• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بغداد , يغسل وجهكِ المطرُ .
                          • الكاتب : نعيم ياسين .

بغداد , يغسل وجهكِ المطرُ

حين كنا صغارا , نفرح بالمطر , نلعب تحت وابله وطله , ورثنا الفرح بزخاته عن ابائنا واجدادنا وهم يرمقون السماء ويلهجون : اللهم زد وبارك , فمطرك رحمة للعالمين , تطهر به الارض , وتنمي به الزرع , وتروي به العطاشى من عبادك وخلقك . 
    ما اكثر الشعراء الذين رسموا ابهى الصور للمطر , واثروا من موسيقاه ومنظره مخيالهم الشعري حتى جعلوا للمطر نشيدا , وخاطبوه يعرضون عليه ربيع دنياهم ودبيب الحياة في رميم موتاهم بفضل وابله : 
                  وجئت يامطر ,
                 تفجرتَ , تنثّك السماءُ والغيوم ,
                 وشقّق الصخر ,
                 وفاض من هباتك الفراتُ واعتكر , 
                 وهبّت القبور , هزّ موتَها وقام 
                وصاحت العظام :
               تبارك الاله , واهبُ الدم المطر , 
               فآه يامطر .  
( السياب , من قصيدة مدينة السندباد )   
بغداد لم تعد تغسل وجهها بالمطر , لا لكره منها اياه , ولا لغنى في نفسها عنه ولكن بات غسيل المجاري فيها يلاعب ناصيتها ويعبث بشعرها , شوارعها غرقى وازقتها طافية طافحة , ولسان حال اهلها : اللهم امنع عنا قطر السماء . 
      بغداد واهلها , لم يعودوا يحرصون على الطرب بموسيقى المطر وهم يكتشفون سر غرق مدينتهم , يد تعبث بمجاريها فتسدها عمدا بالصخر والحجر , ويد توقف مكائن تصريف المياه , ويد تقطع التيار الكهربائي , ويد تسرق المال العام الذي ارصد لمشاريع البناء , ونواب فاسدون يقفون سدا بوجه تاهيل البنية التحتية بلا ضمير ولا شرف ولا دين ولا وطنية , فيما هم يقبضون ملايين الدنانير رواتب لعضويتهم في البرلمان .  
    الفلبين اليوم تعيش كارثة اعصار قاتل – كفانا الله شره - , والولايات المتحدة تعيش اعصار زادت سرعة الرياح فيه على ثلاثمائة كيلو متر في الساعة فخلف في دقائق الموت والدمار في عدد من الولايات , وعاشت اندنوسيا واليابان تسونامي لم يمر بها خلال اكثر من قرن , وكل هذه الدول تتعايش مع الكوارث ولها خطط للطواريء , وبغداد وعموم العراق لم يمر به ما مر بها لكن الفرق بننا وبينهم , انك لا تعثر على فلبيني او امريكي او ياباني او اندنوسي سد مجاري تصريف المياه بالحجر والصخور عامدا ليؤلب الناس على الحكومة , ولا تعثر على حزب او مسؤول يتخذ من الكوارث دعاية سياسية , بينما نعيش في العراق الاعتياش على الكوارث والازمات والارهاب والفساد , فهل يوجد في العالم انذل من بعض الذين يعيشون بيننا ؟ .  
بغداد لم تعد حريصة ان يغسل وجهها المطر بقدر ما هي تستغيث لانقاذها من الغرق . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=39505
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 11 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15