نكاد لانجد حديثاً لكاتب ، أوشاعر ، أوسياسي ، أوفنّان ، إلا واستحضر المثل في حديثه ، ليسند رأياّ ، أو يوضّح موقفاّ 0
وعرّف العرب المثل ، منذ زمن بعيد ، و دار على ألسنتهم ، حتى قال عنــــــــه حنا فاخوري بكتابه (تاريخ الأدب العربي ) : (المثل من أقدم الأبواب ألأدبية عهــــداً
ومن أكثرها شيوعاً) كما قال عنه جرجي زيدان بإصداره (تاريخ آداب اللغة العربية) (الأمثال من آداب العرب المهمة لأنها تجري على ألسنتهم مجرى الشعر) 0
والله سبحانه وتعالى ، ضرب لنا ألأمثال بكتابه العزيز ، لأهميتها في حياة الناس عموماً ، حيث لاتخلو أمة من ألأمثال المتوارثة ، وفي حياة العرب على وجــــــــــــه الخصوص ،فقال تعالى :(وَيَضرِبُ الله ألأمثالَ للناسِ لَعلّهُم يَتَذَكّرونَ َ) إبراهيـــــم/25
وقال عزّ وجل (وتِلك الأمثالُ نَضرِبُها للناسِ وَما يَعقِلُها الاّ العالمون َ) العنكبوت /43 كما أشار سبحانه وتعالى ، إلى قدرة الإنسان في ضرب المثل بقوله الكريم :(وَضَرَبَ لنا مَثَلاّ وَنَسِيَ خَلقَهُ قالَ مَن يُحيِ العِظامَ وَهيَ رَميمٌ ) يس/78 0
وخضعت الأمثال لتعريفات كثيرة ، اختلفت بالنصوص ، وتقاربت بالمضامين ، وتطابقت بالرؤى ، فيقول ابن المقفع (ت142 هج) : (إذا جعل الكلام مثلاً ، كان انـقّ للسمع ، وأوسع لشعوب الحديث ) 0
وابن السكيت ( ت224 هج) يقول : (المثل لفظه يخالف لفظ المضروب لــــــه ، ويوافق معناه معنى ذلك اللفظ ) 0
والمبرد (ت285 هج ) يقول : ( المثل مأخوذ من المثال ، وهو قول سائر ، يشبه له حال الثاني بالأول ) 0
وفيما يقول ابن عبد ربّه الأندلسي (ت328 هج ) : ( الأمثال هــي وشـي الكلام ،
وجوهر اللفظ ، فهي أنقّ من الشعر، وأشرق من الخطابة ، ولم يسر شيء مسيرهــا ،
ولا عمّ عمومها ، حتى قيل أسير من مثل ) 0
يقول الفارابي (ت350 هج) : ( المثل ما ترضاه العامة و الخاصة ، في لفظـــــه ومعناه ، حتى ابتذلوه فيما بينهم ، وفاهوا به ، في السرّاء و الضرّاء ) 0
أمّا المرزوقي (ت421 هج) فيقول : ( المثل جملة في القول ، مقتضبة من أصلها أومرسلة بذاتها ، تتسم بالقبول ، وتشتهر بالتداول ) 0
وهناك من يرى أن الأمثال هي خلاصة تجارب الأمة، وصورة صادقة لضميرها،
ومصدر من مصادر تراثها ، ومجمع لعاداتها وتقاليدها ، ومقياس لنضجها و تطورها ،
ومرجع لمعرفة واقعها الاجتماعي ، ومستواها الثقافي 0
وافتخر العرب بأمثالهم ، واهتموا بتدوينها بمدونات ، منها ما فقد ، ومنها ماوصل
إلينا ، وإذا كان ابن النـــديم قد ذكر في فهرســــته أن ( صحار بن عياش ألعبــــــــدي) (ت60 هج) له دورفي تنشيط حركة تدوين الأمثال ، الذي تشــــير المصادر إلى أوائل
بداياتها في العصر الأموي ، فان كتاب ( أمثال العرب) للمفضل الضبــي (ت170هج)
يُعد أول مُؤلّف في الأمثال ، يطبع في القسطنطينية عام (1300هج) ، وفي القاهــــــرة عام (1327هج) ، ومازالت مخطوطات في الأمثال لم تحقق إلى الآن 0
الدكتور ممدوح حقي ، ردّ المثل الفصيح إلى خمسة اصول ، أولها المثل الناشـــئ من حادث ، مثل (عاد بخفي حنين ) ، وثانيها المثل الناشئ من تشبيه ، مثل (أبصر من زرقاء أليمامه) ، وثالثها المثل الناشئ من قصة ، مثل (عصا موسى) ، ورابعها المثــل الناشئ مـن حكمة ، مثل (لاجديد تحت الشمس ) ، وأخيرها المثل الناشئ من شــــــعر مثل (انّ غداً لناظره قريب ) ، الناشئ من قول قراد بن اجدع للنعمان بن المنذر :
