في هذا الزمن العربيّ جداً
بفصامه وانقسامه
أحرق رجل واحد نفسه
إحتجاجا على شرطية أهانته
فانفعل العرب من المحيط للخليج
وثار فيهم كبرياء العروبة النائم منذ سقوط الأندلس
فابتدأت حملات التضامن
والتبرع وجمع الأموال
وتجنيد الرجال
ومن له دشداشتان تبرع بواحدة
لتضميد جراح الرجل الواحد
ومن له أربع زوجات طلق واحدة
لتتزوج الرجل الواحد وتعتني به
في أول سابقة
تحدث في تاريخ الهوان
حتى الأمم المتحدة
شجبت ونددت
وأعلنت يومها عطلة رسمية لجميع موظفيها
حداداً على الرجل الواحد
وغضب أنبياءُ ونبياتُ البيت الأبيض
وأنزلوا سورة كاملة
عن حقوق الأنسان
وفضل الثورة والثوار
تعدهم بمناصب حكومية
وأرصدة في وول ستريت
غير قابلة للتجميد
وتمدهم بملائكة غلاظ شداد
من حلف الناتو
والمارينز
والسي آي أي
والموساد
فتزلزَلَ الوطن العربي وثار من أقصاه إلى أقصاه
متناسيا فلسطينه وأقصاه
واحترق الأخضر واليابس
من أجل حريق رجل واحد
وأصبحت بيانات الثورة وخطبها
تذاع من منبر الفيسبكِ والتويتر
وجرائد الأخبار
وإذاعات البي بي سي ومونتي كارلو
وقنوات الجزيرة والعربية
وكل القنوات السياسية والثقافية
الدينية والإباحية
كلها أعلنت النفير
ولبست ثياب الجهاد
وفي ذات الزمن العربي جداً
بتناقضه وتخاذله
قُـطع رأس مليون نخلة عراقية
واحترق ملايين العراقيين بنار الحروب والإرهاب
ولم ينفعل شارب عربي واحد
ولانزلت سورة أو آية عن ضحايانا
إنتهى عصر الشيزوفرينيا
وابتدأ عصر الشيزوعـْــروبْــيا
******************************
في دولة عربية أخرى
الحكومة الجديدة
كالحكومة القديمة
تعمل راقصة في ملهى بتل أبيب
لكنها هذ المرة تلبس النقاب
وتقطع الرقص لتؤدي الصلاة بوقتها
فاصل ثم نواصل
ثم تعود لتكمل الرقص
وتنسي اليهود
عناء حكم فرعون
وتمنحهم بطاقات دخول مجانية
للحفل الراقص
إحياءا لذكرى عبور اليهود المبارك
وانشقاق البحر لهم
واعتذارا عن عبور المصريين لقناة السويس
*****************************
دولة عربية مهملة على الخارطة
وضائعة في رمال البداوة
قررت أخذ مكان لها في اللعبة
فالأمير الذي قلب تحت أبيه السرير
وزوجته أفعى الصحراء
إفتتحا مصرفا إسلاميا
للعاجزين عن شراء بيوت في الجنة
والعاطلين عن العمل
يعطي قرضا بلا فوائد
وبيتا في الجنة
مع حوريات من الجنة
وحوريات من بلاد الربيع العربي
حسب الذوق والاختيار
كل هذا مقابل بيع الشرف والضمير
والتغزل بجمال البعير
*****************************
دولة عربية أخرى
رئيسها نصف عربي
ونصف أجنبي
ولأن العرب جادون ومتعصبون في مسألة النسب
ولايقبلون أنصاف الحلول
ولا أشباه الرجال
خيروه بين الجنسية العربية أو الأجنبية
فكان أذكى وأشجع منهم واختار جنسية ثالثة
هي الإسرائيلية
وكل عام في عيد الأرض
يلقي خطابا حماسيا عن حق العودة
بينما يدخل ألف يهودي بلاده كل يوم
*****************************
في الوطن العربي
تضيق المساحات وتتسع
تبعا لمزاج الحاكم
وتوقيت غرائزه، وصفقاته
فلا توجد أراض سكنية كافية
تستوعب الشعب المشغول بالتكاثر والبنين والبنات
الشعب الذي لا يساعد الحاكم المناضل
في مهمته التاريخية
لتأسيس الأمجاد
للأجيال القادمة والماضية
والشقق السكنية
تضغط الأضلاع كلما ارتفع سعر الإيجار
وحدها جبهات الحرب مفتوحة وواسعة دوما
والموت فيها متوفر ومجاني
أربعة وعشرين ساعة،
سبعة أيام،
طوال الشهر،
طوال السنة
مع وجود خدمات مابعد الموت
من أوسمة وأنواط
وقصائد رثاء
*****************************
إنهم يزرعون فينا ذكريات بديلة
كرقائق الحاسوب
