• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : في أصول الأمثال العاميّة .
                          • الكاتب : محمود كريم الموسوي .

في أصول الأمثال العاميّة

      نكاد لانجد حديثاً لكاتب ، أوشاعر ، أوسياسي ، أوفنّان ، إلا واستحضر المثل في حديثه ، ليسند رأياّ ، أو يوضّح موقفاّ 0

      وعرّف العرب المثل ، منذ زمن بعيد ، و دار على ألسنتهم ، حتى قال عنــــــــه حنا فاخوري بكتابه (تاريخ الأدب العربي ) : (المثل من أقدم الأبواب ألأدبية عهــــداً

ومن أكثرها شيوعاً) كما قال عنه جرجي زيدان بإصداره (تاريخ آداب اللغة العربية) (الأمثال من آداب العرب المهمة لأنها تجري على ألسنتهم مجرى الشعر) 0   

      والله سبحانه وتعالى ، ضرب لنا ألأمثال بكتابه العزيز ، لأهميتها في حياة الناس عموماً ، حيث لاتخلو أمة من ألأمثال المتوارثة ، وفي حياة العرب على وجــــــــــــه الخصوص ،فقال تعالى :(وَيَضرِبُ الله ألأمثالَ للناسِ لَعلّهُم يَتَذَكّرونَ َ) إبراهيـــــم/25 

وقال عزّ وجل (وتِلك الأمثالُ نَضرِبُها للناسِ وَما يَعقِلُها الاّ العالمون َ) العنكبوت /43  كما أشار سبحانه وتعالى ، إلى قدرة الإنسان في ضرب المثل بقوله الكريم :(وَضَرَبَ لنا مَثَلاّ وَنَسِيَ خَلقَهُ قالَ مَن يُحيِ العِظامَ وَهيَ رَميمٌ ) يس/78 0

      وخضعت الأمثال لتعريفات كثيرة ، اختلفت بالنصوص ، وتقاربت بالمضامين ، وتطابقت بالرؤى ، فيقول ابن المقفع (ت142 هج)  : (إذا جعل الكلام مثلاً ، كان انـقّ للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث ) 0

      وابن السكيت ( ت224 هج) يقول : (المثل لفظه يخالف لفظ المضروب لــــــه ، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ ) 0

      والمبرد (ت285 هج ) يقول : ( المثل مأخوذ من المثال ، وهو قول سائر ، يشبه له حال الثاني بالأول ) 0

      وفيما يقول ابن عبد ربّه الأندلسي (ت328 هج ) : ( الأمثال هــي وشـي الكلام ،

وجوهر اللفظ ، فهي أنقّ من الشعر، وأشرق من الخطابة ، ولم يسر شيء مسيرهــا ،

ولا عمّ عمومها ، حتى قيل أسير من مثل ) 0

      يقول الفارابي (ت350 هج) : ( المثل ما ترضاه العامة و الخاصة ، في لفظـــــه ومعناه ، حتى ابتذلوه فيما بينهم ، وفاهوا به ، في السرّاء و الضرّاء ) 0

       أمّا المرزوقي (ت421 هج) فيقول : ( المثل جملة في القول ، مقتضبة من أصلها أومرسلة بذاتها ، تتسم بالقبول ، وتشتهر بالتداول ) 0

      وهناك من يرى أن الأمثال هي خلاصة تجارب الأمة، وصورة صادقة لضميرها،

ومصدر من مصادر تراثها ، ومجمع لعاداتها وتقاليدها ، ومقياس لنضجها و تطورها ،   

ومرجع لمعرفة واقعها الاجتماعي ، ومستواها الثقافي  0

      وافتخر العرب بأمثالهم ، واهتموا بتدوينها بمدونات ، منها ما فقد ، ومنها ماوصل 

إلينا ،  وإذا كان ابن النـــديم قد ذكر في فهرســــته أن ( صحار بن عياش ألعبــــــــدي) (ت60 هج) له دورفي تنشيط حركة تدوين الأمثال ، الذي تشــــير المصادر إلى أوائل

بداياتها في العصر الأموي ، فان كتاب ( أمثال العرب) للمفضل الضبــي (ت170هج)

يُعد أول مُؤلّف في الأمثال ، يطبع في القسطنطينية عام (1300هج) ، وفي القاهــــــرة عام (1327هج) ، ومازالت مخطوطات في الأمثال لم تحقق إلى الآن 0

      الدكتور ممدوح حقي ، ردّ المثل الفصيح إلى خمسة اصول ، أولها المثل الناشـــئ من حادث ، مثل (عاد بخفي حنين ) ، وثانيها المثل الناشئ من تشبيه ، مثل (أبصر من زرقاء أليمامه) ، وثالثها المثل الناشئ من قصة ، مثل (عصا موسى) ، ورابعها المثــل الناشئ مـن حكمة  ، مثل (لاجديد تحت الشمس ) ، وأخيرها المثل الناشئ من شــــــعر مثل (انّ غداً لناظره قريب ) ، الناشئ من قول قراد بن اجدع للنعمان بن المنذر :

