• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح126 سورة التوبة الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح126 سورة التوبة الشريفة

انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{41}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة مواقف :
1- ( انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً ) : النص المبارك يستنفر كل الطاقات البشرية للمسلمين , الشباب والشيوخ , الاقوياء والضعفاء , الفقراء والاغنياء , الجميع وفي كل الاحوال , لمواجهة العدو ( في غزوة تبوك ) .
2- ( وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) : يأمر النص المبارك المسلمين ببذل المال والنفس في سبيل الله تعالى . 
3- ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) : المسارعة الى الجهاد , وبذل الغالي والنفيس من الاموال والانفس في سبيل الله تعالى يعود بالخيرات عليكم , في الدنيا والاخرة , ففي الدنيا , تكون العزة للاسلام والمسلمين , وفي الاخرة , الثواب الجزيل والعطاء الرباني اللامحدود .     
 
لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{42}
نزلت الاية الكريمة في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك , وتحججوا بحجج واهية , فقد ورد في التواريخ والتفاسير , ان الرسول (ص واله) لم يسافر سفرا ابعد واشد من سفره لغزوة تبوك , وذلك عند قدوم وافدين من الشام الى المدينة , فاشاعوا فيها ( ان الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله (ص واله) , وان هرقل قد سار بجنوده , وجلب معهم غسان وجذام وبهراء وعاملة , وقد قدم عساكره البلقاء , ونزل هو في حمص , فأمر رسول الله (ص واله) اصحابه بالتهيؤ الى تبوك , وهي من بلاد البلقاء , وبعث الى القبائل حوله , والى مكة , والى من اسلم من خزاعة ومزينة وجهينة , فحثهم على الجهاد , وامر رسول الله (ص واله) بعسكره فضرب في ثنية الوداع , وخطب (ص واله) فيهم , فرغب الناس في الجهاد , وقدمت قبائل من العرب , وقعد عنه قوم من المنافقين وغيرهم , ولقى (ص واله) الجد بن قيس فقال له ( يا ابا وهب الا تنفر معنا في هذه الغزاة , لعلك ان تستحفد من بنات الاصفر ؟ ) , فقال : يا رسول الله والله ان قومي ليعلمون ان ليس فيهم احد اشد عجبا بالنساء مني , واخاف ان خرجت معك ان لا اصبر اذا رأيت بنات الاصفر , فلا تفتني , وائذن لي ان اقيم , وقال لجمعة من قومه : لا تخرجوا في الحر , فقال ابنه : ترد على رسول الله (ص واله) وتقول له ما تقول , ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر والله لينزلن الله في هذا قرانا يقرأه الناس الى يوم القيامة , فأنزل الله تعالى على رسوله (ص واله) ذلك ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني الا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين ) , ثم قال الجد بن قيس ( ايطمع محمد ان حرب الروم مثل حرب غيرهم , لا يرجع من هؤلاء احد ابدا ) "تفسير البرهان ج2 / السيد هاشم الحسيني البحراني " .       
نستقرأ الاية الكريمة في خمسة موارد : 
1- ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ ) : (  عَرَضاً قَرِيباً ) غنيمة قريبة , سهلة المنال , ( وَسَفَراً قَاصِداً ) , قريبا وميسرا .   
2- ( وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ) : المسافة البعيدة .
3- ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ) : سيقسمون انهم لو استطاعوا لخرجوا . 
4- (  يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ) : يهلكون انفسهم بالكذب والنفاق . 
5- ( وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) : الله عز وجل يعلم بخفايا النفوس , ويعلم حقيقتهم (  إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) .         
 
عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ{43}
اورد صاحب تفسير البرهان ج2 / السيد هاشم الحسيني البحراني ( عن ابي جعفر (ع) ( عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) يقول " تعرف اهل العذر والذين جلسوا بغير عذر" ) .  
انقسم المتخلفين عن غزوة تبوك الى قسمين :  
1- اهل العذر : كالشيخوخة والعجز , والمرضى والمعاقين ... الخ .
2- من ليس له عذر : وينقسمون الى فئتين : 
أ‌) المنافقون . 
ب‌) الجبناء : لجيش الروم تأثير مرعب ومخيف في قلوب العرب والشعوب في تلك الايام , وقد علموا خبرته في الحروب , وحسن تنظيمه , وعزيمة جنوده , فدعاهم ذلك الى الخوف والرعب من ملاقاته بأي شكل من الاشكال , وتحت امرة ايا كان , ولو كان القائد محمد (ص واله) , والمسدد والمؤيد والمعين هو الباري عز وجل .  
 
لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ{44} 
تسلط الاية الكريمة الضوء على الفئة الاخرى , فئة المؤمنين , هؤلاء لا يستأذنون في التخلف عن الجهاد بالمال والنفس في سبيله عز وجل , فذاك ليس من شأنهم , طالما وانهم معتمدين متوكلين عليه جل وعلا , واثقين بحكمة قيادته (ص واله) , فلا يكترثون لاي عاقبة كانت , وغير مبالين بمجريات الامور , لانهم في كل الاحوال سينالون احدى الحسنيين , اما النصر والظفر , واما الشهادة .     
 
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ{45} 
تشير الاية الكريمة , الى ان من يطلب الاذن بالتخلف عن الجهاد في غزوة تبوك هم : 
1- ( الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) : المنافقون , وكل من لم يتوغل الايمان في قلوبهم . 
2- ( وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ) : نالهم الشك والريب في امرين : 
أ‌) في بعثته (ص واله) وكل ما جاء به . 
ب‌) في النصر على جيش الروم . 
3- ( فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ) : الشك والريب يجعلهم في حيرة من امرهم , فهاج في دواخلهم الاضطراب .    
 
وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ{46} 
تكشف الاية الكريمة عما اضمره هؤلاء المتخلفين عن الخروج , ( وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً ) لو كان في نيتهم الخروج , لأعدوا العدة اللازمة لذلك , كالسلاح والزاد , ( وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ) ,  كره الله تعالى خروجهم , فرمى التكاسل عليهم , ( وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ) , مع المرضى والعجزة , النساء والصبيان .    
 
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{47} 
تكشف الاية الكريمة عن سبب ( وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ) في الاية الكريمة السابقة , فكان على ثلاثة محاور : 
1- ( لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ) : لو كانوا بين معسكر المسلمين , لما صدر منهم الا فسادا واضطرابا في الرأي , ما من شأنه ان يثبط العزائم , ويبث روح الانهزام بينهم . 
2- ( ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) : اسرعوا بينكم بالنمائم للافساد والتفريق . " مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي" . 
3- ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ) : جواسيس لجيش الروم , على بعض الاراء , او سماعون سماع قبول واستحسان لجيوش الروم , كما في اراء اخرى .     
تختتم الاية الكريمة بــ ( وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) , المنافقين واعوانهم . 
 
لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ{48} 
تذكر الاية الكريمة بأعمال المنافقين قبل تلك الحادثة , نستقرئها في اربعة موارد : 
1- ( لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ ) : اول ما قدم (ص واله) المدينة ( تفسير الجلالين للسيوطي ) , في معركة احد " مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي" .
2- ( وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ ) : استعلموا كل ما يمكنهم من الحيل والخداع , ليقلبوا فكر الناس ضدك , وابطال دينك . 
3- ( حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ ) : جاء الحق ( النصر ) , وظهر دين الاسلام . 
4- ( وَهُمْ كَارِهُونَ ) : اضمروا كرههم لدين الله تعالى , واظهروا ايمانهم وتسليمهم به .       
 
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ{49}
تقدم في الاية الكريمة ( 42 ) عما دار من حديث بينه (ص واله) والجد بن قيس . 
 
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ{50} 
تشير الاية الكريمة الى حال المنافقين في امرين : 
1- (  إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ) : ان اصاب النبي الكريم محمد (ص واله) حسنة كنصر او غنيمة , يحزن لذلك المنافقون .
2- (  وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ) : وان لحق به (ص واله) مكروها , كهزيمة او شدة , فسيقولون ( كنا قد احتطنا بالتخلف عن محمد واصحابه , فكان رأينا حكيما , و قرارنا سديدا وموفقا ) , ( وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ) ينصرفوا وهم فرحين بما هم عليه , شامتين بما جرى على رسول الله (ص واله) واصحابه .    
 
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{51}
توجه الاية الكريمة النبي الكريم محمد (ص واله) ان يرد عليهم , زجرا وتوبيخا لهم , ( قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا ) , لن يصيبنا الا ما قدر الله تعالى لنا , ( هُوَ مَوْلاَنَا ) , متولي امورنا وناصرنا , ( وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) , وعلى الله تعالى وحده , فليتعمد المؤمنون .  
 
 
 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=33455
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15