• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة نقدية لقصة القاص المبدع أياد خضير ((الحاجز)) .
                          • الكاتب : عدنان حسين عبدالله .

قراءة نقدية لقصة القاص المبدع أياد خضير ((الحاجز))

                       (   تكثيف الترميز الدلالي  بفيض الغنى اللغوي    )
 
 
اللافت في هذه القصة إنّها مِسلّةٌ مشحونةٌ "بالترميز " أو بتعبير أدق "ملحمةٌ الوجود" كثّفت واختزلت وخضعت لقاعدة الكتلة والحجم يقول علماء فيزياء الكون " هناك جسيمات في الكون بحجم كرة صغيرة لكنّها أثقل وزناً من كوكب الأرض بمرتين " فالوجود المتخيل المعادل لوجود قصّة الكاتب المبدع "أياد خضير " أكبر بأضعاف من الوجود الملموس المترائي لنا عند دمج وعينا في النصّ المتفرّد ،فالكاتب يبدأ في قصّته التي ما هي إلّا رحلة لا تختلف عن ((رحلة كلكامش  )) في بحثه عن الخلود أو أسئلة النبي إبراهيم للوصول إلى عين اليقين أو كلّ ما قام به الفلاسفة في رحلتهم من مرافيء الشك للبحث عن اليقين ...(( عندما بدأ يتحسّسُ نفسه ، ألفى وجوده غريباً ، مقذوفاً بقوّة في هوّة عالمِ ما لا يدرك منه شيئاً ، لم يصدقْ نفسه آنذاك ، الألم لا يعدو عن كونه مسرحية متناثرة الفصول .. وعندما أفاق من نومه كان جسده ينضح بالعرق الغزير الذي يتصبّب منه ، حـــــاول جاهداً أن يستقيم بجسده على الأرض كانت الأشياء تدور حوله وكأنّها نهاية لمجزرة عنيفة))  هذه الرحلة المقدّسة تخضع للمعرفة البرهانية وليس للمعرفة العرفانية فالكاتب المبدع لم يأخذ المعرفة ممن عرفها قبله ويسير على إثره ، أراد أن يصل إلى المعرفة والإشراق الذي كان جلياً في نهاية القصّة التي هي لم تكن نهاية بل بوابة سرمديه للإنطلاق إلى  عوالم قادمة ... إنّ قصّة "الحاجز" من عنوانها تشي لنا برمزٍ مهم قد لا ينتبه إليه الكثير لكنّ السؤال الكبير هو أنّ القاصّ المبدع كان في قصته يبحث عن ذلك الغائب المتخفي في ذرّات الجدار وفي زوايا الغرفة وفي ملامح الوجوه هو كما ابن عربي والحلاج في بحثة عن الكلي المتجسّد في الجزئي ((حتّى اِرتابَ بنظراته الشاردة وتعابير وجهه ، قسماته الدالّة ، التي كان تعبيرها المضطرب كأنّها تبحث عن شيء فقده كانت نظراته تسرح في محيط الغرفة وسقفها ، تبحث ، تفتّش بدأب ، عن شيء مفقود أو ربّما فقده للتو .. ظلّت عيناه تحومان في الزوايا .. الأثاث المتناثرة بلا ترتيب ، الجدران المتّسخة ببقع شتّى ، لعلّها تجد ما  يبحث عنه ، وبغتة حاول أن يسأل نفسه .. من هـو ؟! كانت أحاسيسه لا تدرك  الإجابة .. فظل هكذا ، لا يعرف عمَّ يبحث ..))  فما علاقة الحاجز بالبحث لذلك أنا واثقٌ من أنّ العنوان كان (كلمةً مفتاحيّةً) اختزلت بعمقه أسرار القصة وشفراتها لأنّ قصّة الحاجز هي محاولة لاختراق هذا البرزخ الموجود بين الملموس واللا ملموس بين المرئي واللا مرئي للوصول إلى حقيقة ماوراء الأشياء أو معرفة فكرة أولية عن محركات الوجود الخبيئة(( إنّه ذلك أل (هــو) هذا الشيء الذي لا تقدر عيناه على رؤيته ..آه ..  إنّه يشعر به ، يحسّ به في دواخلهِ في ذهنهِ ، في شعورهِ ، إنّه يختلج في كيانه ، لكنّه رغم ذلك لم يستطع تمييزه أو رؤيته ..)) فكان الكاتب المبدع في نتاجه الأول فيلسوفا عرفانيا صاغ على الورق أولى محاولاته لاختراق هذا الحاجز البرزخي الكائن بين عالم الواقع وبين الغيب   ((وعندما خرج إلى الشارع ممتلئاً بالشعور بالاضطراب والقلق لم يكن راغباً في لقاء أيِّ كائن بشري ، حتّى أصدقائه كان همّه منصبّاً في البحث عن ذلك الشيء ، كان يفكّر ، يهجس  يحسّ الآن أنّ شيئاً ما في أعماقهِ يسأله يردّد سؤاله .
عمّن يبحث ؟
 أين يذهب ؟ 
وبصعوبة يعثر على الإجابة فكان يردُّ بلا مبالاة .. إنّني أمضي لأبحث عنه .. من هـو الذي تفتش عنه ؟! ))
