لم يكن لك ذنب سوى أن أبنك علياً إمامك، وأنك وحدك من كنت أبا لمحمد ص واله وعلي، وهما أبوا هذه الأمة المرحومة بهما، لم يكن ذنبك أيها الشريف سوى شرفك، سوى فقرك الذي سترت سوأته بوجهك الكريم، أيها المكي الذي يبحث عن مترٍ في الحجون لينام فيه، لم يكن ذنبك أمام السلطة التنفيذية في دار الندوة سوى أنك كنت معارضا حقيقيا لعبودية الانسان، لهذا حاصروك ثلاثاً...لو أنك تقدمت للترشيح بالتنازل عن رقبة محمد ص واله لجعلوك نجيفيَّ برلمانهم القريشي التعيس، حينها سوف يصرفون لك المنافع الاجتماعية ويعيّنون لك ثلاثين فارساً امام بيتك ...او ربما اقترحوا عليك ان تتسلم رواتبهم جميعا وتكلّف علياً ولدك بحمايتك...وأنى لمن يحامي عنه عليُّ أن يُضام.

ذنبك ايها الجبل الأشم ان كنت شهما في زمن اذلت التجارة كل رجال الاعمال والأفعال، ذنبك أنك كنت الحسير في زمن البطولات الكاذبة، وأنْ كنت الاسد بين نمور من ورقٍ برديٍّ يلف وجه مكة بالأصنام...ذنبك انك كنت البيت العتيق بين وجوههم الخاوية، لهذا لم يطوفوا حولك الا ليبحثوا عن نافذة للولوج الى بيتك ليقتلوا النبوءات، كنت الدستور الحقيقي الذين يحترمونه إذا حضر...ويكفّرونه إذا غاب...كنت ابن عبد المطلب حين رددت افيالهم عن بيتك الصغير...وكنت عبد منافهم الذي فتح جناحيه ليضمان وجه اليتيم محمد ص واله...

سيدي أبا طالب، ياصاحب المنعة..لوكنت أبا لمعاوية لأخذت قريش التراب من تحت نعلك الشريفة ليضعونه فوق رؤوسهم ويلطخوا فيه جباههم...لوكنت أبا هند لما إحتجت أن تخرج من دارك!!..لوكنت صهرا للوليد لما عرف الناس الفرق بين الشرف والعهر...لكنك اخترت ان تكون ابا طالب...ابا الايتام الذين ابتدأوا بمحمد ص واله وانتهوا بالحجة بن الحسن عج... اخترت ان تبايع علياً صغيرك وكبير الدنيا والاخرة بعد محمد ص واله...لكن ياسيدي ياابا طالب...ايها العزيز...افتقد عينيك اللتين اغمضتهما يد الموت وعام الحزن حين طرق بابك خجلا لتبدأ الهجرة الى الله...قل لي ياسيدي: أي منظر أحزن قلبك الكبير وأنت تنظر الى الذئاب وهي تتجمع قرب بابك لتأكل ماأنبتت يداك في مكة المكرمة ...قريش تنظر اليك كمن ينظر الى راعٍ لاتغمض عيناه عن رعيّته، منظومة استخبارات دار الندوة والأمن الاقتصادي لرحلة الشتاء والصيف ينظران اليك كمن ينظر الى سوق قريش للاوراق النقدية، كل موقف منك يضر برأسمالهم الذي يصعد وينزل بين القبائل، ايها المؤمن بربك والكافر بقريش التي أدمنت الفكر القومي السياسي...ايها الباحث عن الانسان في دولة الذئاب الملتحية...ايها الواقف بصدرك امام رماح الجاهلية...هم أرادوا أن يقتلوك او يخرجوك..لكنك ياكافل اليتيم آثرت أن تموت وحيدا ...آثرت ان تخفي إيمانك عن كفرهم...ان تخفي صلتك بالسماء نكاية بأهل الأرض...اعلم ان روحك تسجد حتى الان بين الركن والمقام لتعود تلثم باب بقائك امام الركن اليماني حين دخلت طاهرتك فاطمة بنت اسد لتخرج بعد ثلاث بعلي العظيم...اعلم ان روحك مازالت تبحث حتى الان عن قبر مفقود وضلع مكسور هناك...اعلم ان عينيك لم تنغلقا الا بعد ان امتلأت حدقتاها بالطمأنينة...يكفيك انك مؤمن قريش....والكافر بقريش.