لم تكن مدرسة (السيّد الخوئي) التي تخرّجتَ منها، يا أيها المظلوم، مدرسةً عاديّة؛ بل كان فيها عصارة تجارب التاريخ، واستعادة دائمة لسنّة رسول الله(ص وآله)، وسيرة أهل بيته الأطهار(ع) وقبل ذلك، فيها كتابُ الله، تتنزّل آياته في كلّ يومٍ، لتحاكي مشاكل الواقع وتحدّياته، وهموم الإنسان وتطلّعاته، ليُصبح الانتماء إلى الإسلام في تلك المدرسة، لا معلومات فحسب، وإنّما انتماء المنهج الذي تعرفُ فيه مواقع قدمك في كلّ ما تواجهه من مواقف قد يرسب فيها الكثيرون.
ولذلك، لم تهزّك الأسماءُ الكبيرةُ التي تعرّضتْ لمن أحببتَ حتّى جاريتَه في سبب الوفاةِ، عنيتُ به (السيّد)، فرمته بالضلال والخروج من الملّة والدينِ؛ لأنّك لم تسر معه من موقع عاطفةٍ، بل من موقع اختبارٍ لكل ذلك التاريخ الذي ثبت فيه وزلّت فيه قدم كثيرين، ورأيتَ صدقَه في التحدّيات والظروف الصعبة، مع المستضعفين تحت القصف والتدمير، وفي عمق المواجهة لكل مشاريع ضرب الحالة الإسلاميّة التي كان يبذل كلّ ذاته لأجل حمايتها، ويستعدي كثيرين في سبيل رعايتها.
يا سيد عبد المجيد وأنت تستهويكَ خطبةُ عليّ(ع) في وصف المتّقين.. تُردِّدُ على مسامعنا بعضَ فقراتِها حتّى نشعُر بأنّك تتوقُ إلى أن تكون واحداً منهم، وهم معدنٌ نادرٌ في الوجود، ولكنّه رهن الإرادة القويّة.
لم تأخذك في قول الحقّ لومة لائم، حتّى قارعتَ الكبار، ممّن سبقتَهم بالإسلام، وإن كنت لم تسبقهم في الموقع الاجتماعيّ أو السياسيّ أو غيره.
كان البحرُ الواسعُ مرتعك، وكانت السماءُ الممتدّةُ الأفقَ الذي ترنو إليه، وفي الوقتِ ذاتِهِ أنت تلتفتُ إلى أصغر البيوت المستورة التي تحتاج إلى كسرة خُبزٍ، فتراك تحمل إليها ما يُعيلُها من دون أن تخدش كرامتَها.
لستُ هنا في مقامِ مدحٍ، وأنا أدركُ أنّني لم أسق إلا القليل الذي ربّما يسوقُ أضعافَه الكثيرون ممّن عرفوك، وشهدت بذلك وجوه المؤمنين إذ يشيّعونَك إلى مثواك، أو يجتمعون في ذكراك، ولكنَّه بعضٌ من الذكريات فاضت عندما غادرتَنا، في وقتٍ بات الواقع يضنُّ علينا بأمثالِك، وبتنا نخاف أن نفقد البَرَكة من الله عندما يرحل عنّا الصادقون في النيّة والعمل.
دعني ـ في الختام ـ أقولُ: عندما نُراجع صحابة النبيّ(ص واله ) النجباء وأهل البيت(ع)، فإنّنا لا نراك تفرُق عن المقداد أو سلمان، أو حِجر أو الأشتر؛ لأنّ الصُّحبةَ ليست إلا صُحبة الخطّ والمنهج والفكر، والصدق والإيمان.
رحمَكَ الله يا رفيق العلماء، ومحبَّ المؤمنين، وراعي المستضعفين والفقراء. |