بسم الله الرحمن الرحيم
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{112}
تضمنت الاية الكريمة امر ونهي :
1- ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ) : امر , يأمر النص المبارك الرسول الكريم محمد (ص واله) ومن تاب معه من المؤمنين بالثبات على جادة الحق , في العقائد والاعمال .
2- ( وَلاَ تَطْغَوْاْ ) : نهي , ينهي النص المبارك عن الخروج من طاعته عز وجل وتعدي حدوده .
3- ( إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) : الله عز وجل مطلع على اعمالكم واقوالكم , وسيجازيكم عليها , الخير بالخير , والشر بالشر .
جاء عن ابن عباس ما نزلت آية كانت أشق على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الآية ولهذا جاء عنه (ص واله) انه قال ( شيبتني هود والواقعة وأخواتهما ) .
وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ{113}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف :
1- ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) : الركون فيه رأيين :
أ) يمعنى الميل . "مصحف الخيرة علي عاشور العاملي , تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني " .
ب) بمعنى النصيحة والمودة والطاعة . " تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني , تفسير البرهان ج3 للسيد هاشم الحسيني البحراني " .
( الَّذِينَ ظَلَمُواْ ) , القائمون على المعاصي , فنهت الاية الكريمة مودتهم او مداهنتهم او حتى الرضا باعمالهم , ( فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) , تصيبكم , وهذا مما يدل على عدم الخلود في النار , بل سيتعرض صاحب هذا الامر اليها بنحو ( فَتَمَسَّكُمُ ) .
2- ( وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ) : ليس لكم عندها انصارا من دونه عز وجل يمنعون العذاب عنكم .
3- ( ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ) : عند ذلك يقع عليكم العذاب لا محال , وستعدمون الناصر .
وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ{114}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة محاور :
1- ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ ) : ( طَرَفَيِ النَّهَارِ ) , صلاة الصبح والظهر والعصر , ( وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ ) , صلاة المغرب والعشاء ."تفسير الجلالين للسيوطي ".
2- ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ) : الحسنة بعد صغائر الذنوب تمحوها , دون الكبائر , ويلاحظ ان كثرة الحسنات بعد الذنب تستره وتمحوه , وهو ما اشارت اليه الاية الكريمة {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ }آل عمران30 على حد بعض الاراء , يستفاد ان كثرة الحسنات بعد الذنب تبعد المسافة سترا وتكفيرا ومحوا .
3- ( ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) : ان كل ما تقدم فيه العظة والعبرة للمتعظين المعتبرين .
وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ{115}
تأمر الاية الكريم بالصبر على الطاعات والواجبات , وترك المحرمات وكل ما نهي عنه , وتؤكد ( فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) , لا يضيع عنده جل وعلا شيئا من الاجور مهما كان قليلا .
فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ{116}
تشير الاية الكريمة الى ( فَلَوْلاَ كَانَ ) , فهلا كان , ( مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ ) , ذوي عقل نير ورأي سديد , اصحاب فضل وصلاح , واشار لهم النص المبارك بـ ( أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ ) فيه ثلاثة اقوال :
1- لأن الرجل يستبقي لنفسه أفضل ما يخرجه .
2- ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم .
3- وقولهم : في الزوايا خبايا ، وفي الرجال بقايا .
" تفسير الصافي ج2 للفيض الكاشاني"
( يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ ) , ينهون ويمنعون انتشار العقائد والممارسات الفاسدة , او حتى يستنكرونها ان لم يتمكنوا من وضع حدا لها , ( إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ) , يستثني النص المبارك قلة قليلة , نهوا عن الفساد , فأنجاهم الله تعالى , ( وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ ) , يشير النص المبارك الى ان الاكثرية كانوا ممن اتبعوا الشهوات والملذات , وهم تاركي النهي عن الفساد والمنكرات , ( وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ) , استحقوا العذاب والهلاك لسببين :
1- تفشي الظلم والمعاصي والاثام والمنكرات .
2- عدم نهيهم عن الفساد والمنكرات من الاعمال .
