عرف في الادب والسياسة والحياة العامة عبارة الغاية والوسيلة , او الهدف والاليات , ويقصد بها ما يوضع ويتبع من وسائل ومناهج وخطوات تقرب او تنجز وصول صاحب الغاية الى تحقيقها وانجازها ولو بنسبة معينة . وللمناهج والعقائد , بل والاشخاص مواقف مختلفة من الغاية والوسيلة , فالمنهج المكيافيلي لايرى اية غضاضة او سلبية في اتباع اية وسيلة من اجل تحقيق الغاية , كما لايرى اية غضاضة ان تكون الغاية منحطة ولا انسانية اذ اكد شارحو فكر ميكافلي انه دعا الى تحقيق الغاية المنشودة ولا عبرة في الوسيلة الموصلة اليها , وتبع مكيافيلي في تنظيره هذا كثير من الحكام والسياسيين من اجل اعتلاء سدة الحكم او البقاء فيه , فلا مانع من قتل الخصوم واخذ البريء بجريرة المتهم كما كان يصنع معاوية وعامة خلفاء بني امية ومن على شاكلتهم وهم عاشوا قبل ميكافيلي بقرون , اما تنظيمات القاعدة وواجهاتها فقد اتبعت المنهج نفسه , فهي على الرغم من انحطاط وشذوذ اهدافها تمارس اخس الوسائل لتحقيق اهدافها وغاياتها , فاشاع الزرقاوي مثلا عند استهدافه المدنيين والابرياء نظرية التمترس , وهي جواز التعرض للمدنيين والمسالمين وسفك دمائهم وتخريب ممتلكاتهم وضياع اموالهم اذا كان ذلك يوصل ولو جزئيا الى الهدف المطلوب , ان مقولة الغاية تبرر الوسيلة ونظرية التمترس الزرقاوية بعيدة كل البعد عن خلق الاسلام ومبادئه , فما عرف في الاسلام المحمدي الاصيل قتل البريء المسالم وصولا الى الكافر المشرك , بل كانت التوجيهات النبوية في كل الغزوات عدم التعرض لبريء وترويعه لكي لا تتحول حركة الاسلام الى حركة مناهضة للحياة الانسانية منزوعة الاخلاق , وقد وصف القران الكريم اصحاب الوسائل المعوجة بانهم ظالمون ملعونون " الا لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا .... " .
من هذه المقدمة حول الغاية والوسيلة يبرز تساؤل على جانب من الاهمية مفاده : هل تعمل كتلنا السياسية وسياسيونا اليوم بمنهج الغاية تبرر الوسيلة كما يراها ميكافيلي , هل يبغونها عوجا حسب لغة القران ؟ .
لقد تقوقعت الكتل السياسية العراقية , كل واحدة منها حول اهدافها وغاياتها الخاصة ولم تخرج - الا قليلا - باتجاه الصالح العام المشترك للعراق وشعبه , فالمتابع لكل ازمة ولكل جدل عقيم حول القوانين لا يمكنه الا ان يؤشر على الاهداف التي تخص تلك الكتلة اوهذه وحدها , فالجدل الذي عطل اقرار قانون الموازنة العامة للدولة على سبيل المثال كان في طروحات الكتلة الكردستانية هي استحقاقات الشركات النفطية العاملة في الاقليم , وتمويل ميليشيات ( البيش مركه ) التي لم تنضوِ تحت سلطة وزارة الدفاع , ولما اقر قانون الموازنة بالاغلبية , وهي الية دستورية في تصويت مجلس النواب قامت قيامة النواب الكرد , وسلقوا الحكومة ورئيسها بالسنة حداد فلم يوفروا شيئا من اوصاف الدكتاتورية والتهميش والاقصاء وغيرها الا الصقوه بالحكومة ورئيسها وبكتلته دولة القانون , ثم عمدوا الى الوسيلة المفضلة لدى خصوم الحكومة ورئيسها بان اوقفوا عمل وزرائهم في الحكومة ومقاطعة جلسات مجلس الوزراء , وهي بلاشك وسيلة غير شريفة من اجل تحقيق غاية ضبابية وجزئية , ونصفها بغير الشريفة لانها تعطل المصلحة العامة للشعب العراقي , كما انها وسيلة لن توصل السياسيين الكرد الى غاياتهم المعلنة.
