بعيدا عن التحليل الطائفي، وقريبا من التعبير الموضوعي للأحداث.. نقول ان هناك تشابها، بل تطابقا في النيات والمخططات ما بين الذي كان يفعله “الاخوان المسلمين” في اعتصامات رابعة العدوية، وما يحدث منذ شهور عدة في اعتصامات الانبار.
لقد احتشد الاخوان في رابعة العدوية تنفيذا لمخطط المرشد الأعلى للاخوان لأسلمة المجتمع المصري حتى لو كان ذلك بمباركة إسرائيلية واللعب على الوتر الطائفي والديني ضد الشيعة والاقباط في مصر، ولعل الدوافع الخارجية التي تقف وراء اعتصامات الانبار وسامراء هي الأخرى تهدف الى اسلمة المجتمع العراقي ليس على الطريقة الاخوانية، بل على الطريقة القاعدية والنقشبندية التي تكفر الآخرين وتشرعن العمليات الانتحارية والمفخخات والأحزمة الناسفة على طريقة الغداء مع الرسول ولقاء حور العين، وتعتقد بان قتل الشيعي والمسيحي هو أكثر أهمية من قتل اليهودي والإسرائيلي، وتكمن نقطة الخلاف مع هذا المشهد المتأسلم المتطرف ما بين العراق ومصر هو في كيفية احتواء ومعالجة هذه الظاهرة للحفاظ على الأمن الوطني ومكافحة هذا التطرف والقضاء على بؤره وخلاياه اليقظة والنائمة.
لقد نجحت الإرادة المصرية بسحق اعتصام الاخوان في رابعة العدوية وميدان النهضة، وحشدت لذلك عبر كل قوى ووسائل التواصل الجماهيري من اجل دعم القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع السيسي في اجتياح هذه البؤر التي خطط لها ان تكون نقطة انطلاق لأخونة المجتمع المصري، ولذلك فإن الجراح المصري نجح باستئصال هذه المؤامرة بالقوة المسلحة الهادئة المؤمنة والمساندة جماهيريا وإعلاميا وسياسيا، وبهذا فقد تم القضاء على هذه البؤر ومن ثم توالت العمليات المنظمة لاحتواء التظاهرات في المدن المصرية كافة، مع جهود مدروسة وجريئة لاعتقال كل القيادات المحرضة والفاعلة لعمليات الشغب، وبهذا نجحت القيادة المصرية بتجاوز هذه الأزمة محليا وانتقلت لكسب التأييد الإقليمي والدولي، فتحول الموقف الأمريكي والأوربي والافريقي، وتراجعوا عن تبني فكرة الاخوان في الاحتجاج على ما يسمونه الانقلاب العسكري، وأصبح الحديث عن إرادة الشعب المصري في عزل مرسي ونظام الاخوان.
اما ما جرى على الساحة العراقية، فقد نجحت القيادة العراقية بالقضاء على الإرهابيين الذين تستروا باعتصامات الحويجة، لكن هذه الخطوة لم يتم تطويرها وتفعيلها في الانبار وسامراء والفلوجة، وقد استسلم صناع القرار العراقي للحملات الدعائية والسياسية التي تعالت أصواتها إزاء ما حدث في الحويجة، ونجحت فعلا الدعاية المضللة من خلال المناورة السياسية التي كانت تركز على شرعية الاحتجاجات والمطالب الجماهيرية، وجعلت الحكومة تتردد في اتخاذ موقف امني وعسكري حازم إزاء هذه الاعتصامات برغم انها تعلم بان ما يجري داخلها من عمليات كبرى تخطط لها القاعدة وبقايا النظام السابق، ضمن إستراتيجية ودعم مالي خليجي وتركي وإسرائيلي ودولي.
ولذلك فان ما حصل بسبب التراخي للقضاء على هذه الاعتصامات المشبوهة بأنها بدأت الانتقال من مرحلة الدفاع والتعبئة إلى مرحلة الهجوم، وكانت أولى العمليات الهجومية الناجحة تهريب المئات من اخطر المجرمين والإرهابيين من سجني أبو غريب والتاجي، وتمكنت من خلال ذلك بإعادة ترتيب هيكلها التنظيمي وخططها الاقتحامية، وفعلا لاحظنا تصاعد العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة في بغداد وجميع المحافظات العراقية بما فيها كردستان، ودخلت للمرحلة الثالثة وهي محاولة اقتحام وإسقاط المقار الحكومية وخاصة في المناطق الغربية والموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك، مع عمليات نوعية في ضرب كل المنتسبين لأجهزة الحكومة او المتعاونين معها من عناصر الصحوات وشيوخ العشائر وآخرين من الناشطين السياسيين والعاملين في المنظمات الإنسانية.
لقد تأخرت الإجراءات في حسم هذه الاعتصامات ومثلها (ترك الغدد السرطانية تنمو بحرية في الجسد لتتمكن من التوسع إلى كل اعضائه)، وإذا كانت هذه المرة تستخدم الأسلحة التقليدية فان المعلومات المؤكدة تشير إلى ان المرحلة المقبلة ستشهد كوارث إرهابية تتمكن القاعدة من خلال وضعها الحالي وتمتعها بحرية الحركة والتنفيذ من ارتكاب جرائم إبادة جماعية قد تنجم من خلالها تقسيم البلاد واسقاط العملية السياسية إذا ما استمر صناع القرار بهذا المستوى المتردي في الأداء.
Firashamdani57@yahoo.com