بينما كان الشيخ الأعمى يتفحص طريقه بعصاه ذاهباَ كالمعتاد إلى السوق ليشتري لقمة يسدُّ بها جوعته وإذا به يرتطم برجل كان يمشي وسط الطريق .. ضحك الأعمى وقال : سبحان الله ، لعلك أكثر عمىً مني ثم قال : ما أسمك أيها المسكين ؟
الثاني : إنني أسكن في مكان ٍ ما..
الأعمى :إنما سألتك عن اسمك لا عن عنوانك ! من أنت ؟ لعلي أعرفك قبل هذا اليوم.
الثاني : ليس مقبرة..ولكنه مليءٌ بالأموات !!
الأعمى :هل تسمعني أم تحدِّث نفسك ؟!
الثاني : تخيَّل ! يتحدثون .. يمشون.. يأكلون.. يشربون.. و (يفعلون ما يفعلون).. لكنهم ميتون !
الأعمى : ميتون ؟! هل أنا في حلم أم أنت ؟ سألتك عن إسمك ليس إلا..
الثاني: يتحدثون عن بعضهم البعض بشرٍّ وعدوان .. يمشون سراعاً إلى كل رذيلةٍ وهوان.. يأكلون لحوم بعضهم ولا يشبعون ويشربون دماء بعضهم ولا يرتوون ، و(يفعلون ما يفعلون) ولكنهم ميتوووووووووووووووون !
الأعمى : سبحان الله العظيم ! ما هذه المتاهة التي لا مخرج منها ؟!
الثاني :(بحسرة وأنين) انتحر الحب في أفئدتهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، وأطلقوا على الفضيلة رصاصة الرحمة بعد أن عانت الأمرين من نفاقهم وضلالتهم ، و أصدروا أحكام الإعدام على الأخلاق الطيبة ولا جرم لها ولا جريرة..فشنقوا الصدق بحبال الكذب والبهتان، ودفنوا الوفاء و الإخلاص في مقبرة البغي والخيانة ، و.....( ينفجر باكياً بأعلى صوته)
الأعمى (يصرخ عالياً) : نعم .. و ماذا؟ أجبني يا (صوت الحق) الحزين.. من أنت ؟
(ويغادر الثاني المكان وهو شارد الذهن دون أن يجيب عن سؤال الشيخ الأعمى)
|