بسم الله الرحمن الرحيم
فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{74}
تنهي الاية الكريمة ان يجعل لله تعالى ذكره اشباه ( امثال – شركاء ) , فأن الامثال تضرب لتشبيه حال بحال ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ ) , انه جل وعلا يعلم جواهر الاشياء وبواطنها , سرها وظاهرها ( إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ) , بينما انتم لا تعلمون ذلك ( وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) .
ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{75}
ضربت الاية الكريمة مثلا ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً ) , ولهذا المثل تطبيقات وتشبيهات كثيرة لعل ابرزها :
1- المؤمن والكافر .
2- العالم والجاهل .
3- الشخصان الواردان في المثل لم يستويا رغم اشتراكهما في الجنس والخلق , فحري بالاصنام التي هي جمادات , عاجزة عن الكلام والفعل , لا تضر ولا تنفع , بل لا تملك الدفاع عن النفس , فحري بها ان لا تشابه وتماثل الباري جل وعلا القادر المقتدر على كل شيء .
وجهت الاية الكريمة سؤالا مباشرا بعد ان ضرب المثال ( هَلْ يَسْتَوُونَ ) , كلا لا يتساوون , ينبغي لقاريء القرآن الكريم والمستمع اليه ان يجيب على مثل هذه التساؤلات , لان القران الكريم موجه للجميع في كل زمان ومكان , ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) , الحمد والشكر والثناء له وحده جل وعلا , لا يستحقه غيره , ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) , لا يعلمون تلك الحقائق , فينسبونها الى سواه جل وعلا .
وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{76}
تضرب الاية الكريمة مثلا اخر يوازي المثل السابق في المعنى والمضمون , ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ ) , ولد اخرس , لا يفهم ما يقال له ولا يستطيع ان يفهّم غيره , ( لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ ) , كالعمل والحرفة والصنائع وسائر التدابير الاخرى , ( وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ ) , عبأ ثقيل على ولي امره , ( أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ ) , لا ينجح بالقيام باي مهمة مهما كانت صغيرة , ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) , فهل يتساوى ولد بهذا الحال مع اخر في كامل الخلقة , سليم العقل والجسم , ينطق ويفهم , كافيا نافعا , يأمر بالعدل والاحسان والخير , ( وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) , ذو دين وسيرة صالحة .
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{77}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : كل ما غاب وخفي علمه واضمرت اسراره عن العباد .
2- ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) : يدل النص المبارك ان قيام الساعة امرا هينا عليه عز وجل ( إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) كسرعة رجوع الطرف من اعلى الحدقة الى اسفلها او هو اقرب او اسرع من ذلك , فأنه يتبع الامر الالهي ( كن فيكون ) .
3- ( إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) : هو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى , ( فيقدر على أن يحيي الخلايق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجا ) ." تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{78}
تبين الاية الكريمة ان الله تعالى بقدرته وحكمته اخرج الانسان جنينا صغيرا من بطن امه بعد انقضاء مدة الحمل , في ذلك الحين لم يكن يدرك ويعي ما حوله , بقدرته ولطفه عز وجل ركب فيه الحواس او وسائل الادراك والعلم والمعرفة ( الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ) , فبدأ يكتسب المعرفة تدريجيا بمرور الزمن , ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) , تدركوا وتستيقنوا وتعوا نعمته , فتشكروه عليها .
أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{79}
تضرب الاية الكريمة مثلا اخر , ( أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء ) , الا تروا ان الطيور مذللات مسخرات مهيئات للطيران , بما وهبن وهيأ لهن الباري جل علا اسباب التحليق في الافاق من اجنحة وريش وذيل , ( مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ ) , ما يمسكهن و يمنعهن من الوقوع الا الله تعالى بما هيأ لهن من الاسباب ( فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها ) " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" , ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) , ذكر المؤمنون هنا لانهم الاكثر انتفاعا بذلك , ففيه الدلالات على قدرته جل وعلا .
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80}
تبين الاية الكريمة ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً ) , موضعا للسكن والراحة والاستقرار , ( وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً ) , ما يصنع منه الخيام والمضارب والقباب , ( تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ) , سهلة يسيرة الحمل في السفر والاقامة ( الحل والترحال ) , هينة في نصبها واقامتها , ( وَمِنْ أَصْوَافِهَا ) , الغنم , ( وَأَوْبَارِهَا ) , الابل , ( وَأَشْعَارِهَا ) , الماعز , ( أَثَاثاً ) , يلبس او يفرش , ( وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ) , ينتفع فيه مدة من الزمان , او الى حين تعرضه للتلف بسبب حرق وما شابه , او فقدانه وضياعه او ان يسرق او يسلب بحرب وغيرها .
وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ{81}
تستمر الاية الكريمة في البيان , ونستقرأها في ستة موارد :
1- ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً ) : كل ما يستظل به من حر الشمس كالشجر والبناء والغمام ... الخ .
2- ( وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً ) : ما يسكن فيه كالمغارات والكهوف .
3- ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) : ثياب تقيكم الحر والبرد , وذكر الحر هنا بالخصوص لانه جل ما كان يهم الناس في ذلك المكان .
4- ( وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ) : كل ما يلبس في الحروب كالدرع او الجوشن وغيره .
5- ( كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) : ان كل ما تقدم في الايات الكريمة السابقة وما جاء في الاية الكريمة الحالية هو من تمام نعمته جل وعلا .
6- ( لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) : لعلكم تسلمون له جل وعلا بالتوحيد والطاعة وتنقادون لاحكامه .
فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ{82}
تبين الاية الكريمة للنبي الكريم محمد (ص واله) ( فَإِن تَوَلَّوْاْ ) , اعرضوا عما جئتهم به , ولم يقبلوه , ( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ) , فأنك قد بلغت عن الله تعالى ما ارسلت وكلفت به .
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ{83 }
تكشف الاية الكريمة ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ) , انهم كانوا يعرفون ويدركون نعمته جل وعلا , ( ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ) , يجحدونها اما :
1- عزة بالاثم .
2- حفاظا على وتمسكا بتراث الاباء .
3- حقدا وغيظا على ان يلي امور الناس بيت بني هاشم او واحدا منهم , لان الاسلام يستلزم طاعة الرسول الاكرم محمد (ص واله) ويقرنها بطاعة الله تعالى , ما يدعو الى ان تكون الزعامة والرياسة بيده (ص واله) , وهذا ما كان يرفضه الكثير من بيوتات قريش . |