... لكنّ ما يكمن بعد عنوان القصّة على درجة كبيرة من الأهمية فنجدُ الكاتب المبدع أياد خضير قد استثمر اللغة السردية المأنوسة لنقل الكثير من الدلالات التي تحمل مغزى القصة لذلك نجد المنظومة اللفظية لهذه القصة معبّأة بألفاظ (مموسقة ) حركية خصوصاً أن أكثر  (الأفعال)  كانت تدل على الحركة والتنامي مثل  (يتحسّس/يتصبّبُ/تدور/ تحوم / يسرع / يجوب / تبحث ...) ومما يلفت هو إختيار الفعل المتعدي إلى مفعولين (ألفى) وهو من (أفعال اليقين) وفيه انسيابية ورقّة أكثر من (وجد أو علم)  فكانت البنى اللفظية في قصّة (الحاجز) مترابطة فيما بينها بإيقاعية متناغمة مابين الشدّة والانسياب وحاملة لهذا الكم الهائل من الدلالات التي تكون غير مترائية من خلال القراءة الأولى للقصّة  .. أمّا من حيث البناء القصصي فلقد رسم لنا الكاتب أياد خضير المكان في قصّته وجعلنا نتشرّبُ في تفاصيله الدقيقه والمتناغمة مع أحداث القصة والمتطابقة مع الشخصية لذلك يسحبنا الكاتب لنفتش ونساعد الشخصية الباحثة عن ذلك (الهو) علّنا نجد معه ما نبحث عنه  لذا كان النسيج القصصي متماسكاً بقوة وكأنه منحوتةٌ مترابطةٌ إذا قمنا بحذف جزء منها إختلّ البناء الجمالي فكل جزءٍ من القصة مكمّل لما قبله ولما بعده فحتّى الشخصية القصصية  استطاع الكاتب أياد خضير أن يرسم لنا أبعاد شخصية البطل في القصة بدقّةٍ عالية وبماذا كان يشعر وما هي الأحاسيس التي كانت تعتريه وعكس لنا من خلال منلوجها الداخلي أو تخطيطها الخارجي أبعاداً قصية لإختلاجات الذات البشرية   ((أنت أيضاً لا تعرف  .. بل ربّما لا يعرفه الجميع .. كان يسير بتؤدة ، ويسرع تارة ، يجوب الشوارع والأزقة يسأم ، يحلّق بانتباه في كلّ شيء أمامه يبدو تماماً  كالمجنون00  يظل يطوف الشوارع ، يفتّش في الركام ، النفايات ، الحيطان ، أيِّ شيء يصادفه قد يمرُّ من هنا ..  فيجده ، يلتقي به ، لكنّه يفشل في العثور على ذلك الشيء المبهم يظنُّ أنّه سيلقاه في هذا الزقاق أو ذلك الشارع الواسع أو بين تلك الزهور أو ربّما .. داخل هذا الحوض المائي ، ولكن .. هل التقى به ؟!))   ليدع لنا المجال في تخيل هذا الشخص المؤرّق بالأسئلة والمضطرب بالتفاصيل وهو لا يختلف عن " لا منتمي " كولن ولسون لذلك كانت الشخصية في قصة الكاتب هي (البؤرة المركزية) للقصة والخلية التي يرتبط بها كل نسيج القصة المتماسك وكانت الشخصية نموذجا يمثلنا ويشاركنا في الكثير مما نشعر به ويعتري كياننا   ((كان هذا السؤال  يبيّتُ في أعماقه حيرة لا حدود لها ، ربّما يكون قد رآه .. دون أن يعرفه لكنّ حدساً ينمو في دواخله بقوّة سوف لن يجده حتّى لو جاب  كلَّ الشوارع ، البيوت والأشجار ،  الطرقات ،  كان هذا الحدس يحيّره لكنّ شيئاً ما ، ينبثق في أعماقه فيشعر أنّه ،  في يوم غير معروف ألبته ، سيلقاه ويراه ، مؤنّقاً ، ملتمعاً  ، كإطلالة  الشمس .. ))لقد كانت نهاية (المبنى الحكائي) نقطة تنوير مهمة لأنّها فتحت لنا (متناً حكائياً ) متخيّلاً من خلال حتمية لقاء ذلك (الهو) رغم سلبية البحث لكن إيجابية اليقين تحتم يقينية اللقاء ونسبية الزمن مادام اليقين ينبثق في أعماقنا إذن سيتلاشى الحاجز وسنرى ما نبحث عنه كإطلالة الشمس لذا كانت نهاية القصة تحمل شحنات إيجابية مفعمة بالأمل والإصرار على مواصلة البحث .
 إنّ ملحمة الحاجز قصةً إنسانية خرجت من إطار الذاتية والنتاج الفردي لتكون منظومة دلالية   تمثّل كل كائن بشري يبحث عن الحقيقة ويحاول اختراق الحاجز بين الموجود الحسي نحو المطلق الهيولي في الماضي والحاضر والمستقبل وهي  وثيقة إبداعية  ترتبط بما قبلها وتفتح الآفاق لما بعدها ...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=33215
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15