نثمن ونقدر كل خطوة وكل جهد يبذل لإشاعة السلم والأمان في بلدنا العراق, وبغض النظر عمن يطلقها أو يبادر لها ومهما كان توجهه فإننا نقدر له خطوته, وخصوصا إن كانت نابعة من منبع وطني خالص ولا يرتجي من وراءها كسبا سياسيا أو انتخابيا.
والحدث الأخير والذي يدخل في هذا الباب – باب الخطوات الايجابية- وهو الدعوة التي أطلقها السيد نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي وتمت مراسيمها وهي التوقيع على ما يسمى وثيقة الشرف والسلم الأهلي.
إن هذه الوثيقة يمكن أن يُنْظَر لها من زاويتين: الأولى الشرف والثانية السلم الأهلي.
ولنبدأ بالثانية قبل الأولى, فالسلم الأهلي وهو واضح من معناه انه سلم وتسالم بين عموم الشعب, ويمكن إدارته من خلال اجتماعات تعقد بين شخصيات مجتمعية لها بالغ التأثير وعمق الأثر في المجتمع, فبالإمكان أن يجتمع زعماء وشيخ العشائر والقادة الدينيون كممثلي المرجعيات الدينية لكافة الأطياف الدينية والمذهبية, وكذلك ممثلي الأحزاب بصفاتهم التنظيمية لا الحكومية وكل من له شان وتأثير في المجتمع كأساتذة الجامعات ورؤساء النقابات ...الخ.
ويكون للدولة ممثلة برموزها السياسيين في كافة سلطاته دور الحضور الراعي والمتابع لآلية التوقيع المجتمعي, فالسلم الاجتماعي مسالة مرتبطة بالمجتمع.
أما ما يخص الشق الأول من الوثيقة هو ما يخص "الشرف" نعم أضعها بين قوسي اقتباس, فالشرف بصورته الإجمالية لا يختزل بتوقيع, إن الشرف سلوك وخلق ورؤية سليمة لكل النبل الأخلاقية, الشرف هو حالة روحية وممارسة عملية, ولا يقتصر الشرف على ميدان واحد, فالشرف في الأقوال والأفعال, فالشريف لا يكذب ولا يخون ولا يسرق ولا ينتهك الأعراض ولا يغتصب ولا ينافق ولا يداهن على حساب الحق, والشريف أسرع الناس مساعدة للناس.
ومن ما تقدم يتبادر إلى الذهن سؤال هنا, لماذا يوقع سياسيو الحكومة على وثيقة الشرف والسلم, هل هم سبب المشكلة, وهل إن خلافاتهم هي التي فتكت بالقيم المجتمعية وجعلت نظرتنا طائفية بعضنا للآخر, إذا كان كذلك فنحن أمام مصيبة عظمى وفضيحة كبرى, فالموقعون ممن يشغلون مناصب تشريعية أو تنفيذية أو قضائية, هؤلاء الم يقسموا حال وصلوهم قبة البرلمان أو في سدة الحكم بالله إنهم سيصونون العراق: أرضه ومائه وسمائه, الم يقسموا بأنهم سيصونون الأمانة وإنهم سيحترمون جميع مكونات الشعب العراقي واقسموا على الحفاظ على ثروات العراق, فإذا كان كذلك نقول بعد القسم هل نحن نحتاج إلى وثيقة, أليس من يخالف قسمه يعتبر إنسان غير شريف وان الذي ينكث العهد إنسان غير سوي.
من خلال متابعه حفل التوقيع وجدنا الكثير من البروتوكولية, ولغة المجاملات ولغة الخطابة والكثير مما يدخل في اعتبارات جانبية تنسحب على جدية هذه الوثيقة وفائدتها والمغزى الحقيقي منها.
بقي أن ننظر إلى السادة الحضور ومن خلال كلماتهم ومجاملاتهم, وجدناهم منقسمين في النوايا, فبعضهم جاء لحصد مكاسب انتخابية - وبالمناسبة حتى المقاطعين ما قاطعو التوقيع إلا لأجل مكاسب انتخابيه عند قاعدتهم من الطرف الآخر- وبعضهم جاء ليجعل له اسما بين الحضور وبعضهم جاء بصوره برتوكولية ناشئة من خلال موقعه الرسمية ولم نجد من السياسيين إلا النادر ممن جاء لأهداف وطنية غايته العمل على حماية الشعب العراقي واغلب هذا النوع هم من الزعماء ممن لا يشغلون منصبا تشريعيا او تنفيذيا كسماحة السيد عمار الحكيم وبعض المتواجدين.
ومع كل القراءات التي قرءناها في ما مر سابقا يبقى الأمر الأهم هو جدية الموقعين على العمل بهذه الوثيقة, وآليات تنفيذها والسقف الزمني لهذا التنفيذ, وكذلك متابعة تلك الآليات, فالأمر يحتاج عمل ولا يحتاج إلى تجمعات خطابية, ويمكن الاستغناء عن هذه الوثيقة بتفعيل مؤسسات الدولة بكافة مفاصلها.
وأخيرا إن وثيقة شرف خالية من المضمون العملي والنية الحقيقة في تحسين الواقع, والعمل الميداني للتنفيذ, لا تشرفنا ولا تشرف العراق هذا البلد الثر والمعطاء, فالتاريخ سيكتب وصمة عار في جبين السياسة العراقية إن خالف الموقعون ميثاقهم كما خالفوا قسمهم. |