إن هذه الفرقة لم تعرف بإسم "الماتردية" إلا بعد فترة طويلة من تأسيسها، ويعود الأصل بهذه التسمية إلى المؤسس وهو: " محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي"، نسبة إلى "ماتريد" وهي قرية قرب سمرقند فيما وراء النهر.
وهذه الفرقة أتبعت في الفروع أي "الفقه" المذهب الحنفي، أما في المذهب العقائدي فقد كان لهم مذهب خاص بهم وآراء قد خالفوا بها باقي مذاهب أهل السنة واجتمعوا وأيدوهم بأفكار آخرى.
وقد مرت هذه الفرقة بعدة مراحل من التأسيس إلى الانتشار، وإن أتباع هذه الفرقة "الماتردية" قد هاجموا أصحاب باقي الفرق العقائدية وقد أتهموهم بالكفر وما جاء في كتبهم ما هو إلا: وثنية، تجسيم، وتشبيه..
أهم عقائد الفرقة "الماتردية":
أولاً: كل ما يختص بالعقائد الآلهية هو مرتبط بالعقل وليس بالنقل ويستطيع يستقل العقل إثباتها والنقل ـ أي الأحاديث والروايات ـ إنما هو تابع للعقل، والأمور التي يبحثها العقل في أمور التوحيد هي أبواب: التوحيد والصفات.
ثانياً: العقائد المرتبطة بالغيبيات من عذاب القبر، والجنة والنار، والنبوات، وتعتبر هذه عند باقي الفرق من الأمور الشرعية أو المنقولات من المرويات والسمعيات المنقولة بالأحاديث، ولكن عند "الماتريدية" فإنها أمور للعقل أن يعمل فيها إما نفياً أو إثباتاً.
ثالثاً: يعتقدون بأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المتواترة هي قطعية الثبوت، وبالتالي هي قطعية الدلالة عندهم، فتكون مقبولة عقلاً، وتكون خالية من التعارض مع عقولهم، وهي حجة في تقرير العقيدة. وفي حال كانت الحديث قطعي الثبوت ـ أي من جهة صحة السند ـ ولكنه ظني الدلالة ـ أي أن في مضمون الحديث ما يخالف العقل ـ عندهم فإن هذا الحديث لا يستفاد منه اليقين، وهذا ما دفع بأصحاب هذه الفرقة في إعمال التأويل في الأدلة النقلية بما يوافق الأدلة العقلية.
رابعاً: من هنا فإنهم في الأمور التي لا يعلمون لها تأويل فقد فوضوا الأمر بها إلى الله عز وجل على أساس أنه الأعلم بها. فمنهم من رجح التأويل على التفويض، ومنهم من رجح التفويض، ومنهم من أجاز الأمرين، وبعضهم قال أن التأويل لأهل النظر والاستدلال، والتفويض أليق للعوام. ومنهم من أجاز الأمرين، وبعضهم من رأى أن التأويل لأهل النظر والاستدلال ، والتفويض أليق للعوام.
خامساً: وقد حكمت "الماتردية" بالحسن والقبح العقليين، بعكس "أهل الحديث" الذين يقولون أن الحسن والقبح هما شرعيين، وقد قال "الماتردية" أن للعقل إدراك حسن الأشياء وقبحها. وقد اختلف أتباع هذه الفرقة في مسألة حكم الله تعالى هل هو يدرك بمجرد الإدراك العقلي للحسن والقبح. فالبعض منهم قال: "إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسول". والآخرون قالوا: "إن العباد لا تعاقب على أفعالها القبيحة إلا من بعد بعثة الرسل إليهم".
سادساً: تذهب "الماتردية" إلى القول بالمجاز الواقع في اللغة والقرآن والحديث، والقصد من المجاز هو أنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وهو قسيم الحقيقة عندهم. ومن هنا قد اعتمدوا على المجاز في تأويل النصوص لكي يدفعوا التشبيه، والتجسيم عن الذات الآلهية.
سابعاً: قد أعملت "الماتردية" الفلسفة وفن الكلام لإثبات وحدانية الله عز وجل ومن هذه الأمور فقد استخدموا: دليل حدوث الجواهر، والأعراض. وهذا ما دفع بأتباع "أهل الحديث" إلى تكفيرهم والبراءة من معتقداتهم التي اعتبروها فاسدة.
ثامناً: وتعتقد "الماتردية" أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وقد أضاف بعضهم أنه الإقرار باللسان، وقالوا أن الإسلام والإيمان مترادفان، لا فرق بينهما. فكل مسلم هو مؤمن وكل مؤمن هو مسلم.
تاسعاً: لقد أجازت "الماتردية" التوسل بقبور الأنبياء (عليهم السلام) والأولياء وأهل البيت (عليهم السلام) والصحابة، من باب أن لهم الشفاعة عند الله عز وجل نظراً لمكانتهم عنده، وقد أجازوا التوسل بهم والشفاعة بهم إلى الله سبحانه وتعالى.
عاشراً: إن "الماتردية" قالوا بعد الجواز بما لا يطاق، إي أن الله عز وجل لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقالوا أيضاً: أن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله سبحانه وتعالى وبإرادته، وأن أفعال البشر من خير أو شر هي من خلق الله تعالى، وأن للبشر أفعالاً اختيارية يثابون عليها، ويعاقبون عليها، وأن العباد هم في الخيار في الأفعال التكليفية غير مجبورين على فعلها.
وأخيراً، إن هذه الفرقة لم يبقى لها الكثير من الرواج في إيامنا الحالية ما خلا بعض الدول منها تركيا وفي بعض مناطق العراق. وعلى أمل اللقاء بالقراء الكرام ومع فرقة أخرى أستودعكم عند الذي لا تخاب ودائعه.