تقع الحوادث لنا و من حولنا, نتفاعل معها نؤثر فيها ونتأثر بها . و قد تكون الحوادث عبارة عن تجليات متنوعة لفكرة واحدة وان بدت مختلفة أو غير مترابطة ومتناسقة , والخطأ الذي نقع فيه هو المظهرية و الفردانية الحلقية , حيث نعالج الظاهرة باعتبارها مستقلة فردية متجزئة مركزين على الحلقة الوحدوية مع تجاهل ارتباطها بحلقات أخرى مشكلة سلسلة تقيد واقعنا لتوجهنا الوجهة التي تريدها الفكرة في إطار نمطي متقولب فمثلا ظاهرة الأكل السريع غير الصحي , ينظر إليها الكثير على أنها ظاهرة قائمة بحد ذاتها مستقلة عن باقي الظواهر الاجتماعية مثل ظاهرة الاغتصاب وظاهرة العنف وظاهرة الانتحار ... صحيح أنها ممكن أن تؤثر في باقي الظواهر وقد تتأثر بهم لكن ليس لدرجة أن تكون هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر المختلفة عنها وربما التي ليس لها بها أي علاقة ولا رابطة بأن يكونوا كلهم عبارة عن تجليات مظهرية لفكرة واحدة قوامها قد يكون التيه في تجلي الحل الآني السريع
والفكرة قد تتموضع حضاريا فتتجلى في مظاهر حضارية تتفاعل مع جملة السلوكيات الاجتماعية تؤثر فيها وتتأثر بها لتعطينا حضارة متكاملة, وقد تتموضع الفكرة أعرابيا فتتجلى في مظاهر أعربية لتنطلق في سلسلة من الاهتزازات والاختلالات في الجسد الحضاري فيتشقق ويتصدع لتنهار الحضارة وتسقط
وفي كلا التموضعين تنطلق الفكرة لتتوالد ذاتيا و تتجلى مظهريا في قيم وسلوكات وأفعال وتصرفات تكشف فيها نفسها بمقدار معين يسمح لها بالتشكل والتجذر والتغلغل دون لفت انتباه حتى لا يتم تضييق الخناق عليها وتعطيل فعاليتها
والتجلي هو انتقال الفكرة من عالم الأفكار إلى عالم الواقع , تتحول من التجريد إلى السلوك لتتفاعل مع المجتمع مؤثرة فيه وبه , فالفكرة في عالم الأفكار ليس لها حياة ولا موت يكتنفها الإبهام والغموض لا تميز ولا تشخص مثلها مثل الحيوان المنوي لا يعرف أي حياة يحمل هل حياة ذكورية أم أنثوية , هل يحمل عنصر الحياة أم يحمل عنصر الموت هل يحمل روح الحضارة أم يحمل روح الأعربة , انه يتحرك في طريق معلوم حتى يصيب بويضة العقل فيتلاقح معها لتتولد الفاعلية الاجتماعية للفكرة والتي تكشف نفسها تباعا بحادث هنا وحادث هناك ومظهر هنا ومظهر هناك وظاهرة هنا وظاهرة هناك حتى تسيطر على الواقع وتصبح السيدة الأولى بلا منازع وتتحول من ورم صغير قد لا يلاحظ في الثدي لا يعرف نوعه هل هو حميد أو خبيث إلى الانتشار في كامل الجسم بعد تعطيل دفاعاته وإبطال مضاداته الحيوية فيصبح جسد منخور منهك قد تم أعربته بالكامل
والفكرة في عالم المثل متربعة على عرشها تمارس أحديتها , فكرة واحدة خيرة وان كان كل قوم يعرفها باسم معين فالأسماء التي تعرف بها هي صفات , فان تجلت في أرض الواقع فان تجسدها يكون في جدلية متناقضة فالفكرة ذرة نواتها موجبة الشحنة في الوسط هي الحضارة وسحابة من الشحنات السالبة تدور حول النواة وهي التيه الأعرابي ويتم الأمر في تفاعل تداولي لتتجلى الفكرة هنا في شكل حضارة وتتجلى هناك في شكل سلسلة من التيه ألاعرابي المتسلسل والمتمظهر في جزيئات اجتماعية متفرقة لكنها مترابطة
والحضارة والتيه الأعرابي يتداولان على الإنسانية في سننية اجتماعية لا تحيد ولا تتوقف , وان كانت الحضارة تنشئ الإنسان المتكامل, الذي نجح في جمع ما تبعثر من إنسانيته فرأى في المعوقات والصعوبات وسائل مساعدة لإثبات ذاته لغيره مبرهنا حكمة اختيار الذات الالهية له للخلافة , فالذات الالهية اختارته دون غيره من المخلوقات التي تفوقه قوة وعلم وقدرة ليقيم صرح الخلافة في المعمورة بتجسيد الحضارة في مسيرة الإنسانية التي تخطوها مرة تقوم فتقوم حضارة ومرة تقع فتتيه وسط الفساد وسفك الدماء في صيرورة مدارية تداولية
ومن الخطأ التفرغ لتحليل التجليات المظهرية الجزئية ومحاولة علاجها بمعزل عن الفكرة فمعالجة الأعراض لن يشفي من المرض كالتركيز على عرض الحمى لدى المصاب بالتهاب اللوزتين ومعالجته بمخفض للحرارة فقط دون المضادات الحيوية
وكما أن للبر أدواته الخاصة به وراحلته وطرقه وخرائطه وعلمه وفقهه وللبحر أدواته وراحلته وطرقه وخرائطه وعلمه وفقهه المختلفة عن ما للبر فان زمن الحضارة يختلف عن زمن التيه وعدة الحضارة تختلف عن عدة التيه و الطبيب الذي يصف نفس الدواء لكل المرضى لا يشفيهم إن لم نقل سيقتلهم وكما أن البحار الذي يركب سفينة في البر ويعتمد في رحلته على خرائطه البحرية يتهم في عقله مثله مثل الذي يمتطي حصان أو جمل ويخوض به عباب البحر فهو منتحر لا مسافر كذلك الأمر بالنسبة لمن يوصف وصفات أخذها من علماء وفقهاء الحضارة ويريد تطبيقها في زمن التيه وقد يبرز في زمن التيه رجال صادقون يريدون إحياء الحضارة بوسائل الحضارة وهو حلم جميل يضيعون الجهد والعمر ويسرقون الحلم دون تحقيق شيء يذكر كالفلاح الذي يحاول ان يزرع في الماء بعد أن غرقت أرضه , والمجتمع السليم الراشد الذي عاش الحضارة يتحول في زمن التيه إلى جسم مليء بالسموم لا ينفع معه النظام الغذائي أو الدوائي الأول حين كان سليما بل يجب أن يكون له نظام دوائي وغذائي مختلف مع عملية تخليص الجسد من السموم
ومجتمعنا في زمن التيه يجب أن يدخل في عمليتان العملية الأولى نظام علاجي مكثف خاص وفي نفس الوقت عملية إزالة السموم منه وهذا العمل لا يقوم ب إلا من أوتي الحكمة في العقل وأوتي السلامة في القلب وأوتي القوة في العمل وأوتي الأمانة في الطرح بوقفة رؤوف |