          وان يك صدر هذا اليوم ولّى        فانّ غداً لناظـره قــــــــريب 

      أمّا الأمثال العاميّة ، التي ظهرت عند ظهور اللهجات العاميّة ، المتوالدة من اللغـة المولدة ،وهي اللغة العربية التي دخلت فيها مفردات أعجمية ، بعد الفتوحات الإسلامية 

فأن بعض أصولها يشترك مع أصول الأمثال الفصيحة ، وبعضها يفترق عنها ، ويمكن حصرها بالآتي :

أولا   : المثل الناشئ من آياتٍ في كتاب الله العزيز، مثل (أخوة يوسف) ناشئ من قصة                              

          يوسف عليه السلام ، و( شكّة إبليس ) ناشئ من عدم طاعة إبليس لأوامر اللــه

          في السجود لآدم عليه السلام 0

ثانياّ   : المثل الناشئ من السنّة النبوية ،مثل ( اضعف الإيمان ) ناشئ من حديث نبــوي

          في أساليب تغيير المنكر، و( الرعيه بالسّويه ) ناشئ من حديث شريف فــي انّ 

          المسلمين كأسنان المشط 0                                                                

ثالثاّ   : المثل الناشئ من قصة أو حكاية ، مثل ( قيّم الركّاع من ديرة عفج) ناشـــئ مـن 

          قصة الاسكافي الذي طلب الرزق في عفك فعاد مديونا ّلتقديره الخاطئ 0 

رابعاّ  :المثل الناشئ من حادث ، مثل (اليدري يدري ، والماد ره كضبة عدس ) ناشــئ 

         من حادث رؤية فلاّح زوجته مع عشيق لها ، ومطاردته عندما تمكّن من الهرب

خامساّ :المثل الناشئ من حكمة ، مثل (اكعد بالشمس لمّن يجيك الفي ) ناشئ من حكمـة 

          في التعامل مع الحياة 0                                

سادساً:المثل الناشئ من التشبيه بالأشياء ، مثل ( منشار ، صاعد ماكل ، نازل ماكل )0

سابعاّ : المثل الناشئ من التشبيه بالنبات ، مثل ( النسوان عرك ثيّل ) 0

ثامنا  : المثل الناشئ من التشبيه بالحيوان ، وصفاته ، وطباعه ، كثرت الأمثال في هذا

         المجال حتى أخذت مساحة واسعة ، من ساحة الأمثال العاميّة ، مـثل ( انطارت                                     

        العكروك ) و ( ذيب أمعط )  و(مثل البزّون بسبع أرواح ) 0

تاسعاّ :المثل الناشئ من بديهية ، مثل (موكل مدعبل جوز ) و (الياكل بضرسه ينـــــفع 

         نفســه ) 0

عاشراّ:المثل الناشئ من شعر ، مثل ( لاتطلب الحاجات إلا من اهلهه ) ، ناشئ مـــــن

         البيت الشعري :

         خل نفسك بعز دوم بالك تذ لهه          لاتطلب الحاجات إلا من اهلهه

حادي عشر : المثل الناشئ من مثل فصيح ، مثل ( أضربج بابنتي ، وسمّعج ياجنتي )

         ناشئ من المثل الفصيح ( ايّاك أعني واسمعي ياجاره ) 0

        

        وإذا وردنا المثل الفصيح ، من ينابيع صافية ، وأحداث مؤرخة بشخوصها فــي

مدوّنات حافظت على نصه ، وصياغته ، وبلاغته ، عبـــر تاريخ طويل ، فانّ الأمثال

العاميّة ، لمجهولية شخوصها ، وضياع أحداثها ، وفقدان تاريخها ، لاعتمادها النــــقل

ألشفاهي ، وتأخر الاهتمام بتدوينها ، دخلت عليها تشويهات أفسدت مكانتها التراثيــــة 

لكثرة ماورد فيها من أمثال تحوي كلمات فاحشة تخدش الحياء مثل ( أبرد من 000 السقه) و(000 أمك حشاك) ، حتى صار قول المثل (الأمثال تضرب ولا تقاس) سياقاّ يسبق قول المثل الذي فيه كلمات فاحشة  ، أوتشبيهات تسيء للمتلقّي ، لكي يضــــــمن القائل هدوء المتلقي ، وعدم انفعاله 0   

       كما حوت الأمثال العاميّة ، على أمثال ذات مفاهيم سلبية ، لاتنسجم والأخـــــلاق والقيم العربية ، ومنها المثل ( إذا جاك الطوفان خلّي وليدك جوّه رجليك ) ، مثل يشـيع الأنانية وحب الذات ، و ( الايد الماتكدر تلاويهه بوسهه ) مثل يشيع الذّلة والخنوع0 

       وإذا كانت الأمثال العاميّة قد جمعت في مؤلفات معدودة ، فإننا مازلنا نفتقر إلى

دراسات تعيد الأمثال العامية إلى منابعها ، وتؤرخ حضورها ، وتشـــذّبها من الأدران التي علقت بها 0  

البريد الالكتروني

 almosawe.mahmood@yahoo.com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=36961
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 09 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15