يبدو أن قلمي اعتاد أن يرسم كلمات الحزن ويتلو ترانيم الالم , فلا أكاد اراني ارتاح يوماً وارى فرحة خجولة تطرق بابي ألا ورأيت سفير الاحزان يسلمني رايته المتجدده.
فبعد عودتي اليوم الى شقتي الصغيرة المبنية من "البلوك" ولايرتفع سقفها اكثر من متيرن وثمانون سنتمترا والتي تعلوا دار اخي الاكبر لاني لا املك داراً في وطن امتد خارطته على طول نهريه , عدت من عملِ يومٍ مضنٍ ومتعب يعلوني التعب كما يعلو فقراء بلدي الغني , عدت لاستحم بماء يسلخ الجلد من حرارة شمس نهارٍ صيفي جنوبي تضرب خزان الماء , استحممت ثم توجهت لآخذ قسطا من النوم الذي بدأ يفارقني لكثرة اوجاعي التي لا تنفك ان تفارق وجهي الشاحب .
تناولت وسادتي ووضعت راسي الذي اصبح كمجرة تدور في فلكها كواكب التفكير بما يجري على ناسي واهلي وعلى بلدي الجريح , اغمضت عيني وماهي الا ساعة واسمع صوت الدفيء يوقظني انها زوجتي "انهض يا رجل لقد حَلتْ الصلاة " نعم انها صلاة المغرب لكني متعب يا زوجتي اجبتها وانا بين المُثْقَل وبين الهاوي للقيام لأداء صلاتي تقلبت على سرير كما تتقلب الامنيات في مخيلتي لأنهض بعدها اجد الزوجة قد فرشت سفرة افطار لصومها المستحب لبركة شهر شعبان اسرعت الى حيث مكان الماء لأغسل وجهي علني اغسل معه تعب يوم كامل وان احظى بخبر يثلج صدري واذا بطارق يطرق باب الشقة , رفرف قلبي فرحا لقد جاء الخبر المفرح وزاد فرحي انه صوت اخي الاوسط الذي يسكن بُعَيد شارع عن سكننا .
فتحت الباب بلهفة لاستقبل اخي الذي اعتبره صديقي لتقارب عمرينا , سلم علي ودعا الله لي بالعون وانا اتبسم لهذا الدعاء وماهي هي الا لحظات لأرى وجه اخي ارتسمت عليه صورة مأساة شعرت بمرارتها قبل ان اعرفها "خير اخي علي مَ الخبر" سالته فقال والحسرة تشق صدره وحرارتها تذيب احشاءه " صديقك احمد الضابط استشهد " يا ربي لا يوصف الخبر تلعثمت الكلمات على شَفَتَي اُخْرِسَ لساني قلت له " احمد نعيم جيرانك " كونه كان يسكن بالجوار من اخي قال "نعم هو" ويضيف انه الوحيد لامه وهو يتيم الاب "كيف اخي ؟ كيف استشهد ؟" سألته يجب اخي "اليوم بعد ان خرج من جامعة الامام الصادق"ع" في بغداد دخل ليصلي في مسجد في حي القاهرة واذا بنجس رجس يدخل ليفجر نفسه بحزام ناسف لينسف به احلام شباب لم يرو من حياتهم الا الالم" . نعم استشهد احمد واستشهد معه اكثر من ثلاثين مصلياً كانو لا يجملون سلاح سوى دعواتهم التي يبتهلون بها الى الله لينعم على هذا البلد بالأمن والامان .
نعم استشهد صديقي احمد ليترك في قلبي حسرة , وليترك في قلب والدته المثقلة بالهموم آلام اقسم انها لن تبرد الا حين تتوسد قبرها قرب ولدها الشهيد . وليترك طفلته التي طالما كنت اراه يحملها بكل سعادة ويقبل يديها وهي تضحك ضحكة ملائكية بريئة , ستكرر هذه الطفلة سيناريو اليُتْم الذي عاشه ابوها الشهيد "احمد" ستعيش هذه الطفلة حياتها تشكو الى الله كل من ساهم بخطف ابيها منها ولو بكلمة او تقصير بواجب .
نعم احمد والكثير الكثير من خيرة شبابنا ونساءنا واطفالنا خطفتهم يد الارهاب ولا نرى رادع من ضمير او حاجز من دين , ونرى حكومة ترى ابناء بلادها يجزرون كالأضاحي دون ان تعمل شيء او تحرك ساكن سوى انها منشغلة بالعراك على المناصب ومنشغلة بتكبير الكروش .
لك الرحمة احمد وانت تحل ضيفاً عند رب كريمٍ ولامك وزوجتك وكل ذويك الصبر والسلوان ولإبنتك يتيمتك التي طالما كان صدرك ملاذها الامن الحياة الطيبة بإذن الله فالله لا ينسى ولا يغفل .
18/6/2013