والعام الدراسي يدلف إلى ختامه، وبعد أن تصرّمت أيامه، وطال السهر عيون مريديه والمجتهدين فيه، فملأ الساعات شغلاً واشتغالاً، ولكن الحديث فيه ما فيه من الصورة القاتمة التي لا تصححها سوى القراءة الفاحصة والأفعال الجادة وليس المتعثرة، وأما الأقوال فقد امتلأت الأشداق بحركاته وسكناته، ومازال القلق ناشراً شراعاته في أكثر من موطن في همنا التعليمي.
طالب يغرق هنا، وحريق كارثي في مدرسة هناك، وحوادث مشابهة متكررة، حتى صدق عليها قول المتنبي: تعددت الأسباب، والموت واحد ،و بكل غصة فإن هذا سيناريو له بداية وليس له نهاية حتى الآن، كما يرى ذلك كل متابع لهذه القضية التي وكأنها حتمية كتبها غياب الإستراتيجية الفعَّالة، واختلت فيها خطط التنمية في هذا الشأن تحديداً.
واستبشر الجميع عندما صدر قرار وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود باستحداث إدارة عامة تهتم بالأمن والسلامة في كل ما يتعلق بالحياة المدرسية بكل بنيتها ومتعلقاتها، وهذه الإدارة التي حملت اسم " الإدارة العامة للأمن والسلامة المدرسية"، والتي نص القرار المذكور لتكون مرتبطة تنظيمية بمكتب الوزير مباشرة، كما يوجه يلزم بإنشاء إدارات للأمن والسلامة المدرسية في كل إدارات التربية والتعليم للمناطق والمحافظات لتناط مسؤولية تنظيمها الإداري بمديري التربية والتعليم، وحسب التصريح الرسمي أنه تم تخصيص ميزانية تقدر بمئات الملايين مابين تأمين مستلزمات الأمن والسلامة للمدارس وإجراءات أخرى تتعلق بأمور السلامة للمدارس.
هذا القرار يحتاج إلى خطة تنفيذ رصينة، ومؤسسة على مقدمات إعدادية تنشر ثقافة الأمن والسلامة بين منسوبي التعليم، كما لا يصلح الأمر وأبنية المدارس تفتقد لاشتراطات السلامة في أساس تصميماتها، سواء بما يلاحظ نحو الاتجاه إلى التصاميم العمودية الشكل والتي ترتفع لأكثر من طابقين، وهذا فيه كثير من المخاطرة بأرواح الأطفال والناشئة ومنسوبي المدارس، بالإضافة إلى الاعتبارات الأخرى مثل مشاكل مياه الشرب ونظافة المرافق المدرسية الأخرى، وغيرها، فضلاً عن وسائل النقل المدرسي التي لا يطرب تغريدها ولا تحقق أهدافها المرسومة، ولكن لعله يصدق عليه قول : وجودها ولا عدمها.
والأمر المستغرب أن شركة عملاقة مثل أرامكو السعودية، والتي لها سمعة عالمية على مستوى اهتمامها بأمور السلامة، بالإضافة إلى تعاونها في إنشاء مدارس في بعض المدن، بجودة ونوعية ذات مواصفات ومعايير عالية، ويلحظ نجاحها وتفوقها في هذا الأمر، فلماذا لا يكون هناك بروتوكول تعاوني شامل بين وزارة التربية والتعليم وبين أرامكو السعودية في تصحيح كل ما فيه تعارض مع السلامة المدرسية.
كما يستلزم الأمر وجود مراكز تدريبية على أمور السلامة في مكاتب التربية والتعليم،واعتماد شهادة تميّز محلية في مجال الأمن و السلامة المدرسة ، باعتبارات تتناسب مع متطلبات العصر ،أسوة ببرنامج شهادة (ISO ) إذ هذا ليس ترفاً ولا إترافاً وإنما هو من أوجب الواجبات، فلماذا لا نرى أو نسمع عن توجه حقيقي يرسم واقع الأمن والسلامة في مدارسنا وفق إمكانيات العصر وتطوره، وليس كما هو معمول حالياً بأخذ الحد الأدنى من هذه الاشتراطات.
ومع الدعاء بالتوفيق لأبنائنا وبناتنا بالتفوق والنجاح، فإن أقداح الأمل تنتظر مبادرة رائية لكل ما فيه سلامة فلذات أكبادنا و مدارسنا.(1)
(1) نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (533) صفحة (18) بتاريخ 20-05-2013