وفيما يتعلق بالقائمة العراقية , وهي لم تعد قائمة متماسكة الا في ذهن ولسان ميسون الدملوجي , وانما قوائم متعددة , قائمة علاوي , وقائمة النجيفي , وقائمة المطلك , والحرب الاعلامية والمنافسة الانتخابية بين هؤلاء على اشدها , هذه القائمة في حرب مع الحكومة ورئيسها منذ وضعت الانتخابات البرلمانية السابقة اوزارها عام 2010 وقيام التحالف الوطني كاكبر كتلة نيابية انيطت بها مهمة تشكيل الحكومة , اذ ترى العراقية ان حقها في تشكل الحكومة اغتصب منها غصبا , واذا لم تستطع استعادته فعلى الاقل ان تعمل على افشال الحكومة وتعطيلها , وكانت وسائلها متنوعة من اجل هذه الغاية منها اعتماد اللغة الطائفية , التنسيق مع قوى اقليمية معادية للتجربة العراقية الجديدة , اكثار الشكوى من غياب التوازن الوطني المزعوم , محاولات محمومة لتكوين جبهة معارضة في البرلمان مع الاحتفاظ بمشاركة وزرائها في الحكومة والعمل على سحب الثقة , التورط في عمليات وتصفيات ارهابية لكادر الدولة والقوى الامنية كما هو حال طارق الهاشمي وحماية رافع العيساوي , تعليق حضور وزرائهم في مجلس الوزراء لشل عمل الحكومة , وكل هذه الوسائل وما تثيره من انقسام بنيوي وسياسي واجتماعي بين ابناء العراق لم تتورع او تتردد القائمة العراقية من اتباعها من اجل غاياتها الخاصة .
اما التحالف الوطني فهو وكما يبدوا على اطرافه مشتت , وانه تحالف قام من اجل تشكيل الحكومة وليس من اجل انجاز برنامج حكومي لاربع سنوات , او من اجل دور ريادي في قيادة التجربة العراقية الجديدة , فكل مكون من مكوناته يغنّي على ليلاه مع الفارق بين اغنية واغنية , وصوت وصوت , وكلمات وكلمات , فثاني طرف في التحالف الوطني من حيث عدد المقاعد النيابية بدا عصيا على الفهم في مواقفه , فانت ان نقبت وتتبعت مواقفه بالنقد والتحليل لا تجد لها مايبررها سوى انه يطمح بالتفرد بالقرار السياسي الشيعي من خلال مواقف نابية وناتئة , فليس له ما يعد ازمة حقيقية مع الحكومة , بل كل ازماته مفتعلة افتعالا , فليس لديه مشاكل مع الحكومة تشبه مالدى القائمة الكردستانية , وليس لديه مشاكل تشبه مالدى القائمة العراقية , وهذا يجعل المراقب يقرر باطمئنان ان مواقف هذا الطرف هي مناغمة لحلفاء طارئين في مواقفهم يستهدف منها دعاية انتخابية او فوزا برئاسة الحكومة لو سحبت الثقة من رئيسها الحالي , وكانت وسيلة ثاني اطراف التحالف الوطني المزعوم مقاطعة جلسات مجلس الوزراء لسبب لا يستحق هذه الخطوة التي تعطل مصالح الشعب وتضر به , وهو سبب تاجيل الانتخابات في محافظتي نينوى والانبار .
تعيش الحكومة اليوم مقاطعة وزراء ثلاث كتل , وكل كتلة لها سبب خاص بها اعلنته واخفت غيره , لكنها توحدت في الوسيلة , وهي المقاطعة التي رافقتها ايضا مقاطعة جلسات مجلس النواب , وتوحدت في الهدف الغاطس , وهو افشال وتعطيل عمل الحكومة ان لم يكن بالامكان اسقاطها , لانهم يرون في الافشال او الاسقاط وسيلة ايضا لتحقيق ما يهدفون اليه وهي اهداف شتى لا يجمعها جامع .
ان الشعار الذي ينبغي رفعه من الجميع هو " شرف الغاية يقتضي شرف الوسيلة " وليس شعار " الغاية تبرر الوسيلة " , واشرف الغايات اليوم اخراج العراق مما الم به من ازمات وليس اصطناع الازمات , فالذين يصطنعون الازمات , ويعطلون مصالح الناس من اجل مصالحهم لن يحصدوا غير الشوك وسوف يُسألون .
|