لقد شاءت الحكمة الالهية، واللطف الرباني؛ النصر والصون والحفظ لمذهب التشيع مذهب أهل البيت عليهم السلام، رغم الحروب الطائفية الشرسة التي مرت عليه، والفتن الداخلية المختلفة، ورغم خطط المتربصين من أعداء الإسلام الحنيف، منذ زمان الغيبة الصغرى إلى يومنا هذا، في ظل بركة عناية مولى الوجود، ومنبع الفيض، إمام الزمان أرواح العالمين له الفداء، بجهود وجهاد كوكبة من الفقهاء العظام
تختلف رجالات الأمم في كل زمان ومكان، وحسب الطبيعة الخاصة لهذه الأمم والشعوب، فمن رجالات فكر وتحرر وشخصيات وطنية لها الدور البارز في إظهار الحقوق الإنسانية والمطالبة المستمرة بها. إلى رجال خطّوا بدمائهم صفحات التاريخ ليبقوا شعلة منيرة يستدل بها الأجيال ويهتدوا بخطواتهم نحو مجد وضعوه وما تركوه من إشراقة تتعطر بها صفحات الزمن.
وفقدان أي من هذه الشخصيات ذات الأبعاد الإنسانية، يعد خسارة كبيرة تصيب الناس أجمع لا فقط الحيز الذي كانت تشغله هذه الشخصيات، ما لهذه الشخصيات من أبعاد إنسانية مهمة، مهما كان تعاملها مقتصر أحيانا على المستوى الإقليمي أو ذا الإطار المحلي الضيق، فالإنسانية بحاجة دوما إلى أي بذرة ومهما كانت في سبيل إسعادها، والتقدم بها وحفظ كرامتها.
والتاريخ الإسلامي مليء بهذه الشخصيات العظيمة التي حاولت وما تزال الحفاظ على الخط الواضح للمنهج الإنساني، والعمل الدائم على دعم الحركة الإنسانية بكل جوانبها ومتطلباتها ومشاريعها. ذلك منذ قيام الدولة الإسلامية الأولى بقيادة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ثم إكمال هذا النهج بيد أبنائه من ذريته من أهل البيت صلوات الله عليهم، متجليا ذلك في الحضور الدائم للأئمة عليهم السلام وما مارسوه من التضحيات البالغة الجسام والدور الخطير في سبيل الارتقاء بالإنسان، وجعل كلمة الله هي العليا.
ولإتمام الدور الإلهي المنوط بهم في سبيل الإنسانية وخلق مجتمع كريم يليق بما أوصاهم به الله جل في علاه، انبرى أبناء المعصومين عليهم السلام إلى التصدي بكل طاقاتهم وشحذ هممهم في سبيل الدرب الذي خطّه لهم جدهم الاكبر الرسول الاكرم محمد ابن عبد الله صلوات الله عليه وآله وسلم، وما سار عليه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب سلام الله عليه، وما أظهره جليا الإمام الحسن الزكي سلام الله عليه، وما خلده الإمام الحسين في يوم عشوراء من معاني سامية وبطولة وتضحية فريدة، ولا يخفى دور الأئمة في التصدي الدائم للظلم والطغيان وقول كلمة الفصل بالحق، كل ذلك كان ملهما للعلماء الاجلاء من شيعة أهل البيت عليهم السلام ومن أبنائهم.
ولقد كان الدور البارز للحوزات العلمية في العراق كان ومازال متمثلا بحضوره الدائم والكبير على المستوى السياسي والاجتماعي والديني، وماله من ثقل واضح في صنع القرار والتصدي في اللحظة المناسبة لأعداء الدين والمذهب والإنسانية بشكل عام.
ومن خلال الفترات المتباينة التي مرت بها الساحة العراقية وما شهدتها من تغيرات واسعة ومختلفة جاءت تأثيراتها بشكل مباشر على جميع الدول والطوائف والشعوب الأخرى، ذلك منذ بداية القرن الماضي حيث نرى ان الشارع العراقي قد تصدى للإحتلال البريطاني بقيادة مراجعه الكرام.
ومن بين هؤلاء العلماء الأجلاء سماحة أية الله السيد علي البهشتي ( طاب ثراه )
حيث كان قدس سره نموذجا رائعا لما أراده الرسول الأكرم وأهل البيت صلوات الله عليهم، متمثلا ذلك بعلمه وعمله، بسيرته واجتهاده، بتربيته الروحية للأمة، بنهجه وسلوكه وأخلاقياته الفردية السامية، بأبنائه من ذريته وما خلفه فيهم وأستودعه لديهم.
كانت الأعين مشدودة والقلوب تهفو نحو ربيع الفكر ومساحة التجدد إلى سماحة آية الله السيد علي البهشتي لما يملكه من مؤلات خاصه العالم الرباني والفقيه الذي بذل للدين وخدمة أهل البيت ما بذل، فكان مسيرة حق تتجه نحو الله سبحانه وتعالى بكل إخلاص، في سيرته وأعماله وعلمه ونصيحته وإرشاده ووعظه وأخلاقه.
يمتاز سماحة السيد البهشتي (قده) بمنهج علمي متميز واسلوب خاص به في البحث والتدريس، ذلك انه كان يطرح في أبحاثه الفقهية والاصولية العليا موضوعا، ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله، ثم يناقشها دليلا دليلا، وما أن يوشك الطالب على الوصول الى قناعة خاصة، حتى يعود السيد فيقيم الادلة القطعية المتقنة على قوة بعض من تلك الادلة وقدرتها على الاستنباط، فيخرج بالنتيجة التي يرتضيها، وقد سلك معه الطالب مسالك بعيدة الغور في الاستدلال والبحث، كما هو شأنه في تأليفاته القيمة، بما يجد المطالع فيها من تسلسل للافكار وبيان جميل مع الدقة في التحقيق والبحث،
تدرج سماحته في نبوغه طالبا للعلم، فأستاذا، ثم مجتهدا ومحققا يعد المجتهدين، فما أن التحق في عنفوان شبابه بدورس الخارج وتقرير بحوث أساتذته على زملائه، سرعان ما عقب شيوخه في أروقة العلم، بالتصدي لتدريس بحث الخارج، فانهالت عليه هجرة طالبي العلم من كل مكان
يذكر الحجة السيد مهدي الخرسان دامت بركاته ، أن السيد البهشتي صحب السيد الخوئي قدس سره في سفره للندن في التسعين ، وعند عودة السيد الخوئي سئل عن السيد البهشتي ، فأثنى عليه ثناءاً جميلاً وأطرى عليه إطراءاً جليلاً لم أكن أتصور أنه يقوله في حق أحد قط.
كان موضع ثقة السيد الخوئي قدس سره ، فكان السيد الخوئي يحيل عليه الاستفتاءات للاجابة عليها.
نأى بنفسه عن المرجعية ، ورفض التصدي لها مع مكانته العلمية العالية وقد عده الكثير الأعلم بين الموجودين ألا أنه يرى اعلمية السيد السيستاني
حيث كان رفيق درب للسيد السيستاني ، واختص كل منهما بالآخر ، وكانت جل سفراتهما مع بعضهما وهو القائل ( أرجعت كل من سألني الى السيد السيستاني ) |