ارتبط الفن بقيمته التوثيقية منذ القدم .. خاصة في عصور بلاد مابين النهرين فكان الفنان هو الأداة لتوثيق معالم البلاد وجمال الطبيعة كما يكون منصهرا وممثلا لحركات الدولة وانجازاتها البطولية وإخفاقاتها السياسية ، وعلى وجه الخصوص كان دور الفنان التشكيلي يصب في أعماله هذا الحراك ليكون مرآة الفنية لجميع تلك الانجازات والإخفاقات وغالبا ما يكون دوره بالدرجة الأولى مرتبط بالمعنى الحضاري لتلك الحقب الحضارية منها الأشورية والبابلية نقل الفنان بأدق التفاصيل تصوير وتفاصيل معاركهم وسار الفن وترك إرثا حضاريا يدرس في كل جامعات العالم ومتوفر في كل معارض الفن فكان فنا مخلدا وظهرت على أثره مدارس فنية وتنوعت أساليب الفن وبرز كبار الفنانين وهو يعيدون إبداع الصورة القديمة بإسقاطات ما يعيشونه ويواكبون الحدث اليومي مع مجريات التحولات السياسية فكانت مرحلة الفنان العراقي مشبعة بالقديم فتحولت ساحات البلاد الى متاحف تصور حضاراتهم ومنح المتلقي بعد ثقافي يشبع بصيرته وتغنيه عن البحث والدقيق إذن الفنان ممثلا للحضارة وصورتها المشرقة .. فكان دور الفنان العراقي بشكل خاص تجسد في أعظم نصب معاصر نفذه الفنان جواد سليم ،وهو نصب الحرية في الباب الشرقي وتمثل بمعاني قيمة واختزالات فكرية لا حد لها وجعل من الجندي العراقي رمزا على تحقيق السيادة والاستقلال والتكاتف من اجل الوحدة الوطنية بهذا الجمال الواقعي والظاهر في قلب بغداد تساؤلات يطرحها للفنانين المعاصرين لهذا الحال الذي يمر به العراق هل سيكون فنكم لحظوي ؟ وهل سيكون الفن مستقبلا لحظوي يزول بمجرد تغيرات سياسية واجتماعية ؟؟وهل ستكون لوحاتكم مثل أثاث المنزل تستبدل بين زمن وأخر لا قيمة لها ؟ونحن نعيش عصر السرعة والتقنيات الحديثة التي تسجل في كل لحظة موقفا حياتيا قاسيا ومدمرا للإنسانية وقيمها ، سيحاسبكم ضميركم يوما ما وانتم تعملون بتوجه مادي وربحي لمرضاة غروركم وإرضاء الجهات التي جعلت منكم فنانين لحظويين تمرون مرور الكرام عند باب كل احتفال أو مناسبة ليس لها علاقة بحضارة وتاريخ العراق وتتجهون صوب كل بوق ينثر ثروات العراق من اجل مصالحه الخاصة متناسين فنكم واصلة الفكر الفطري الذي منحكم إياه الله سبحانه وتعالى لتكونوا إنسانيين تدحضون الباطل من خلال فنكم ولا تجعلوا من فنكم شمعة قصيرة الأجل اجعلوها مشعلا يضيء للأجيال القادمة .. ما نراه شكليات ومسميات ليس هناك فن يخدم العراق كل شيء قديم هو الأجمل حتى المقلد من الأرشيف الحضاري هو الأجمل وها هي وزارة الثقافة تستعيد المنجز القديم من أثار وأماكن تراثية ودينية لتجمعها في كتب ضمن مشروعها القادم بقوة بغداد عاصمة للثقافة العربية، وكأن ليس هناك مصادر،والتاريخ والحضارة فقدت وضاعت وتحاول التجديد لكن بشكل مرشق ماديا مقابل ميزانية خرافية وأصبح الفن لوحات ونحوت تعبيرية عن وجع الذات الخاصة وليس وجع الإنسان وسحق طموحاته وسجنه بسجن كبير مع النفس والجهل والحرية والفقر وموت طموحه .. إذن ما دور الفنان الذي ولد من رحم حضارة تاريخية عريقة فكان اداة قاطعة ليد كل من يمس حرية وكرامة الإنسان بل كان الفنان يبني حضارة من والعدل والجمال الإنساني وكان الفن أساسا لتربية الإنسان ولا محتكرا لحفنة من الحظويين في السلطة ... مع الأسف أقول فن لحظوي لعدم قيمته الفنية فمجرد ان ينتهي المعرض ركنت الوحات ووضعت نحوتاتها في المخازن ومجرد ان يسدل الستار عن مسرحية حتى أصبحت في مهب الريح لا قيمة لها ولا اثر ويطلق على صاحبها فنان اي فن قدم وماذا سجل لوطنه ؟ وهل صنع مثل ما صنعوا من لم يقال عنهم فنانين فحسب بل مبدعين وثقوا الحياة كما عاشوها دون خوف أو رهبة من سلطان وبقيت إعمالهم مسجلة وأسمائهم لامعة .مع الأسف نحن نعيش في زمن التزييف في كل شي تحت قوة المادة التي تنفذ بها المتسلط على الفن وأهله وحسب هواه والفاتحة على جميع الفنون .
|