• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أسحار رمضانيّة (23) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أسحار رمضانيّة (23)

   {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.
   اذن، فكما انّه لا يكفي ان يكون عندهم التوراة والإنجيل، ما لم يقيموها، كذلك، لا يكفي ان نمتلك القران الكريم ما لم نقيم آياته وأحكامه، كيف؟.
   اولا، وقبل كل شيء، يجب ان نعرف سرّ القران الكريم، لنعرف بعد ذلك كيف نقيمه في واقعنا، وعلى مختلف الأصعدة، الاجتماعية والسياسية والإدارية والأخلاقية والاقتصادية وكل شيء.
   ولمعرفة سر القران الكريم وفلسفته، تعالوا نقرأ بعض الآيات الكريمة التي تُرشدنا للجواب، منها مثلا:
   {قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ}   {هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} {   وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}  {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}   {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}.
   القرآن الكريم، اذن، كتاب هداية وبشرى وحياة طيّبة وشفاء ورحمة وموعظة، وكل ما من شأنه ان يحقق السلم الأهلي القائم على التعارف والتعايش والتعاون، على أساس الحق والعدل والإنصاف.
   هذا يعني، ان كل من يقدّم لنا القران الكريم على هذا الأساس وبالاعتماد على هذه القيم، فهو إنما أصاب الهدف فعرف حقيقة هذا الكتاب، اما الذين يستقرئون القتل والتدمير وإلغاء الاخر والحقد والكراهية والتمزق والخوف والرعب والتمييز العنصري والديني والمذهبي وتمزق المجتمع والتعاون على الإثم والعدوان، يستقرئون كل ذلك من آيات القران الكريم، فهم ليسوا اكثر من كونهم مصداق قول الله عز وجل {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.
   والآية اعلاه، تشير، بالاضافة الى طريقة ضعاف النفوس في التعامل مع القران الكريم، وكيف انهم يبحثون عن المتشابه لتضليل الرأي العام، تشير كذلك الى وجوب العودة الى (الراسخون في العلم) لمعرفة كنه آيات الكتاب العزيز، وهم اهل البيت عليهم السلام، فهم اعرف الناس بما {خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الاَْنْبيَاءُ في أُمَمِها، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً، بِغَيْر طَريق واضِح، ولاَعَلَم قَائِم، كِتَابَ رَبِّكُمْ فيكُمْ مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ، مُفَسِّراً جُمَلَهُ، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ، بَيْنَ مَأْخُوذ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى العِبَادِ في جَهْلِهِ، وَبَيْنَ مُثْبَت في الكِتابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم في السُّنَّهِ نَسْخُهُ، وَوَاجب في السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص في الكِتابِ تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل في مُسْتَقْبَلِهِ، وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ، أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ، ومُوَسَّع في أَقْصَاهُ} على حد قول أمير المؤمنين (ع) الذي يتحداهم بقوله {أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ}.
   ليس من المعقول ان الله تعالى نزّل الكتاب ليعيش الناس في بحر من الظلمات، ابدا، فهو كتاب حياة مستقرة ونور ومعرفة واطمئنان، الم يقل رب العالمين {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} فكيف يريد الإرهابيون الذين يستنبطون الخوف والرعب والقتل من القران الكريم إِفهامنا بانهم أصابوا الحقيقة بمثل هذه القراءات السخيفة والمنحرفة؟ والله تعالى يقول {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}.
   ليس من حق كل من هب ودب ان يقرا لنا القران الكريم. وليس من حقهم ان يستنبطوا منه ما يرونه مناسبا لتحقيق أغراضهم المريضة، ابدا.
   ان فهم القران الكريم لا يكون بمثل هذه القراءات السخيفة ابدا، وإنما بالتدبّر المجرد عن الأهواء والشهوات والأغراض الدنيئة فقوله تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} لا يتحقق على يد أنصاف المتعلمين المشبوهين في معارفهم وولاءاتهم وارتباطاتهم وأهدافهم، اولئلك الذين يقدّمون لنا قراءات قرآنية صوّرٓت كتاب الله تعالى وكأنه قرارات للسلخ والجلد والتدمير ونشر الكراهية والتكفير والذبح على الهوية.
   لقد تحدث القران الكريم عن آياته بقوله {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} فهل ان القتل والذبح والتمييز والتفجير والتدمير ونشر الكراهية، هي من احسن ما ذكره لنا القران الكريم؟ الم يقل رب العزة {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}؟.
   انهم مصداق قول الله تعالى {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} فالكتاب الذي وصفه الله تعالى بقوله {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} حوّله الإرهابيون والمتزمّتون وأنصاف المتعلمين وكأنّه يهدي للتي هي أعوج وأسوأ، للاسف الشديد.
   ان كل قراءة للقرآن الكريم، وان كل فهم لآياته، وان كل استنباط من سوره، لا يقدّم لنا حياةً افضل ومستقبلا احسن، لهي قراءة كاذبة بكل تأكيد، والدليل على ذلك قول الله تعالى {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} ولذلك ينبغي ان نرفض كل من يقدم قراءات قرآنية تزيد من معاناتنا وتأخرنا وتخلفنا، كما ينبغي ان نرفض فلا نصغي لمثل هذه النماذج المتخلفة التي تعيش الماضي بعقلياتها، من خلال قراءاتها المنحرفة التضليلية المدمّرة.
   وكل رمضان وانتم بخير.
   20 تموز 2014
                       للتواصل:
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=48845
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 16