وان يك صدر هذا اليوم ولّى فانّ غداً لناظـره قــــــــريب
أمّا الأمثال العاميّة ، التي ظهرت عند ظهور اللهجات العاميّة ، المتوالدة من اللغـة المولدة ،وهي اللغة العربية التي دخلت فيها مفردات أعجمية ، بعد الفتوحات الإسلامية
فأن بعض أصولها يشترك مع أصول الأمثال الفصيحة ، وبعضها يفترق عنها ، ويمكن حصرها بالآتي :
أولا : المثل الناشئ من آياتٍ في كتاب الله العزيز، مثل (أخوة يوسف) ناشئ من قصة
يوسف عليه السلام ، و( شكّة إبليس ) ناشئ من عدم طاعة إبليس لأوامر اللــه
في السجود لآدم عليه السلام 0
ثانياّ : المثل الناشئ من السنّة النبوية ،مثل ( اضعف الإيمان ) ناشئ من حديث نبــوي
في أساليب تغيير المنكر، و( الرعيه بالسّويه ) ناشئ من حديث شريف فــي انّ
المسلمين كأسنان المشط 0
ثالثاّ : المثل الناشئ من قصة أو حكاية ، مثل ( قيّم الركّاع من ديرة عفج) ناشـــئ مـن
قصة الاسكافي الذي طلب الرزق في عفك فعاد مديونا ّلتقديره الخاطئ 0
رابعاّ :المثل الناشئ من حادث ، مثل (اليدري يدري ، والماد ره كضبة عدس ) ناشــئ
من حادث رؤية فلاّح زوجته مع عشيق لها ، ومطاردته عندما تمكّن من الهرب
خامساّ :المثل الناشئ من حكمة ، مثل (اكعد بالشمس لمّن يجيك الفي ) ناشئ من حكمـة
في التعامل مع الحياة 0
سادساً:المثل الناشئ من التشبيه بالأشياء ، مثل ( منشار ، صاعد ماكل ، نازل ماكل )0
سابعاّ : المثل الناشئ من التشبيه بالنبات ، مثل ( النسوان عرك ثيّل ) 0
ثامنا : المثل الناشئ من التشبيه بالحيوان ، وصفاته ، وطباعه ، كثرت الأمثال في هذا
المجال حتى أخذت مساحة واسعة ، من ساحة الأمثال العاميّة ، مـثل ( انطارت
العكروك ) و ( ذيب أمعط ) و(مثل البزّون بسبع أرواح ) 0
تاسعاّ :المثل الناشئ من بديهية ، مثل (موكل مدعبل جوز ) و (الياكل بضرسه ينـــــفع
نفســه ) 0
عاشراّ:المثل الناشئ من شعر ، مثل ( لاتطلب الحاجات إلا من اهلهه ) ، ناشئ مـــــن
البيت الشعري :
خل نفسك بعز دوم بالك تذ لهه لاتطلب الحاجات إلا من اهلهه
حادي عشر : المثل الناشئ من مثل فصيح ، مثل ( أضربج بابنتي ، وسمّعج ياجنتي )
ناشئ من المثل الفصيح ( ايّاك أعني واسمعي ياجاره ) 0
وإذا وردنا المثل الفصيح ، من ينابيع صافية ، وأحداث مؤرخة بشخوصها فــي
مدوّنات حافظت على نصه ، وصياغته ، وبلاغته ، عبـــر تاريخ طويل ، فانّ الأمثال
العاميّة ، لمجهولية شخوصها ، وضياع أحداثها ، وفقدان تاريخها ، لاعتمادها النــــقل
ألشفاهي ، وتأخر الاهتمام بتدوينها ، دخلت عليها تشويهات أفسدت مكانتها التراثيــــة
لكثرة ماورد فيها من أمثال تحوي كلمات فاحشة تخدش الحياء مثل ( أبرد من 000 السقه) و(000 أمك حشاك) ، حتى صار قول المثل (الأمثال تضرب ولا تقاس) سياقاّ يسبق قول المثل الذي فيه كلمات فاحشة ، أوتشبيهات تسيء للمتلقّي ، لكي يضــــــمن القائل هدوء المتلقي ، وعدم انفعاله 0
كما حوت الأمثال العاميّة ، على أمثال ذات مفاهيم سلبية ، لاتنسجم والأخـــــلاق والقيم العربية ، ومنها المثل ( إذا جاك الطوفان خلّي وليدك جوّه رجليك ) ، مثل يشـيع الأنانية وحب الذات ، و ( الايد الماتكدر تلاويهه بوسهه ) مثل يشيع الذّلة والخنوع0
وإذا كانت الأمثال العاميّة قد جمعت في مؤلفات معدودة ، فإننا مازلنا نفتقر إلى
دراسات تعيد الأمثال العامية إلى منابعها ، وتؤرخ حضورها ، وتشـــذّبها من الأدران التي علقت بها 0
البريد الالكتروني
almosawe.mahmood@yahoo.com |