تأريخ (آذار ـ نيسان 2003م) مفصل حاد في حياة العراق والعراقيين ..
التغيير طال كلّ شيء : (السلطة ، الحكّام ، المعارضون ، الشعارات ، التحالفات ، كابينة الأصدقاء والأعداء ، الأفكار ، المحرّمات والمقدّسات ، المرجعيّات ، المشاعر ، الرؤى ، الأمنيات والأحلام ، المميزات ، ...) .. والقائمة مفتوحة ..
حريّة التعدديّة السياسيّة في عراق التغيير فتحت الباب للأحزاب بالتكاثر الحقيقي والوهمي ..
أحزابٌ عتيقة ، وأخرى تولّدت بعد 2003 ، إلاّ أنها ـ وفي ظاهرة فريدة وجديدة ـ لا زالت جميعها بلا أدبيّات تذكر ..
أدبيّات تعرض لأيديولوجية الحزب ، لمنهجه السياسي ، لرؤاه ومعتقداته وأهدافه ، ..
وأدبيّات توضّح مواقف الحزب ومبتنياتها الفكرية ، تحليله للأحداث ، بسط رؤاه وتشريحها ..
أدبيّات تجعل الناس على بيّنة من أمرهم تجاه هذا الحزب أو ذاك ..
الأحزاب العتيقة إعتمدت إعادة تدوير ونشر لأدبيّاتها الصادرة قبل عشرات السنين .. وكأن دورة الحياة توقفت في ستينيّات أو سبعينيّات القرن الماضي !! أو كأن على العراق والعراقيين أن يعيشوا في كهوف قديمة مملوءة بنفايات فشل وركام مشاكل وقصص إخفاق وتعثّر عصيّة على العد والحصر !! في مؤشر محبط على تخلّف مستحكم في رؤية الأحزاب العتيقة ، ومراوحتها في مكان ما خارج مسار الحياة الطبيعية للعراق والعراقيين !!
والأحزاب الجديدة ـ كما يبدو ـ منشغلة جداً في حجز مكانٍ كافٍ بين كيانات الأحزاب العتيقة ، فليس من وقتٍ وجهدٍ يمكن (إهداره !!) في كتابةٍ أو تنظيرٍ (مقروءٍ أو مرئيٍّ أو مسموعٍ) ..
الجمهور العراقي ؛ وبسبب ما يضغط روحه وعقله وتطلعاته من قلق وخوف على الحياة والمستقبل بكل تفاصيل ذلك ، بات ذاهلاً عن استحقاقات كثيرةٍ في حياته مقابل سرابات لوعود بإزالة أسباب قلقه وخوفه المستمر ..
هكذا ـ ببساطة وتبسيط ـ تظل الأحزاب (العتيقة والجديدة على السواء) بلا أدبيّات يمكن أن تساعدنا على فهمها وتصنيفها والتفاهم معها ..
إذن لتنتهي جدالات امتدّت عن موقع الأحزاب في الأمة : موقع قيادة ، أم موقع حركة .. فكما يبدو أن قادة الأحزاب اليوم مقتنعون أنّ أحزابهم لا تعدو دكاكين تجارة ، وشركات مقاولات ، وبورصات للصفقات ، وصيرفات لغسيل الأموال .. وربما تكون أحياناً (خنادقاً وغرف عمليّاتٍ ما !!) .. ليس أكثر من ذلك .. فتكون الأدبيّات (باعتبارها نوع وثائق) أضواء كشف لتشوّهاتٍ ومناطق عفونةٍ وفساد لا يراد كشفها ، ولتظل حركة الأحزاب حرّة تماماً (شرقاً وغرباً ، ويساراً ويميناً ، وداخلاً وخارجاً ، ..) ..
|