بداية نقدم هذه المعلومة المهمة، فأول من غزا الفضاء هم السوفييت ، فما هي خاصية هذا الشعب الذي سبق العالم في هذا الانتصار العلمي الهائل؟ السر في ذلك حب السوفييت للقراءة فقد كان الشعب يقف طوابير كما الطوابير العسكرية بانتظار أن تفتح المكتبة أبوابها ، وفي أثناء ذلك يحمل كل فرد منهم كتاباً يطالع فيه ريثما تفتح المكتبة بابها ليهجم الناس عليها كهجوم الجراد ، وما أن لاحظت الولايات المتحدة هذا الحدث العلمي الجبار على شاشات التلفزة حتى ثار الشعب مطالباً الحكومة بتغيير المناهج وطرق التدريس حتى استطاعوا بذلك الوصول إلى القمر! فما هو سر تقدم هذه الشعوب علينا ؟ وتراجعنا القهقرى إلى الوراء.. حتماً كانت هناك أسباب وعوامل أخذوا بها فبلغوا هذا الشأن. وأهم هذه الأسباب المناهج الدراسية وطرق التدريس التي تحرض مهارات التفكير المحفزة للإبداع والمشجعة على البحث والتحليل، هذه الدول تعاملت مع العقل البشري بكل احترام وتقدير فاستفزت فيه قدراته المخبوءة وبهذا كانوا رواداً في الابتكار والعلم والمعرفة والاختراع. إن مشكلتنا تكمن في التلقي الساذج والذي تؤكده طبيعة مناهجنا وطرق التعليم القائمة على الحفظ وحشو الدماغ لدرجة أن العقول باتت تعاني تخمة من المعلومات المكدسة فلا يجد الذهن حافزاً للتخيل أو التحليل أو حتى الاستطراق في أبعاد هذه المعلومات فينغلق العقل ضمن دائرة الرتابة والروتين ولهذا يستشعر الطالب بالملل من التكرار والحشو والجمود والتبلد. وقد أجمع الباحثون على أن (القراءة) أفضل منشط للذهن وأكبر حافز على التفكير فما قول رسول الله صلى الله عليه وآله عبث حينما قال «اقرأ لترقى» إلا لأهمية القراءة في الرقي المعرفي والفكري الذي يجعل الإنسان في حالة حراك ونمو دائم، ومن المؤسف أن تكون مناهجنا الدراسية من الكثافة والإطالة الفارغة بحيث لا تسمح للطالب أن يقرأ أو يمارس أي نشاط ذهني لأنه مرهق ومتخم بهذا الكم الكبير من المعلومات. وعندما تعود بي الذاكرة إلى أيام الطفولة أتذكر حصة القراءة ونشاط المكتبة والذي غرس فينا حب القراءة حتى الكبر فكانت مخرجات التعليم طلائع مثقفة من الكتاب والأدباء والمبدعين. لكن حدث أن أهمل نشاط المكتبة وحصة القراءة الحرة لفترة طويلة والاستهانة بأهميتها كأداة معرفية ونشاط فكري يرفع من مستوى ذكاء الطالب وثقافته وإثراء لغته فكانت مخرجات التعليم متدنية جداً في السنوات الأخيرة، شباب سطحي الفكر يعيش في إطار عقلية كروية بحتة ولهذا عندما يتحدث أي منهم بشكل ارتجالي أمام الميكرفون يرتبك لأنه غير متمكن من ترتيب جملة واحدة ناهيك عن تفشي الأخطاء النحوية والإملائية الفاحشة وضحالة الفكر وفقر المعلومات، ومن هنا أطالب أن تتبنى وزارة التربية وعلى رأسها الدكتور الموقر خضير الخزاعي المث الذي يعوّل عليه تفعيل هذا النشاط وذلك بإضافة حصة المكتبة كمنهج مستقل يضاف إلى المناهج الأخرى على أن يقوم أمين المكتبة بتدريس هذه المادة ولو مرة كل اسبوع للطلبة ووضعه ضمن الحصص المهمة في الأسبوع مع اختبارات شهرية تقيم أداء الطالب ومهاراته القرائية. ويمكن تطوير هذا المنهج بحيث تضاف إليه مهارة التفكير الناقد بحيث يتعلم الطالب نقد ما يقرأ بشكل يصقل ذهنه ويحفز فيه ، الإبداع فهناك آليات ومهارات تتبعها الدول العربية والأجنبية في حصة المكتبة يمكن الاستفادة من خبراتها، لأن حصة القراءة الحرة الملحقة بمنهج اللغة العربية حالياً غير كاف بل عبء على معلم اللغة العربية خصوصاً في بعض المراحل الذي تتعدد فيه مكونات منهج اللغة العربية من شعر وبلاغة ونحو وغيرها. فأرجو من المسؤولين تبني هذا المشروع ودراسة معطياته على أيدي متخصصين لخلق نوع من الحراك القرائي في مجتمعنا فقد تقدمت علينا الدول الأخرى المجاورة لنا لأنها تعمل باستمرار على مكافحة مشكلة العزوف عن القراءة وتداعياتها السلبية، إذ يوجه مثقفوها شعوبهم نحو متابعة كل ماهو جديد في منتديات ثقافية متعددة لاستقطاب الجماهير. يقول الإمام علي أمير المؤمنين (ع): «نعم المحدث الكتاب». والقراءة كما يقول المفكر الروائي الفرنسي (فيلييب سولزر): «القراءة فن الحياة الرائع» والشاعر الأميركي باوند: يؤكد «يجب أن نقرأ لتزيد قوتنا» فلو كانت مناهجنا وطرق التدريس محفزة لهذه المهارة لكان الكتاب في منزلة خبزنا اليومي. يقول (آيدن شامبر) في كتابه كيف تصنع قراء: المعلم الضعيف يقدم المعلومات المعلم المتوسط يفسر المادة المعلم الجيد يقنع المعلم العظيم يلهم فما أحوج مدارسنا إلى معلم يلهم الأجيال لتحلق في آفاق الحياة مبدعة خلاّقة.
احمد الماجد
تربوي |