّ الحجارة و الصراخ (( متشرد .. متشرد .. قذر )) و لكنها اكملت بناءه .
(( علي ... علي .. علي !! زال الزيتوني و جاءتْ مسبحة )) هذه صرخات اخي الاصغر تناديني معلنة ساعة التحول ، فقد كفانا الله شر الزيتوني و استبدلناه بمسبحة ... بمسبحة من السندلوس او الكهرب !! ، (( حسين.. نور عيني .. ارجع الى امنا فهي ترى بعينيك و خذ لها هذا الطعام ، و لعلي اظفر ببيع وفير عند اشارات المرور فالكثير يريد ان يمسح يده فالمسبحة تصرخ من وسخ ايدهم .. )) ، بعد ان رجع اخي الاصغر حسين الى قصرنا شاهدتُ سيارات المسؤولين عند اشارة المرور و قد ابدلوا الزيتوني بمسبحة !! .. كم كانت تتألم حينها ؟! فكل حبتٍ تُتُلَقف كانت تستبدل صرختها ب(( الغوث الغوث خلصنا من النار يارب ..)) ، اخرج أحد المسؤول راسه من السيارة و ناداني و خلفة شباب ثلاثة مزالوا يظنون اني من المريخ ، فهذا حالهم منذ كانا في الرابعة فلم يتغير إلا الزيتوني و قد استبدل بمسبحة !! ، و لذلك صرختُ باعلى صوتي (( يعيش العراق .. يعيش العراق .. اصبحتُ انساناً فقد زال الزيتوني ..)) ، فاخبرتُهم بزوال الزيتوني و اني انسان ، و ستورق اغصان اللبلاب و تتسلق الثريا و سادخل المدرسة و اصبح مهندساً ابني العراق و ابدل خارطة قصرنا فهي مليئة بالاحزان باخرى يغمرها السعادة ، و و .. ، فبينما كنتُ منشغلاً بحلمي عن نظراتهم و باتت انيبهم تجثم على صدري و يحدقون فيّ و كأنهم ارادوا تمزيق الحلم ، فنعتوني بالمتحول المجنون و لكن بصوتٍ يشبه صوت المسبحة ، فأستدركتُ كلامي عندما تذكرت قول أمام العراق (( تغيير الوجوه التي لم تجلب الخير )) ، و التغيير قادم لا محالة ، فعليكم بالمناديل لتزيلوا الوسخ حتى نعيش بسلام ، فهربت سياراتهم من اشارة المرور و كإني القيتُ عليهم المعوذتين ، فلم يأخذوا المنايل مني ولو بالمجان و تركوا لي وريقة صغيرة على الرصيف فحواها (( العراق يناديك في سبايكر فيجب تلبيت نداء الوطن و ارحنا )) ، بعدما قرأتُ هذه الكلمات جال في تفكيري (( الوطن ..!! الوطن ..!! يناديني أنا ..!! كيف يناديني و انتم تقولون اني لستُ انساناً فهل الوطن ينادي ألفي شاب و لكن ليسوا بشراً ؟! و هل الوطن ينادي فقط المتحولين كما تقولون ؟! و لماذا الوطن لا ينادي اولاد المسؤولين ؟! )) ، فتناسيت ذلك بل بات الفرح يطرق بابي و كإن قلبي يتكهن بفتوى الواجب الكفائي و تربة هذا الوطن محرم على داعش ، فودعت امي و قبلت كفيها و اوصيتُ حسين بها ، فكانت صرخات امي زغاريت عريس ليلة زفافه ، و كإنها هي الاخرى تنبأت بالجهاد الكفائي ، و لما سارت بي السيارة لتكريت شممتُ رائحة الخيانة على هيأة (( مسبحة و زيتوني ))، حتى وصلتُ معسكر سبايكر بصحبة الفي شاب ، فكنا جميعاً فرحين و لا نعلم لماذا ؟! فالظاهر ان الهم الذي كان يجثم على صدورنا سيزال ، و لذلك اقنعنا ضباط بان نرجع الى بيوتنا و سنكافأ و لكن بشرط واحد أن نقدس الزيتوني و المسبحة ، فانتابنا الهلع حينها فالنقيضان لا يجتمعان فكيف أجتمعا في سبايكر (( زيتوني و مسبحة )) ، صرخ الفي جندي بصوتٍ واحد (( هيهات منّا الذلة ))
اعناق من معي تطايرت الى الخلود و هي تهتف (( سلاماً يا عراق )) ، حينها جاءني رجلان كان احدهما يرتدي زيتوني و خمس انواط شجاعة و الاخر يرتدي بدلة سوداء و يمسك مسبحة شاهدتها عند اشارة المرور ، و قبل اني ينهيا - الله اكب...- ناديتُ :
(( أمي خذي اصحاب الوجوة التي لم تجلب الخير الى لاهاي ..)) |