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{117}
تستكمل الاية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة وتؤكد ما كان الله تعالى ليهلك ويعذب اهل قرية ظلما لهم , فلا يجوز منه جلا وعلا الظلم , لكن الظلم وقع عليهم من جراء اعمالهم الفاسدة , ( وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) , لو كان اهل تلك القرى مصلحين , منصفين لبعضهم البعض , لما وقع عليهم الهلاك والعذاب .
يقال ان ( الملك يبقى مع الكفر , ولا يبقى مع الظلم ) , فيكون بالنتيجة ان الظلم هو من اهم اسباب في التعجيل بهلاك الامم , وان العدالة وان كانت مع الكفر ادوم لاستمرار النعمة .
وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ{118}
تبين الاية الكريمة ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ) , دين واحد , مذهب واحد , مسلك واحد , ( وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ) , بعضهم اختار الحق , واختار غيرهم الباطل , فتعددت السبل والمذاهب والمسالك , حتى لا يكاد مذهب او مسلك يتفق مع غيره .
كل شيء يعود لمقتضى حكمته جل وعلا .
إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ{119}
نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ) : يستثني النص المبارك من اتفقت كلمتهم على الحق , امنوا به واتبعوه , بمنه عز وجل ولطفه وهدايته .
2- ( وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) : يشير النص المبارك الى ان حكمته عز وجل اقتضت ان يجعل الناس مختلفين , اتباع حق واتباع باطل , وكلا ميسر له اتخاذ مسلكه .
3- ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) : يشير النص المبارك الى ان كلمته عز وجل اقتضت ان يملأ جهنم من الجن والناس جميعا , وفي ذلك عدة اراء منها :
أ) جميع العصاة والمتمردين على طاعته عز وجل من الجن والانس , وهو الرأي الارجح .
ب) ان المؤمن مهما كانت درجة ايمانه , لابد وان يكون قد اكتسب بعض الذنوب , فيكون عندها غير مؤهلا لدخول الجنة , ما لم يتعرض لعملية تطهير , فيدخل النار مدة مؤقتة ما يستلزم تطهيره بشكل كلي من ذنوبه , تؤهله لدخول الجنة بعد ذاك .
وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ{120}
تبين الاية الكريمة ان الله تعالى يخبر نبيه الكريم محمد (ص واله) بأخبار الرسل ما يستدعي تثبيت فؤاد ه (ص واله) , وجاء فيه :
1- ( وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ ) : الحق الثابت .
2- ( وَمَوْعِظَةٌ ) : عظة وعبرة .
3- ( وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) : تذكيرا للمؤمنين , وخص المؤمنين بها , كونهم الاكثر انتفاعا من غيرهم .
وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ{121}
توجه الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) ان يقول للذين لا يؤمنون ( الزموا ما انتم عليه من الشرك , وما انتم قائمون به من المعاصي ) , ( إِنَّا عَامِلُونَ ) , عاملون على حالنا ومكانتنا من الايمان والعمل الصالح .
تضمنت الاية الكريمة نوعا من انواع التهديد والوعيد للذين لم يؤمنوا ! .
وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ{122}
تستمر الاية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة , ونستعرض فيها رايان :
1- انتظروا فينا الدوائر تقع علينا في الدنيا , فأنا ننتظر ان تحل بكم دوائر مثلها , بل اشد منها .
2- انتظروا عاقبة امركم , فأننا ننتظر عاقبة امرنا .
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{123}
نستقرأ الاية الكريمة في خمسة موارد :
1- ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : له وحده جل وعلا علم ما غاب في السموات والارض .
2- ( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ) : كل شيء عائد له جل وعلا , لا لغيره .
3- ( فَاعْبُدْهُ ) : امر مباشر بعبادته عز وجل وحده .
4- ( وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ) : ثق به جل وعلا , فأنه كافيك من كل ملمة .
5- ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) : الله عز وجل يعلم كل ما يصدر منكم ( المؤمنين , الكافرين ) , وسيجازي كلا بعمله . |