لم يكن ـ الآن جرينسبان ـ مهتما بالزمن إلا في حدود توثيقه لملامح الحالة الديموجرافيه التي يعاني منها العالم منذ عقود , ولم يتحدث عن تاريخ ذهبي بل يتحدث غالبا عن فرص ذهبية خلقها ويخلقها الإنسان في مقابل عيوب ومساوئ وأعراض النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي , الذي ألقى ظلال البطالة ليس على أوروبا وأميركا بل تم تصديره إلى باقي بقاع المعمورة في زمن يتناسب مع حركة الرأسمال العالمي , وتحت ذرائع النظام الاقتصادي المعولم , الذي بدأنا نشعر به منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي , وحديث الدكتور العسكري ( أغسطس / 2008 ) يسهم في تناول هذا الهم العربي المشترك وآفاقه المستقبلية الخطيرة وضغوطه المتعددة .
ففي حين يشهد الغرب معركة العمالة الماهرة , وسبل استقدامها والاستفادة منها لسد فراغ المستوى العام للتقاعد في البلدان الصناعية الكبرى الآخذة بالتصاعد , والتي تَعتَبِر إنتاج مؤسساتنا ومعاهدنا التعليمية العربية خير معين لها في رفد إمبراطوريتها الصناعية بفئة من العمالة الماهرة والمتدنية الأجر , في هذا الوقت كذلك نشهد اللامبالاة والاعتباطية الغير مسؤولة التي تعاني منها وزارات التخطيط في البلدان العربية , وعدم مقدرتها وكفاءتها للاستفادة من هذه الطاقات التي اختنقت نتيجة التفاف حبل البطالة الذي ألقته تلك الوزارات على أعناقها .
يتعرض الاقتصاد الحر في فترات متفاوتة إلى حالات من التضخم أو الكساد يعقب احدهما الآخر , ولعل لهذا الأمر أسباب متعددة , أبرزها اعتماد المنافسة الحرة في ظل موازنة العرض والطلب المتغيرة على الدوام مما يؤدي إلى تباطىء معدلات النمو الاقتصادي العام , بحيث يمكن لأحد هذه الإخفاقات أن يطيح بأنظمة سياسية واقتصادية كما حدث في فترة الكساد الأعظم 1929 أو نظير ماحصل في أميركا ( أيلول / 2008 ) بما عرف بإفلاس بنك ( ليمن برذرز ) , حينها تدخلت الحكومة الفيدرالية لتمنع سلسلة افلاسات متتالية كادت أن تحصل في مؤسسات مالية تحتكم على مجمل النشاط الاقتصادي الأمريكي , مضفية عليها شروط تتلاءم مع حجم العجز الذي تعتبر العمالة والتشغيل من اكبر أسبابه , بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرها الدكتور العسكري , كاستمرار العمل لمن هم في سن التقاعد بفعل عامل تباطؤ نمو عامل الخبرة وتقلص المواليد .
وفي ظل هذا التنامي المستدام للتضخم والبطالة يصبح من المتعسر المحافظة على التفوق الاقتصادي والاجتماعي للغرب , وعند ذاك نصبح أمام فرصة ذهبية لاستدراج الطاقات والعقول العربية وغيرها للعمل في قطاعات الاقتصاد العربي , إلا أن ذلك لايتم إلا من خلال منظومة اقتصادية متكاملة وخطة عمل موحدة قد تكون اللجان الاقتصادية المتخصصة المنبثقة من مجلس التعاون الخليجي خير محل لها . |