- 29 –
النهر يتمدد في أحضان الضفاف
وتتناغم أمواجه على إيقاع إرادة صوت أحلامه
والأجيال البشرية تنشر أريج عبقها
وأنسام عشقها وحبها الرقراق
فوق أكتاف النهر الموشى بالإخضرار
المنطلق نحو غاياتٍ ذات جمال
وعلى الضفة عاشقان
يغرقان في نهر القبلات
ويذوبان في رحم المكان
فيتحولان إلى وجود واحد
وكأن النهر يصيخ السمع لأنفاسهما وأشواقهما
ويتحسس حرارة العواطف
ووهج العشق المشعشع النيران
والأطيار تحلق فوق الأمواج
والنهر يحرس طقوس الحب ويصونها بأمان
فهل تمتع النهران بعناق العاشقين
وهل تنعما بالحب والذوبان الإنساني
في لحظات الإنتماء الخلاق
أظن دجلة والفرات يتشوقان
لعاشقين يبثان الأشواق
ويترجمان الأحاسيس والمشاعر
في مهرجان تفاعل إنتمائي ولاّد
لو رأى النهران الإنسان يعانق الإنسان لإبتهجا
وانطلقا في مسيرة صناعة المسرات والأحلام
لكنهما محاطان بالدموع والأحزان
النهران يشربان الدموع
وتطمرهما زوابع الحسرات
ويقتلهما نزيف صاخب
دفاق يزهق أرواح الأمواج الفتانة
ويشلها فتبدو بلا قسمات
فهل سنبتسم لبعضنا
لكي يبتسم النهران!!
- 30-
عجيب أيّها النهر
على ضفتك عاشت عائلة
حرفتها قطع الرؤوس
توارثتها عبر أجيال
لكنها توقفت بعد أن ألغيت عقوبة الإعدام
إنها حرفة كأية حرفة
فحالما يتم إصدار الحكم على المتهم
تتولى العائلة مراسيم قطع الرأس
وفقا لطقوس ومهارات لا يعرفها غيرها
وإسم العائلة "ستوسو"
وقد ألّف أحد أحفادها
كتابا عن تأريخها
وكيف إحترفت المهنة وتعلمت أسرارها
وجمعت زبائنها
فكم عجيب زبون هذه العائلة؟!!
وكم من الرؤوس إنقطعت
في قاعة الذبح المريح
للذين وجب عليهم الموت
وحين قلّ زبائنها أو إنعدموا
أصاب مهنتها الكساد
وتحولت أجيالها إلى مهن أخرى!
أ ليس غريبا سلوك البشر؟!
كاتدرائيات ومقاصل
وبيوت جميلة ولوحات إنطباعية
وأغاني وأعراس وترانيم سرور
وعويل وأحزان
وإندحار في النار
ما هذا الخليط السلوكي
أيها النهر الجاري منذ ولدت الأرض
وفار تنور الحياة
وتقلص رحم الوجود
فأنجب المطلق الحي
أ هو الغثيان السلوكي
وإبداعات أمّارة الأسوء
التي تمتلكنا وتحتدم فينا؟
أجب أيها النهر المخمور بالإنسان!!ّ |