أو رقائق البطاطا المقلية
تسبب سرطان الفكر
ويمنحوننا أسماءاً جديدة
وعناويناً جديدة
وهويات شخصية جديدة
موقّعة ومختومة من قبل ضابط إسرائيلي
أما ملامحنا القديمة وأسمائنا الحقيقية
تم ترحيلها إلى مخيمات النازحين واللاجئين
تمهيدا لطمرها في مكبّ النفايات النووية
تحسبا لحدوث تسرب إشعاعي
يضئ ظلام المؤامرة الكبرى
ويكشف وجوه المتآمرين وأسمائهم
يريدوننا أن نبقى مسافرين
دون أن يكون لنا إسم دائمي أو وطن دائمي
بل نبقى نحمل أسماءاً مؤقتة
في أوطان مؤقتة
بحكومات انتقالية مؤقتة
كالقنابل الموقوتة
قابلة للانفجار والفوضى في أية لحظة
لتستمر دورة الخراب والضياع
فكل أسمائنا أسماء ترانزيت
ليميزونا في صف الوقوف والانتظار
ويسهل إيجادنا عند الحاجة
وأوطاننا أوطان ترانزيت
فلايوجد وطن ندخله بصفة دائمية
ولامطار يستقبلنا بصفة دائمية
فكلها تعاملنا على أنها مطارات ترانزيت
وأننا قادمون في رحلات ترانزيت
ومن مطار إلى مطار
ومن بلد إلى بلد
نظل مسافرين في الطائرة
دون الوصول إلى جهة محددة ونهائية
إلى أن ينفد الوقود
وتنضب آبار النفط في بلادنا المحتلة
وعندها نسقط إلى الأرض
وينفجر خزان الغربة والأحزان
ونشتعل لآخر مرة
وسيكون المحققون جاهزين
لاختطاف الصندوق الأسود لحياتنا ومماتنا
وإخفائه
كي لا يعرف أحد حقيقة ماجرى
*****************************
إنهم يعيدون برمجتنا على النظام العالمي الجديد
يحولوننا إلى إيقونات على سطوح مكاتبهم الفخمة
بمجرد النقر علينا
نفتح لهم آبار النفط
ووثائق التاريخ وخرائط الجغرافيا
وسراديب البيوت
ونقوم بتوصيل طلبيات البيتزا إلى بيوتهم
وفناجين القهوة إلى أيديهم
فهم مشغولون بدراستنا وتحليلنا
بينما نحن مشغولون بالتحريم والتحليل
إنهم يكتبوننا بلغة رقمية جديدة
فنستجيب تلقائياً لإيعازاتهم المُـشفّـرة
فنحن دمى رقمية في مصفوفاتهم الغامضة
وتخطيطاتهم المشبوهة
ونحن على صفحات الإنترنت
عشاق كبار
وأبطال مغامرون
وخبراء بفن الغزل والتعامل مع النساء
وفلاسفة الحكمة والأمثال
وملوك عظماء
لكننا في واقعنا اليومي
أعداء بالوراثة
نتقاتل مع بعضنا ومع أنفسنا
نتقاتل بيننا وفينا
وأخر ممالكنا سلّمنا مفاتيحها لأعدائنا
كشقة مفروشة
ليمارسوا فيها البغاء والرذيلة
وآخر تيجاننا الذهبية المرصعة بالأحجار
معروض في متاحف أعدائنا
كأسير حرب
لايمكن استعادته
ولا التفاوض بشأنه
*****************************
أريد تسجيل كل اعترافاتي
وكتابة مايمكنني من قصائد وخواطر
قبل أن يصادروا فمي
ويعلموني لغاتهم
أريد أن أتحد مع نفسي
قبل أن تضمنا العولمة إلى جسدها المثير
والحادّ كالسيف
وتقسم أجسادنا وأرواحنا
أجزاءاً وأقاليماً مبعثرة
وتعرضنا للبيع في سوق الأسهم
والعملات
القابلة للتصريف والتزوير
أريد الهروب
قبل أن يقتلعوا أظافري
ويجعلوها علامات حدودية
لما تبقى من الوطن
*****************************
لست أنا كاتب هذه الكلمات
ولا مسؤولا عنها
ولا أعرف من أي جنس أدبي أو قبيلة فنية هي
ولا ديانتها ومذهبها
ولا هواياتها المفضلة
ولا حالتها الزوجية
ولاعنوانها البريدي
فأنا اعلن أمامكم جميعا
براءتي من الكتّاب والكاتبات
والشعراء والشاعرات
والعهدة على القارئ
في كل ما جاء فيها
من خروج على قوانين العروبة والأقلمة والعولمة
وكفر بمبادئ الذرة والجينوم والاستنساخ الوراثي
وإساءة لسمعة أصنام الشرق وأصنام الغرب
انا أساسا راسب في درس القراءة والكتابة
وإذا صادف أن وجدتم هذه الأوراق معي
فربما دسّها مخبر سرّي في جيبي
ليلفق لي تهمة التفكير والكتابة
بغداد/ 21 حزيران 2013 |