هناك مجموعة من الشعائر العبادية التي شرعها الشارع المقدس و في مجموعها حالة من التوسل و التوجه بها الي الله عز و جل و في صميم المركز التوحيدي و هو بيت الله الحرام حيث يقول تعالي: (إِنﱠﱠ أَوﱠﱠلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنﱠﱠاسِ لَلﱠﱠذِي بِبَكﱠﱠةَ مُبارَكاً وَ هُديً لِلْعالَمِينَ* فِيهِ آياتٌ بَيﱢﱢناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).
ففي الآية مزج بين مسألتين الاولي ان البيت الحرام هو اول بيت وضع للعبادة و للحج، و المسألة الثانية ما يحويه هذا البيت من آيات بينات مثل مقام ابراهيم، و الامان بالنسبة الي داخليه و للحجاج و المعتمرين، فان الحج في اللغة هو القصد، و في الشرع هو القصد الي بيت اللّه الحرام، قصدا الي الوفود على اللّه تعالى، فالحج الذي هو ضيافة رحمانية للوافدين و قصد الى الله تعالى جعل مقرونا بآيات الانبياء و الاصفياء، ليكون دليلا و شاهدا علي ان التوجه و السير الى اللّه تعالى يتم بالتوجه بانبيائه و اصفيائه، و التوسل بهم الى الله عز و جل، و ما شابه ذلك،
و نحاول ان نتكلم هنا عن هذه الآيات البينات و هي كثيرة:
الاولى: مقام ابراهيم عليه السّلام:
قال تعالي (وَ اتﱠﱠخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلى). فالتعبير (بمقام) في قوله تعالى (وَ اتﱠﱠخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلى) عبارة عن التفخيم و التعظيم لذلك المكان، و ذلك لمماسته لجسد ابراهيم عليه السّلام، و من ملامح تعظيمه ان الحاج و المعتمر لابد ان يتوجه اليه في حال صلاة الطواف ثم الى سمت الكعبة، فاذا كانت الحال هذه فكيف لا يتوجه بنفس ابراهيم عليه السّلام و بشخصه علما بأن حجر المقام ما نال التشريف إلا بابراهيم عليه السّلام، و قد عبر عن المقام و قد جعل آية، فكيف نمنع ان يكون ابراهيم آية، فما هذا إلّا عناد و مكابرة و صد عن آيات الله عز و جل.
الثانية: حجر اسماعيل، و قد ورد في الروايات ان فيه قبر اسماعيل و أمه و سبعون نبيا، و الملاحظ ان جميع المسلمين يطوفون بالبيت الحرام و يطوفون بهذه القبور، و قد أمر ابراهيم و اسماعيل بتطهير البيت بنص القرآن، مع ان اسماعيل هو الذي جعل قبر أمه في الحجر، فاذا كان الحال ذلك في مركز بيت التوحيد، و هو بيت الله الحرام، أول بيت وضع للناس، فكيف يقال ان الطواف بالقبور عبادة لتلك القبور، و مع كل ذلك يصف الباري عز و جل ان هذه من الآيات البينات و انها هدى للعالمين.
و لسنة أهل الجماعة عدة روايات دالة علي ان قبر اسماعيل في الحجر منها:
1- الدر المنثور للسيوطي 3/ 103 و قد اخرجه عن ابن عساكر بسنده عن ابن عباس.
2- الدر المنثور للسيوطي 1/ 126 اخرج عن ابن سعد في الطبقات و غيره انه لما توفي اسماعيل دفن في الحجر مع أمه.
الثالثة: المستجار أو الملتزم، و فيه آية بينة مرتبطة بأصفياء الله تعالى و منتجبيه حيث انشق جدار الكعبة لفاطمة بنت اسد عندما ارادت الولادة بالامام علي عليه السّلام في قضية مشهورة معلومة، و هذه آية بينة ظاهرة في ولادة الامام علي عليه السّلام، و استلام المستجار و الملتزم من الكعبة من الشعائر المستحبة بين عامة المسلمين.
الرابعة: السعي بين الصفا و المروة، و فيه آية مرتبطة بأولياء الله تعالي، و قد روي في قوله تعالي (إِنﱠﱠ الصﱠﱠفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللﱠﱠهِ فَمَنْ حَجﱠﱠ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطﱠﱠوﱠﱠفَ بِهِما) «1» و في سبب تسمية الصفا و المروة أن آدم لما نزل علي الصفا سمي الصفا، لان آدم كان صفي اللّه،
و لما نزلت حواء علي المروة سميت مروة، و هي مشتقة من المرأة.
و في تشريع السعي يذكر انه كان تأسيا بالسعي الذي قامت به هاجر بين الصفا و المروة من اجل تحصيل الماء لابنها اسماعيل.
الخامسة: بئر زمزم، حيث سن الشرب من زمزم بعد الطواف، و قصة نبوع ماء زمزم مشهورة حيث نبع الماء بفعل تحرك و فحص اسماعيل برجله في حال كونه رضيعا.
الى غير ذلك من الآيات الاخرى كالوقوف بعرفة و المزدلفة ورمي الجمرات و الذبح و سبب تشريعها و تسميتها، فنلاحظ ان جميع تلك الاعمال و الشعائر التي يأتي بها الانسان في بيت التوحيد و في حرم التوحيد ما هي إلّا اعمال قد ارتبطت بالانبياء و الاصفياء، و نحن عند ما نأتي بها مرتبطة بهم مع كون تلك الاعمال هي نحو من التوجه بهم الي اللّه تعالى، و بذلك نحن نسير علي وفق خطاهم و نهجهم في تلك الاعمال و الافعال تطابق النعل للنعل، و هذا مما يدلل علي ان الوفود اليه سبحانه و تعالي لا يكون إلّا بالتوجه و التوسل باولئك الانبياء و الاولياء في الافعال و الاعمال. |